القيصر بكنباور ينسحب من عالم الأضواء إلى عالم الظل
صلاح شرارة
٢٨ ديسمبر ٢٠١٦
فرانز بكنباور أعظم من لعب كرة القدم في تاريخ ألمانيا وواحد من أهم لاعبي الكرة في التاريخ. على مدى أكثر من خمسين عاما عاش القيصر في الأضواء المبهرة، لاعبا ومدربا وإداريا ومحللا كرويا. والآن أعلن انسحابه من عالم الأضواء.
إعلان
مع اقتراب عام 2016 من أيامه الأخيرة، أعلن قيصر كرة القدم الألمانية فرانز بكنباور (71 عاما) أنه سيتوقف عن كتابة عاموده بصحيفة بيلد، الذي يكتبه منذ 34 عاما. وفي الوقت نفسه كسر صمته بشأن اتهامات بتقديم رشى من أجل حصول ألمانيا على حق تنظيم مونديال 2006، الذي كان يرأس اللجنة المنظمة له.
ونفى القيصر الاتهامات، التي أساءت إلى صورته وصورة تلك البطولة، التي كانت حدثا مهما في حياة الألمان، الذين أطلقوا عليها اسم "أسطورة صيف"، من كثرة إعجابهم بها، فقد أظهرت ألمانيا بلدا مضيافا في أفضل صورة.
كانت الأضواء قد انسحبت بالفعل عن بكنباور قبل عاموده الأخير في بيلد. وانزوى الرجل إلى الظل، بعدما بدأت النيابة السويسرية في تحقيقات بشأن تهم الرشوة. غير أن الرئيس الشرفي لبايرن ميونيخ عاد للظهور مجددا في العشاء الخاص بعيد الميلاد (الكريسماس)، الذي أقامه نادي بايرن ميونيخ، ليلقى ترحيبا كبيرا داخل بيته، بايرن.
وكتب أولي هونيس في عدد هذا الأسبوع من مجلة كيكر يطالب بإقامة نصب تذكاري لبكنباور بدلا من توجيه سهام النقد إليه وقال: "كلنا استفدنا (من مونديال 2006)، البلد، والأندية، والسياسة، والمجتمع. أما من يحمل الآلام فهو فرانز بكنباور، الرجل، الذي ندين له بكل هذه الذكريات الرائعة والنتائج الإيجابية."
وأضاف أولي هونيس رفيق بكنباور حينما كان يلعبان سوية في بايرن والمنتخب الألماني، ثم يديران سوية شؤون بايرن ميونيخ الإدارية: "في الواقع يجب على المرء أن يضع إكليلا من الزهور على رأس بكنباور أو حتى كان من المفروض منذ فترة أن يصنع له نصب تذكاري."
التقدير الكبير لا يمنع من المسائلة
أما رومينغه فقال إن بايرن لن يشك أبدا في بكنباور "بالنسبة لي شخصيا كان فرانز دوما شخصا مهما وعظيما وسيبقى كذلك." وتابع رئيس مجلس إدراة بايرن ميونيخ والذي يصغر بكنباور بعشر سنوات "تعلمت منه الكثير في مسيرتي كلاعب وحياتي كاملة. وهذا ساعدني كثيرا، ودفعنى قدما، كمحترف وكإنسان وفي وظائفي في بايرن."
ليس هونيس ولا رومينيغه وحدهم من يرتبطون مع بكنباور بذكرياتهم ونجاحهم وإنما كثير من الألمان بل والناس في أنحاء العالم. فمنذ ظهوره في ستينيات القرن الماضي وهو مصدر بهجة وهمة للجميع. رحلته مع بايرن والفوز بكافة الألقاب الممكنة ومسيرته مع منتخب بلاده والفوز بكأس الأمم الأوروبية وكأس العالم لاعبا ثم مدربا ثم الفوز بتنظيم مونديال 2006، محطات مهمة ليس في حياة بكنباور وحده وإنما في حياة الملايين داخل ألمانيا وخارجها، لا سيما في أميركا وفرنسا. ويقول عنه الفرنسي أرسين فينغر مدرب أرسنال الإنجليزي "كان دائما في خدمة بلده، وجعل ألمانيا محبوبة في جميع أنحاء العالم من خلال التنظيم الناجح لكأس العالم."
ورغم تقدير الألمان لدوره الرائع في حياتهم يطالب الكثيرون بكنباور بتوضيح ملابسات مونديال 2006، فمكانته الكبيرة يجب ألا تحصنه من المسائلة حتى تظهر العدالة. مسألة ربما لم تكن لتشغل بال الناس في دول أخرى، لو كان الأمر لديهم يتعلق بشخص مثل بكنباور.
قبل أن يختفي عن الأضواء طيلة عام 2016 تعرض بكنباور لأقوى الضربات في عام 2015، فقد مات في يوليو/ تموز ابنه شتيفان، البالغ من العمر 42، ثم في أكتوبر/ تشرين الأول من نفس العام نشرت مجلة "دير شبيغل" لأول مرة تتحدث عن وجود شبهة فساد في مونديال 2006، بملايين اليوروهات، ملقية على بكنباور بظلال أكبر فضيحة فساد في حياته. لتبدأ بعدها تحقيقات حول دوره في تلك الفضيحة.
والآن، وعام 2016 يودعنا، أنزوى إلى الظل الرجل الذي عاش عمره وسط الرأي العام في ألمانيا، الرجل الذي "حيثما كان يقف، كان في القمة، وكان كثيرون يريدون أن ينالهم شيء من بريقه، وحقق بعضهم مسيرة ناجحة بشكل رائع في ظل بهائه"، حسبما كتبت مجلة كيكر.
70عاما من حياة أسطورة كرة القدم الألمانية بكنباور
يحتفل الأسطورة فرانز بكنباور بعيد ميلاده السبعين. محطات مثيرة من حياته نعرضها هنا احتفاء بعيد ميلاد قيصر كرة القدم الألمانية.
صورة من: Getty Images/Bongarts/A. Hassenstein
النجاح الذي حققه بكنباور أثبت أنه ماهر في ميادين عديدة. في اللعب وحتى في الإدارة، وأكبر دليل على ذلك الإنجازات الرائعة التي قدمها عندما كان لاعبا ومدربا، وحتى عندما تولى مهام إدارية وقيادية.
صورة من: picture-alliance/dpa/Peer Grimm
ولد بكنباور في مدينة ميونيخ في 11.09.1945. ونال على العديد من الجوائز، حيث حصل أربعة مرات على لقب البوندسليغا مع فريق بايرن ميونيخ، ومرة مع فريق هامبورغ، بالإضافة إلى حصوله على لقب بطولة الولايات المتحدة الأميركية لثلاث مرات مع فريق كوزموس نيويورك. فاز بكنباور مع المانشافت ببطولة كأس الأمم الأوروبية 1972، وبطولة كأس العالم 1974.
صورة من: imago/WEREK
لمع نجم بكنباور في مجال الدعاية والإعلان وتهافتت عليه شركات التسويق من مشروب الحساء ومرورا بالاسطوانات الموسيقية وانتهاء بشركات الهواتف المحمولة. كما أصبحت طريقته في الكلام ذات لكنة مميزة.
وبقدر ما تخطت اناقة بكنباور الحدود، فإن هيبته على أرضية الملعب كانت واضحة. تمريراته الكروية وأسلوبه في اللعب جعلت منه مشهورا. وفي عام 1974 قاد بيكنباور المنتخب الألماني إلى الحصول على كأس العالم.
صورة من: AP
"إذا كان يعمل فإنه يعمل" هذا الشعار قد يلخص حكمة بكنباور في الحياة. في عام 1977 اشتهر بأنه "الليبرو"، وهو خط الدفاع الأخير قبل حارس المرمى، وتم ظهور مجسمات له وأطلق عليه المشجعون والإعلام لقب القيصر.
صورة من: picture-alliance/dpa/dpaweb/Werek
في عام 1990 استطاع بكنباور بصفته مدربا للمانشافات أن يقود فريقه إلى الفوز بكأس العالم ضد الأرجنتين، لتحصل ألمانيا على اللقب للمرة الثالثة. قبلها بأربع سنوات التقى الفريقان الألماني والأرجنتيني في التصفيات النهائية وانتهت بفوز الأرجنتين على ألمانيا وهو الأمر الذي دفع ببكنباور إلى التصميم على الفوز لاحقا.
صورة من: picture-alliance/dpa/M. Hellmann
بعد النجاح الذي حققه في بطولة كأس العالم، إعتزل بيكنباور تدريب المنتخب الألماني. وتولى تدريب فريق نادي أوليمبيك مارسيليا الفرنسي، وقاده إلى الفوز ببطولة دوري الدرجة الأولى الفرنسي لكرة القدم عام1991. وعاد القيصر بعد ذلك إلى بايرن ميونيخ مدربا، ثم رئيسا للنادي حتى عام 2009، ورئيسا فخريا له إلى يومنا هذا.
صورة من: Paul Mazurek/Getty Images
وبقيت الكرة هي عالم بكنباور الخاص. حيث شغل من عام 1998وحتى 2010 منصب نائب رئيس الإتحاد الألماني لكرة القدم. ثم رئيس اللجنة المنظمة لمونديال ألمانيا 2006، التي اعتبرت من أكثر دورات البطولة العالمية تنظيما.
صورة من: picture-alliance/dpa/O. Berg
وعلى الرغم من أن بكنباور كان "محظوظا" في حياته الكروية، لكن حياته الخاصة كانت مختلفة تماما، إذ فشل في علاقاته الزوجية مرتين، وتزوج للمرة الثالثة عندما كان في الخمسين، وأنجب من زوجته هايدي طفلين. كما توفي ابنه شتيفان في الـ 31 من تموز/يوليو الماضي عن عمر ناهز الـ 46 عاما، بعد صراع طويل مع مرض السرطان.
صورة من: picture-alliance/dpa/Wolfgang Kumm
أكثر من 50 جائزة رياضية أعطيت لفرانز بكنباور على مدار نصف قرن مضى. وتكريما لإنجازاته الرياضية تم وضع صورته على أحد الطوابع البريدية في العام 2006.
صورة من: picture-alliance/dpa/B. Settnik
ويبدو أن اسم القيصر لا ينحصر باللاعب فقط، بل يتخطى ذلك إلى اسم أكلته المفضلة (كايزر شمارن) Kaiserschmarn، والتي تعتبر إحدى أكلات المطبخ البافاري الذي يعشقه بكنباور..
صورة من: picture-alliance/dpa/Bernd Settnik
ويظل بكنباور ألمع شخصية رياضية في ألمانيا، لذلك يحاول الكثير من الفنانين الألمان تقليده مثل الممثل الكوميدي ماتسه كنوب الذي يقلده باتقان. في الصورة كنوب بمناسبة عيد ميلاد قيصر الكرة الألمانية السبعون.
صورة من: picture-alliance/augenklick/firo Sportphoto
كانت وجهات نظر وقرارات بكنباور موضع تساؤل في بعض الأحيان، إذ صوت لصالح روسيا لاستضافة بطولة لكأس العالم 2018، وبعد ذلك وقع عقدا مع شركة روسية منتجة للغاز، ولأسباب ضريبية على الأرجح نقل سكنه إلى النمسا منذ العام 1982.