ينظر المسيحيون بترقب إلى أول رحلة خارجية للبابا ليو الرابع عشر، التي ستقوده إلى كل من تركيا ولبنان. المسلمون أيضا يتابعون رحلته باهتمام. ما هي أولويات البابا الجديد. وما أهمية زيارته للبلدين؟
لبنان، بيروت، 2025 البابا ليو الرابع عشر على لوحات إعلانية قبل رحلته المقررة إلى لبنانصورة من: Mohamed Azakir/REUTERS
إعلان
بعد حوالي سبعة أشهر منذ اختياره في منصب الكرسي الرسولي، يقوم البابا ليو (لاوون) الرابع عشر بأول رحلة خارجية له. تقوده هذه الرحلة من 27 إلى 30 نوفمبر إلى تركيا ثم إلى لبنان حتى 2 ديسمبر.
وبذلك يواصل الحبر الأعظم، الذي ينحدر من الولايات المتحدة، الالتزام الدولي الذي كان يتحلى به أسلافه. يقول يورغ إرنستي، مؤرخ الكنيسة وخبير البابوية من أوغسبورغ لـ DW إن السفر أصبح اليوم جزءا لا يتجزأ من ممارسة منصب البابا و "لا يمكن الاستغناء عنه".
ويُنتظر بفارغ الصبر معرفة النقاط التي سيؤكد عليها البابا ليو في رحلته الأولى وكيف سيختلف عن أسلافه. في تركيا يعتزم باباالكنيسة الكاثوليكية زيارة العاصمة أنقرة وإسطنبول. كما سيتوجه إلى مدينة إزنيك الواقعة على بعد 100 كيلومتر جنوب شرق العاصمة حيث انعقد أول مجمع كنسي عالمي قبل 1700 عام.
وفي لبنان ستشمل جولته العاصمة بيروت والعديد من الأماكن الصغيرة للحج في شمال البلاد. وفي نهاية رحلته سيقف ليو في صلاة صامتة في ميناء بيروت في المكان الذي دمر فيه انفجار مروع لمخزن الأسمدة والمتفجرات في صيف 2020 أحياء بأكملها وأودى بحياة حوالي 200 شخص وهز البلد بأسره.
نهاية نوفمبر 1979: البابا يوحنا بولس الثاني (وسط) خلال زيارته إلى تركياصورة من: Martin Athenstädt/dpa/picture alliance
في تركيا ولبنان كان يعيش في الماضي الكثير من المسيحيين
هناك سمة خاصة تربط بين البلدين: قبل أكثر من مائة عام كان المسيحيون يشكلون نسبة كبيرة من سكان البلدين. في تركيا كان حوالي ثلث السكان ينتمون إلى كنيسة وفي لبنان كان أكثر من النصف. اليوم لا يعتنق المسيحية في تركيا سوى أقل من 1% من السكان وفي لبنان حوالي 30%.
وستكون تركيا باستثناء إيطاليا أول دولة في العالم تستضيف خمسة باباوات. ويرجع ذلك أيضا إلى أن الجزء الآسيوي من تركيا يضم تقاليد مهمة من أقدم تاريخ المسيحية والعديد من أوائل المجتمعات المسيحية.
في إسطنبول التي كانت تُعرف سابقا باسم القسطنطينية لا يزال مقر رئيس الأرثوذكسية الفخري وهو حاليا البطريرك الأرثوذكسي اليوناني بارثولوميوس (85 عاما). تعاني كنيسته منذ عقود من قيود تفرضها الدولة التركية. ليو مثل أسلافه يوحنا بولس الثاني (1979) وبنديكت (2006) وفرانسيس (2014) يزور إسطنبول عن قصد في نهاية نوفمبر. ففي 30 نوفمبر يتم الاحتفال بعيد القديس أندراوس الذي له أهمية بالنسبة للأرثوذكسية مماثلة لأهمية القديس بطرس بالنسبة للمسيحيين الغربيين.
"حرية دينية مقيدة"
وحسب تقديرات مؤرخ الكنيسة إرنستي فإن "حرية الدين في تركيا مقيدة في أحسن الأحوال". وينطبق ذلك بشكل خاص على الكنيسة الأرثوذكسية اليونانية التي "تقريبا انقرضت" منذ طرد اليونانيين من القسطنطينية وآسيا الصغرى قبل أكثر من 100 عام. كما أن البطريرك المسكوني مقيد في عمله.
نهاية نوفمبر 2014: البابا فرانسيس مع المفتي رحمي ياران أثناء زيارة المسجد الأزرق في إسطنبولصورة من: Bulent Kilic/AFP/Getty Images
منذ أكثر من 50 عاما تم إغلاق معهد اللاهوت الأرثوذكسي على جزيرة خالكي في بحر مرمرة بالقرب من إسطنبول بموجب مرسوم حكومي. وحسب إرنستي لا تستطيع الكنيسة الكاثوليكية أيضا ممارسة أنشطتها بحرية.
تعد هذه الزيارة مثيرة للاهتمام لأنها أول رحلة يقوم بها هذا البابا إلى بلد ذي طابع إسلامي وتغلب عليه الثقافة الإسلامية. يقول اليسوعي فيليكس كورنر لـ DW: "يشعر الكثير من الناس في العالم الإسلامي وخاصة في تركيا بالفخر لأن أول رحلة خارجية له تقوده إليهم بالذات". وهم يدركون تماما "أن الغرض الأساسي من هذه الرحلة ليس بالضرورة زيارة بلد ذي طابع إسلامي. ومع ذلك فإنهم يعتبرون ذلك شرفا كبيرا".
اليسوعي كورنر هو أحد أهم العلماء المتخصصين بالإسلام لدىالكنيسة. يتحدث التركية ودرّس لعدة سنوات في تركيا. وحسب انطباعه "اكتسب الحوار بين المسيحية والإسلام مؤخرا ديناميكية جديدة ومثيرة". ففي العديد من البلدان نشأ جيل من الشباب المسلم الذي يشعر بوضوح أن قادته السياسيين يستخدمون الدين وخاصة الإسلام "للحفاظ على السلطة إلى درجة الوحشية كدعم لنظام الظلم".
إعلان
"القوة الناعمة" للبابا
بالنسبة لهم، يقول كورنر يجسد البابا ليو "شكلا بديلا من أشكال الحضور الديني". فهو يظهر أن الدين يمكن أن يكون قويا "من خلال القوة الناعمة" من خلال القدوة أو الشهادة الحية والكلمات الطيبة أو الدبلوماسية وليس "من خلال القوة الصلبة وسلطة الدولة والعنف والفساد". وحسب كورنر استمد عدد كبير من معارفه المسلمين من ذلك أملا جديدا في أن الدين يمكن أن يُمارس بطريقة أخرى غير التسييس.
ميناء بيروت بعد الانفجار المدمر الذي وقع في 4 أغسطس 2020صورة من: Fadel Itani/NurPhoto/picture alliance
نظرا للتنوع الديني الصعب في بعض الأحيان فإن محطة لبنان في الرحلة مهمة أيضا. تتميز البلاد تقليديا بتعايش العديد من الأديان. لا توجد ديانة رسمية للدولة. وأكثر من 60 في المائة من اللبنانيين هم اليوم من المسلمين السنة أو الشيعة وحوالي 30 في المائة من المسيحيين من مختلف الطوائف. إلى جانب ذلك هناك الدروز والعلويون. حزب الله الشيعي المدعوم من إيران هو عامل قوي في السلطة والاضطراب السياسي.
ويوضح إرنستي أن النظام السياسي مقسم بوضوح بين ممثلي الديانات المختلفة وفقا لنظام نسبي محدد. وفي هذا الصدد ينظر الفاتيكان إلى لبنان "كمجال تجريبي لنجاح التعايش بين الناس من مختلف الديانات".
إذا لم يتوافق الناس في مثل هذا "البلد متعدد الأديان" فسوف يحدث عدم استقرار. من ناحية أخرى فإن المجتمع يستفيد من التعاون الإيجابي. في الوضع الحالي للبنان فإن البلد "ليس وجهة سهلة" بالنسبة للبابا ليو الرابع عشر.
فيما يتعلق بالحوار بين المسيحية والإسلام يتوقع اليسوعي كورنر أن ليو سيواصل مسار التقارب مع الإسلام بطريقة مختلفة عن سلفه فرانسيس. يقول كورنر: "كان نهج البابا فرانسيس هو نهج الصداقة". فقد أبدى تعاطفا واضحا وحقق تقدما من خلال التبادل الحي والعلاقات الجيدة مع الشخصيات الإسلامية. وقد أثر ذلك على رحلاته إلى العالم الإسلامي مثل زيارته إلى أبو ظبي في عام 2019 التي شهدت توقيع وثيقة التفاهم المتبادل التي حظيت باهتمام عالمي.
أوائل عام 2019: البابا فرانسيس (يمين) خلال زيارة إلى الإمارات العربية المتحدة مع رئيس وزراء الإمارات (وسط) والمفتي الأكبر لجامعة الأزهر في القاهرة.صورة من: picture-alliance/dpa/M. Al Hammadi
ويقول اليسوعي إن البابا ليو لديه أولويات وآمال وقيم مشابهة لتلك التي لدى فرانسيس. لكن البابا الجديد مختلف في أسلوبه: "أكثر تنظيما وحذرا وترويا". "ليو هو خبير في القانون الكنسي. وهذا أمر جيد جدا. سيعمل على تنشيط وخلق هياكل مستدامة من أجل هذا التفاهم المتنامي بين المسلمين والمسيحيين".
ويضيف كورنر أن من الصحيح تماما أن يأتي بعد بابا رائد مثل فرانسيس نوع مختلف تماما من الزعماء الدينيين. بابا "يصب هذا الإرث الآن في قوالب تضمن استدامة حقيقية" ويجعل التعاون العميق بين الأديان ممكنا.
أعده للعربية: م.أ.م (ع.ج.م)
"بابا الشعب والمهمشين" - مسيرة غير تقليدية للبابا الراحل فرنسيس
البابا فرنسيس يسوعي أرجنتيني، محب للكرة والتانغو، معروف بالعفوية والحيوية، "حالم" و"يغفو أحيانا أثناء الصلاة"، سعى بلا كلل إلى تحقيق هدفه الرئيسي وهو إصلاح الكنيسة الكاثوليكية لجعلها أكثر اهتماما بالفقراء والمهمشين.
صورة من: Domenico Stinellis/AP/ picture alliance
أول بابا من أمريكا اللاتينية
انتخب البابا فرنسيس خليفة للبابا السابق بندكيت السادس عشر، الألماني الذي قدم استقالته من منصبه. وهو أول بابا من الرهبنة اليسوعية ومن أمريكا اللاتينية. وأول بابا للكنيسة الكاثوليكية من خارج أوروبا منذ البابا غريغوري الثالث في القرن الثامن الميلادي. وبعد مسيرة غير تقليدية أعلن الفاتيكان وفاته الاثنين 21 أبريل/ نيسان 2025 عن 88 عاما.
صورة من: Reuters
رئيس أساقفة بوينس آيريس
ولد البابا فرنسيس في العاصمة الأرجنتينية بيونس آيريس باسم خورخي ماريو بيرغوليو في 17 ديسمبر/ كانون الأول عام 1936. وتخصص في مجال الكيمياء قبل أن يصبح رئيس أساقفة بوينيس آيريس. وكان والده محاسبًا مهاجرًا من إيطاليا، أمّا والدته فقد ولدت في بيونس آيرس في الأرجنتين لكنها من أصول إيطالية أيضًا.
صورة من: L'Osservatore Romano/AP Photo/picture alliance
داعية سلام
طالب أكثر من مرة بإيقاف الحرب في أوكرانيا وغزة والسودان، والتقى لاجئين أوكران في روما، تركوا ديارهم بسبب الحرب التي شنتها روسيا على بلادهم. ودعا البابا المعارض بشدّة لتجارة الأسلحة إلى السلام في أوكرانيا والشرق الأوسط.
صورة من: GUGLIELMO MANGIAPANE/REUTERS
في الموصل القديمة
زار العراق بعد جائحة كورونا، وهو أول بابا يزور العراق. حضر صلاةً من أجل ضحايا الحرب في "ساحة الكنيسة" (حوش البيعة) في البلدة القديمة بمدينة الموصل، بعد تحرير المدينة من تنظيم داعش الإرهابي، الذي قام بسبي وتهجير مئات الآلاف من الأقليات الدينية أبرزها الإيزيديين والمسيحيين.
صورة من: Vatican Media/REUTERS
لقاء مع السيستاني
خلال زيارته العراق توجه البابا فرنسيس لزيارة آية الله العظمى السيد علي السيستاني، وهو من أكبر المرجعيات الدينية الشيعية بالعراق والعالم في منزله المتواضع في مدينة النجف. كان البابا الأرجنتيني يؤمن بالحوار مع الأديان الأخرى خصوصا الإسلام.
صورة من: Balkis Press/ABACA/picture alliance
زيارة مصر
خلال زيارته مصر في الثامن والعشرين من نيسان/ أبريل 2017 التقى أيضا بشيخ الأزهر، الشيخ أحمد الطيب. وقد برز البابا فرنسيس بدفاعه إلى أقصى حدّ عن كنيسة "منفتحة على الجميع"، لدرجة أن معارضيه المحافظين ذهبوا إلى حدّ اتهامه بـ"الهرطقة" لانفتاحه على الأشخاص الذين تزوّجوا مجددا بعد طلاقهم والسماح لهم بتناول القربان المقدس.
صورة من: Reuters/M. Abd El-Ghany
مع اللاجئين في ليسبوس
زار اللاجئين في جزيرة ليسبوس اليونانية. شجب البابا استمرار كل أشكال العنف، من الاتجار بالبشر إلى كوارث الهجرة، مرورا بالاستغلال الاقتصادي. ودافع عن اللاجئين وحقوقهم. واصطحب 12 لاجئا إلى إيطاليا على طائرته وطلب من مؤسسات كنسية العمل على وقف تهريب البشر وأنماط الاسترقاق الحديثة.
صورة من: Andreas Solaro/AFP/Getty Images
الهجوم عليه
هاجم الكاثوليك المحسوبون على اليمين المتطرف البابا الأرجنتيني بسبب دعواته إلى استقبال المهاجرين، إذ رأوا في ذلك خطرا على هوية أوروبا المسيحية. لكن البابا، القادم من شوارع بيونس آيريس لم يتوقف عن الدفاع عن حقوق المهاجرين. ووجّه بانتظام توبيخات قوية للزعماء الأوروبيين، الذين يعارضون وصول المهاجرين وانتقد القادة الشعبويين.
صورة من: Reuters/A. Bianchi
في زلزال إيطاليا
البابا فرنسيس يُصلّي أمام الأنقاض في بلدة أماتريتشي، إيطاليا، في الرابع من شهر أكتوبر/ تشرين الأول عام 2016، عند وصوله للقاء الأشخاص الذين نجوا من الزلزال الذي ضرب بلدة أماتريتشي.
صورة من: picture-alliance/dpa/L´Osservatore Romano
فيزيائي ورجل دين
البابا فرنسيس يستقبل ستيفن هوكينغ عالم الفيزياء النظرية الراحل، خلال اجتماع مع الأكاديمية البابوية للعلوم في الفاتيكان، في الثامن والعشرين من شهر نوفمبر/ تشرين الثاني 2016.
صورة من: REUTERS
يزور السجناء
زار مرات عدة السجون في إيطاليا وفي دول أخرى. الصورة خلال زيارته إلى مركز كُوران فرومهولد للإصلاح والتأهيل في السابع والعشرين من شهر سبتمبر/ أيلول عام 2015 في مدينة فيلادلفيا بولاية بنسلفانيا. عرف البابا فرنسيس بأسلوبه القريب من الناس، ما أكسبه شعبية كبيرة.
صورة من: Getty Images/D. Maialetti
عاشق كرة القدم
كان البابا فرنسيس، هاويا للموسيقى وكرة القدم، وكان لا يستسيغ العطلات، وجدول أعماله يحفل غالبا بنحو عشرة مواعيد في اليوم. كان مشجعا للكرة. وحينما كان في بوينس آيريس كان يشاهد المباريات مع عامة الناس في المقاهي. في الصورة خلال استقباله المنتخب الألماني لكرة القدم في القصر الرسولي في الفاتيكان 14/11/ 2016.
صورة من: picture-alliance/Catholic Press Photo/IPA
السلام في الأراضي المقدسة
قضية السلام في الأراضي المقدسة كانت مما يشغل باله كثيرا. في الصورة مع رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس. دعا الى وقف الحرب في قطاع غزة، وأظهر تعاطفا مع الضحايا المدنيين. وفي ظهوره الأخير في عيد الفصح، ندّد في كلمة تلاها أحد مساعديه بـ"وضع مأساوي مخجل" في قطاع غزة، محذّرا في الوقت ذاته من "تنامي جو معاداة السامية الذي ينتشر في جميع أنحاء العالم".
صورة من: picture-alliance/dpa/G. Lami/ANSA
بابا متواضع
في روما، نظر البعض إلى الأسلوب غير المألوف لفرنسيس على أنه ثورة أو تمرد، معتبرين أنه أعطى الموقع طابعا أقلّ رسمية. فقد فضّل السكن في شقة صغيرة في دار الضيافة في الفاتيكان على القصر الرسولي، وكان يدعو بانتظام مشردين وسجناء إلى طاولته. كان البابا فرنسيس يعبّر عن مشاعره لمن يلتقيهم ... وحتى أثناء جائحة كوفيد أو أثناء جلوسه على كرسيه المتحرك، لم يرفض المصافحة قط.
صورة من: Reuters/S. Rellandini
ترامب والبابا
في 11 فبراير/ شباط 2025، كرّر إدانته عمليات الطرد الجماعي للمهاجرين التي يعتمدها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، ما أثار غضب البيت الأبيض. في الصورة ترامب وزوجته وابنته خلال زيارة إلى الفاتيكان في عام 2017. فرنسيس كان من أشدّ منتقدي الليبرالية الجديدة وقد ركّز رسالته على الدعوة الى العدالة الاجتماعية والبيئة والدفاع عن المهاجرين الهاربين من الحروب والفقر. تحرير: صلاح شرارة