تتصاعد أعمال العنف في السودان، ويواجه عدد لا يحصى من الناس خطر التهجير والموت والمجاعة. ورغم ذلك، لا تبدي الأطراف المتحاربة وشركاؤهم اهتماماً كبيرا بتهدئة الوضع، فما خلفية ذلك؟
إعلان
"في السودان ينفد الوقت أمام ملايين الأشخاص الذين يواجهون خطر المجاعة الوشيك بعدما نزحوا من أراضيهم ويعيشون تحت القصف وانقطعت عنهم المساعدات الإنسانية"، بهذه الكلمات الحازمة، حذرت الأمم المتحدة ومنظمات إنسانية في الأيام الأخيرة من مجاعة في السودان، وذكرت في بيان مشترك أن طرفي الصراع في هذا البلد الذي تمزقه الحرب تعمدا جزئيا منع وصول المساعدات للمدنيين.
وكانت أليس ويريمو نديريتو، مستشارة الأمم المتحدة الخاصة المعنية بمنع الإبادة الجماعية، قد أشارت سابقاً إلى الوضع الكارثي في السودان، وحذرت قبل بضعة أيام في بيان أمام مجلس الأمن الدولي من أن العنف في إقليم دارفور ربما يكون بالفعل قد بلغ حد الإبادة الجماعية. وأضافت: "المدنيون يتعرضون للهجوم والقتل بسبب لون بشرتهم وبسبب انتمائهم العرقي".
وترى منظمة أطباء بلا حدود الأمر نفسه. وقالت رئيسة الاستجابة الطارئة لأطباء بلا حدود في السودان كلير نيكوليه: "إننا نشهد (..) حمام دم يجري أمام أعيننا".
ووفقا لأطباء بلا حدود، فقد قُتل ما لا يقل عن 145 شخصا وأصيب أكثر من 700 آخرين منذ 10 مايو/ أيار وحده. ولم تعد منظمات الإغاثة قادرة على مواصلة العمل بعد الآن بسبب العنف.
وضع خطير في الفاشر
ويُعتبر الوضع في الفاشر عاصمة ولاية شمال دارفور بالغ الخطورة بشكل خاص. إذ فرَّ إلى هناك أكثر من مليون شخص هرباً من الحرب. وتسيطر القوات المسلحة السودانية (SAF) تحت قيادة عبد الفتاح البرهان على المدينة، وفي الوقت نفسه، تحاصرها قوات الدعم السريع المنافسة (RSF) تحت قيادة محمد حمدان دقلو (المعروف بحميدتي) وتهاجمها بشكل متكرر.
وتحذر مارينا بيتر، رئيسة منتدى السودان وجنوب السودان الألماني، في مقابلة مع DW قائلة: "الفاشر على شفا حدوث مجاعة". وأضافت أنه إذا استولت الميليشيات على المدينة، فمن المرجح أن تؤدي إلى حركة لجوء ضخمة أخرى. كما يمكن أن نتوقع ارتفاعاً حاداً في أسعار المواد الغذائية، كما هو الحال في المدن الأخرى التي سيطرت عليها قوات الدعم السريع. وأوضحت بيتر: "أولئك الذين يملكون بعض المال يمكنهم، مع قليل من الحظ، مغادرة المدينة. لكن الفقراء سيذبحون تماما".
تحالفات هشة
وحسب تقديرات بيتر فإن قوات الدعم السريع قامت بتصرفات وحشية لإجبار السكان على الانضمام إليهم، و تقول إن "الفاشر في الأساس هي القطعة المفقودة. إذا نجحوا في ذلك، فإن السودان سينقسم إلى قسمين - وهذا سيكون بمثابة كارثة على المستوى السياسي".
وعلى الأرجح، ترجع وحشية تصرفاتهم أيضاً إلى حقيقة أن كلا الجانبين يواجهان ضغط الوقت. فكلما طالت مدة الحرب، كانت احتمالات انهيار التحالفات أقوى. وحسب تحليل لمجموعة الأزمات الدولية (ICG)، فإن كلا الجانبين قد استند إلى تحالفات مع ميليشيات محلية. وهذا يؤدي إلى صعوبة السيطرة على كل تحالف على حدة. "لقد دخل الصراع مرحلة جديدة خطيرة، يستمر فيها السودان في التفكك"، وفقا لمجموعة الأزمات الدولية.
دور الفاعلين الدوليين
وتعتمد الأطراف المتحاربة بشكل أكبر على التحالفات مع شركاء دوليين. على سبيل المثال، أطلق قائد الجيش عبدالفتاح البرهان مبادرة دبلوماسية تجاه إيران في الخريف الماضي. ومنذ ذلك الحين، تمتلك القوات المسلحة السودانية أيضًا مسيرات مقاتلة يمكن من خلالها ممارسة ضغط كبير على خصومها. ومن الواضح أيضًا أن مصر والسعودية تدعمان البرهان. وبغض النظر عن الوضع الصعب، فإن البرهان يواصل تصوير نفسه على أنه الرجل القوي في البلاد. وتحلل الخبيرة بيتر الوضع: "كلا من مصر والسعودية ترغبان في رؤية شخص مثله على رأس دولة تدار بإحكام".
وعلاوة على ذلك، فإن مصر والسودان مرتبطتان أيضًا لأسباب سياسية وأيديولوجية، كما تقول عالمة السياسة هاجر علي من معهد "GIGA" أو (المعهد الألماني للدراسات العالمية ودراسات المناطق) في مدينة هامبورغ ، الذي نشر مؤخرًا تحليلاً لحرب السودان يفيد بأن سياسات البرهان والطابع المحافظ للحكومة المصرية يشبهان بعضهما البعض، وعليه فإن "مصر لا تعمل مع قوات الدعم السريع (المنافسة) لأنها ليست جهة فاعلة تابعة للدولة".
ويقدم حميدتي، قائد قوات الدعم السريع، نفسه كمقاتل ضد الإسلامويين. وبهذا الدور أيضًا، تمكن من الفوز بدولة الإمارات العربية المتحدة كداعم له. كما أن روسيا تقف إلى جانبه، على الأقل بشكل غير مباشر. وفي المقابل، أعطى حميدتي ميليشيا فاغنر - التي أعيد تسمية الجزء النشط منها في أفريقيا الآن بالـ "الفيلق الأفريقي" - حقوق التنقيب عن احتياطيات الذهب الهائلة في السودان. والآن تخطط روسيا أيضًا لإنشاء مركز لوجستي في بورتسودان، والذي سيتم توسيعه ليصبح قاعدة بحرية على المدى الطويل. ووفقا لتقارير إعلامية، فقد كان هناك اجتماع مماثل بين المبعوثين الروس وقيادات القوات المسلحة السودانية في نهاية أبريل/ نيسان الماضي.
وتقول هاجر علي: "ترغب كل من الإمارات وروسيا في توسيع نفوذهما في أفريقيا بشكل عام". وتابعت أنه لدى الدولتين مصلحة مشتركة في احتياطيات الذهب في السودان. بالإضافة إلى ذلك، يعد السودان مهمًا لكلا البلدين من أجل تعزيز تواجدهما بقوة في قارة أفريقيا. "ويفضل أن يتم ذلك من خلال التعاون مع الجهات الفاعلة غير الحكومية مثل حميدتي، الذي يفلت من سيطرة الدولة"، حسبما ترى هاجر علي.
مصلحة في "عدم استقرار متحكم فيه"
بشكل عام، يبدو أن الجهات الدولية لديها قليل من الاهتمام بحل الصراع. "بالنسبة لجميع الدول المعنية، يعد السودان بوابة إلى البحر الأحمر ومن خلاله إلى أفريقيا"، كما تقول علي. ولهذا فإن عدم وجود أي مؤسسات تعمل بشكل طبيعي في السودان تقريبا، أمر يأتي على هواهم. وهذا يقلل من أوقات الانتظار إذا كنت ترغب في إنشاء قاعدة عسكرية أو تواجد دبلوماسي".
وتابعت هاجر علي: "كل ذلك يتم بسرعة أكبر بكثير من خلال قنوات غير رسمية وغير شفافة، كما هو الحال حاليًا في السودان. وفي هذا الصدد، فإن الجهات الفاعلة على المدى الطويل لديها اهتمامات أقل بالسلام من اهتمامها بانعدام للاستقرارمتحكم فيه".
أعده للعربية: صلاح شرارة
في صور: دوامة الصراع على السلطة في السودان..أبرز القوى السياسية والعسكرية
منذ سقوط نظام البشير تتصارع قوى سياسية وعسكرية على السلطة في السودان. وتسبب الصراع في عدم استقرار الأحوال بالبلاد على مدى سنوات، إلى أن اندلع القتال الأخير بين الجيش وقوات الدعم السريع. فما هي أبرز تلك الجهات المتصارعة؟
صورة من: Ebrahim Hamid/AFP/Getty Images
قوى "إعلان الحرية والتغيير"
وهي تجمع لعدد من التيارات والمكونات السياسية الإئتلافات المدنية السودانية، منها "تجمّع المهنيين" و "الجبهة الثورية" و "تحالف قوى الإجماع الوطني" و "كتلة التجمع الاتحادي" و "كتلة قوى نداء السودان".
صورة من: Mahmoud Hjaj/AA/picture alliance
تأسيس "إعلان الحرية والتغيير"
تأسّست قوى الحرية في كانون الثاني/يناير 2019 خِلال الاحتجاجات التي اندلعت عام 2018 ضد حكم الرئيس السابق عمر البشير. قامت تلك القوى المعروفة اختصاراً باسم "قحت" بصياغة "إعلان الحرية والتغيير" و"ميثاق الحرية والتغيير" الذي دعا إلى إقالة البشير من السلطة وهو ما حدث في نيسان/أبريل عام 2019.
صورة من: Mahmoud Hjaj/AA/picture alliance
الجيش يطيح باتفاق تقاسم السلطة
استمرت "قحت" في نشاطها ونظمت احتجاجات في وجه المجلس العسكري الذي حكم البلاد "نظريًا" بعد سقوط نظام البشير ثمّ دخلت في مرحلة مفاوضات مع الجيش حتى توصلت معه في 17 تموز/يوليو 2019 إلى خطة لتقاسم السلطة لكنها لم تصمد كثيراً، حيث أطاح الجيش السلطة المدنية واتُهم بتنفيذ "انقلاب".
صورة من: Mahmoud Hjaj/AA/picture alliance
الجيش الحاكم الفعلي منذ استقلال السودان
الحاكم الفعلي للبلاد منذ إعلان الجمهورية عام 1956. يحتل المركز 75 عالمياً في قائمة أقوى جيوش العالم ويصل عدد أفراده إلى نحو 200 ألف جندي بين قوات عاملة واحتياط. لدى الجيش السوداني 191 طائرة حربية متنوعة بين مقاتلات وطائرات هجومية وطائرات شحن عسكري وطائرات تدريب ومروحيات هجومية. كما يمتلك 170 دبابة وآلاف المدرعات وأنواع مختلفة من المدافع وراجمات الصواريخ إلى جانب أسطول بحري صغير.
صورة من: Sovereignty Council of Sudan/AA/picture alliance
انقلاب الجيش على الحكومة المدنية
استولى الجيش في أكتوبر/تشرين الأول 2021 على السلطة وأعلن حالة الطوارئ، منهياً اتفاق تقاسم السلطة بين المدنيين والعسكريين في خطوة وصفت بأنها انقلاب عسكري. تقول التيارات المدنية إن الجيش يرفض تسليم السلطة للمدنيين ما أدى لصدامات متعددة كان أبرزها ما سمى "بمجزرة القيادة العامة" في حزيران/يونيو 2019 وراح ضحيتها أكثر من 100 قتيلٍ في يومٍ واحد وتبرأ المجلس العسكري منها وأكد فتح تحقيقات بشأنها.
صورة من: Sudan Sovereignty Council Press Office/AA/picture alliance
الرجل القوي في الجيش السوداني
يقود الجيش الفريق أول عبد الفتاح البرهان والذي برز اسمه في فبراير/شباط 2019، مع إعلان البشير ترقيته من رتبة فريق ركن إلى فريق أول. تولى العديد من المناصب داخل وخارج السودان. عقّدت الانقسامات بين قوات الدعم السريع والجيش جهود استعادة الحكم المدني. وسرعان ما دب الخلاف بين الرجلين القويين عبد الفتاح البرهان قائد الجيش ورئيس مجلس السيادة ومحمد حمدان دقلو قائد قوات الدعم السريع ونائب البرهان.
صورة من: ASHRAF SHAZLY/AFP/Getty Images
قوات الدعم السريع..ميليشيات الجنجويد بالأمس
عمودها الأساسي ميليشيات الجنجويد وهي جماعات مسلحة كانت موالية للبشير، أثارت ذعراً شديداً منذ عام 2003 حين قامت بسحق تمرد في دارفور. اتهمت بارتكاب جرائم ضد الإنسانية وجرائم إبادة جماعية. أضفى البشير الشرعية عليها لتتحول إلى "قوات الدعم السريع" وفق قانون أجازه المجلس الوطني في عام 2017". حصل قائدها محمد حمدان دقلو "حميدتي" على رتبة عسكرية وكان له مطلق الحرية في السيطرة على مناجم الذهب في دارفور.
صورة من: Hussein Malla/AP/picture alliance
قوات الدعم السريع..الرجال والعتاد
يُقدر عدد أفراد قوات الدعم السريع بنحو 100 ألف فرد ينتشرون في جميع أنحاء البلاد. تمتلك عدداً كبيراً من الأسلحة الخفيفة مثل البنادق والرشاشات والأسلحة المضادة للدروع والصواريخ الموجهة والمتفجرات اليدوية والأسلحة الثقيلة مثل المدافع والدبابات وآلاف من سيارات الدفع الرباعي وغيرها.
صورة من: Hussein Malla/AP/picture alliance
من هو محمد حمدان دقلو قائد قوات الدعم السريع؟
"حميدتي" اللواء محمد حمدان دقل، هو تاجر جمال سابق وحاصل على قدر من التعليم الأساسي ويعد الرجل الثاني في السودان وأحد أثرى الأشخاص في البلاد. أدى دوراً بارزاً في السياسة المضطربة في السودان على مدى سنوات وساعد في إطاحة الرئيس البشير عام 2019، والذي كانت تربطه به علاقة وثيقة ذات يوم. تولى عدداً من أهم الملفات في السودان بعد سقوط البشير، بما في ذلك الاقتصاد المنهار ومفاوضات السلام مع جماعات متمردة.
صورة من: Mahmoud Hjaj/AA/picture alliance
"حميدتي" ..رجل من؟
يتمتع حميدتي بعلاقات دولية قوية مع عدة دول أجنبية مثل روسيا وإثيوبيا، وأخرى عربية منها السعودية والإمارات خاصة بعد أن أرسل قواته لدعمهما ضد الحوثيين في الحرب الأهلية اليمنية. يقول مراقبون إنه منذ سقوط البشير وهو يسعى ليصبح الرجل الأول في السودان.
صورة من: Russian Foreign Ministry Press Service/AP/picture alliance
كيانات التيار الإسلامي
وهي تنظيمات وتيارات وكيانات إسلامية متنوعة المشارب والاتجاهات، منها "حركة الإصلاح الآن" بقيادة غازي صلاح الدين العتباني وهو مستشار سابق للبشير، وأيضاً "الحركة الإسلامية السودانية" بقيادة حسن عمر و"منبر السلام العادل" و "حزب دولة القانون والتنمية".
صورة من: Mahmoud Hjaj/AA/picture alliance
موقف كيانات التيار الإسلامي
تقول قوى سياسية سودانية إن التيار الإسلامي في أغلبه يضم رموزاً من العهد السابق وأن أغلب مكوناته تنتمى إلى جماعة الإخوان المسلمين. من جهتها تقول تلك التيارات الإسلامية إنها تعمل على حفظ السيادة الوطنية وجعل قيم الدين هي الحاكمة لجميع أوجه الحياة إضافة لإصلاح الشأن السياسي. إعداد: عماد حسن.