1. تخطي إلى المحتوى
  2. تخطي إلى القائمة الرئيسية
  3. تخطي إلى المزيد من صفحات DW

اللائكية الفرنسية بين النظرية والتطبيق

دويتشه فيلّه١٦ مارس ٢٠٠٦

ترتكز معظم نظم الحكم في أوروبا على مبدأ الفصل بين الدولة والدين. وتعد فرنسا الدولة الأولى في تطبيق هذا الفصل من خلال نموذجها اللائكي. لكن بالرغم من ذلك يبقي للدين دوره الاجتماعي في تنظيم العلاقة بين الأفراد والدولة.

اختلافات عميقة في علاقة الدين بالدولية بين العالم العربي وأوروبا

أظهرت أزمة الرسوم الكاريكاتورية تبايناً في آلية تنظيم العلاقة بين الدين والدولة في كل من العالم الإسلامي وأوروبا، وذلك بعد أن ارتفعت بعض الأصوات مطالبة بتدخل الحكومات الأوروبية للحد من حرية الصحافة عندما يتعلق الأمر بالتعدي على الرموز الدينية. إذ لم ينتبه المحتجون إلى أن دساتير معظم الدول الأوروبية لا تحمي حرية الصحافة فحسب، وإنما تفصل بين الدين والدولة أيضاً. ويعد النموذج الفرنسي مثال جلي على ذلك. فقبل حوالي مائة عام وتحديداً في التاسع من شهر كانون الأول/ديسمبر 1905 أعلنت فرنسا رسمياً فصل الكنيسة عن الدولة، أو بالأحرى فصل الدين عن الدولة. وبعد مناقشات حادة وافق البرلمان الفرنسي على هذا القانون، الذي أنهى قرناً من الصراع الثقافي في فرنسا. ويعد هذا القانون بمثابة حجر الأساس الذي تقوم "اللائكية" الفرنسية، أي إبعاد الكنيسة وغيرها من المؤسسات الدينية من ممارسة أي سلطة سياسية أو إدارية في الدولة. كما أن اللائكية الفرنسية كانت نموذجاً صالحاً للتصدير في عشرينيات القرن المنصرم، حيث تبناه كمال أتاتورك عند إعلانه لقيام الجمهورية في تركيا. أما في وقتنا الحالي فيلعب هذا القانون دوراً كبيراً في قضية اندماج المهاجرين المسلمين في المجتمع الفرنسي، حيث يتم عن طريقه تبرير منع الفتيات ارتداء الحجاب في المدارس الفرنسية، على سبيل المثال.

ضربة في الصميم

الدستور الفرنسي يفصل بين الكنيسة والدولةصورة من: dpa

تلقت الكنيسة الكاثوليكية عام 1905 ضربة في الصميم بعد إعلان فرنسا لقانون فصل الدين عن الدولة. وثارت ثائرة بابا الفاتيكان آنذاك، أما المتدينين الكاثوليك فقد احتجوا بشدة على ذلك. فلقد كان لهذا القانون تبعات جسيمة، تمثلت في وقف تقديم الدعم المادي للكنسية ومنع تدريس الأديان في المدارس الحكومية وإبعاد الكنيسة عن كافة نواحي الحياة العامة. وحتى اليوم لا يُسمح لأرباب العمل في فرنسا سؤال العاملين لديهم عن ديانتهم. أما الحكومة الفرنسية فلا تعرف على وجه التحديد عدد الكاثوليك أو البروتستانت أو المسلمين المقيمين في فرنسا. لكن لهذا المبدأ الجمهوري حدود لا ينبغي تجاوزها كما يقول البروفسور هينريك اوترفيده من المعهد الألماني-الفرنسي في لودفيغسبورغ: "ينطوي القانون الصادر عام 1905 ومفهوم اللائكية على حق متأصل. وينص هذا الحق على أن تلتزم الدولة بالحياد التام تجاه كافة الأديان. لكن الفجوة متسعة بين القانون وتطبيقه على أرض الواقع. ويبدو ذلك واضحاً، إذا نظرنا إلى طريقة تعاطي الدولة مع الدين الإسلامي ومعتنقيه."

اللائكية والإسلام

المسلمين جزء من المجتمعات الأوروبيةصورة من: AP

يقدر عدد المسلمين المقيمين في فرنسا بأربعة مليون مواطن يشكلون أكبر جالية إسلامية في القارة الأوربية. ويصعب على بعض المسلمين المقيمين في فرنسا تفهم مبدأ فصل الدين عن الدولة. ولعل سبب ذلك يكمن في تشابك العلاقة بين الدين والدولة في المجتمعات الإسلامية، وكما تقول هانانه هارات من جامعة السوربون الفرنسية: "إذا أخذنا النص القرآني والتاريخ الإسلامي بعين الاعتبار فسوف نلاحظ أن الإسلام لا يفصل بين الدين والدولة." وكان لذلك أثر جلى في النزاع الذي دام لسنوات حول ارتداء الحجاب في المدارس الفرنسية. وبدأ النقاش حول هذه القضية قبل 15 عاماً بعد منع فتاتين في مدينة سرابل الشمالية من الدراسة بسبب ارتدائهما للحجاب. ولأن المدرسة مؤسسة تتمتع بالحياد الديني وتهدف إلى نشر المبادئ الجمهورية فقط لم يستطيع مدير المدرسة في مدينة سيريل تقبل فكرة ارتداء تلميذات للحجاب في مدرسته. وتبنى هذا الموقف عدد كبير من مديري المدارس الأخرى. وبعد سنوات طويلة من الجدال والنقاش كلف الرئيس الفرنسي جاك شيراك لجنة محايدة بالبحث عن حل لهذه الأزمة. وأوصت اللجنة بمنع الحجاب. وفي ذلك الحين كان على الدولة أن تعمل على الحد من تنامي قوى الجماعات المتطرفة في فرنسا، فلقد شهد المجتمع الفرنسي في السنوات الأخيرة "تصرفات لا يمكن أن التسامح معها. وقوى تعمل علناً على زعزعة الاستقرار في الجمهورية الفرنسية. وكان الوقت قد حان لكي تدافع الجمهورية عن نفسها"، كما يقول رئيس اللجنة برناد ستاذي.

الاندماج في ظل اللائكية

فرنسا شهدت أحداث دامية في العام الماضيصورة من: AP

ومنذ أيلول/سبتمبر 2004 يُمنع ارتداء الحجاب وغيره من الرموز الدينية كالصليب وغطاء الرأس اليهودي (الكيبا) في المدارس الحكومية الفرنسية. ومن تخالف هذا التشريع فعليها أن تواجه في أسوء الظروف الطرد من المدرسة. وبينما يرى مناصرو قانون منع الحجاب في ذلك انتصاراً للجمهورية الفرنسية، يرى في هذا القانون أب مسلم لابنتين دليلاً على قهر الدولة للمواطن، إذ يقول بغضب: "يتم في فرنسا منع الفتيات من الدراسة بسبب مظهرهن. وعليه فإن الأمر لا يتعلق بالرموز الدينية كما يدّعون. لقد تم منع ابنتي لأن اسميهما خلود ودنيا، وليس لأنهما ترديان الحجاب". لقد انتهت الزوبعة التي أثارها قرار منع الحجاب في البداية. فالجزء الأكبر من الطالبات والمنظمات الإسلامية المعتدلة في فرنسا يلتزمن بالقواعد الجديدة عن اقتناع. لكن منتقدو القانون يتشككون في قدرة مثل هذه القوانين في العمل على تماسك المجتمع. وهذا ما أظهرته أحداث العنف الأخيرة، التي شهدتها ضواحي المدن الفرنسية في العام الماضي، والتي أظهرت أيضاً عدم قدرة عدد كبير من المسلمين الشبان على الاندماج في المجتمع الفرنسي.

تخطي إلى الجزء التالي اكتشاف المزيد
تخطي إلى الجزء التالي موضوع DW الرئيسي

موضوع DW الرئيسي

تخطي إلى الجزء التالي المزيد من الموضوعات من DW