الفنان اليمني أحمد فتحي يغني لـ "رُسُل السلام" في حفل نوبل للسلام
١٢ ديسمبر ٢٠١١أستاذ أحمد فتحي، أنت الفنان العربي الوحيد الذي شارك مع فنانين عالميين، في حفل تسليم جائزة نوبل للسلام عام 2011 في أوسلو، كيف جاءت فكرة مشاركتكم؟
أحمد فتحي: الحقيقة أول ما بدأت الفعالية تأخذ شكلها الإعلامي تلقيت اتصالاً من الأخت توكل كرمان قالت لي فيه سأكون سعيدة إذا شاركت معنا في الحفلة، فقلت لها أنا سأكون أكثر سعادة، ولي الشرف أن أشارك، فقالت إذن أنا سأبلغ إدارة مهرجان جائزة نوبل. من جانبها اتصلت بي إدارة مهرجان الجائزة وطلبت مني في البداية السيرة الذاتية. يبدو أن لديهم مواصفات معينة يجب أن تتوفر قي المشارك. وبعد يومين فقط جاءتني الموافقة وسألوني عن الأعمال التي سوف أشارك بها. كان هناك فقط حوالي عشرة أيام، ومع ذلك قلت لهم سأحضر مؤلفين موسيقيين جديدين؛ مؤلف ليوم حفلة تسليم الجائزة، وهو مواصلة لسلسة "الأرواح الخيّرة" الذي بدأتها بعمل للأم تريزا والأميرة ديان، وعزفته في اليزابيت كوين هوف في بريطانيا، والثاني للمخرج المعروف الراحل يوسف شاهين، وعزفته عندما توفي في دار الأوبرا بالقاهرة، أما الثالث فكان للرسام اليمني هاشم علي والأستاذ أحمد جابر عفيف، اللذين توفيا في نفس الأسبوع. وهذا هو العمل الرابع الجديد من سلسلة "الأرواح الخّيرة" ألفته خصيصا لجائزة نوبل.
يعني أنت عزفت للأموات في الأعمال الثلاثة الأولي، لـ"الأرواح الخيرة" المتوفية، لكنك هذه المرة، في العمل الرابع، تعزف، لحسن الحظ، للحياة وللسلام؛ لتوكل كرمان، بكل ما يختزل ذلك من معانٍ؟
(يضحك!) مشروع "الأرواح الخيّرة" مفتوح؛ للأحياء والأموات، المهم لكل من كانت روحة خيّرة ويمتاز بالصفات الطيبة. قدمت "المعزوفة الرابعة" في حفلة يوم تسليم جائزة نوبل (قبيل كلمة توكل ـ المحرر). والعمل الجديد الآخر "رُسُلَ السلام" ألفته خصيصاً للحفلة الكبيرة في اليوم الثاني لمهرجان جائزة نوبل "نوبل كونسرت". وقدمته أوكستر السمفيوني بالكامل "فيلهلرموني" مع الكورال. وهذا العمل فكرته متداخلة إلى حد ما، فهو يشمل أيضا موضوع الأديان والثقافات والتنوع الإنساني عموما. وهو على النحو التالي:
أنا أقول: سلام سلام سلام... يارُسُل السلام!
والكورال يردد معي باللاتيني: سلام سلام سلام..يارُسُل السلام!
إلى أن نصل إلى آخر مقطع:
الكورال يغني من النص المقدس: المجد لله في الأعالي ..وعلى الأرض السلام.
وأنا أرد: سلام سلام سلام... يارُسُل السلام!
لاشك أن الرسالة واضحة من كل ذلك، لكن أحب أن أسمعها منك، فماذا أردت أن تقول من خلال هذه الكلمات؟
أردت أن أقول أننا جميعا تواقون للسلام، ونحب ونتمنى أن يسود السلام هذا العالم ويعم الإنسانية كلها، أن يكون السلام هو سمة هذا الكون الذي نعيش فيه.
هل هذه رسالة من اليمن، ومن المسلمين إلى العالم؟
نعم، نعم إنها كذلك! رسالة إلى الإنسانية كلها.
إذن أنت اخترت أن تغني وتنشد السلام للإنسانية كلها، في يوم حفل جائزة نوبل للسلام، وكان اختياراً موفقاُ. لكن سؤالي هو كيف كان شعورك أثناء تسلم الناشطة اليمنية توكل كرمان لجائزة نوبل؟
أولا أنا فخور أن امرأة يمنية من هذا المجتمع القاسي والصعب التكوين، وبرغم كل القيود الكبيرة التي فرضت عليها، فخور أن تنحرر من هذا الوضع امرأة يمنية وشابة صغيرة وتأخذ هذه الجائزة، إنه شيء عظيم ورائع وجميل ونعتز ونفتخر به كيمنيين وكعرب وكمسلمين.
لاشك أنك فنان وموسيقار كبير ومتميز، لكن اسمح لي أن أسالك كيف كان شعورك وأنت تغني للسلام في حفل نوبل للسلام وأيضا مع فنانين عالميين؟
الله يخليك، شكراً. أولا إن تحضير هذه المعزوفة الرابعة من "الأرواح الخيّرة" كان في وقت قياسي قصير جدا. والعمل الفني عندي أنا يجب أن يأخذ وقته الكافي في التحضير لكي ينضج، لكن عند ما تكون المشاركة في حدث من هذا النوع، اشتغلت ليل نهار وكانت الموسيقى تتدفق بشكل كبير حتى أنه أصبح عندي فائض كبير منها، لكني أخذت جزءاً من ذلك وتركت الباقي. عندما دخلت المسرح للعزف لوحدي بآلتي (العود) ربما كان هناك نوع من الإستغراب من قبل الحاضرين، ولكن أول ما بدأت بالمقطوعة، رغم أني عادة أنهمك في العزف ولا أنظر للجمهور ولا تكون لي علاقة بمن حولي حتى انتهي وأبدأ أنظر إليهم، لكني هذه المرة في وسط المقطوعة، لا إراديا، لمحت وجوه الناس ووجدتها في حالة انفعالية طيبة، واستمريت في العزف وكان هناك استقبال طيب من قبل الحاضرين للمقطوعة، كما رأيتم انتم أيضاََ.
نعم، فعلا أنا لاحظت مدى إصغاء الحاضرين، بما في ذلك الأسرة المالكة النرويجية، بكل جوارحهم لعزفكم على آله العود، وكان يبدو لي أنهم كانوا أيضا يحاولون فهم لغة هذا العزف، رغم أن لغة الموسيقى هي لغة عالمية. لكن ألم تكن آلة العود غريبة نوعا ما على أذن المستمع الغربي؟
غربية ولكنها محببة لديهم، وعندي تجارب كثيرة في هذا المجال وأقمت حفلات في عدة دول غربية، في بريطانيا وفرنسا وأمريكا ودول كثيرة، ووجدت أن العود بالنسبة لهم آلة محببة. أحد النقاد البريطانيين قال لي هذه الآلة تدخل القلب مباشرة.
أنا حاولت أن أعملها، أي الموسيقى، على أساس أنها تترجم الحدث، وحاولت من خلال أربع دقائق فقط أن أكثف المعنى الموسيقى بحيث انه يترجم الحدث نفسه، الحدث الذي أساسه وجوهرة السلام العالمي. وقد استخدمت في هذه المقطوعة السلم المشترك بين الموسيقى الغربية والشرقية، وهو السلم الذي يستسيغه الذوق والسمع في الغرب، وهو ما يعرف بلغة الموسيقى المقام الكبير، لكي يكون خفيفا على السمع، لأنه ليس هناك وقت تشرح ذلك. الأمر الثاني استخدمت إيقاع البالص، وهذا من أشهر مكونات الموسيقى الكلاسيكية العالمية. ولعبتُ على هذين العاملين المهمين؛ السلم المشترك والإيقاع الذي ينتمي أكثر للغرب "البالص" الذي يوجد في معظم السيمفونيات العالمية. وبذلك اقتربت من الأُذن سريعا.
ما هو تقييمك لحجم المشاركة اليمنية في حفل تسلم كرمان لجازة نوبل؟ هل كانت كافية من وجهة نظرك؟
لا، لم تكن كافية، كنت أتمنى أن تكون هناك مشاركة حقيقة، لأن هذا حدث لا يتكرر. ودولة يحصل أحد أبنائها على هذه الجائزة تقيم الدنيا ولا تقعدها، والبلد كله يعيش حالة من الفرح والسعادة الغامرة، لكن للأسف لدينا أمور ملخبطة ولا تفهمها.
كلمة أخيرة تود أن تقولها لليمنيين في هذا السياق؟
بالنسبة لليمنيين، طبعا هناك كثير من اليمنيين سعداء، وأنا تابعت هذا في الفيسبوك، وإن كانوا بعيدين، ربما البعض مهاجر وربما البعض لا تسمح له ظروفه بالمجيء إلى أوسلو. ولكن سعادتهم واضحة من خلال ما يكتبونه. وهناك الكثير ممن أعتب عليهم، لأنهم يكتبون كلاما غير مناسب. اللحظة تستدعي أن نفرح وأن نعتز وأن نفتخر.
وكلمة تود أن تقولها لتوكل كرمان بهذه المناسبة؟
أولا توكل أحب أن أهنئها، لأنها تستحق، هي إنسانة مناضلة حقيقية، ومندفعة بحب وبصدق، ولا تخشى شيئا، وهذا هو ما ميزها وربما هو ما أوصلها لنوبل.
أجرى الحوار: عبده جميل المخلافي ـ أوسلو
مراجعة: عارف جابو
الفنان أحمد فتحي، مطرب وعازف عود وملحن. من مواليد مدينة الحديدة اليمنية، بدأت علاقته بالغناء والعزف على ألة العود وهو في الثامنة من عمره وأصدر أول ألبوم وعمره 12 عاما، حيث أظهر نبوغاً في الموسيقى، فلقب بـ"الطفل المعجزة". حصل على العديد من الجوائز العربية والعالمية وشارك في حفلات عربية وعالمية.