الغزو الروسي لأوكرانيا.. ماذا بعد مبادرة السلام الأفريقية؟
٢٠ يونيو ٢٠٢٣
أثارت زيارة وفد الوساطة الأفريقية لروسيا وأوكرانيا، تساؤلات حيال توقيتها ومدى قدرة القارة السمراء على إنهاء الحرب. مراقبون يرون أنّها "أظهرت أن طرفي الصراع يبحثان عن حلفاء وليس وسطاء". فهل كانت مجرد فرصة لالتقاط الصور؟
إعلان
خلال اجتماعه بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين في سانت بطرسبرغ، قال رئيس جنوب أفريقيا سيريل رامافوزا، الشخصية الأبرز في وفد الوسطاء الأفارقة بشأن النزاع الأوكراني، مؤخرا: "نحن هنا لإيصال رسالة واضحة للغاية مفادها أننا نرغب في إنهاء هذه الحرب".
وكان رامافوزا قد كرر فحوى الرسالة ذاتها خلال زيارته أوكرانيا قبل يوم من لقاء بوتين، مشددا على أن الاستماع إلى آراء المسؤولين الروس والأوكرانيين يعد بالأمر الحاسم للوفد الأفريقي، لكن يبدو أن التصريحات الروسية والأوكرانية لم تدفع الوسطاء الأفارقة إلى تعليق الكثير من الأمال على جهودهم لإنهاء الصراع.
فعلى الصعيد الأوكراني، قال الرئيس فولوديمير زيلينسكي إن المفاوضات مع روسيا لن تكون ممكنة إلا في حالة انسحاب القوات الروسية من الأراضي الأوكرانية.
ولم يتوقف الأمر على ذلك بل شكك زيلينسكي في جهود وفد الوساطة الأفريقي إذ طرح تساؤلا حيال سبب سفر أعضاء الوفد إلى سانت بطرسبرغ بعد استهداف كييف بهجمات صاروخية روسية في نفس يوم الزيارة. وفي ذلك، قال الرئيس الأوكراني: "أتساءل عن مدى منطقية هذا؟ أنا لا أفهم حقا".
أما على الجانب الروسي، أصر بوتين على صعوبة أن تثق بلاده في أوكرانيا حيث أطلع الوفد الأفريقي على نص مشروع اتفاق سلام جرى وضعه خلال الأشهر الأولى من الحرب فيما لم يتم الكشف عنه مسبقا، مضيفا أن أوكرانيا رفضت المقترح.
وأضاف أن روسيا منفتحة على الحوار، لكنه قال إنه لا يمكن الوثوق في أن تفي أوكرانيا بوعدوها، مضيفا: "أين الضمانات في أن أوكرانيا لن تتخلى عن أي اتفاقيات أخرى"؟.
وشدد المسؤولون الروس على أن أي اتفاق سلام محتمل يجب أن يعترف بـ "الحقائق الجديدة" بما في ذلك سيطرة القوات الروسية على ما يقرب من خُمس الأراضي السيادية لأوكرانيا منذ بدء توغلها العسكري في هذه الدولة أواخر فبراير/ شباط العام الماضي.
لا خارطة طريق لتحقيق السلام
يشار إلى أن رئيس جنوب أفريقيا قد ذكر أن وفد الوساطة قد وضع خطة من 10 نقاط كجزء من مبادرته للسلام بما في ذلك احترام ميثاق الأمم المتحدة والسماح لجميع الأطفال العالقين في مرمى هذا الصراع بالعودة من حيث أتوا وضمان حركة تصدير الحبوب والأسمدة من الدولتين.
واعتبر الوفد النقاط العشر مبادئ إرشادية وليست خطة سلام بالمعنى المحدد والحرفي، لكن توقيت الزيارة أثار الكثير من التساؤلات إذ تزامنت مع إطلاق أوكرانيا هجومها المضاد ضد القوات الروسية.
ويُضاف إلى ذلك عدم إبداء روسيا أو أوكرانيا أي مؤشر على انهيار قواتهما في ساحات المعارك وهو الأمر الذي سوف يجبرهما – حال تحققه - على الجلوس على طاولة المفاوضات.
وقال مراقبون إن زيارة الوفد الأفريقي إلى كييف وموسكو تُظهر أن طرفي الصراع ما يزالان يبحثان عن حلفاء وليس وسطاء فيما يرى آخرون أن زخم زيارة الوفد إلى سانت بطرسبرغ والاستقبال الحافل للوسطاء الأفارقة تخدم أهداف بوتين لبعث رسالة إلى المواطنين الروس مفادها أن جهود الغرب لعزل روسيا قد باءت بالفشل خاصة بعد إصدار المحكمة الجنائية الدولية مذكرة توقيف بحقه.
تشكيك أوكراني
وفي الوقت الذي سعى فيه الوسطاء الأفارقة إلى تأكيد حيادهم بشأن الصراع، شكك الجانب الأوكراني في نوايا وأهداف الوفد الأفريقي خاصة ما يتعلق بالرئيس الجنوب الأفريقي رامافوزا الذي ترأس الوفد.
يشار إلى حزب المؤتمر الوطني الأفريقي الحاكم في جنوب أفريقيا والذي يتزعمه رامافوزا يرتبط بعلاقات وثيقة مع موسكو منذ عقود، لكن المزاعم الأخيرة بأن جنوب إفريقيا سلحت روسيا زادت من الشكوك الأوكرانية.
وفي ذلك، قالت هانا شيلست، خبيرة الشؤون الخارجية الأوكرانية، "لم تكن هناك توقعات عالية بسبب مواقف الوفد الأفريقي"، مضيفة أن الحكومة الأوكرانية كان يحدوها الأمل في تغير مواقف الوسطاء الأفارقة بعد رصد واقع الحرب بأعينهم.
ورغم وقوع هجوم روسي على كييف خلال زيارة الوفد الأفريقي لأوكرانيا، إلا أن الوسطاء الأفارقة لم يُقدموا على إدانة الهجوم بشكل مباشر أو الهجمات الروسية داخل الأراضي الأوكرانية.
وبدا زيلينسكي محبطا عندما أشار رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي إلى الغزو الروسي لأوكرانيا باعتباره "نزاعا".
اتفاق الحبوب مهدد
الجدير بالذكر أن الحرب الروسية في أوكرانيا قد ألقت بظلالها على القارة السمراء خاصة ارتفاع أسعار المواد الغذائية الذي أثقل كاهل مئات الملايين من الشعوب الأفريقية.
ومع قرب انتهاء العمل باتفاق البحر الأسود لتصدير الحبوب الذي يلزم روسيا بتخفيف حصارها عن الموانئ الأوكرانية للسماح بتصدير الحبوب، في السابع عشر من يوليو / تموز المقبل، فإن القادة الأفارقة يؤكدون على ضرورة تمديد الاتفاق.
بيد أن الإشارات الصادرة من الكرملين ليست مشجعة خاصة في ظل قيام موسكو بعرقلة المفاوضات والانسحاب من الاتفاق لبضعة أيام. وتقول روسيا إن العقوبات الغربية على مصارفها وشركات التأمين تعرقل بشكل غير مباشر صادراتها من الأسمدة والمواد الغذائية وغيرها من المواد المستثناة من العقوبات.
إلقاء اللوم على الغرب
وخلال استقباله الوفد الأفريقي في سانت بطرسبرغ أبلغ بوتين الوسطاء الأفارقة أن حرب بلاده ضد أوكرانيا ليست السبب وراء ارتفاع أسعار المواد الغذائية وإنما السياسات الاقتصادية التي تبنتها الدول الغربية أثناء جائحة كورونا.
وسبق ذلك اتهام روسيا الجانب الأوكراني بالتصرف على نحو مخادع إذ زعمت أن كييف تستخدم اتفاق الحبوب لبيع منتجاتها إلى أوروبا بدلا من الدول النامية رغم أن الدول النامية طلبت من بوتين الالتزام باتفاق الحبوب.
وفي السياق ذاته، تلقى الوفد الأفريقي التزامات فضفاضة من بوتين بأن روسيا ستوفر كميات محدودة من الحبوب بالمجان للدول الأشد فقرا في خطوة يتوقع المحللون أنها لن كافية للتخفيف من تداعيات أزمة ارتفاع الأسعار على الدول النامية في حالة انتهاء العمل باتفاقية الحبوب.
وفي حالة فشل الوسطاء الأفارقة في إقناع الدول الغربية بتقديم تنازلات لبوتين لإبقاء اتفاق الحبوب على قيد الحياة، فإن على البلدان الأفريقية الاستعداد لسيناريو عودة ارتفاع أسعار المواد الغذائية إلى معدلاتها غير المسبوقة العام الماضي.
نيك كونولي / م. ع
قتال لم يقع مثله في أوروبا منذ 1945- محطات من الغزو الروسي لأوكرانيا
في نزاع لم تشهد له أوروبا مثيلاً منذ الحرب العالمية الثانية، تتواصل المعارك الشرسة بين الغزاة الروس وبين الأوكرانيين. وبحسب تقديرات يزيد عدد قتلى وجرحى الحرب في كلّ معسكر عن 150 ألف شخص.
صورة من: Zohra Bensemra/REUTERS
بوتين يناقض نفسه ويبدأ الهجوم على أوكرانيا
بعد شهور من التوتر والجهود الدبلوماسية لتجنب الحرب، بدأ الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، فجر الخميس 24 شباط/ فبراير 2022، ما أسماه "عملية عسكرية خاصة" في أوكرانيا. وكان الكرملين قد سبق ونفى مراراً التقارير الغربية حول نية بوتين في غزو أوكرانيا. وقد بدأ الغزو واسع النطاق بضربات جوية في جميع أنحاء أوكرانيا، ودخلت القوات البرية من الشمال من بيلاروسيا حليفة موسكو، ومن الشرق والجنوب.
صورة من: Ukrainian Police Department Press Service/AP/picture alliance
نزوح ملايين الأوكرانيين هرباً من الحرب
مع بداية الهجمات الروسية بدأت موجة نزوح الأوكرانيين من مناطق القتال. ونزح نحو 5.9 مليون شخص داخلياً بسبب الحرب الروسية العام الماضي. كما فر الملايين إلى خارج أوكرانيا، وفقاً لتقرير مركز مراقبة النزوح الداخلي ومقره جنيف (الخميس 11 مايو/ أيار 2023). ومعظم النازحين هم من النساء والأطفال وكبار السن وغير القادرين على القتال.
صورة من: Andriy Dubchak/AP/picture alliance
محاولة فاشلة للسيطرة على العاصمة كييف
في غضون أيام، سيطرت القوات الروسية على ميناء بيرديانسك الرئيسي والعاصمة الإقليمية خيرسون القريبة من البحر الأسود، إضافة لعدة بلدات حول كييف في وسط شمال البلاد. لكن محاولتها السيطرة على كييف اصطدمت بمقاومة القوات الأوكرانية ومن ورائها الرئيس فولوديمير زيلينسكي الذي تحول إلى قائد حربي. وفي الثاني من نيسان/ أبريل 2022، أعلنت أوكرانيا تحرير منطقة كييف بأكملها بعد "الانسحاب السريع" للقوات الروسية.
صورة من: Emilio Morenatti/AP/picture alliance
كليتشكو من نزال الملاكمة إلى قتال المعارك
هب الأوكرانيون للدفاع عن بلادهم، فإضافة إلى القوات العسكرية كان هناك المتطوعون المدنيون من كافة الأطياف. هنا مثلاً بطل العالم السابق في الملاكمة فيتالي كليتشكو، عمدة كييف، وقد ارتدى سترة عسكرية خلال تواجده على الأرض لمشاركة أهل بلده في صد الغزو الروسي. كما تطوع أيضاً شقيقه الأصغر وبطل العالم السابق في الملاكمة فلاديمير كليتشكو للقتال. كما وظّف الشقيقان شهرتهما لكسب التعاطف العالمي مع قضية بلدهما.
صورة من: Sergei Supinsky/AFP
توالي العقوبات الغربية على روسيا
اتخذ الغرب، خصوصاً الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة، مسار فرض عقوبات على روسيا، سواء في استيراد البضائع والطاقة منها أو تصدير التكنولوجيا إليها أو مصادرة أموال رجال أعمال مرتبطين بالكرملين. وفي قمة مجموعة السبع في قصر إلماو في بافاريا الألمانية (يونيو/حزيران 2022)، اتخذت المجموعة، التي تضم ألمانيا والولايات المتحدة وفرنسا وكندا وإيطاليا واليابان وبريطانيا، قرارات بتوسيع العقوبات على روسيا.
صورة من: Michael Kappeler/dpa/picture alliance
مساعدات عسكرية مكنت أوكرانيا من الصمود
وأعلنت دول غربية عديدة على رأسها الولايات المتحدة وبريطانيا تقديم مساعدات عسكرية بالمليارات لأوكرانيا. فقدمت واشنطن أسلحة ومعدات في 2022 بقيمة 22.9 مليار يورو، لتحتل بذلك المرتبة الأولى بين الدول الداعمة عسكريا لأوكرانيا، فيما حلت بريطانيا بالمركز الثاني خلال 2022 بمساعدات بقيمة 4.1 مليار يورو. أما ألمانيا فقدمت في العام نفسه 2.3 مليار يورو، لتحتل بذلك المرتبة الثالثة بين داعمي أوكرانيا عسكرياً.
صورة من: Polish Chancellery of Prime Ministry/Krystian Maj/AA/picture alliance
اتهامات بجرائم حرب مروعة في بوتشا
في بلدة بوتشا التي دمرتها المعارك، عُثر في الشوارع على جثث مدنيين أعدموا بدم بارد. لاحقاً عُثر على جثث مئات المدنيين حمل بعضها آثار تعذيب في مقابر جماعية في المدينة الصغيرة الواقعة على مشارف كييف. وأثارت صور هذه المجازر المنسوبة لروسيا استياء الغرب والأمم المتحدة وتعددت الاتهامات بارتكاب جرائم حرب، رغم نفي موسكو.
صورة من: Carol Guzy/Zuma Press/dpa/picture alliance
حصار ماريوبول وسقوط آزوفستال
في 21 أبريل/نيسان 2022، أعلن الكرملين دخول ماريوبول، الميناء الاستراتيجي على بحر آزوف. سمحت السيطرة على ماريوبول لروسيا بضمان التواصل بين قواتها من القرم والمناطق الانفصالية في دونباس. لكن حوالي ألفي مقاتل أوكراني واصلوا القتال متحصنين في متاهة مصنع آزوفستال تحت الأرض مع ألف مدني. قاوم المقاتلون حتى آخر طلقة. وقالت كييف إن 90% من ماريوبول دُمرت وقُتل فيها ما لا يقل عن 20 ألف شخص.
صورة من: Peter Kovalev/TASS/dpa/picture alliance
يوم تاريخي في خيرسون
في بداية سبتمبر/أيلول 2022، أعلن الجيش الأوكراني هجوماً مضاداً في الجنوب، لكنه حقق اختراقًاً خاطفًاً للخطوط الروسية في الشمال الشرقي وأرغم الجيش الروسي على الانسحاب من منطقة خاركيف. في أكتوبر/ تشرين الأول، بدأت موسكو بإجلاء السكان وإدارة الاحتلال من خيرسون. وفي 11 نوفمبر/تشرين الثاني بعد يومين من انسحاب القوات الروسية، استعادت كييف السيطرة على المدينة في "يوم تاريخي" كما وصفه الرئيس زيلينسكي.
صورة من: Bulent Kilic/AFP/Getty Images
مذكرة توقيف بحق بوتين وروسيا ترد
في مارس/ أذار 2023، أصدرت المحكمة الجنائية الدولية مذكرة توقيف بحق بوتين بتهمة ارتكاب جرائم حرب على خلفية ترحيل أطفال أوكرانيين بشكل غير قانوني. وقالت كييف إنه تم ترحيل أكثر من 16 ألف طفل أوكراني إلى روسيا. وأصدرت المحكمة أيضاً مذكرة مماثلة بحق مفوضة حقوق الأطفال في روسيا ماريا لفوفا بيلوفا. وفي مايو/ أيار ردت روسيا بإصدار مذكرة توقيف بحق المدعي العام للمحكمة كريم أحمد خان، وهو بريطاني الجنسية.
صورة من: Rich Pedroncelli/AP Photo/picture alliance
الاستعداد لهجوم مضاد
في مواجهة طلبات زيلينسكي المتكررة وبعد فترة من المماطلة، قرر الأمريكيون والأوروبيون إرسال عشرات الدبابات الثقيلة من أجل تحسين قدرة الجيش الأوكراني على صد الهجمات. وفي 19 أبريل/ نيسان 2023، أعلنت كييف تلقيها أول منظومة دفاع جوي أمريكية من طراز باتريوت. في نهاية الشهر نفسه، أعلنت أوكرانيا أنها ستكون مستعدة قريباً لشن هجوم مضاد بهدف تحرير نحو 20% من أراضيها المحتلة، بما في ذلك شبه جزيرة القرم.
صورة من: Susan Walsh/POOL/AFP/Getty Images
قتال طيلة شهور في باخموت
في يناير/ كانون الثاني 2023، عاد الجيش الروسي إلى شن هجمات لا سيما في دونباس، بدعم من مرتزقة مجموعة فاغنر المسلّحة ومئات الآلاف من جنود الاحتياط الذين تمت تعبئتهم منذ أيلول/سبتمبر. احتدم القتال، خاصة حول باخموت، وهي مدينة في الشرق تحاول روسيا احتلالها منذ الصيف. وشهدت باخموت أطول المعارك وأكثرها فتكاً منذ بدء الغزو الروسي لأوكرانيا في شباط/فبراير 2022.
صورة من: Muhammed Enes Yildirim/AA/picture alliance
تضارب بشأن سقوط باخموت
وأعلنت روسيا مساء السبت 19 مايو/ أيار 2023 استيلاءها على باخموت بالكامل، بعدما أعلن رئيس مجموعة فاغنر الروسية المسلحة يفغيني بريغوجين في نفس اليوم أن المجموعة ستسحب مقاتليها من المدينة اعتبارا من 25 مايو/ أيار وستسلم الدفاع عن المدينة إلى الجيش الروسي. في غضون ذلك، قالت كييف إنها لا تزال تقاتل في مناطق معينة معتبرة وضع مقاتليها "حرجاً". إعداد صلاح شرارة/خ.س (أ ف ب، رويترز، د ب أ).