اللاجئون الأفارقة في مصر .. هروب من الحروب لمواجهة العنصرية!
٦ يناير ٢٠٢٠
كانت القاهرة تحديداً ومصر بصورة عامة ولقرون حضناً للهاربين من الضيم والاضطهاد. بيد أن خبراء ومنظمات دولية تتحدث عن بلطجة وعنصرية مجتمعية تمارس بحق مهاجرين من جنوب الصحراء. ما مدى تحرك السلطات لردع المعتدين؟
إعلان
سهام بشير وأختها إخلاص كانتا برفقة أطفالهما في الطريق من المدرسة الابتدائية إلى البيت، عندما تحلق حولهم مراهقون وشرعوا يسخرون منهم ويوجهون لهم الإهانات قبل أن يحاولوا تمزيق ثياب إخلاص. الاعتداء جرى في وضح النهار في العاصمة المصرية القاهرة.
تدخل أحد المارة ووبخ المعتدين وتمكنت الأختان من الهرب مع أطفالهما الثلاثة، بيد أن جرحاً بقي في النفس: حرك ذكريات الاعتقال والاغتصاب والتعذيب الذي تعرضت له الأختان في جبال النوبة في السودان. "جئنا هنا طلباً للأمن، غير أن الواقع كان مختلفاً"، تقول إخلاص وهي تستذكر الاعتداء الذي جرى في تشرين الثاني/ نوفمبر المنصرم. وصلت سهام وإخلاص والأطفال القاهرة قبل شهور هرباً من العنف في بلدهم.
"العبدة"
كانت القاهرة ولعقود ملجاً للأفارقة من جنوب الصحراء الكبرى. ولكن الممارسات العنصرية والعنف في شوارع العاصمة المصرية بحق الأفارقة لا يواجهها اللاجئون من دول أخرى كالسوريين والليبيين. ولم تفعل الحكومة إلا القليل لمكافحة تلك الممارسات.
المنظمة الدولية للهجرة تقول إن مصر تستضيف أكثر من 6 ملايين لاجئ، أكثر من نصفهم من السودان وجنوب السودان. بالنسبة لبعضهم مصر هي الملتجأ، وللبعض الآخر مجرد محطة عبور إلى أوروبا عبر البحر الأبيض المتوسط.
أكد عشرات اللاجئون الافارقة ومن بينهم أطفال لوكالة أسوشيتد برس تعرضهم للعنصرية والتحرش الجنسي واعتداءات أخرى في الأشهر الثلاثة الماضية. وأفاد الأطفال أنهم تعرضوا أثناء ذهابهم للمدرسة للقذف بالحجارة والقمامة، فيما قالت امرأة إثيوبية إن جيران لها كان ينعتوها بـ "العبدة".
بداية تحرك خجول
تدل مؤشرات على أن مصر شرعت بالتحرك لمواجهة تلك الممارسات. في تشرين الثاني/ نوفمبر انتشر فيديو يظهر تعرض طفل من جنوب السودان للبلطجة انتشار النار في الهشيم. في أعقاب ذلك اعتقلت الشرطة التلميذ المصري المعتدي ليوم واحد، قبل أن تفرج عنه بعد تسوية بين عائلتي التلميذين.
بعد أسابيع استقبل الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي التلميذ المعتدى عليه في منتدى للشباب عقد في شرم الشيخ، ما شكل اعترافاً رفيع المستوى بوجود المشكلة. "إنهم ضيوفنا والمعاملة السيئة غير مقبولة وغير مسموح بها" خاطب الرئيس المصري الحضور.
في عام 2018 قضت محكمة في القاهرة بسجن رجل سبع سنوات لتحرشه باللاجئين وضربه معلمة من جنوب السودان حتى الموت. يقول حقوقيون ولاجئون إن مصر أمامها طريق طويل بعد في هذا المضمار.
تعزو شيرلي دي ليون، المسؤولة في المنظمة الدولية للهجرة، الممارسات العدوانية إلى الضائقة الاقتصادية: "ما يفاقم المعضلة هو التضخم والمستوى المرتفع للبطالة وتآكل الدخل"، مشيرة إلى أن تزايد حالات العنف الجنسي ضد النساء والفتيات وصغار السن من الفتية في الأشهر الثلاثة الأخيرة.
للعنصرية جذور في مصر. طالما اعتبر ذوي البشرة الفاتحة من الصفوة، بينما تم تصوير ذوي البشرة الغامقة كبوابين وعاملي نظافة وخدم.
عطية عيسوي، خبير الشؤون الإفريقية في مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية يقول لوكالة اسوشيتد برس : "كسر بعض المعتقدات الاجتماعية سيستغرق وقتاً طويلاً. على السلطات أن تكون حازمة وتتأخذ تدابير أشد ضد العنصرية والبلطجة".
"نصف" أجر المصري
بالنسبة للكثيرين الإبلاغ عن الاعتداء ليس خياراً. سيدتان من جنوب السودان أفادتا بتعرضهما لاعتداء جنسي من ربي عملهما. لم تبلغا السلطات، إذ أن أحدهما لم تنهِ إجراءات اللجوء والأخرى تخشى انتقام المعتدي.
الكثيرون والكثيرات أفادوا أنهم يعودوا إلى المنزل قبل غياب الشمس ولا يغادروه إلا في مجموعات.
الرئيس المصري قال في أحد كلماته إن بلاده ليست بحاجة لبناء مخيمات للاجئين، لأنها ترحب بهم وتستوعبهم بيسر. يدخل الكثير من مهاجري جنوب الصحراء البلاد بشكل شرعي، ولكنهم يبقون فيها بعد انتهاء مدة الإقامة. لا تطبق عقوبات بحق المخالفين ويعمل الكثير منهم بشكل غير قانوني كباعة في الشوارع وعاملي تنظيفات في المنازل.
في قهوة وسط القاهرة يرتادها مهاجرون يقول اللاجئ أحمد من إثيوبيا إنه جاء إلى القاهرة قبل خمس سنوات فراراً من الاضطهاد في بلده مضيفا: "أعتقد أنني بوسعي العمل فقط لأني أتقاضى نصف ما يتقاضاه العامل المصري". في ظل الظروف الحالية تبقى القاهرة أفضل الخيارات المطروحة. "آمل أن تتحسن الظروف في مصر. هنا أفضل من بلدي ولا أمل في الوصول إلى أوروبا"، كما يقول أحمد.
مهاجر نيوز
ح.س/ع.خ (اسوشيتد برس)
الهجرة غير الشرعية.. مواقف وأوضاع شركاء أوروبا بشمال أفريقيا
تكثف دول الاتحاد الأوروبي مؤخراً مساعيها من أجل كبح جماح الهجرة غير الشرعية نحو أراضيها، وذلك من خلال عقد شراكات وثيقة مع دول شمال أفريقيا، لكن كيف هي أوضاع ومواقف هذه الدول من أزمة اللاجئين والهجرة غير الشرعية؟
صورة من: Abdelhak Senna/AFP/GettyImages
مصر: بلد عبور يثير القلق
في السنوات الأخيرة تحولت مصر إلى أحد بلدان العبور إلى أوروبا المثيرة للقلق. ولا توجد أرقام دقيقة من جانب السلطات المصرية عن أعداد اللاجئين والمهاجرين السريين، الذين انطلقوا من السواحل المصرية على متن قوارب الصيد. لكن بحسب الوكالة الأوروبية لمراقبة الحدود "فرونتكس"، فقد انطلقت عام 2016 نحو ألف سفينة تهريب بشر من مصر. كما شكلت مصر كابوساً للهجرة غير الشرعية إلى أوروبا عام 2016.
صورة من: picture-alliance/dpa
مصر: موقف متحفظ
أثار قرار إقامة مراكز لجوء أوروبية في دول شمال افريقيا، بينها مصر انتقادات المنظمات الحقوقية التي تعنى بشؤون اللاجئين، و تتهم هذه المنظمات نظام عبد الفتاح السيسي بانتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان. وأبدت مصر عن موقف متحفظ إزاء إقامة أوروبا مراكز لاستقبال اللاجئين على أراضيها. في المقابل يُشاع أن مصر تسعى للدخول في مساومة مع أوروبا لمنع تدفق المهاجرين إلى أوروبا مقابل مساعدات مالية.
صورة من: DW/M. Hashem
ليبيا: هاجس بدون حل
تعد ليبيا واحدة من أهم دول عبور المهاجرين واللاجئين السريين نحو أوروبا. ظلت موجة الهجرة المتدفقة من هذا البلد تمثل هاجساً للزعماء الأوروبيون، الذي لم ينجحوا لحد الآن في إيجاد حل له. في عام 2008 اُبرم اتفاق أوروبي ليبي لمكافحة الهجرة مقابل 500 مليون دولار. وكان الزعيم الليبي معمر القذافي قد تنبأ بتدفق ملايين المهاجرين لأوروبا وطالب آنذاك بروكسل بدفع خمسة مليارات يورو سنويا لليبيا.
صورة من: picture-alliance/dpa/AP/Küstenwache Lybien
ليبيا: موقف رافض
في عام 2017 وصل حوالي 150 ألف مهاجر إلى أوروبا عبر المتوسط. و من أجل كبح جماح هذا التدفق اتفق زعماء الاتحاد الأوروبي على خطة جديدة وكان أهم مقترحاتها إقامة مراكز خارجية لاستيعاب المهاجرين في دول شمال أفريقيا. وقوبل هذا المقترح الأوروبي بالرفض من أغلب دول شمال أفريقيا، بينها ليبيا، التي أعلنت رفضها لأي إجراء يتعلق بإعادة المهاجرين السريين إليها.
صورة من: AP
تونس: ارتفاع عدد الرحلات غير الشرعية
بالرغم من تشديد الحكومة اليمينية الشعبوية في إيطاليا ودول الاتحاد الأوروبي من استقبال قوارب المهاجرين ومراكب المنظمات الناشطة لإنقاذ المهاجرين في البحر، إلا أن الفترة الأخيرة شهدت موجة رحلات هجرة غير شرعية انطلقت من السواحل التونسية باتجاه ايطاليا. فبحسب أرقام للمفوضية السامية لشؤون اللاجئين ومنظمة الهجرة الدولية، فإن 3811 مهاجرا تونسيا سري وصلوا السواحل الإيطالية هذا العام حتى نهاية آب/أغسطس.
صورة من: DW
تونس: رفض معسكرات المهاجرين
لا يختلف موقف تونس عن موقف دول شمال أفريقيا الرافضة لقرار تقديم الاتحاد الأوروبي المزيد من الدعم المالي لدول شمال أفريقيا مقابل المساعدة في التصدي للهجرة غير الشرعية من خلال إقامة معسكرات للمهاجرين.
صورة من: dapd
الجزائر: أكبر دول المنطقة
الجزائر هي أكبر دول منطقة شمال افريقيا، التي يعبرها المهاجرون باتجاه البحر المتوسط نحو أوروبا. ولا توجد إحصاءات رسمية جزائرية بشأن عدد المهاجرين الجزائريين غير الشرعيين، غير أن تقريرا نشرته في عام 2015 منظمة "ألجيريا ووتش" (غير حكومية)، استنادا إلى الوكالة الأوروبية لمراقبة الحدود "فرونتكس"، وضع الجزائر في المرتبة التاسعة بين الدول المصدرة للهجرة غير الشرعية عبر الحدود الخارجية للاتحاد الأوروبي .
صورة من: picture-alliance/dpa/F. Batiche
الجزائر ترفض مراكز الاستقبال
تتعاون الجزائر مع الاتحاد الأوروبي في ملف الهجرة غير الشرعية، وذلك عن طريق إعادة المهاجرين السريين القادمين من دول جنوب الصحراء إلى وطنهم، إذ رحلت خلال الأربع والخمس سنوات الماضية حوالي 33 ألف مهاجر و لاجئ أفريقي إلى بلدانهم بجنوب الصحراء. كما ترفض الجزائر من جانبها بناء مراكز لإيواء المهاجرين الأفارقة على أراضيها.
صورة من: picture-alliance/dpa/M. Kappeler
المغرب: عودة الهجرة بقوة
عرفت السواحل الإسبانية هذا العام تدفقاً لما يعرف بـ "قوارب الموت" التي تنطلق من الطريق البحرية بين إسبانيا والمغرب والجزائر. فمن أصل 74.501 مهاجرسري وصلوا أوروبا بحراً، استقبلت إسبانيا لوحدها حوالي 43 بالمئة منهم (32.272)، وذلك في الفترة بين الأول من كانون الثاني/ يناير و12 أيلول/سبتمبر 2018، ممّا يجعلها الوجهة الأولى للهجرة السرية عبر البحر الأبيض المتوسط.
صورة من: picture alliance/AP Photo
المغرب: حسابات سياسية ومالية
منذ سنوات يحاول الاتحاد الأوروبي إبرام اتفاق مع المغرب بخصوص عودة المهاجرين من دول افريقيا جنوب الصحراء. ولكن المغرب يرفض ذلك لأسباب سياسية ومالية، أهمها أن ذلك يتعارض مع مسعى المغرب لتقوية علاقاته مع الدول الأفريقية جنوب الصحراء، والاستفادة منها اقتصادياً من خلال شراكات تجارية، وأيضاً لدعم موقف المغرب في النزاع حول الصحراء الغربية.