1. تخطي إلى المحتوى
  2. تخطي إلى القائمة الرئيسية
  3. تخطي إلى المزيد من صفحات DW

الفكر العربي تأثر بانهيار الجدار، لكنه فشل في تمثُل الوحدة

٣٠ سبتمبر ٢٠١٤

رغم مرور وقت طويل على سقوط جدار برلين ما تزال أصداء هذا الحدث التاريخي ظاهرة في المشهد الثقافي العربي ويبدو تأثيره متباينا، ولكنه شديد الارتباط بالحركة السياسية بمختلف أطيافها اليسارية والقومية والأصولية والليبرالية.

Symbolbild Berliner Mauer
صورة من: Fotolia/Laiotz

يرصد المتتبعون ضعفا ملحوظا في حضور موضوع إنهيار جدار برلين في الأدبيات والمؤلفات الفكرية في العالم العربي، فبإستثناء الرسائل الجامعية والأعمال الأكاديمية، لم تسجل خلال العقدين الماضيين أعمال أدبية أو فكرية كبيرة تتناول الموضوع بشكل مباشر. ويعزو الدكتور عبد الرزاق عيد المفكر السوري المقيم في باريس ذلك الى إرتباط الانتاج الفكري في العالم العربي بالفعل السياسي ، ملاحظا ان "تأخر رد الفعل السياسي العربي على حدث إنهيار جدار برلين كان سببا في ضعف المتابعة الثقافية والانتاج الفكري حول الموضوع".

لكن المفكر السوري يتفق في الرأي مع الباحث المغربي الدكتور عز الدين العلام استاذ الفكر السياسي بجامعة محمد الخامس في الرباط، على أن تأثير إنهيار جدار برلين كان عميقا في المشهد الفكري في العالم العربي ، وان كان هذا التأثير يأخذ أبعادا متباينة بحسب القضايا الفكرية المطروحة والمرجعيات الأيديولوجية: يسارية وليبرالية وقومية عربية وأصولية إسلامية.

إنهيار جدار برلين أحدث زلزالا في الفكر اليساري العربي

تبدو الأدبيات الفكرية للحركات اليسارية أكثر حقل للتفاعلات التي حدثت في المجال الفكري العربي، بعد انهيار جدار برلين ، ويرصد الدكتور العلام في مقابلة مع موقعنا ، ان "الإنتاج الفكري للتيارات اليسارية في المغرب ظل متأخرا نسبيا في الإعتراف بحدث إنهيار جدار برلين الذي كان يرمز لإنهيار ايديولوجية وأحلام". ولاحظ العلام ان جل الحركات اليسارية التي كانت تتبنى المرجعية الماركسية اللينينية قامت في وقت متأخر بمراجعات نقدية عميقة، لكن هنالك استثناءات في المغرب ، حيث ما يزال بعضها (تلك الجماعات) يردد نفس المقولات والقوالب الأيديولوجية الجاهزة التي كانت سائدة في العقد الثاني من القرن الماضي في الإتحاد السوفيتي، مثل "صراع الطبقات" و"ديكتاتورية البروليتاريا".

المغاربة تأثروا بالفكر الألماني وليس الوحدة الألمانيةصورة من: AP/dpa/DW

وبرأي الدكتور عيد فإن "الحدث أدى الى انفجار الحالة اليسارية في العالم العربي ، بما كان يرمز اليه الانهيار في الفكر والثقافة"، مشيرا الى ردود فعل متفاوتة في البلدان العربية التي كانت أنظمتها تستوحي من النموذج الألماني الشرقي أو السوفيتي بشكل عام، مثل سوريا والعراق والجزائر واليمن الجنوبي.

بروز إتجاه" ليبرالي يساري" في المغرب وسوريا

أدت التفاعلات العميقة التي أحدثها إنهيار جدار برلين بما كان يرمز اليه من إنهيار لمنظومة المعسكر الاشتراكي برمته، الى مراجعات عميقة لدى عدد من منظري التيارات اليسارية في العالم العربي. وفي حالة المغرب يرى الدكتور العلام انه بعد عشرين عاما من حدث إنهيار الجدار ، يمكن القول بأن "أكبر نتيجة إيجابية تحققت هو اعتراف قطاعات واسعة من الجماعات اليسارية بمختلف أطيافها بأن النظام الليبرالي بما يتضمنه من قواعد ديمقراطية لتنظيم المجتمع الحديث، هو أصلح نهج سياسي وثقافي لمجتمعنا العربي" مشيرا الى تحول عدد من المنظرين والقيادات اليسارية نحو الاتجاه الليبرالي ، و يرصد ذلك من خلال "وجود قيادات يسارية في موقع القرار السياسي بالدولة المغربية وقد أصبحوا من المنظرين لتجربة الانفتاح الديمقراطي في البلد".

وفي الحالة السورية يرصد الدكتورعيد ان سقوط جدار برلين ساعد على تولد وعي لدى فئات من اليساريين مثل حزب الشعب (الشيوعي سابقا) وحزب العمال الثوري، بأهمية ان تكون الليبرالية جزءا من المنظومة الفكرية اليسارية، وأفرزت تلك التفاعلات بروز تيار "يساري ليبرالي".

ولاحظ المفكر السوري في هذا السياق مظاهر تجدد الاهتمام بفكر عبد الله العروي وياسين حافظ، مشيرا الى كتاب ألفه شخصيا خلال تلك الفترة بعنوان "حداثة التأخر"وهو يبرز منحى تفكير لمفكرين مغربي ومشرقي يتفقان على "أهمية استعادة الوعي التاريخاني واعتبار الليبرالية جزء لا يتجزأ من منظومة الوعي الاشتراكي واليساري، وهو منحى تفكير يتعارض مع الشيوعية التقليدية التي كانت تعتبر الليبرالية ثقافة غزو استعماري" كما يقول المفكر السوري.

إنتعاش التيارات الفكرية المناهضة للغرب

رسامان يمنيان يرسمان على جدارين يرمزان لليمنين الشمالي والجنوبيصورة من: DW/Klaus Heymach

من مفارقات ردود الفعل في الساحة الفكرية العربية ، ان إنهيار المنظومة الاشتراكية جعل بعض النخب الفكرية والسياسية اليسارية تتجه الى تبني أفكار قومية عربية أو أصولية إسلامية.

ويرى المفكر السوري ان " سقوط جدار برلين كان يعني للكثير من اليساريين هزيمة للإشتراكية وبالتالي دفعت الكثير منهم الى النكوص وإرتداد بإتجاه وعي قومي تقليدي محافظ أو أوصولي إسلامي مناهض للمشروع الغربي".

وفي سوريا حدثت حالات عديدة لمثقفين يساريين إتجهوا نحو معاداة الغرب من منطلقات قومية وأصولية إسلامية ، كما يلاحظ الدكتورعيد من خلال تجربته كباحث في الجامعة اليمينة إبان فترة إنهيار جدار برلين ، ان " انهيار المعسكر الاشتراكي أدى الى انهيار سياسي في اليمن الجنوبي ومن الناحية الفكرية حدثت حالة لنكوص وتراجع في إتجاه تقليدي وقبلي، ويمكن القول بأن ما حدث هو هدم جدار كان يفصل اليمن الجنوبي عن الثقافة والفكر التقليدي والقبلي".

أما الدكتور العلام فيرى ان تنامي التيارات الأصولية الاسلامية له أسباب معقدة، وان تراجع الفكر اليساري ليس عاملا رئيسيا في إنتعاش الأفكار الأصولية الدينية. لكن الباحث المغربي يلاحظ في المغرب "وجود نوع من الاستنساخ من قبل الإسلاميين اليوم لتجارب يسارية سابقة مثل إدعاء إمتلاك الحقيقة، وبدل مصطلحات وعبارات واستشهادات بكارل ماركس ولينين التي كانت تستخدمها الحركات اليسارية تجد في القاموس الفكري للحركات الأصولية الآن ابن تيمية او ابو هريرة".

إنهيار جدار برلين أكد ان الوحدة لا تتم الا عبر الديمقراطية

لا يختلف المفكر السوري عبد الرزاق عيد في الرأي مع الباحث المغربي عزالدين العلام بأن مجال التفكير في الوحدة قد شكل إمتحانا عسيرا للمفكرين والنخب في العالم العربي خلال العقدين الذين أعقبا إنهيار جدار برلين.

أوتو فون بيسمارك حقق الوحدة الألمانية في القرن التاسع عشر

ويعتبر الدكتور عيد ان " إنهيار جدار برلين كان برهانا ساطعا للنخب الفكرية في العالم العربي ، على استحالة إقامة الوحدة بدون أساس ديمقراطي" وأضاف" ان ألمانيا لم تستعد وحدتها الا على أساس الديمقراطية، والمعنى الذي برز من خلال سقوط جدار برلين هو أن الوحدة لن تتحقق الا بسقوط جدار الاستبداد"، مشيرا في هذا الصدد الى فشل التجربة القومية الوحدوية بين مصر وسورية.

وفي محاولته لرصد تأثير فكرة الوحدة الألمانية في الفكرالمغاربي، يتناول الباحث المغربي تجربتي الوحدة الألمانية التي تحققت في القرن التاسع عشر على يد أتو فون بيسمارك وتجربة الوحدة التي قامت على أنقاض جدار برلين، ويرى بأن هذين النموذجين من الوحدة الألمانية لم يكن لهما ذلك الأثر الملموس في الفكر والواقع العربي، رغم تأثر المغاربة تايريخيا بالفكر الألماني. ويضيف قائلا "في منطقة المغرب العربي نرصد في الواقع السياسي تعثرا وفشلا ليس بسبب عوامل موضوعية اجتماعية وسياسية، بل بسبب عوامل ذاتية وحسابات سياسية ضيقة للأنظمة السياسية القائمة في دول المغرب العربي، وعلى صعيد الفكر لا نرصد أي تحولات في مفاهيم النخب لموضوع الوحدة بعد إنهيار جدار برلين، بل العكس ما نرصده هو إنتاج مزيد من الأفكار التي تغذي عوامل الانقسام والعزلة والحذر بين دول المنطقة".

الكاتب: منصف السليمي

مراجعة: حسن زنيند

تخطي إلى الجزء التالي اكتشاف المزيد
تخطي إلى الجزء التالي موضوع DW الرئيسي

موضوع DW الرئيسي

تخطي إلى الجزء التالي المزيد من الموضوعات من DW