الفوضى تجعل من ليبيا ممرا رئيسيا للاجئين باتجاه أوروبا
٨ فبراير ٢٠١٧
هناك رغبة أوروبية لجعل ليبيا حصنا لصد تدفق اللاجئين باتجاه الشمال، غير أن البلاد تعاني منذ سنوات من الفوضى. وليس هناك ما يشير حاليا الى تحول البلاد الى الأفضل بسبب المجموعات المسلحة وإزدهار قطاع تهريب البشر.
إعلان
يُنتظر تحديدا من البلد الأقل استقرارا في شمال إفريقيا أن تساهم في حل أزمة الهجرة غير الشرعية وفي محاربة تهريب البشر. هذا ما أقره الاتحاد الأوروبي خلال قمته الأخيرة في مالطا. وهذا ما اقترحه كذلك رئيس الكتلة النيابية للحزب الاشتراكي الديمقراطي توماس أوبرمان في حديث له مع صحيفة "فرانكفورتر ألغماينتسايتونغ". فحوالي 90 بالمائة من مجموع 180.000 شخص عبروا البحر المتوسط في العام الماضي إلى الاتحاد الأوروبي استخدموا قوارب متهالكة وأخرى مطاطية انطلاقا من ليبيا. لكن في ديسمبر جاءت حادثة اختطاف طائرة ليبية إلى مالطا للتذكير بانتشار الفوضى والإرهاب في ذلك البلد. ووجب على قيادة الاتحاد الأوروبي التي اجتمعت في فاليتا المالطية أن تدرك وجود نقص لدى الشريك لإقامة تعاون في مواجهة تهريب البشر. فبعد أكثر من خمسة أعوام بعد الإطاحة العنيفة بنظام معمر القذافي مازالت المعركة على السلطة مستمرة. حيث إن حكومة الوحدة المعترف بها دوليا والتي يرأسها رئيس الوزراء فايز السراج ليست إلا واحدة من بين حكومات أخرى في ليبيا.
تدخل حلف شمال الأطلسي
عام 2011 تدخل الغرب عسكريا في ليبيا لأسباب إنسانية، بهدف إنقاذ المتمردين من بطش القذافي، كما ذكر. غير أن تدخل حلف شمال الأطلسي شهد في النهاية تحولا آخر خلافا للتصورات التي تم نسجها في باريس وواشنطن أو لندن. فآمال بناء مجتمع ديمقراطي حر ومنفتح بعد انهيار نظام القذافي لم تتحقق. كما تنشط اليوم هناك مئات المجموعات المسلحة لفائدة القائد العسكري أو لصالح القبيلة.
الشيء الذي ينمو في البلاد هو تهريب المخدرات والأسلحة وكذلك تجارة البشر: فانهيار الدولة جعل من ليبيا ممرا رئيسيا للاجئين باتجاه أوروبا. ماتيا تولدو من المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية يعتبر أن ظروف عيش الناس في ليبيا تدهورت كثيرا بعد انهيار نظام القذافي ويقول:"هناك انقطاعات مستمرة للكهرباء. الأوراق النقدية قليلة، والناس يقضون وقتا طويلا مصطفين أمام شبابيك البنوك للحصول في نهاية الأمر على بعض اليوروهات". واستنتج تولدو أن "الحياة اليومية تدهورت كما ساء الوضع الأمني والاقتصادي بشكل كبير".
تقديرات خاطئة
كريستيان موخ كان حتى سبتمبر الماضي على مدى ثلاث سنوات سفيرا لألمانيا في ليبيا، ويستنتج الدبلوماسي السابق أن جميع الأطراف المشاركة كانت لها في 2011 تصورات خاطئة عن مستقبل ليبيا ـ حتى بالنسبة لليبيين والفاعلين الدوليين. وقال موخ إن الجميع أخطأ التقدير. وتبين لاحقا وجود علاقات وثيقة بين مصالح السلطة والهوية في ليبيا المرتبطة بأماكن ومناطق معينة. إن ذلك يشكل عقبات هامة أمام التطور في ليبيا. ويقول موخ: "عامل أساسي تمثل في عدم وجود جيش وطني مباشرة بعد 2011. فالميليشيات التي كانت موجودة أصلا اكتسبت أهمية أكبر وأصبح التفكير محدودا أيضا داخل قوالب محلية".
تصدير الأسلحة والعنف
لا تقف تبعات انهيار الدولة الليبية عند حدود البلاد. فبعد انهيار نظام القذافي قام المتمردون بنهب مستودعات الأسلحة التابعة للجيش. ويقول تولدو إن "تدفق الأسلحة من ليبيا كان أحد الأسباب وراء النزاع في مالي". وحتى رئيس تشاد له نفس النظرة. وعلى هامش زيارته إلى برلين اشتكى الرئيس المالي إدريس دبي بداية أكتوبر الماضي وقال:" القذافي مات، وتم التخلي عن ليبيا لمجموعات مسلحة. وإفريقيا مجبرة اليوم على تحمل تداعيات هذه الفوضى". ودعا دبي إلى ضرورة تتحمل أوروبا مسؤولياتها تجاه الدول الإفريقية التي تعاني حاليا من إرهاب حركة بوكو حرام، لأن الأسلحة تأتي من ليبيا، حسب المتحدث.
التأثير الأجنبي يؤجج الانقسام
فكيف يمكن إنشاء جيش وطني تحت قيادة مدنية؟، إنه أحد التساؤلات الجوهرية التي يهتم بها مارتين كوبلر، مقرر الأمم المتحدة الخاص بليبيا. ولا يمكن لهذا الأخير سوى توجيه نداءات إلى الفرقاء الليبيين من أجل الحوار. واعتبر هذا الدبلوماسي الألماني قائلا:"إنها عملية ليبية يجب على الليبيين القيام بها. لكن الاتحاد الإفريقي والأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي وحتى الجامعة العربية مستعدة لدعم الليبيين".
لكن التأثير الأجنبي أجج بعد 2011 النزاع الليبي الداخلي. فقد تم تزويد الميليشيات المختلفة بالعتاد الحربي والأموال من دول مختلفة: قطر وتركيا تدعمان بوجه خاص ميليشيات في الشرق الليبي، فيما تدعم مصر والإمارات العربية المتحدة والعربية السعودية مجموعات مسلحة في الغرب. ويعتبر الخبراء أن هذا التأثير الأجنبي يشكل أحد الأسباب الرئيسية خلف انزلاق ليبيا في الفوضى.
ماتياس فون هاين/ م.أ.م
خمس سنوات على سقوط القذافي وليبيا لم تخرج بعدُ من النفق
بعد سقوط القذافي وعد سياسيون بإقامة دولة في ليبيا تحترم حقوق الإنسان، لكن بعد مرور سنوات لم تقم تلك الدولة حتى الآن.
صورة من: DW-Fotomontage/picture-alliance/AA/AP
في مدخل هذا النفق ألقى ثوار في 20 من اكتوبر 2011 القبض على القذافي وهاجمه نفر من الغاضبين وأردوه قتيلا. بعد خمس سنوات من الحادثة التي شكلت منعرجا في تاريخ ليبيا، يختزل هذا المكان وبألوانه المتداخلة وشعاراته المتضاربة، المشهد الليبي الغارق في الفوضى.
صورة من: picture alliance/dpa
بعد نحو 42 عاما من حكم معمر القذافي اندلعت في ليبيا في 17 فبراير/ شباط 2011 ثورة ضده أدت إلى سقوط نظامه بمساعدة من حلف الناتو، ومنذ ذلك الحين تبحث ليبيا عن مخرج من الاضطرابات السياسية والعنف الذي يجتاحها.
صورة من: dapd
في بنغازي بشرق ليبيا تأسس المجلس الوطني الانتقالي برئاسة مصطفى عبدالجليل، كوجه للمرحلة الإنتقالية بعد الثورة الليبية. ولم يكد ينته الشهر الذي قتل فيه القذافي حتى انتخب المجلس في طرابلس عبد الرحيم الكيب رئيساً للحكومة الانتقالية. وفور انتخابه صرح الكيب أنه يريد "بناء دولة تحترم حقوق الإنسان".
صورة من: dapd
في سنة 2012 قرر المؤتمر الوطني إجراء انتخابات مباشرة من قبل الليبيين لاختيار جمعية تأسيسية لصياغة دستور البلاد. كما صدر في نفس العام قانون تعديلي لتنظيم المحكمة العليا (أعلى هيئة قضائية في البلاد).
صورة من: AFP/Getty Images
استمر المجلس الوطني الانتقالي في السلطة نحو عشرة أشهر. وفي يوليو/ تموز 2012 جرى انتخاب المؤتمر الوطني العام، الذي شكل الحكومة برئاسة على زيدان في أكتوبر/ تشرين الأول، لكن المجلس سيحجب الثقة عن حكومة زيدان وإسقاطها في شهر مارس 2014.
صورة من: Reuters
ورغم وجود حكومة غرقت ليبيا في فوضى الجماعات والميلشيات المسلحة، وظهرت مخاطر تحولها إلى "دولة فاشلة" تأوي إليها العناصر الإرهابية والمتشددة من دول الجوار. وفي شهر فبراير/ شباط 2014 ظهر اللواء المتقاعد خليفة حفتر عبر شريط فيديو معلنا سيطرته على عدد من مؤسسات الدولة في شرق البلاد، وفي شهر مايو أعلن حفتر بدء "عملية الكرامة" لتطهير ليبيا من العناصر الإرهابية والمتشددة.
صورة من: Reuters
وتمت كتابة دستور بعد تعطل كبير لتجرى الانتخابات التشريعية بالنظام الفردي في 25 يونيو/ حزيران 2014. وفاز مرشحو التيار المدني الليبرالي بأغلبية مقاعد البرلمان، متقدمين على مرشحي التيار الوطني الإسلامي. ليحل البرلمان (مجلس النواب) وحكومته محل المؤتمر الوطني. ومقر مجلس النواب هو بنغازي، لكن أغلبية الأعضاء اختاروا طبرق لعقد جلساتهم.
صورة من: Reuters
اعترف المجتمع الدولي بالبرلمان في طبرق، والذي كلف عبدالله الثني بتشكيل حكومة، لكن ائتلاف "فجر ليبيا" في غرب البلاد، والذي تعد جماعة الإخوان المسلمين أقوى طرف فيه شكل برلمانا موازيا في طرابلس وحكومة برئاسة عمر الحاسي. وفي نوفمبر/ تشرين الثاني 2014 ألغت المحكمة العليا في طرابلس نتائج الانتخابات بحجة عدم دستورية قانون الانتخابات.
صورة من: picture-alliance/dpa
شهدت ليبيا مزيدا من الفوضى وتحولت إلى ملجئ للعناصر المسلحة من مشارب مختلفة وخصوصا من التيارات المتشددة، ومنها "أنصار الشريعة"، و"جيش تحكيم الدين" و"مجلس شورى الشباب" المواليين لتنظيم القاعدة، وتنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) وغيرها من الجماعات المسلحة التي تتراوح العلاقات فيما بينها بين التحالفات والتناحر.
صورة من: picture-alliance/AP Photo/M. Hannon
انحازت قوى إقليمية ودولية إلى طرفي الصراع. وفي حين تدعم مصر والإمارات وروسيا برلمان طبرق واللواء حفتر، تدعم تركيا وقطر برلمان طرابلس. وقامت مساع دولية من أجل تشكيل حكومة وحدة وطنية، ولهذا أوفدت الأمم المتحدة في أغسطس آب 2014 مبعوثا خاصا إلى ليبيا هو برنادينو ليون، الذي أطلق مسلسل مفاوضات في الصخيرات بالمغرب.
صورة من: picture-alliance/AA/Jalal Morchidi
استقال المبعوث الأممي إلى ليبيا برناردينو ليون بعد مفاوضات طويلة وعسيرة بين الأطراف الليبية في منتجع الصخيرات القريب من العاصمة المغربية الرباط. لينجح خلفه الديبلوماسي الألماني مارتين كوبلر في التوصل مع الأطراف الليبية في الصخيرات إلى اتفاق سلام يهدف لإنهاء الصراع السياسي والعسكري بينها في الخميس (17 كانون الأول/ ديسمبر 2015).
صورة من: imago/Xinhua
وبناء على اتفاق الصخيرات تشكل المجلس الرئاسي الليبي، الذي شكل بدوره حكومة وفاق وطني برئاسة فائز السراج، ونالت الحكومة ثقة برلمان طبرق بالأغلبية قرب نهاية فبراير/ شباط 2016. ووصل السراج الأربعاء (30 آذار/ مارس 2016) إلى طرابلس، لكن خليفة الغويل، رئيس ما يسمى بـ "حكومة الإنقاذ الوطني" طلب منه مغادرة البلاد هو ومن معه.
صورة من: picture-alliance/AP Photo/GNA Media
وبمرور الوقت أعلن الغويل دعمه لحكومة الوفاق الوطني لكنه تراجع عنه بعد ذلك. لتبقى في ليبيا حتى الآن ثلاث حكومات تتنازعها. حكومتان في طرابلس: "الوفاق الوطني" بقيادة السراج، و"الانقاذ" بقيادة الغويل وحكومة طبرق المؤقتة برئاسة عبدالله الثني، إضافة إلى العشرات من الميليشيات المسلحة والمتناحرة.