أثارت أحكام بالسجن ضد أبزر خصوم الرئيس التونسي قيس سعيد، لاسيما راشد الغنوشي، زعيم حركة النهضة، جدلا داخل تونس وخارجها. فهل نجح سعيد في خنق المعارضة بذريعة محاربة الفساد لتوطيد حكم الرجل الواحد؟
تصف المعارضة التونسية قرارات قيس سعيد من 2021 بأنها انقلاب قوض الديمقراطية التي فجرت شرارة انتفاضات الربيع العربي عام 2011.صورة من: Chedly Ben Ibrahim/NurPhoto via AP Photo
إعلان
أطفأ الرئيس التونسي قيس سعيد نيران القلق التي كانت تستعر في داخله، إذ لم يعد يشعر بأي قلق حيال انتقادات واحد وعشرين من أشرس خصومه السياسيين لمقبل السنوات.
فقد أصدر القضاء التونسي قبل أيام أحكاما بالسجن لمدد تتراوح بين 12 و35 عاما بحق واحد وعشرين سياسيا من بينهم راشد الغنوشي، زعيم حزب النهضة المسجون حاليا.
وعقب هذه الأحكام، يمكن القول إن قيس سعيد قد أرخى سلاح الترقب حيال ما يصدره هؤلاء المعارضون من انتقادات.
وفي هذه القضية، التي أُطلق عليها اسم "ملف التآمر على أمن الدولة 2"، حُكم على الغنوشي، الذي قاطع جلسات المحاكمة، بالسجن لمدة 14 عاما.
والغنوشي، الذي كان رئيسا للبرلمان الذي حله سعيد، مسجون منذ عام 2023، وقد صدرت بحقه ثلاثة أحكام بالسجن لمدة تبلغ 27 عاما في قضايا منفصلة خلال الأشهر القليلة الماضية.
ومن بين السياسيين الـ 21، عشرة في السجن بالفعل، و11 فرّوا من البلاد.
ومن بين المحكوم عليهم نادية عكاشة، مديرة ديوان الرئيس قيس سعيد السابقة، ورئيس جهاز المخابرات السابق كمال القيزاني، ورئيس الوزراء السابق يوسف الشاهد، ووزير الخارجية السابق رفيق عبد السلام، ومعاذ الغنوشي، نجل راشد الغنوشي.
وبما أن كثيرا من المحكوم عليهم خارج البلاد، فإن هذه الأحكام تعني عمليا منعهم من العودة أو ممارسة أي نشاط سياسي في تونس لعقود مقبلة.
وفي مقابلة مع DW، قال رياض الشعيبي، المستشار السياسي لرئيس حركة النهضة راشد الغنوشي، إن الأحكام الصادرة في قضية "التآمر 2" ليست سوى "فصل جديد من اضطهاد المعارضة ومحاولة عزلها وتهميشها".
وأضاف أن "خضوع القضاء للتوجيهات السياسية يعني أن هذه الأحكام لا تعكس سيادة القانون، ولا تعكس العدالة وشروط المحاكمة العادلة. هذه الأحكام ذات دوافع سياسية بحتة".
ويرى بسام خواجة، نائب مدير قسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في هيومن رايتس ووتش، أن الأحكام الأخيرة جزء من نمط أوسع يرمي إلى استهداف المعارضة السياسية.
وقال في مقابلة مع DW لم نطلع على "جميع الأدلة في هذه القضايا، لكن السلطات تستخدم في كثير من الأحيان اتهامات الفساد أو الجرائم المالية لملاحقة المعارضين السياسيين والنشطاء والصحفيين والمدافعين عن حقوق الإنسان بطريقة مسيئة بشكل واضح للغاية".
وأضاف: "من الجلي القول إن هذه المحاكمات لا تتسم بالعدالة. إنها تمهد الطريق لضمان عدم وجود معارضة سياسية داخل تونس".
صدرت ضد الغنوشي ثلاثة أحكام بالسجن لمدة تبلغ 27 عاما.صورة من: Chokri Mahjoub/ZUMA Wire/IMAGO
من مهد الربيع العربي إلى حكم الرجل الواحد
تتناقض حملات قيس سعيد المتنامية ضد رموز المعارضة مع التصريحات التي أطلقها فور فوزه بالانتخابات الرئاسية عام 2019.
إعلان
فبعد وصوله إلى قصر قرطاج، تعهد سعيد بمكافحة الفساد وتحديث الدولة مع الحفاظ على الديمقراطية التونسية. لكن بعد عامين، بدأ في توطيد سلطته.
ففي عام 2021، حل البرلمان وبدأ الحكم بالمراسيم، ثم حل المجلس الأعلى للقضاء المستقل وأقال عشرات القضاة، وهي خطوات وصفتها المعارضة بأنها انقلاب على الديمقراطيةالتي فجّرت شرارة الربيع العربي عام 2011.
وفي أواخر عام 2024، حصل سعيد على فترة ولاية ثانية في انتخابات اعتبرها مراقبون غير حرة ولا تفي بالمعايير الديمقراطية.
تزامن ذلك مع تدهور أوضاع الحقوق والحريات في تونس، حيث جرى استبعاد أو سجن معظم المرشحين، مع الزج بعشرات الصحفيين والنشطاء في السجون.
ويرفض سعيد هذه الاتهامات، ويؤكد أن خطواته قانونية وتهدف إلى إنهاء سنوات من الفوضى والفساد المستشري في أوساط النخبة السياسية.
حملة ضد الفساد أم ذريعة لتصفية الخصوم؟
من جانبه، يشير ريكاردو فابياني، مدير مشروع شمال أفريقيا في مجموعة الأزمات الدولية، إلى أن "مشكلة الفساد الهيكلي" في تونس متجذرة.
وأضاف في مقابلة مع DW أنه "لا شك أن هناك الكثير من السياسيين ورجال الأعمال في تونس الذين خالفوا القانون وقدموا رشاوي لتحقيق أهدافهم، سواء أكانت سياسية أو تجارية".
وقال إن حملة قيس سعيد ضد الفساد تفتقر إلى "الرغبة الصادقة لاقتلاع الفساد. يحاول الرئيس من خلال الملاحقات بدعوى الفساد خنق المعارضة.. فهي ليست سوى ذريعة".
وأضاف أن سعيد لا يواجه في الوقت الحالي أي ضغوط سياسية تجبره على تغيير مساره غير الديمقراطي.
وقال "لا يوجد استنفار داخلي قوي بما يكفي ضده وضد حكمه الاستبدادي المتزايد، كما لا يوجد أي ضغط خارجي، خاصة من أوروبا، نظرا لأن الاتحاد الأوروبي والحكومات الأوروبية تستفيد من دور تونس في السيطرة على الهجرة".
ورغم كل ذلك، أكد رياض الشعيبي عدم الاستسلام. وفي حديثه إلى DW، قال "سنواصل النضال لاستعادة العملية الديمقراطية وإطلاق سراح جميع السجناء السياسيين... الأصوات كثيرة في هذا البلد وسوف ننتصر في نهاية الأمر".
أعده للعربية: محمد فرحان
تحرير: عادل الشروعات
من بورقيبة إلى سعيّد.. رؤساء تعاقبوا على حكم تونس
تُجرى في تونس الأحد (السادس من أكتوبر/ تشرين الأول 2024) انتخابات رئاسية، تُعد الثالثة منذ اندلاع "الربيع العربي" عام 2011. ومنذ استقلالها عن فرنسا، تعاقب على حكم تونس سبعة رؤساء، كان أولهم زعيمها التاريخي بورقيبة.
صورة من: Moncef Slimi/DW
الحبيب بورقيبة ..الزعيم المصلح (1957 ـ1987)
بعد قيادته للحركة الوطنية المطالبة بالاستقلال عن فرنسا، ثم توليه رئاسة الوزراء في الحكومة المؤقتة بعد الاستقلال، أصبح الحبيب بورقيبة أول رئيس للجمهورية التونسية في عام 1957. وحكم بورقيبة تونس ثلاثين سنة عمل خلالها على تحديث المجتمع التونسي ومنح المرأة هامشا من الحقوق لم تكن تتمتع به من قبل، كما شهد حكمه مبادرات نهضت بالمجتمع والاقتصاد التونسيين.
صورة من: picture-alliance/dpa
الحبيب بورقيبة .."رئيس مدى الحياة !" (1957 ـ1987)
لكن بورقيبة الذي يشبهه البعض بالزعيم التركي كمال أتاتورك تعرض لانتقادات بسبب إزاحته لعدد من معارضيه وإعدام العديد منهم، وإصداره قانونا في 1974 يسمح له بالرئاسة مدى الحياة. وبعد كبر سنه وتردي وضعه الصحي، انقلب عليه رئيس وزرائه زين العابدين بن علي، الذي أعلن نفسه في 7 نوفمبر/ تشرين الثاني 1987 رئيسا جديدا للجمهورية التونسية.
صورة من: picture alliance/United Archives
زين العابدين بن علي (1987 ـ 2011)
حكم زين العابدين بن علي بقبضة من حديد لمدة 23 عاما، ولم يتوقع هو أيضا أن تهب رياح ثورة تجبره على مغادرة البلاد، إلى منفاه الأخير بالسعودية، حيث ظل فيها إلى أن وافته المنية عن عمر ناهز 83 عاما. كرس بن علي خلال فترة رئاسته حكم الحزب الواحد، وخاض حربا ضد الإسلاميين، ثم ضد كل المطالبين بالديمقراطية وإرساء حقوق الإنسان وحرية التعبير.
صورة من: Ammar Abd Rabbo/picture alliance/abaca
فؤاد المبزغ .. "الرئيس المؤقت" (من يناير/ كانون الثاني إلى ديسمبر/ كانون الأول 2011)
شغل فؤاد المبزع منصب رئيس الجمهورية بالإنابة بعد إعلان المجلس الدستوري التونسي شغور منصب الرئيس بشكل نهائي، بسبب "هرب" الرئيس زين العابدين بن علي من البلاد يوم 14 يناير/ كانون الثاني 2011. وشغل المبزع مناصب مهمة، من بينها إدارة الأمن الوطني، وتولى وزارة الشباب والرياضة والصحة والشؤون الثقافية والإعلام، خلال فترة حكم كل من بورقيبة وبن علي.
صورة من: Hassene Dridi/picture alliance/AP
الدكتور منصف المرزوقي ..أول رئيس يُختار ديمقراطيا بعد الثورة (2011 ـ 2014)
جرى انتخاب الدكتور منصف المرزوقي رئيسا لتونس في المرحلة الانتقالية أواخر عام 2011. وكان المرزوقي الذي عاش سنوات في المنفى بفرنسا من أبرز المعارضين لنظام زين العابدين بن علي وهو من مؤسسي الرابطة التونسية لحقوق الإنسان أعرق المنظمات الحقوقية بالعالم العربي. وعمل المرزوقي خلال فترة حكمه على تعزيز الديمقراطية وحقوق الإنسان وسعى لتأسيس نظام سياسي جديد يعتمد على التعددية الحزبية وحرية التعبير.
صورة من: picture alliance/Mustafa Yalcin/AA
الدكتور منصف المرزوقي ..حقوقي في قصر قرطاج (2011 ـ 2014)
شهدت فترة حكم المرزوقي كتابة واعتماد دستور جديد لتونس في يناير/ كانون الثاني 2014، والذي يعد من أبرز إنجازاته. ودامت فترة حكم المرزوقي ثلاث سنوات كان فيها أول رئيس في العالم العربي يأتي إلى سدة الحكم ديمقراطيا ويسلم السلطة ديمقراطيا بعد انتهاء حكمه إلى الباجي قائد السبسي الذي تنافس معه في الظفر بكرسي الرئاسة.
صورة من: Yassine Gaidi/picture alliance / AA
الباجي قايد السبسي ..الرئيس المخضرم (2014 ـ 2019)
بعد سقوط نظام بن علي مطلع عام 2011 تم تعيينه وزيرا أول في الحكومة الانتقالية بهدف قيادة تونس نحو الديمقراطية. تصدر حزبه "نداء تونس" نتائج أول انتخابات تشريعية تفضي إلى برلمان دائم بالبلاد بعد سقوط نظام بن علي، كما تمكّن من الفوز في الدور الثاني للانتخابات الرئاسية في 21 ديسمبر/كانون الأول 2014 بحصوله على 55.68% مقابل 44.32% لمنافسه منصف المرزوقي.
صورة من: Julien Mattia/picture alliance / NurPhoto
الباجي قايد السبسي..سياسة الانفتاح على الخارج (2014 ـ 2019)
توفي السبسي، السياسي التونسي المخضرم، الذي شغل أيضا مناصب بعهديْ الرئيسين الحبيب بورقيبة وزين العابدين بن علي، في 25 يوليو/ تموز الماضي وتسلم رئيس البرلمان محمد الناصر منصب الرئاسة بشكل مؤقت كقائم بمهام الرئيس. وكان الباجي قايد السبسي خلال توليه رئاسة الديبلوماسية التونسية في ثمانينيات القرن الماضي أو توليه لرئاسة تونس (2014-2019) ينتهج سياسة منفتحة على الخارج.
صورة من: picture alliance / Kay Nietfeld/dpa
محمد الناصر..رئيس مؤقت (يوليو/ تموز 2019 ـ أكتوبر/ تشرين الأول 2019)
في 25 يوليو/ تموز 2019 أدى محمد الناصر اليمين الدستورية رئيسا مؤقتا للبلاد، وذلك بعد اجتماع لمكتب البرلمان، عقب إقرار الشغور النهائي في منصب رئيس الجمهورية بعد وفاة الرئيس الباجي قايد السبسي. ويعتبر الناصر سياسيا تونسيا مخضرما، تولى عددا كبيرا من الوظائف السامية في كافة العهود السياسية منذ الاستقلال، وأصبح رئيسا للبرلمان التونسي في 2014.
صورة من: Nicolas Fauque/Images de Tunisiepicture alliance/abaca
قيس سعيّد .. إجراءات مثيرة للجدل(منذ نوفمبر/ تشرين الثاني 2019)
انتخب قيس سعيد في أكتوبر/ تشرين الأول 2019 في الجولة الثانية بأغلبية كاسحة على منافسه نبيل القروي. وبدأ سعيد فترة رئاسته في نوفمبر/ تشرين الثاني من العام نفسه، ليكون بذلك الرئيس السابع لتونسي. في يوليو/ تموز 2021 اتخذ سعيد قرارات أثارت جدلا داخل وخارج تونس بعدما قام بتجميد عمل البرلمان وإقالة رئيس الحكومة ثم تغيير الدستور المصادق عليه بإجماع سنة 2014 من طرف المجلس التأسيسي الذي انتخب بعد الثورة.
صورة من: Tunisian Presidency/APA Images/ZUMA/picture alliance
قيس سعيد .."مهمّة إلهية لإنقاذ تونس" (منذ نوفمبر/ تشرين الثاني 2019)
الرئيس التونسي المنتهية ولايته قيس سعيّد يحتكر السلطة منذ 3 سنوات وهو مرشح لولاية ثانية في الانتخابات المقررة الأحد (السادس من أكتوبر/ تشرين الأول)، مقتنع بأنه مؤتمن على "مهمّة إلهية" لإنقاذ تونس من "المؤامرات الخارجية". وتندّد منظمة العفو الدولية "بتراجع مقلق في الحقوق الأساسية في مهد "الربيع العربي" و"بالانحراف الاستبدادي"، مع تراجع على مستوى إنجازات الثورة التي أطاحت ببن علي عام 2011. إعداد ع.ش