الكراهية في الحياة اليومية.. تنامي الإسلاموفوبيا في ألمانيا
٢١ مارس ٢٠٢٣
يصادف 21 آذار / مارس اليوم العالمي للقضاء على التمييز العنصري وهذا العام تحت شعار "ضرورة مكافحة العنصرية والتمييز العنصري - بعد مرور 75 عاماً من اعتماد الإعلان العالمي لحقوق الإنسان". ماذا عن الإسلاموفوبيا في ألمانيا؟
إعلان
السماء زرقاء وصافية ولكن الجو بارد في إيرفورت. سليمان مالك لا يهتم بالرياح والجور البارد، فهذا اليوم الأول من مارس/ آذار هو بمثابة عيد لديه. فالآن أصبح لمسجد الأحمدية الجديد مئذنة أيضا يبلغ ارتفاعها حوالي 9 أمتار.
وأخيرا تم بناء أول مسجد جديد في شرق ألمانيا، هذه المنطقة التي كانت جمهورية ألمانيا الديمقراطية سابقا.
رافعة ضخمة تضع قطع المئذنة الدائرية فوق بعضها بدقة متناهية. لم يكن سهلا بالنسبة لمالك أن يجد هذه الرافعة، حيث بقي لأشهر طويلة يبحث عن واحدة تستطيع العمل في هذه الأرض الموحلة، يقول لـ DW. وسبب هذا البحث الطويل عن رافعة، هو أن مزيجا من العنصرية والتطرف اليميني ومعاداة الإسلام "ردع الكثير من شركات البناء".
مالك حصل على موافقة العديد من الشركات، التي اضطرت إلى سحب موافقتها بعد "معاداتها". أخيرا وافقت هذه الشركة على جلب الرافعة وبناء المئذنة، بشرط الدفع نقدا وعدم التقاط صور فوتوغرافية أو فيديو أثناء العمل ولا للرافعة، لذلك لم يتم نشر صور للرافعة مع هذا النص، علما أن فريق تلفزيون محلي أيضا كان يراقب العمل والرافعة دون تصوير.
سليمان مالك (34 عاما) الذي يعيش في ألمانيا منذ 18 عاما مولود في باكستان، إنه مسلم مندمج جيدا في المجتمع، حيث يتحدث الألمانية بطلاقة ويعمل كمستشار للموارد البشرية، وهو نائب عمدة منطقة في إيرفورت- ريت.
بيد أنّ مسجد الطائفة الأحمدية الصغير الذي يرعاه، لم يكافح في التعامل مع شروط ولوائح البناء فقط، وإنما أشار مالك إلى صعوبة العثور على شركة بناء في شرق ألمانيا توافق على بناء مسجد.
جيفة خنزير وتهديدات!
إنه يتذكر جيفة الخنزير التي رماها مجهولون على قطعة الأرض، وصيحات التهديد التي أطلقت من سيارات مارة. وعندما نشر كاتب هذا النص تغريدة يوم تشييد المسجد مع صورة للمسجد، بعد نحو 6 ساعات فقط علق شخص على التغريدة باسمه الصريح قائلا "قبل هذا المسجد السيء تم إقامة 260 صلاة كاثوليكية مقابل بناء المسجد! هذا هو إنجاز راميلو (بودو راميلو العضو في حزب اليسار ورئيس وزراء ولاية تورينغن) يجب محاسبته".
مالك يعرف ذلك، وتلك الصلوات المزعومة على الجانب الآخر من الشارع الصغير في المنطقة الصناعية "لا تزال تقام كل يوم اثنين" إنها الإهانات والأعمال العدائية، على حد قوله. وهو يعلم أن رئيس وزراء ولاية تورينغن - بودو راميلو، الذي تعرض للهجوم في التغريدة، يقف بجانب المشروع والطائفة (الأحمدية).
يضمن الدستور الألماني الحرية الدينية، وما هو لا يتوفر في كل الدول. لهذا أعلنت الأمم المتحدة الخامس عشر من مارس/ آذار يوما عالميا لمكافحة "الإسلاموفوبيا" أو ما يعرف برهاب الإسلام. ولكن لماذا تم اختيار هذا اليوم؟ لأنه في الـ 15 مارس/ آذار 2019 قتل إرهابي يميني 51 شخصا وأصاب 50 آخرين في هجومين على مسجدين في كريست تشرش في نيوزيلندا.
ألمانيا التي لا يتم الاحتفال بهذا اليوم بشكل كبير، شهدت أيضا قبل ثلاث سنوت جريمة بشعة ذات دوافع عنصرية كان معظم ضحاياها من المسلمين. ففي شباط/ فبراير 2020 قتل رجل (43 عاما) عشرة أشخاص في مدينة هاناو ثم انتحر.
وحسب تحقيق أجراه مجلس خبراء الاندماج والهجرة نشر في خريف عام 2022 عبر حوالي ثلث إلى نصف الذين تم استطلاع رأيهم عن وجهات نظر معادية للمسلمين والإسلام. وكل أسبوع تقريبا هناك تقارير عن إلحاق أضرار بأحد المساجد في ألمانيا.
وفي مقابلة مع DW عبر الأمين العام للمجلس الأعلى للمسلمين، عبد الصمد اليزيدي، عن خيبة أمله وإحباطه.فالعنصرية تجاه المسلمين مع الأسف "شكل لعداء البشر أصبح مقبولا اجتماعيا، والذي يمكن للمرء أن يتحدث عنه دون تحفظ" يقول اليزيدي.
ويضيف "يحدث هذا في البرلمان الاتحادي (البوندستاغ) وبرلمانات الولايات من خلال الفاشيين، وبشكل متنام من قبل ممثلي ما يسمى بالأحزاب الراسخة (المقصود الأحزاب الرئيسية) أيضا، التي تريد الصيد في الماء العكر واقتناص أصوات الناخبين على الهامش اليميني".
قلق في ألمانيا من ارتفاع العنصرية ضد المسلمين
02:28
مفوض لشؤون المسلمين
عبد الصمد اليزيدي (47 عاما) المولود في ألمانيا، ناشط منذ مدة طويلة في مجال حوار الأديان، هو من هؤلاء الذين يعبرون عن رأيهم بتحفظ. يرى أن المسلمين في ألمانيا اليوم "موصومون". فقد ناشد المجلس الأعلى للمسلمين الحكومة الألمانية أكثر من مرة، لتعيين مفوض حكومي لشؤون المسلمين، على غرار مفوض الحكومة لشؤون اليهود.
ويقول اليزيدي "هناك الكثير جدا من المفوضين، حوالي 35 مفوضا، إنهم يقومون بأعمال مهمة للغاية". ويضيف "لقد تم حرمان المسلمين من ذلك، بحجج واهية". إنهم لا يريدون الاعتراف بوجود مشكلة عنصرية مناهضة للمسلمين "ويشعر المسلمون بذلك". في حين أنه يوجد مفوض لشؤون المسلمين في دول أخرى.
وفي كانون الثاني/ يناير الماضي عين رئيس الوزراء الكندي جاستن ترودو لأول مرة مفوضا لمكافحة معاداة المسلمين. ومنذ عام 2015 هناك منسق لمكافحة معاداة المسلمين لدى الاتحاد الأوروبي.
يوم المسجد المفتوح
أحيانا يرى سليمان مالك، أنه عالم مجنون! فهو يعرف أن مسلمين أيضا ينفذون هجمات ويتصرفون بدافع الكراهية في ألمانيا أيضا. قبل 18 عاما هرب والده مع عائلته من باكستان لأنه ينتمي للطائفة الأحمدية. وهذه الطائفة المسلمة التي تعتبر حركة إصلاحية، تتم محاربتها في باكستان البلد المسلم. حيث تتعرض لهجمات وتهدم مساجدها، وحتى القتل ليس بالأمر الغريب عليها.
واليوم يقع مركز الطائفة الأحمدية في لندن، وفي ألمانيا هناك عشرات الآلاف من أبناء الطائفة، وتحتفل هذا العام "بمائة عام من الأحمدية في ألمانيا".
ويقول مالك "هنا في إيرفورت هذا مسجدنا الـ 78" ولا يزال هناك حاجة لبعض الوقت حتى يكتمل بناؤه، وخاصة من الخارج. ويوضح مالك، أن المئذنة لن تستخدم لرفع الآذان، إنها بمثابة منارة، تدل على بيت الله.
كرستوف شتراك/ ع.ج
يوم المسجد المفتوح في ألمانيا... تراجع عدد الزوار والسبب ليس كورونا فقط!
قبل 25 عاما أطلق مسلمو ألمانيا فعاليات "يوم المسجد المفتوح" واختاروا له يوم الوحدة الألمانية (الثالث من تشرين أول/ أكتوبر) من كل عام، حيث تفتح المساجد أبوابها أمام الزوار للتعريف بالإسلام، لكن عددهم تراجع قليلا هذا العام
صورة من: picture-alliance/dpa/M. Skolimowska
منذ عام 1997، تقام فعالية "يوم المسجد المفتوح" في الثالث من تشرين الأول/ أكتوبر من كل عام، والذي يصادف يوم الوحدة الألمانية. واختيار هذا اليوم بالذات لم يأت مصادفة، فالمجلس المركزي للمسلمين في ألمانيا يود في هذا اليوم أن يؤكد على "أن المسلمين جزء من الوحدة الألمانية بالإضافة إلى التعبير عن ارتباطهم بمجموع السكان في ألمانيا".
صورة من: Fabien Sommer/dpa/picture alliance
انطلق يوم المسجد المفتوح هذا العام تحت شعار "المساجد أمس واليوم".وبحسب بيانات مجلس شؤون المسلمين بألمانيا، تشارك نحو ألف جمعية تشرف على مساجد على مستوى ألمانيا في فعاليات هذا اليوم. وبدأت الفعالية الأكبر التي تضم كثيرا من الضيوف من أوساط سياسية ومجتمعية في المسجد المركزي بمدينة كولونيا غربي ألمانيا التابع لاتحاد "ديتيب" الإسلامي التركي.
صورة من: Eman Helal/dpa/picture alliance
ألقت جائحة كورونا بظلالها على فعاليات "يوم المسجد المفتوح" في ألمانيا العام الماضي.عندما أصدرت الحكومة في مارس/ آذار 2020 ما يعرف بقيود كورونا، أغلقت حتى دور العبادة بما فيها المساجد أبوابها. لكن بعد تخفيف القيود في مايو/ أيار، سمح بالعودة للمساجد بشروط من بينها ارتداء الكمامة والتابعد لمسافة 1٫5 متر بين كل شخص في المسجد.في في هذه الصورة يظهر جليا قلة أعداد الزوار وتباعدهم عن بعضهم البعض.
صورة من: Henning Kaiser/dpa/picture-alliance
في مسجد الشهداء Sehitlik في حي نويكولون في برلين، تحدث رئيس جمعية المسجد ،عقوب آيار، عن حوالي 1500 إلى 2000 زائر هناك. في ظل إجراءات الوقاية من فيروس كورونا، تم ننظيم جولات في المساجد فضلا عن معرض للصور والموسيقى. على الرغم من استمرار تداعيات جائحة كورونا على هذه الفعالية، أبدى رئيس الجمعية رضاه عن عدد الزوار هذا العام. قبل الوباء، كان هناك حوالي 4000 إلى 5000 زائر.
صورة من: Fabien Sommer/dpa/picture alliance
غير أن رئيس المجلس المركزي للمسلمين بألمانيا، أيمن مازيك، قال في تصريح لوكالة الأنباء الألمانية (د.ب.أ) إن عدد الجاليات المشاركة-وكذلك عدد الزوار - تراجع بعض الشيء خلال الأعوام الماضية. وأشار إلى أن ذلك لا يرتبط فقط بظروف تفشي وباء فيروس كورونا المستجد، ولكنه يرجع إلى وجود مخاوف أمنية لدى بعض الجاليات.
صورة من: Eman Helal/dpa/picture alliance
الجاليات الإسلامية تريد في هذا اليوم أن تقرب الزوار من الإسلام أكثر، واختارت المساجد كأفضل مكان للالتقاء، فالمساجد ليست مكاناً للصلاة فقط، بل ويتم عقد اللقاءات والندوات بها أيضاً.
صورة من: Eman Helal/dpa/picture alliance
معظم المساجد تقدم جولات في هذا اليوم، وتظهر الصورة إحدى تلك الجولات في مسجد في بلدة هورت التابعة لمدينة كولونيا، حيث يتلقى الزوار معلومات عن العمارة والتاريخ والحياة اليومية في المساجد التي تعتبر أهم ملتقيات الجاليات الإسلامية في ألمانيا.
صورة من: picture-alliance/dpa/U. Baumgarten
من بين المساجد المشاركة في هذه الفعالية، المسجد المركزي في مدينة دويسبورغ. هو من أكبر المساجد في ألمانيا، وتم افتتاحه عام 2008. يشارك المسجد في نشاطات تدعم الاندماج في المدينة. في يوم المسجد المفتوح، يتيح المسجد لزواره، بالإضافة للجولة، فرصة مشاهدة صلاتي الظهر والعصر، بالإضافة إلى تقديم الشاي لهم.
صورة من: picture-alliance/dpa/M. Skolimowska
يتعرف الزوار على الإسلام أكثر ابتداء من اتباع بعض القواعد البسيطة المتبعة في المساجد، حيث يخلعون أحذيتهم قبل الدخول إلى مكان الصلاة، كما يشاهدون كيف يتوضأ المسلمون. ويقوم المسجد المركزي في كولونيا بتوضيح بعض الطقوس والقواعد للزوار في يوم المسجد المفتوح.
صورة من: picture-alliance/dpa/U. Baumgarten
المسجد الأزرق في هامبورغ، الذي أخذ اسمه من المسجد الأزرق في إسطنبول، لا يقع على البوسفور، بل على نهر ألستر! وهو رابع أكبر مسجد في ألمانيا. في عام 2016 وفي يوم المسجد المفتوح، رسم الفنان حسن روح العالمين "مذبحة كربلاء"، ذات الأهمية الكبيرة في المذهب الشيعي.
صورة من: picture-alliance/dpa/M. Scholz
أبواب المساجد لا تفتح في يوم المسجد المفتوح فقط، وإنما هناك فرصة لتبادل الزيارات في يوم الكاثوليك أيضاً، كما في مسجد يافوز السلطان سليم بمانهايم، حيث قامت الراهبات وطالبات الدين من كنيسة مريم العذراء المقابلة للمسجد بجولة تعرفن فيها على الإسلام بشكل أقرب.
صورة من: picture-alliance/dpa
ويتيح يوم المسجد المفتوح للزوار مشاهدة المصلين عند تأدية الصلاة ولو لمرة واحدة. ورغم أنه لا يمكن للزوار دخول مكان الصلاة إلا أنهم يمكن أن يتابعوا الصلاة من أماكن تطل عليها، كما يظهر في الصورة.
صورة من: picture-alliance/dpa/M. Skolimowska
مسجد فضل عمر في هامبورغ والذي تم افتتاحه عام 1957 لديه شيء للجميع في يوم المسجد المفتوح، حيث تقام فيه ورشات عمل للرسم والخط العربي، بالإضافة إلى معرض يمكن فيه القيام بـ"رحلة عبر الزمن الإسلامي". كما يقدم الرعاية للأطفال، ومشروبات منعشة لراكبي الدراجات خلال استراحتهم.
صورة من: picture-alliance/dpa/Daniel Reinhardt
وفي مدينة دريسدن أيضاً تدعو المساجد الناس للتعرف على الإسلام وإلى التبادل الثقافي. وقد أطلق مسجد المصطفى في المدينة برنامجاً يتم فيه تقديم القهوة للزوار إضافة إلى محاضرات توضيحية عن الإسلام.
صورة من: picture-alliance/dpa/S. Kahnert
وبعد الجولة في يوم المسجد المفتوح، يمكن للزوار أن يستمتعوا بوجبات من جميع أنحاء العالم. وقد قدم مسجد شهيتليك (جامع الشهادة) في حي نويكولن ببرلين تشكيلة واسعة من الأطباق لزواره خلال السنوات الماضية.
صورة من: picture-alliance/dpa/H. Hanschke
إلى جانب الفعاليات والنشاطات المختلفة التي يشهدها هذا اليوم، قد يحصل الزوار أحياناً على بعض الهدايا الرمزية والتذكارية في يوم المسجد المفتوح، على مثل هذه المَسبَحة. يشار إلى أنه يعيش في ألمانيا نحو 5.5 مليون مسلم. ويعيش أغلبهم بشكل كبير في ولاية شمال الراين-فيستفاليا، التي تقع بها مدينة كولونيا.