"الفقراء خاسرو رهان العولمة منذ البداية"
١١ مايو ٢٠٠٧العولمة الجارية وتأثيرها على الحياة الإنسانية والبدائل المطروحة عنها كانت موضوع ندوة جرت مؤخراً في دمشق تحت عنوان" تداعيات العولمة على منطقة الشرق الأوسط وأوروبا"، الندوة حظيت باهتمام كبيرة من قبل وسائل الإعلام، وقامت قناة الجزيرة بنقلها مباشرة. البروفسور إلمار التفاتر، أستاذ العلوم السياسية سابقاً في معهد اوتو- زور التابع للجامعة الحرة برلين الذي كان أبرز المتحدثين انتقد بداية مفهوم العولمة الذي لا يحتوى على قيم إنسانية كما هو عليه الحال مثلاً في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان. هذا المفهوم ينطوي على محاولة تحويل العالم إلى قرية صغيرة تنتج بشكل أسرع وأقل كلفة، مما يعني بأن العولمة تجسد مرحلة جديدة في تطور الرأسمالية أو آليات الاقتصاد الرأسمالي. وتتميز هذه المرحلة بمحاولة السيطرة المباشرة والشاملة على الأسواق التي بقيت إلى حد ما خارج سيطرة كهذه في المراحل السابقة. ويحمل لواء التوجه الجديد حكومات الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي التي تستخدم نفوذها المباشر وتأثيرها القوي على الهيئات الدولية المعنية من أجل ذلك. ويأتي في مقدمة هذه الهيئات صندوق النقد الدولي ومنظمة التجارة العالمية.
"العولمة تقيد حرية قوة العمل بدلاً من إطلاقها"
الدكتور عصام الزعيم، أستاذ العلوم السياسية ورئيس معهد الدراسات الاستراتيجية العربية في دمشق يرى من جهته في العولمة الجارية عولمة انتقائية يُراد منها خدمة مصالح الدول الكبرى بالدرجة الأولى. "هذه العولمة تهدف إلى فتح وتوحيد أسواق العالم وفق لمصالح النظام الاقتصادي الليبرالي لهذه الدول"، ويقدم الزعيم الدليل على ذلك بقوله: "لم يسبق للعالم أن حرر تجارته كما فعل اليوم، في حين لم تقم الدول الصناعية حتى الآن بتحرير أسواقها الزراعية كنوع من حسن النيئة تجاه الدول الفقيرة التي تعتمد على الصادرات الزراعية".
وفي هذا السياق تحدث التفاتر إلى تناقضات العولمة التي تطالب ظاهرياً بالليبرالية على مختلف الأصعدة، غير أنها على أرض الواقع تسمح بحرية حركة رؤوس الأموال دون حرية تنقل الأشخاص وقوة العمل. ومما يعنيه ذلك أنها توحيد من جهة وتهميش وتجزئة من جهة أخرى على حد تعبير الخبير الألماني. كما تعني برأيه تقييد لحرية الإنسان والمجتمع بسبب تحكم اقتصاد السوق بهما. وبموجب ذلك تم تقويض مكاسب كبيرة من مكاسب الشعوب. وعلى ضوء ذلك أصبحت الشعوب الفقيرة أكثر فقراً والغنية أكثر غنى.
ومن الأمور المقلقة برأي الخبير الألماني أن كل الحكومات تطيع العولمة بدلاً من الوقوف ضد قوانينها وتبعاتها اللاإنسانية. وهو الأمر الذي يظهر في ألمانيا، حيث وقع الكثير من الناس ضحايا هذه القوانين من خلال فقدانهم لعملهم وتهميشهم بعدما فقدوا استقلالهم الاقتصادي. ويشكل هذا الأمر خطراً حقيقياً على التطور المجتمعي وخاصة في مجال الحفاظ على الخصوصيات الوطنية برأي التفاتر.
أوروبا أنانية تجاه أفريقيا والعالم العربي
يسلك الاتحاد الأوروبي سياسات تهدف للحفاظ على مصالحه. ولا يأخذ بعين الاعتبار "أننا نعيش مع جيراننا في العالم العربي في منطقة مشتركة"، كما يقول التفاتر ويضيف: "ينبغي القيام بسياسات مشتركة تأخذ مصالح العالم العربي على أساس الاحترام المتبادل وعدم لعب دور المتفوق والمتكبر من قبل الأوروبيين". وفي هذا سياسة الأنانية للاتحاد الأوروبي تبرز مشكلة غير إنسانية تتمثل في منع تدفق المهاجرين من دول عربية ومن أفريقيا إلى أوروبا. هذا المشكلة يجب أن تحل على أساس فتح الأسواق وتحرير العمل بشكل ينعكس إيجابياً على مستوى المعيشة في بلدان المهاجرين.
وفي سياق المشاكل التي يعاني منها العالم العربي في ظل العولمة يقول الدكتور الزعيم " إن دولاً عربية انتهجت سياسات ليبرالية، لكنها لم تنجح في المضي بها بسبب عدم إفساح المجال أمام الشعوب لنقد حكامها والتعبير عن رأيها". وتطرق الخبير السوري إلى أحد جذور المشكلة المتمثلة بتجزئة المنطقة العربية إلى دول صغيرة وهشة من قبل الاستعمار التقليدي. ولكي تحقق نجاحاً اقتصادياً لابد لها من التكتل في الوقت الذي تعيق فيه عملية العولمة ذلك من خلال زيادة تبعيتها للدول الصناعية المركزية.
التحكم بقوى السوق قضية جوهرية في مواجهة سلبيات العولمة
حتى الآن ما تزال العولمة في البدايات ولم تنضج بعد لاستنهاض مناهضيها في العالم. كما إن نظامها مختل من حيث استخدام الموارد البشرية والاقتصادية وأشكال الاستهلاك والعلاقات بين الدول. أما البدائل المطروحة حتى الآن فليست كافية. إزاء ذلك تبقى قضية التحكم بفعل السوق وتناقضاته هي القضية المركزية لحماية المصالح الوطنية. ويتطلب هذا التحكم حسب الزعيم إدارته بحيث يكون في "خدمة المجتمع وليس المجتمع في خدمته"، وفي هذا السياق أكد الزعيم على ضرورة دفع العملية الديمقراطية كسبيل لنجاح في ذلك. أما البروفسور التفاتر فيرى أنه لا بد من الضغط على ظواهر العولمة السلبية والتحكم فيها من خلال وسائل عديدة مثل فرض الضرائب التي تخفف عن كاهل الفقراء وحماية سوق العمل الوطني من ضغط الاستثمار الخارجي.
خلاصة القول هناك الكثير من الأهداف التي يمكن العمل على تحقيقها للحد من تبعات العولمة السلبية على المجتمعات. ومن المهم جدا لقمة الدول الثماني التي ستعقد في ألمانيا أن تبحث عن بدائل لتبعات العولمة الجارية على حد تعبير التفاتر.
عفراء محمد- كاتبة سورية