"الكتلة الأكبر" في العراق .. كابوس السوداني لتشكيل الحكومة
١٧ نوفمبر ٢٠٢٥
ينظر العراقيون بعين الترقب إلى حراك تشكيل الحكومة القادمة، بعد انتخابات تشريعية أفرزت نتائج مفاجئة في بعض جوانبها ومتوقعة في جوانب أخرى. المفاجئة أن نسبة المشاركة بالانتخابات بلغت أكثر من 56 بالمئة وهي أعلى من نسبة المشاركة في انتخابات عام 2021 التي بلغت 41 بالمئة.
أما الخريطة السياسية فبقيت من دون تغيير مفاجئ رغم غياب التيار الصدري ومقاطعته الانتخابات. فقد هيمنت في كردستان العراق وفي غربه القوى القبلية والمناطقية، فيما جاءت نتائج الانتخابات لصالح قوى سياسية شيعية إسلامية في وسطه وجنوبه، بل ارتفعت حظوظ قوى سياسية تحمل السلاح، بعد ترك التيار الصدري الساحة لها بداعي المقاطعة. غير أن ارتفاع نسبة المشاركة رغم غياب التيار الصدري الذي يمثل طبقة الفقراء من الشيعة والذي فاز بالانتخابات الماضية بـ 73 مقعدا يمثل تساؤلا بحاجة إلى طبيعة الدور الذي سيأخذه التيار على عاتقه.
خيبة أمل التيارات المدنية
الضربة الموجعة وجهت إلى التيارات المدنية والعلمانية، التي خرجت من دون أي مقعد في الانتخابات. تشير تقارير إلى أن قائمتي "تيار البديل" بقيادة عدنان الزرفي محافظ النجف الأسبق و"التحالف المدني الديمقراطي" بقيادة الأكاديمي الدكتور علي الرفيعي، القائمتان اللتان جمعتا القوى المدنية، بما فيها الحزب الشيوعي، "لم تتمكنا من الحصول على أي مقعد نيابي". النتيجة أن الفائزين هم ائتلاف "الإعمار والتنمية "بزعامة رئيس الحكومة العراقية محمد شياع السوداني الذي أظهر تقدما بأكثر من مليون و300 ألف صوت، وحل بعده حزب "تقدم" بزعامة محمد الحلبوسي. فيما جاءت القوائم الأخرى لـ"القانون" و"الصادقون "و" الحزب الديمقراطي الكردستاني "متقاربة في النتائج.
أما بالنسبة للقوى الشيعية فإن الإطار التنسيقي يضم "دولة القانون" بقيادة نوري المالكي وكذلك "عصائب أهل الحق" بقيادة الشيخ قيس الخزعلي، و"منظمة بدر" بقيادة هادي العامري، تيار "تحالف قوى الدولة الوطنية" بزعامة عمار الحكيم، يقال إن هذه القوى في حال ائتلافها معا فإنها تشكل 90 مقعدا في البرلمان.
الباحثة في الشأن السياسي نوال الموسوي أشارت في حوار مع DW عربية إلى أن تحالف الإعمار والتنمية يواجه صعوبات منها تحدي السقف الزمني لتشكيل الحكومة بحسب ما قال رئيس مجلس القضاء الأعلى، إذ يجب أن يتم في يوم العاشر من كانون الثاني/ يناير 2026 عقد أول جلسة لاختيار الرئاسات الثلاث (رئاسة الجمهورية، البرلمان ورئاسة الوزراء)، وأضافت "الرئاسات تتجه إلى طريقة اختيار السلة الواحدة".
أما بالنسبة للقوى السنية فقد بدأت "مشاورات داخلية حول توزيع المناصب الأساسية، في وقت تشير مصادر إلى أن توافقاً بين الحلبوسي وخميس الخنجر أو شخصيات سنية أخرى قد يصبح ممكناً، في حين يبقى التفاهم بين الحلبوسي ومثنى السامرائي رئيس تحالف "عزم" غير مرجح في المرحلة المقبلة، بحسب ما نقلت صحيفة "الشرق الأوسط".
سيناريوهات تشكيل الحكومة
من المفارقات في تشكيل الحكومات منذ عام 2003 في العراق أن من يفوز بالانتخابات لا يشكل الحكومة، بل من يشكلها من يحصل على "الكتلة الأكبر".
يتفق مراقبون عراقيون عايشوا تشكيل الحكومات الماضية على أن هناك ثلاثة سيناريوهات محتملة لتشكيل الحكومة:
الأول: يتجه السوداني الذي فاز بـ 45 مقعدا لتشكيل الحكومة بالتعاون مع الإطار التنسيقي وهو أمر يستدعي منه تقديم الكثير من التنازلات. السوداني جاء بالأساس لرئاسة الحكومة في الدورة الماضية من خلال ترشيح الإطار له بعد طول مخاض استمر حتى أكتوبر/تشرين الأول 2022. لكن نجاحه، خلال رئاسته للوزراء، في مسك العصا من الوسط بين واشنطن وطهران وحملة الإعمار التي بدأت خلال ولايته وعلاقته الإقليمية الجيدة مع دول الجوار خصوصا العربية منها، تجعل مراقبين يستبعدون إعادة دعم الإطار له رئيسا للوزراء.
الثاني: يتجه السوداني لتشكيل الحكومة مع القوى السياسية الأخرى السنية والكردية، لكن مثل هذا النموذج لن ينجح من دون الإطار التنسيقي أو بعض القوى المنضوية في الإطار، لأن عدد المقاعد التي فاز بها ائتلاف الإعمار والتنمية مع القوى الكردية والسنية لن يمنحه الأغلبية الكافية لتشكيل الحكومة.
السيناريو الثالث: عودة الكتلة الأكبر إلى الواجهة، أي إعادة ترتيب التحالفات من خلال احتمال تفكيك كتلة السوداني نفسه وانضمام بعضها إلى الإطار أو العكس. ما يعني أن من يشكل الحكومة ليس الفائز بالانتخابات بل من يشكل ائتلافا أكبر. وهناك حديث يدور عن أسماء مطروحة تشير إلى ترشيح نوري المالكي وكذلك حيدر العبادي وكلاهما رؤساء وزراء شكلوا الحكومات السابقة.
الباحثة في الشأن السياسي نوال الموسوي أشارت إلى "احتمال كبير أن يتجه السوداني، في حال بقاء الإطار مصرا على استبعاده، إلى دفة المعارضة، كما أن هناك شخصيات أخرى غير المالكي والعبادي ، طور الإعداد من قبل الإطار التنسيقي يمكن الدفع بها لواجهة الترشح لرئاسة الوزراء، وهي شخصيات يجب أن تنال رضا الجميع وهي أقرب أن تكون شخصيات أمنية تحديدا"، بحسب قولها.
من يحكم ومن يجلس في مقاعد المعارضة؟
على مدى عقدين على العملية السياسية الجديدة في إطارها الديمقراطي بالعراق، لم تخلُ أي حكومة من تمثيل كل الطوائف السياسية من شيعة وسنة وكرد وحتى من أقليات. وبناء على ذلك فإن المعارضة الحقيقية في البرلمان لم تكن ممثلة إلا من قبل نفس القوى التي تشترك في الحكومات أو من خلال القوى السياسية الصغيرة أو أعضاء البرلمان المستقلين. ولأن النظام السياسي في العراق يعتمد على المحاصصة التي تفرضها بديهيات التوزيع المناطقي والطائفي والعرقي والقبلي فإن الجميع يريد الحصول على جزء من كعكة السلطة. وحتى لو فرضنا أن المكون الشيعي الأكبر تمكن من تشكيل الحكومة فإنه غير قادر على استبعاد المكونات السنية والكردية من مقاعد الحكومة، لإن ذلك يعني إقصاء لها وهيمنة على الحكم من قبل طائفة واحدة.
حاول مقتدى الصدر تشكيل حكومة وطنية بعد فوز تياره عام 2021 بالانتخابات بـ73 مقعدا، مع قوى سنية وكردية، لكنه فشل في ذلك بعد معارضة من قبل الإطار التنسيقي وصدام وصل إلى حد اقتحام أنصاره المنطقة الخضراء في بغداد وسقوط ضحايا. ما دفعه للانسحاب من العملية السياسية ومقاطعة الانتخابات، الأمر الذي ينتقده مراقبون. ويقول الباحث في الشأن السياسي الدكتور حميد الكفائي لـDW إن "السيد مقتدى الصدر أخطأ في منع أنصاره من المشاركة في الانتخابات، لأن ذلك ترك المجال لقوى سياسية تحمل السلاح بالصعود وحصد مقاعد، ما كان لها أن تنجح في مسعاها لو شارك التيار الصدري بالانتخابات".
تفكيك وإعادة تموضع
شرعت القوى الشيعية المنضوية تحت تحالف "الإطار التنسيقي" في عقد جولات مكوكية فيما بينها لبحث مستحقات الانتخابات التشريعية وتشكيل العملية السياسية الجديدة للسنوات الأربع المقبلة. ومن المنتظر أن يبدأ السوداني أولى جولاته التفاوضية خلال زيارة سيقوم بها إلى إقليم كردستان هذه الأيام. وانطلقت الزيارات بين قيادات "الإطار" وحتى ائتلاف "الإعمار والتنمية" وتيار "تقدم" بقيادة رئيس البرلمان السابق محمد الحلبوسي. فيما تتحدث أنباء عن محاولات للحصول على دعم أكبر من خلال تفكيك تحالفات وضمها إلى ائتلاف أكبر. أي تفكيك ائتلاف "الإعمار والتنمية" الذي يضم قيادات مثل أحمد الأسدي والفياض، وضمها إلى الإطار التنسيقي. في سيناريو سيكون مشابها لما جرى في الانتخابات الماضية.
الباحثة في الشأن السياسي نوال الموسوي أوضحت أنه "حسب التحالفات الحالية فإن هناك تحالفات طولية برزت إلى الساحة من خلال جذب حلفاء السوداني، من ضمنهم الأسدي ومن المحتمل أن يلتحق فالح الفياض لاحقا".
تحرير: ف.ي