البقاء أم الرحيل؟ تحاول روسيا بعد انتصار المعارضين الإسلامويين في سوريا استطلاع مستقبل قواعدها العسكرية هناك، وبالذات القاعدة البحرية في طرطوس ذات الأهمية الكبيرة لروسيا. فهل تتحالف السلطة الجديدة في سوريا مع موسكو؟
إعلان
هل ستخسر روسيا قاعدتيها العسكريتين في سوريا بعد انتصار المعارضين الإسلامويين هناك وهروب الرئيس بشار الأسد؟. هذا السؤال مفتوح وربما لا يلوح أي قرار روسي سريع في الأفق. فقد قال يوم الاثنين متحدث الرئاسة الروسية دميتري بيسكوف إنَّ الحديث حول ذلك "سابق لأوانه". كما ذكرت وسائل إعلام روسية أنَّ الإسلامويين، الذين وصلوا إلى السلطة في سوريا بقيادة جماعة "هيئة تحرير الشام"، أكدوا لموسكو ضمان أمن قواعدها العسكرية.
ومع أنَّ الحقائق تشير أكثر إلى ذلك، ولكن لا توجد أية تأكيدات من مصادر أخرى.
وروسيا لديها قاعدتان عسكريتان في سوريا - قاعدة بحرية في مدينة طرطوس على البحر الأبيض المتوسط ورثتها من الاتحاد السوفيتي، ومنذ عام 2015 قاعدتها الجوية العسكرية في حميميم.
"يمكن حتى الآن رؤية نشاط طائرات نقل روسية في حميميم، ولكن ليس بالحجم الذي يمكن فيه الحديث عن إجلاء كامل"، كما يقول غوستاف غريسيل، وهو خبير سابق في المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية (ECFR). وصحيح أنَّ السفن الروسية تقوم بـ"مناورات" في البحر الأبيض المتوسط، ولكنها غير بعيدة عن طرطوس، كما ذكر غوستاف غريسيل لـDW: "أعتقد أنَّ روسيا تتفاوض خلف الكواليس من أجل الاحتفاظ بقواعدها في سوريا. ولو أنَّ الروس تخلوا عن قواعدهم، فستجري في الواقع عملية إجلاء".
أهمية القواعد الروسية في سوريا
ويعتقد المؤرخ العسكري النمساوي العقيد ماركوس رايزنر أنَّ القاعدة البحرية في طرطوس هي "الأهم استراتيجيًا" بالنسبة لروسيا لأنَّها تستطيع "من هناك نشر قوات في البحر الأبيض المتوسط". ويضيف أنَّ القاعدة الجوية في حميميم كانت ضرورية بالنسبة لموسكو من أجل دعم نظام الأسد ضد المسلحين، "لكن ذلك انتهى"، كما يلاحظ ماركوس رايزنر.
ومن جانبه يرى الخبير السياسي البريطاني مارك غاليوتي، ومؤلف كتاب "حروب بوتين"، أنَّ القاعدتين "مهمتان للغاية للأنشطة الروسية في البحر الأبيض المتوسط وإفريقيا". ويقول: "من المثير للاهتمام كيف حاولوا (الروس) بسرعة التوصل إلى اتفاق مع هيئة تحرير الشام".
قبل فترة قصيرة فقط كان وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف يصف هذه الجماعة بأنَّها "إرهابية". ولكن موسكو بدأت تطلق عليها منذ نهاية الأسبوع الماضي اسم "معارضين". وحتى قبل سقوط نظام بشار الأسد، باتت لهجة موسكو تجاه الإسلامويين في سوريا "مهذبة أكثر"، كما يقول مارك غاليوتي.
ما الذي تستطيع موسكو تقديمه للمعارضين؟
"على الأرجح أنَّ روسيا تأمل في التوصل إلى اتفاق مع هيئة تحرير الشام"، كما يقول مارك غاليوتي. ولكن ما الذي تستطيع موسكو تقديمه؟. وبحسب تقييمه فإنَّ المعارضين مدعومون في الواقع من تركيا، ولكنهم "لا يريدون أن يكونوا بمثابة وكيل لتركيا؛ فهم بحاجة إلى حلفاء وعلاقات". وهنا يأتي دور روسيا. "الروس بطبعهم ساخرون وعمليون جدًا، وهذا قد يمنح هيئة تحرير الشام فرصة لتنويع اعتمادها على أنقرة"، كما يعتقد الخبير البريطاني مارك غاليوتي. ويشير ضمن هذا السياق إلى أنَّ موسكو وجودها في سوريا ليس عسكريًا فقط، بل لديها أيضًا علاقات اقتصادية وثيقة.
أما بوركو أوزجيليك، وهو خبير في شؤون الشرق الأوسط بمركز الأبحاث البريطاني "المعهد الملكي للخدمات المتحدة" (RUSI)، فهو غير مقتنع بأنَّ المعارضين السوريين سيلبون بسرعة رغبات موسكو. ويقول: "من المشكوك فيه أن تسارع هيئة تحرير الشام إلى الظهور كحليف (للرئيس فلاديمير) بوتين وإعطاء الضوء الأخضر لوجود عسكري روسي طويل الأمد على ساحل البحر الأبيض المتوسط السوري. لأنَّ الأسد حصل على حق اللجوء في روسيا". ويتوقع بوركو أوزجيليك مفاوضات طويلة يحاول فيها اللاعبان الإقليميان، روسيا وإيران، "تعديل سياستهما الخارجية تجاه سوريا".
إعلان
إلى أين تنسحب القوات الروسية؟
وإذا اضطرت القوات الروسية إلى الانسحاب من سوريا، وحتى لو على مراحل، فإلى أين سينسحب؟. "لا يوجد لدى الروس خيارات جيدة"، كما يعتقد مارك غاليوتي. وبحسب رأيه فقد كانت سوريا في عهد الأسد تعتمد بشدة على موسكو. ولا توجد دولة أخرى مثلها في المنطقة.
وتعد ليبيا من بين الخيارات الممكنة، التي كثيرًا ما يتم ذكرها، حيث تقيم روسيا اتصالات مع الجنرال خليفة حفتر، الذي قاتل إلى جانبه مرتزقة روس من مجموعة "فاغنر". ويدور الحديث في الصحافة الغربية حول نية روسيا إنشاء قاعدة بحرية في ليبيا. وقد تكون في طبرق، كما يفترض ماركوس رايزنر.
ويعتقد مارك غاليوتي أنَّ هذا الخيار لا يمكن تحقيقه بسرعة بسبب عدم وجود بنية تحتية جاهزة هناك. ويضيف أنَّ هذا ينطبق على السودان، الذي تتفاوض موسكو مع حكومته منذ سنين حول إنشائها قاعدة بحرية على البحر الأحمر. "لا يهم إلى أين يذهب الروس - إلى ليبيا، مالي، السودان - فلن يجدوا موقعًا مثل سوريا".
آثار محدودة للحرب الأوكرانية
وضمن هذا السياق، يطرح سؤال آخر: عندما تسحب روسيا قواتها العسكرية من سوريا، فماذا يعني ذلك بالنسبة للحرب الروسية ضد أوكرانيا؟. وحول ذلك يقول مارك غاليوتي: "إذا أردنا الصدق، فيمكننا تجاهل الآثار". وبحسب قوله فإنَّ عدد القوات التي تستطيع موسكو نقلها من سوريا إلى الجبهة الأوكرانية ضئيل ولا يستحق الذكر.
ويوافقه في هذا الرأي الخبير غوستاف غريسيل، مشيرًا إلى أنَّ: "الأخبار الجيدة (من سوريا) محدودة بالنسبة لأوكرانيا". ويضيف أنَّ روسيا لا تملك القدرة والرغبة لفتح جبهة ثانية بينما تخوض بكل الوسائل حربًا مع أوكرانيا. كما أنَّ "أوكرانيا لن تستفيد بشكل ملحوظ من إضعاف إسرائيل لإيران"، كما يعتقد الخبير غوستاف غريسيل.
أعده للعربية: رائد الباش
مسارات الثورة السورية - سقوط نظام بشار الأسد بعد سنوات من سفك الدماء
مع الانهيار المفاجئ لحكم بشار الأسد في سوريا ثم سقوطه يوم الأحد 08/ 12/ 2024 حققت المعارضة السورية أهدافها بعد قرابة 14 عاما، في لحظة حاسمة من حرب أهلية حصدت أرواح مئات الآلاف ونزح بسببها نصف السكان واستقطبت قوى خارجية.
صورة من: Orhan Qereman/REUTERS
2011 - احتجاجات سلمية وقمع
انتشرت الاحتجاجات الأولى سلميا ضد الأسد سريعا في أنحاء البلاد، وواجهتها قوات الأمن بالاعتقالات والرصاص. ثم حمل بعض المتظاهرين السلاح وانشقت وحدات عسكرية بالجيش مع تحول الانتفاضة إلى ثورة مسلحة حظيت بدعم دول غربية وعربية وكذلك تركيا.
صورة من: AP
2012 - تفجير هو الأول من نوعه في دمشق
وقع تفجير بدمشق هو الأول من نوعه نفذته جبهة النصرة فرع تنظيم القاعدة الجديد بسوريا والتي اكتسبت قوة وبدأت بسحق جماعات ذات مبادئ قومية. واجتمعت القوى العالمية بجنيف واتفقت على الحاجة لانتقال سياسي لكن انقسمت حول كيفية تحقيق ذلك. الأسد وجه قواته الجوية نحو معاقل المعارضة مع سيطرة المقاتلين على أراضٍ لتتصاعد الحرب مع وقوع مجازر على الجانبين.
صورة من: Reuters
2013 – دعم إيران وحزب الله للأسد واتهام نظامه باستخدام السلاح الكيماوي
ساعد حزب الله اللبناني الأسد على تحقيق النصر في القُصَير ليوقف زخم المعارضة ويظهر الدور المتزايد للجماعة المدعومة من إيران في الصراع. حددت واشنطن استخدام الأسلحة الكيميائية كخط أحمر، لكن هجوما بغاز السارين [كما في الصورة هنا] على الغوطة الشرقية التي سيطرت عليها المعارضة قرب دمشق أودى بحياة عشرات المدنيين دون أن يثير ردا عسكريا أمريكيا.
صورة من: Reuters
2014 - استسلام مقاتلي المعارضة في حمص القديمة
سيطر تنظيم الدولة الإسلامية فجأة على الرقة بالشمال الشرقي وعلى مساحات بسوريا والعراق. استسلم مقاتلو المعارضة [نرى بعضهم في الصورة] بحمص القديمة ووافقوا على المغادرة لمنطقة أخرى بأول هزيمة كبيرة لهم بمنطقة حضرية كبرى وهذا مهد لاتفاقات "إخلاء" بعد ذلك. شكلت واشنطن تحالفا ضد تنظيم الدولة الإسلامية وبدأت بتنفيذ ضربات جوية مما ساعد القوات الكردية على وقف مد التنظيم لكنه تسبب بتوترات مع حليفتها تركيا.
صورة من: Salah Al-Ashkar/AFP/Getty Images
2015 - اكتساب المعارضة أراضيَ في إدلب ودعم روسيا للأسد
بفضل تحسين التعاون والحصول على الأسلحة من الخارج تمكنت الجماعات المعارضة من كسب المزيد من الأراضي والسيطرة على شمال غرب إدلب، لكن بات للمسلحين الإسلاميين دور أكبر. انضمت روسيا إلى الحرب لدعم الأسد بشن غارات جوية حولت دفة الصراع لصالح رئيس النظام السوري لسنوات لاحقة.
صورة من: Reuters/K. Ashawi
2016 - هزيمة المعارضة في حلب على أيدي قوات الأسد وحلفائه
مع قلقها من تقدم الأكراد على الحدود شنت تركيا عملية توغل مع جماعات معارضة متحالفة معها مما أدى لإقامة منطقة جديدة تحت السيطرة التركية. تمكن الجيش السوري وحلفاؤه من هزيمة المعارضة في حلب، وهو ما اعتبر آنذاك أكبر انتصار للأسد في الحرب. انفصلت جبهة النصرة عن تنظيم القاعدة وبدأت محاولة تقديم نفسها في صورة معتدلة، فأطلقت على نفسها سلسلة من الأسماء الجديدة قبل أن تستقر في النهاية على هيئة تحرير الشام.
صورة من: picture-alliance/AA/E. Leys
2017 - هزيمة تنظيم الدولة الإسلامية في الرقة
تمكنت قوات مدعومة من الولايات المتحدة بقيادة الأكراد [هنا في الصورة] من هزيمة تنظيم الدولة الإسلامية في الرقة. وانتهى هذا الهجوم وهجوم آخر شنه الجيش السوري بطرد هذا التنظيم المتطرف من كل الأراضي تقريبا التي استولى عليها.
صورة من: Reuters/G. Tomasevic
2018 - استعادة الأسد للغوطة الشرقية ودرعا
استعاد الجيش السوري الغوطة الشرقية قبل أن يستعيد سريعا جيوبا أخرى للمعارضة في وسط سوريا ثم درعا معقلها الجنوبي. وأعلن الجيش الحكومي خروج جميع فصائل المعارضة من منطقة الغوطة الشرقية بعد نحو شهرين من هجوم عنيف على هذه المنطقة التي كانت معقلاً للمعارضة.
صورة من: Getty Images/AFP/L. Beshara
2019 - فقدان تنظيم الدولة الإسلامية آخر معاقله في سوريا
فقد تنظيم الدولة الإسلامية آخر معاقله في سوريا. وقررت الولايات المتحدة إبقاء بعض قواتها في البلاد لدعم حلفائها الأكراد. وبإعلانها السيطرة على آخر معاقله في سوريا طوت قوات سوريا الديمقراطية نحو خمس سنوات من "الخلافة" المزعومة لتنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش). ورحب زعماء العالم بـ"تحرير" منطقة الباغوز مؤكدين على مواصلة "اليقظة" تجاه خطر التنظيم.
ساندت روسيا هجوما لقوات النظام السوري انتهى بتفاهمات روسية تركية ايرانية ليتجمد القتال عند معظم خطوط المواجهة. وسيطر الأسد على جل الأراضي وجميع المدن الرئيسية ليبدو أنه قد رسخ حكمه. وسيطر المعارضون على الشمال الغربي فيما سيطرت قوة مدعومة من تركيا على شريط حدودي. وسيطرت القوات التي يقودها الأكراد على الشمال الشرقي.
2023 - تقليص وجود إيران وحزب الله في سوريا وتقويض سيطرة الأسد
وقع هجوم حركة حماس الارهابي غير المسبوق على إسرائيل في السابع من أكتوبر / تشرين الأول ليندلع قتال بين إسرائيل وحزب الله اللبناني أدى في نهاية المطاف إلى تقليص وجود الجماعة في سوريا وتقويض سيطرة الأسد. في الصورة: قصف مبنى بالقرب من السفارة الإيرانية في دمشق منسوب لإسرائيل عام 2024.
صورة من: Firas Makdesi/REUTERS
2024 - سقوط نظام الأسد وحكم حزب البعث في سوريا 08 / 12 / 2024
شنت المعارضة هجوما جديدا على حلب. ومع تركيز حلفاء الأسد على مناطق أخرى، ينهار الجيش سريعا. وبعد ثمانية أيام من سقوط حلب استولى المعارضون على معظم المدن الكبرى من بينها دمشق ليسقط حكم الأسد في تاريخ الثامن من ديسمبر / كانون الأول 2024. الصورة من دمشق في تاريخ 08 / 12 / 2024 من الاحتفالات الشعبية بالإطاحة بنظام الأسد. إعداد: علي المخلافي