الأردن وإسرائيل ولعب دور في "الأمن المناخي"
٢٣ يناير ٢٠٢٢يستعد الأردن لتوليد الكهرباء من الطاقة الشمسية لصالح إسرائيل التي في المقابل ستعمل على تحلية المياه لصالح الأردن بموجب اتفاق جديد يأتي في إطار ما يعرف بـ "المقايضة المناخية". ووفقا للاتفاق الجريء، فإن الأردن الذي يعاني من الجفاف سيصدر حوالي 600 ميغاوات من الكهرباء المولدة من الطاقة الشمسية إلى إسرائيل التي ستقوم في المقابل بتزويد الأردن بما يصل إلى مائتي مليون متر مكعب من المياه التي يتم تحليتها.
وبموجب لإعلان النوايا الذي وقعته الأردن وإسرائيل أواخر العام الماضي، من المقرر أن تقوم شركة إماراتية ببناء محطة طاقة شمسية في الأردن بما في ذلك خطوط النقل التي ستربط المحطة بإسرائيل بحلول عام 2026. أما على الجانب الإسرائيلي، فإن إسرائيل تمتلك وتدير في الوقت الحالي خمس محطات لتحلية المياه على طول البحر المتوسط وأيضا تخطط لإنشاء محطتين أخريين.
"إن الاتفاق مربح للجميع ويعد نموذجا للتفكير خارج الصندوق لتعزيز الأمن المناخي،" بهذه العبارة وصف الاتفاق جدعون برومبرغ - المؤسس المشارك والمدير الإسرائيلي لمنظمة "إيكو بيس" الشرق الأوسط وهي منظمة إسرائيلية -أردنية - فلسطينية غير حكومية تعنى بالبيئة.
وكانت المنظمة قد لعبت دورا في وضع أسس التعاون وأيضا تبني نهجا إقليميا أكبر لمواجهة ظاهرة التغير المناخي إذ نشرت في ديسمبر / كانون الأول عام 2020 ما أطلقت عليه اسم "الصفقة الخضراء الزرقاء للشرق الأوسط" وهي بمثابة خطة مفصلة تدعو إلى تعزيز الأمن المناخي عبر دول المنطقة مع التركيز على الأردن وإسرائيل والأراضي الفلسطينية.
من جانبها قالت يانا أبو طالب - المديرة الأردنية لمنظمة "إيكو بيس" – إن "الاتفاق يؤسس نموذجا جديدا للترابط والاعتماد المتبادل الصحي والجيد بين دول منطقتنا". وتزامن الاتفاق مع إعلان الحكومة الإسرائيلية الجديدة برئاسة نفتالي بينيت أن بناء علاقات أفضل مع الأردن يتصدر أولويات الحكومة خاصة عقب توقيع إسرائيل والإمارات والبحرين اتفاقية "إبراهام" لتطبيع العلاقات بين إسرائيل ودول عربية أخرى.
وضع عادل عبر المقايضة
يشار إلى أن الأردن لا يتمتع بخط ساحلي طويل إذ لا يطل إلا على جزء صغير على البحر الأحمر مما يجعله يفتقد القدرة على بناء محطات تحلية، لذا يعتمد على إسرائيل في شراء المياه. وفي ذلك، ترى يانا أبو طالب أن الاتفاق الجديد يمثل خطوة لتحقيق وضع عادل عبر منح الأردن "شيئا ذا قيمة حقيقية" ومنح إسرائيل شيئا في المقابل.
وترمي إسرائيل إلى توليد 30 بالمائة من الطاقة من مصادر الطاقة المتجددة بحلول عام 2030، لكنها تمتلك مساحات محدودة لإنشاء محطات طاقة شمسية على نطاق كبير، لذا فإن الأردن يعد بديلا مناسبا بفضل ما يذخر به من مناطق صحراوية شاسعة ما يوفر مساحات كبيرة لنشر صفائف الطاقة الشمسية.
وفي مقابلة مع DW، قالت يانا أبو طالب إن الاتفاق قد يمهد الطريق أمام لأن يصبح "الأردن مركزا إقليميا للطاقة المتجددة ومن ثم يبيع الطاقة المتجددة للمنطقة بأسرها وليس فقط للجانب الإسرائيلي. لذا علينا أن نتخيل ما يمكن أن نحققه في مجال الأمن المناخي وما سيجلب مزايا اقتصادية للأردن."
التغير المناخي.. خطر على الشرق الأوسط
الجدير بالذكر أن إسرائيل قد حددت أن أزمة المناخ باتت بمثابة قضية أمن قومي، لذا يرى برومبرغ أن مواجهة هذا التحدي يجب أن يأتي في إطار أن هذه الظاهرة تهدد المنطقة بأسرها. وأضاف "ترغب إسرائيل في النظر إليها باعتبارها لاعبا دوليا لتصبح دولة رائدة فيما يتعلق بقضايا المناخ، لذا يلزم الأمر التعاون مع المجتمع الدولي للوفاء بتلك الالتزامات".
تزامن هذا مع تحذير الخبراء من تداعيات ظاهرة التغير المناخي على منطقة الشرق الأوسط بما ذلك الأردن وإسرائيل.
وفي ذلك، قال كولين برايس - رئيس مدرسة بورتر للدراسات البيئية في جامعة تل أبيب - إن المنطقة تشهد ارتفاعا في درجات الحرارة أكثر من باقي مناطق العالم. وأضاف "لاحظنا على مدى العقدين الماضيين ارتفاعا ملحوظا في درجات الحرارة في منطقة البحر المتوسط بأسرها وكذلك في إسرائيل. وعلى وقع هذا، فإن فصول الصيف سوف يزداد أمدها وحرارتها".
وفي هذا السياق، كانت خدمة الأرصاد الجوية الإسرائيلية قد توقعت ارتفاعا في درجات الحرارة بمعدل متوسط أربع درجات مئوية بحلول نهاية القرن وذلك في إطار ما أطلقت عليه "السيناريو القاسي". وحذر كولين من منطقة البحر المتوسط قد تعاني على نطاق أوسع من انخفاض في هطول الأمطار بنسبة 20 بالمائة بحلول نهاية القرن، مضيفا "نلاحظ هذا الأمر فعليا في عدد من الدول كاليونان وإيطاليا وإسبانيا بالتزامن مع اشتداد موسم حرائق الغابات."
سبب لتفاؤل حذر؟
بالعودة إلى الأردن، فإن هذا البلد يعاني من نقص متزايد في إمدادات المياه العذبة خلال السنوات الأخيرة وما يظهر جليا في عاصمة البلاد عمان، حيث اعتاد المواطنون على تركيب خزانات فوق أسطح المنازل لتخزين المياه التي في كثير من الأحيان تكون مصدر المياه.
وفي هذا الصدد، حذرت يانا أبو طالب من أن المنطقة بأسرها تعاني "من ندرة المياه"، مضيفة "نمتلك موارد مياه سطحية وجوفية محدودة للغاية والأردن يعد من أفقر دول المنطقة من حيث توافر المياه".
لكن تجدر الإشارة إلى أن النقص الحاد في المياه يرجع لعدة أسباب منها سوء إدارة المياه وأيضا الزيادة السكانية.
وفي هذا السياق، تم تسجيل استقبال الأردن حوالي 800 ألف لاجئ هربوا من صراعات في دول مجاورة لاسيما سوريا خلال السنوات الأخيرة الماضية مما زاد الطلب على الموارد الطبيعية وفي مقدمة ذلك مياه الشرب.
وكانت إسرائيل قد وقعت في أكتوبر / تشرين الأول اتفاقية مع الأردن لتزويد المملكة بـ 50 مليون متر مكعب إضافي من المياه سنويا، إذ اتفق الجانبان على أن تبيع إسرائيل للأردن 50 مليون متر مكعب من المياه سنويا بالإضافة إلى 55 مليون متر مكعب توفر مجانا.
ورغم ذلك، فإن اتفاق المقايضة قد يعني أن الأردن سوف يتسلم ما يصل إلى أربعة أضعاف هذه المياه، لكن الاتفاق أثار في الوقت نفسه احتجاجات في الأردن ضد ما اعتبره البعض "تطبيعا" مع إسرائيل.
من جانبه، يؤكد برومبرغ أنه ينظر بإيجابية إلى الاتفاق خاصة وأن القطاع الخاص يلعب دورا كبيرا في تنفيذه إذ لا يعتمد التمويل على المانحين. وأضاف "هناك نوع من التعامل على قدر المساواة بين الجانبين فيما سيشتريه ويبيعه كل طرف إلى الآخر. لكن من الناحيتين البيئية والسياسية فهناك سبب وجيه للتفاؤل الحذر".
تانيا كريمر / م ع