الغزو الروسي لأوكرانيا يفاقم مشكلة الجوع في لبنان
٢٧ أبريل ٢٠٢٢في "مطبخ الكل" في بيروت، تجتمع نساء لبنانيات من أجل المساهمة في إعداد وتحضير الطعام للصائمين المحتاجين في رمضان. حيث يقمن بتجهيز وطهي طعام بعد حصولهم على منتجات من عند مزارعين في ضواحي المدينة. مئات من الوجبات الغذائية معبأة وجاهزة بالفعل للتسليم. إنها مخصصة للأشخاص المحتاجين، الذين لولا هذه المساعدة لما استطاعوا أن يتناولوا طعام الإفطار.
وزيرة التنمية الألمانية سفينيا شولتسه، التي توجهت إلى لبنان ومن ثم إلى أثيوبيا، أرادت أن تطلع بنفسها على طريقة سير المشاريع التنموية، التي تدعمها ألمانيا، مثل ذلك المشروع الخيري لإفطار الصائمين وتوزيع الطعام على المحتاجين، الذي تساهم ألمانيا أيضا في تمويله. هنا، يتم بالضبط تنفيذ ما تتصوره شولتسه بشأن المساعدة المستدامة: بمعنى أن يجري إعداد الطعام باستخدام مواد غذائية من نفس المنطقة وأن تتلقى النساء غير الماهرات فرصا للعمل والتدريب، كما يمكنهن إطعام أسرهن كذلك. وفي الوقت نفسه، تساعد هذه الوجبات الغذائية الأشخاص الذين هم في أمس الحاجة إليها.
يقع "مطبخ الكل" في الحي الذي تضرر بشدة جراء انفجار مرفأ بيروت في آب / أغسطس 2020. ولا تزال هناك أطلال خرسانية كانت في السابق مساكن بالإضافة إلى ألواح النوافذ مفقودة، وجدران وواجهات كاملة ما زالت محطمة. وبحسب الوزيرة الألمانية فإنها باتت "ترى أعدادا متزايدة من الناس العاديين الذين لم يعد بإمكانهم شراء وسد حاجاتهم الأساسية من الطعام". لذلك وعدت الوزيرة بدعم برنامج الغذاء العالمي في لبنان من خلال مساعدات إضافية بقيمة عشرة ملايين يورو.
وترتبط المشكلة الغذائية وارتفاع الأسعار في لبنان أيضا بالحرب الروسية على أوكرانيا. وقالت شولتسه: "بهذه الحرب، يشن بوتين أيضا معركة لنشر الجوع". وتابعت في تصريحات لـ DW: "أسعار المواد الغذائية ترتفع لأن أوكرانيا لم تعد قادرة على توريد الأغذية".
ويجد لبنان نفسه في حالة تبعية خطيرة، ترتبط بظروف الحرب الروسية، فوفقا لمنظمة "يونيسيف"، يحصل لبنان على 80 في المئة من قمحه من روسيا وأوكرانيا. وفي الوقت نفسه، ترتفع أسعار المواد الغذائية في السوق العالمية بشكل جنوني. وبسبب صوامع الحبوب المدمرة في المرفأ، تفتقر البلاد كذلك إلى القدرة على التخزين.
اجتماع عدد من الأزمات في آنٍ واحد
هناك، في المرفأ، لا تزال أنقاض صوامع الحبوب التي تهدمت جراء الانفجار قائمة. إنها رمز للوضع الكارثي في جميع أنحاء البلاد: "في أقل من عامين، واجهت لبنان أربع أزمات كبرى متتالية، وهي الأزمة الاقتصادية والمالية في عام 2019، وجائحة كورونا، وانفجار مرفأ بيروت، وأخيرا الحرب في أوكرانيا". وهذه المشاكل جميعها تتحد الآن لتشكل أزمة كبيرة وخطيرة يعاني منها المواطنون هناك، بحسب الخبير اللبناني سامي نادر، مدير معهد المشرق للشؤون الاستراتيجية (LISA).
وفقاً للوزيرة الألمانية فإنه من أجل تجنب المزيد من أزمات الجوع هناك، لابد من الوصول إلى حلول طويلة الأجل بالإضافة إلى توفير المساعدات قصيرة الأجل. "ومن الضروري أن تقوم الحكومة اللبنانية بالمساعدة في ضمان زراعة المزيد من المزروعات التي تستخدم كغذاء حتى لا يكون الاعتماد (على الخارج) بهذا الشكل، وحتى يتمكن سكان لبنان من إعالة أنفسهم بأنفسهم".
وتأمل الوزيرة أن تعالج الحكومة اللبنانية الجديدة هذه القضية. حيث ستجرى الانتخابات في لبنان بعد ثلاثة أسابيع تقريبا. لكن التوقعات بهذا الشأن تبقى قاتمة. وتقول الوزيرة: "الأوضاع ليست مستقرة هنا وليس من السهل المضي قدما في الإصلاحات السياسية. ولكن هذا ضروري جدا، فنحن لا يمكننا المساعدة بشكل دائم، يجب أن يكون هناك أيضا التزام من جانب الحكومة" اللبنانية.
الاعتماد على المساعدة الخارجية
كان لبنان يعتبر ذات يوم "سويسرا الشرق الأوسط" بسبب ثروته. والآن يعيش 80 في المائة من السكان تحت خط الفقر. "القوة الشرائية للبنانيين تتضاءل يوما بعد يوم. وبالإضافة إلى ذلك، فقدت الليرة اللبنانية 90 في المئة من قيمتها مقابل الدولار الأمريكي"، بحسب ما يوضح الخبير سامي نادر لـ DW ويتابع: "ما يزيد الوضع سوءا هو حقيقة أنه لا يوجد ضوء في الأفق ولا يوجد حل واضح".
وتأمل البلاد الآن في الحصول على قرض إنقاذ من صندوق النقد الدولي. ومن المفترض أن يحصل لبنان على ثلاثة مليارات دولار، شريطة أن تنفذ الحكومة اللبنانية إصلاحات بعيدة المدى. بيد أن الخبير اللبناني سامي نادر لا يؤمن بذلك. ويوضح "هذا مجرد حبر على ورق. فالحكومة اللبنانية قدمت مشروع خطة لإعادة الإعمار المالي إلى صندوق النقد الدولي حتى يتمكن من بدء التمويل. ولكن هل الحكومة قادرة على تنفيذ هذه الخطة؟ الجواب هو لا".
وتوضح أوته كلامَرت، المديرة التنفيذية المساعدة لبرنامج الغذاء العالمي التابع للأمم المتحدة لـ DW أهمية دعم المواطنين في لبنان. فمنظمات الإغاثة تطالب بشكل متكرر بدعم الحكومة اللبنانية وتقول: "بالنسبة لنا، نحن برنامج الغذاء العالمي، من المهم للغاية أن يتم التفاوض على حلول تدعمها وتدفعها إرادة سياسية. خلاف ذلك، ستكون هناك محنة تلو الأخرى".
تجنب الفساد حتى تصل المساعدة
لكن اللبنانيين، الذين يعانون منذ سنوات بسبب الفساد، لا يثقون بالحكومة في كثير من الأحيان، ففي الماضي تبين للمواطنين أن أموال المساعدات تنتهي إلى الأشخاص الخطأ.
وفي المقابل يحاول برنامج الغذاء العالمي ضمان وصول المعونة للمحتاجين، ولمنع أموال المساعدات من التسرب، أنشأ برنامج الغذاء العالمي برنامجا جديدا في لبنان: فهو يوزع "شيكات" تستخدم كقسائم غذائية إلكترونية، وهو ما يسمح للمتضررين بالتسوق في أكثر من 400 متجر بقالة. وهذا النموذج يمكن أن يكون نموذجا يحتذى به: المال والطعام يصلان بنسبة 100 في المائة إلى من يحتاجهما بالفعل.
وتنطبق هذه الشروط أيضا على الشابة اللبنانية لين، التي تواصل تحضير الوجبات وتغليفها داخل "مطبخ الكل"، وتقول إن ما تكسبه هنا يساعد والديها وشقيقها. تبلغ لين 23 عاما، وقد أنهت لتوها دراستها. وهي تحلم بأن تكمل دراستها، ولكن حتى ذلك الحين، لا بد من تغيير الكثير، في لبنان وأجزاء أخرى من العالم.
كاترينا كرول/ ع.ج