اللاجئون السوريون ورحلة التكيف مع المجتمع الأمريكي
ميودراغ زوريتش/ ش.ع٢٠ سبتمبر ٢٠١٦
حددت الولايات المتحدة خلال العام الجاري سقف عشرة آلاف شخص للاجئين السوريين الذين تستقبلهم على أراضيها. فما الذي ينتظرهم هناك؟ وهل أن حالهم أفضل من أوروبا؟ ميودراغ زوريتش زار أسرة سورية لجأت إلى ديترويت قبل بضعة أشهر.
إعلان
حي يبدو مستلهماً من ألبوم صور: على جانبي الطريق تقوم منازل تزين واجهاتها شرفات خشبية بيضاء، وأمامها مساحات عشبية خضراء. رصيفان يمتدان على حافتي الطريق تزينهما أشجار خضراء وأطفال يلعبون ويضحكون.
هنا في ديربورن، في إحدى ضواحي مدينة ديترويت في ولاية ميشيغن الأمريكية، تمكن الحلم الأمريكي من الحيلولة دون أن ينطفئ شمعه تحت وطأة الأزمة الاقتصادية خلال السنوات الأخيرة.
هنا بالتحديد وجدت تغريد ألروادش، ذات الأربعين عاماً، مع زوجها وأطفالها الخمسة مأوى جديداً تلجأ إليه. يأتي ذلك بعد شهرين من حصولهم على ترخيص بالسفر إلى الولايات المتحدة الأمريكية، بعد أن قضوا ثلاث سنوات ونصف السنة وهم ينتظرون في أحد مخيمات اللاجئين في الأردن.
قبلها كانوا يعيشون في مدينة درعا السورية. وعندما أضرمت قوات الأمن السورية النار في بيتهم، وجدوا أنفسهم مجبرين على الفرار إلى بلد الجوار الأردن. هناك بذلوا قصارى جهودهم – وبدعم من الأمم المتحدة – للحصول على تأشيرة سفر إلى الولايات المتحدة، حيث تم إخضاعهم للعديد من المقابلات الشخصية من قبل موظفي السفارة الأمريكية إلى درجة أنهم فقدوا الأمل في أن يتم القبول بطلبهم. ثم جاء الخبر السار بأنهم أصبحوا من ضمن القلائل الذين سمحت لهم الولايات المتحدة بالدخول إلى أراضيها.
يُذكر أن الولايات المتحدة استقبلت إجمالاً خلال العام الجاري 10 آلاف لاجئ سوري. وقبل انطلاق مؤتمر للاجئين في نيويورك أعلنت الحكومة الأمريكية رفع طاقة استيعابها للاجئين خلال العام القادم بنسبة 30 بالمائة.
مساعدات من السوريين للسوريين
تغريد ألروادش كانت من بين القلائل الذين حصلوا على تأشيرة سفر للولايات المتحدة. ويبدو أن كون اثنين من أبنائها من ذوي الاحتياجات الخاصة قد لعب دوراً مهماً في ذلك. وها هي اليوم تعيش في منزل كامل الأثاث والتجهيز، فيما يعمل زوجها في أحد مجازر المدينة.
أما المساعدة فقد حصلت عليها من أبناء وطنها السوريين المقيمين في الولايات المتحدة على غرار ندى كردي، التي تعمل كمترجمة. وتقول الأخيرة إنها قررت الصيف الماضي رفقة عدد من رفاقها أن تساعد اللاجئين السوريين. "لأنني أيضاً أنحدر من سوريا ولا أريد أن يعيش أبناء بلدي تجارب سيئة في الولايات المتحدة". وتؤكد أن أكبر التحديات التي يواجهها القادمون الجدد هي تعلم اللغة الإنجليزية.
كما ترافق ندى الكردي اللاجئة الجديدة تغريد ألروادش إلى المسجد القريب والذي يشرف عليه المركز الإسلامي لمدينة ديترويت. الكثير من النساء هنا يرتدين النقاب ويلبسن عباءات سوداء طويلة. هنا تلتقي تغريد خلال صلاة الجمعة بعدد من السوريين وتتواصل معهم. أما الإمام فتارة يلقي الخطبة بالعربية وتارة أخرى باللغة الإنجليزية. وبعد صلاة الجمعة يقوم متطوعون ببيع ساندويتشات فلافل. أما العائدات فيخصص جزء منها لنحو 100 أسرة لاجئة تتردد على المسجد، على ما يقول منصور شارا، نائب رئيس المركز الإسلامي.
ويقدر شارا بأن نحو 100 ألف مسلم يعيشون في ديترويت وضواحيها، أغلبيتهم في ديربورن. "بالنسبة للاجئين فإن أصعب شيء هو التكيف مع الثقافة الجديدة الأمريكية"، على ما يقول شارا. هنا المساواة بين الجنسين مضمونة دستورياً والإسلام دين من بين الكثير من الديانات. كما أن الكثير من اللاجئين عاشوا أحداث رهيبة في سوريا أو في مخيمات اللاجئين في الشرق الأوسط، على ما يقول منصور شارا، لافتاً إلى أنه يتعين على هؤلاء في البداية تلقي العلاج اللازم.
التكيف مع ثقافة وبلد جديد
رأي تشاطره فيه مديحة طارق التي تعمل كمديرة تنفيذية في منظمة تساعد اللاجئين في ديربورن. "نقوم بمساعدة اللاجئين في الحصول على مواعيد لدى الأطباء أو خلال معاملاتهم الإدارية أو دروس اللغة وكل ما هو ضروري"، على ما تقول.
وتشير مديحة، الباكستانية الأصل، إلى أنها تعرف بأن كل حياة جديدة في محيط غريب أمر صعب في البداية. وتقدر بأن نحو 400 ألف أمريكي من أصول عربية يعيشون في ولاية ميشيغن، مشيرة إلى أن "نصفهم قدموا كلاجئين إلى الولايات المتحدة".
الكثير منهم وجد في قطاع صناعة السيارات موطن شغل جديد. ففي ديربورن مثلاً تتخذ شركة فورد للسيارات مقرها الرئيسي. بيد أن الأزمة المالية خلال عامي 2008 و2009 قد ضربت ولاية ميشيغن بقوة. فقط بفضل المساعدات السخية من الحكومة الأمريكية المركزية لقطاع صناعة السيارات، تحسن الوضع الاقتصادي بشكل ملحوظ.
مخاوف من اللاجئين الجدد
بيد أن الخوف من فقدان الوظيفة والبطالة أمر منتشر لدى سكان ديربون، وبالتالي فإن المخاوف كبيرة من أن تزيد موجة اللاجئين من الشرق الأوسط من حدة التنافس في سوق العمل. البعض عبر من مخاوفه من أن يستغل اللاجئون السوريون الأنظمة الاجتماعية الصحية الضعيفة أصلاً، فيما يتهم البعض الآخر السوريين بأنهم إرهابيين مردداً شعارات مناهضة للأجانب على غرار مرشح الحزب الجمهوري للانتخابات الرئاسية دونالد ترامب.
ادعاءات سخيفة إذا ما تحدث المرء إلى اللاجئين على غرار تغريد ألروادش التي تقول إن الحنين إلى أبويها اللذين بقيا في مخيم اللاجئين في الأردن وإلى بقية أهلها يكاد يكسر قلبها. وعند سؤالها عما إذا كانت تفكر يوماً ما في العودة إلى سوريا، تقول: "سوريا أحلى بلد في العالم. ليس هنا من بلد آخر يرحب بك كوطنك"، ماسحة الدموع من عينيها.
مرور عام على عبارة ميركل الشهيرة "نستطيع أن ننجز ذلك"
مر عام كامل على المقولة الشهيرة للمستشارة أنغيلا ميركل "نستطيع أن ننجز ذلك" تعليقا على قدرة بلادها على إدارة أزمة اللاجئين. لكن ماهي أبرز الأحداث التي عرفتها ألمانيا بعد تلك العبارة الشهيرة. تعرف عليها عبر صور:
صورة من: picture-alliance/AP Photo/DHA
في 31 أغسطس/آب 2015 عقدت المستشارة ميركل ندوة صحفية وصرحت آنذاك بمقولتها الشهيرة "نحن نستطيع أن ننجز ذلك" تعليقا على قدرة ألمانيا على تجاوز أزمة اللاجئين. في أثناء ذلك سُمح بمرور قطارات تقل آلاف اللاجئين إلى ألمانيا قادمة من دول شرق وجنوب أوروبا.
صورة من: picture-alliance/dpa/R. Jensen
في الرابع من سبتمبر/أيلول 2015 قررت المجر وقف حركة القطارات إلى ألمانيا، لتسود فوضى عارمة في المحطة الرئيسة للقطارات بالعاصمة بودابست. ما دفع الآلاف من اللاجئين إلى مواصلة رحلتهم الشاقة إلى ألمانيا مشيا على الأقدام.
صورة من: picture-alliance/dpa/B. Roessler
في الخامس من سبتمبر/ أيلول 2015 قررت ميركل بعد اجتماع مع المستشار النمساوي فيرنر فايمان استقبال اللاجئين لتعود بعدها حركة القطارات من المجر عبر النمسا إلى ألمانيا.
صورة من: Reuters/handout/Giudo Bergmann
استقبال حار للاجئين من قبل الألمان في السادس من سبتمبر/أيلول 2015 كما تبين الصورة التي التقطت في محطة القطارات الرئيسية في ميونيخ. بعدها تداولت الصحف الألمانية مفهوما جديدا لوصف هذا الاستقبال الحار بات يعرف بـ"ثقافة الترحيب".
صورة من: Getty Images/AFP/C. Stache
في العاشر من سبتمبر/أيلول 2015 زارت المستشارة ميركل مركزا أوليا لاستقبال طالبي اللجوء في برلين وقام العديد من طالبي اللجوء بالتقاط صور سيلفي معها. تناقلتها وسائل الإعلام العالمية وأعطت، خاصة لدى السوريين، انطباعا إيجابيا عن ألمانيا كبلد متضامن ومضيف للاجئين.
صورة من: picture-alliance/dpa/B. v. Jutrczenka
استقبال اللاجئين والترحيب بهم لم يقتصر على الهيئات الحكومية، بل هبت فئات عريضة من الشعب الألماني متطوعين لإستقبال اللاجئين وتقديم مختلف المساعدات بدءا بالجوانب الصحية والإجتماعية وصولا إلى الإستقبال في البيوت.
صورة من: picture-alliance/dpa/M. Schutt
في 22 أكتوبر/تشرين الأول 2015 وصف وزير العدل الألماني هايكو ماس تزايد الاعتدءات اليمينية ضد اللاجئين بـ"المخزية". آنذاك بلغت اعتداءات اليمنيين المتطرفين على مراكز اللاجئين 461 حالة.
صورة من: picture-alliance/Digitalfoto Matthias
في 31 ديسمبر/كانون الأول تعرضت عشرات النساء إلى اعتداءات جنسية في محطة القطارات الرئيسية في مدينة كولونيا، من قبل مئات من الرجال ينحدر أغلبهم من دول المغرب العربي. أثارت هذه الحادثة موجة من الغضب والاستنكار في المجتمع الألماني. كما ثار جدل واسع حول السبل القانونية لترحيل الأجانب من مرتكبي الجرائم.
صورة من: picture-alliance/dpa/M. Boehm
في 18 فبراير/شباط قام حوالي 100 متظاهر باعتراض طريق حافلة تقل طالبي لجوء إلى مركز للاجئين في مدينة كلاوسنيتز بمقاطعة ساكسن. وقام المتظاهرون آنذاك بإطلاق عبارات مناهضة للأجانب، فيما تمكنت الشرطة من التدخل وحماية الحافلة ومن فيها.
صورة من: YouTube/Thomas Geyer
في 24 فبراير/شباط 2016 صوت البرلمان الألماني لصالح حزمة القوانين الثانية الخاصة بسياسة اللجوء. وتنص هذه الإجراءات على ترحيل طالبي اللجوء ممن يملكون فرصا ضئيلة للبقاء في ألمانيا وتسهيل ترحيل المتورطين في أعمال إجرامية. المعارضة الألمانية انتقدت هذه الإجراءات واعتبرتها "خرقا لمبادئ حقوق الإنسان".
صورة من: picture-alliance/dpa/W. Kumm
في الرابع من أبريل/نيسان 2016 دخل الاتفاق الأوروبي التركي لحل أزمة اللاجئين حيز التنفيذ. وبمقتضى الاتفاق تعيد السلطات اليونانية المهاجرين الذين يصلون إلى اليونان بطرق غير شرعية من تركيا. في مقابل ذلك تعهد الأوروبيون مقابل كل سوري يتم إبعاده إلى تركيا قبول سوري آخر من المهاجرين إلى تركيا للعيش في دول الاتحاد الأوروبي.
صورة من: Getty Images/AFP/O. Kose
في 7 يوليو/تموز 2016 صادق البرلمان الألماني على قانون الإندماج الجديد والذي ينص على تسهيل دخول اللاجئين إلى سوق العمل ومنحهم فرصا أكثر للالتحاق بدورات الإندماج ودورات اللغة الألمانية. وفي صورة عدم التزام اللاجئين بهذه الإجراءات، تنخفض المساعدات الاجتماعية المخصصة لهم من قبل الدولة.
صورة من: picture-alliance/dpa/K. Nietfeld
في الثاني من سبتمبر/أيلول من هذا العام نقلت مصادر أن المستشارة ميركل اجتمعت مع برلمانيين محافظين من حزبها وقالت لهم "أهم شيء في الشهور المقبلة هو الترحيل.. الترحيل.. وأكرر الترحيل". وذلك لتهدئة المخاوف العامة المتنامية بشأن زيادة أعداد المهاجرين في خطوة تمثل تغيرا حادا في موقف ميركل.
صورة من: picture-alliance/dpa/P. Grimm
وفي الثاني من سبتمبر/أيلول من العام الماضي انتشرت صورة الطفل السوري الكردي أيلان بعد أن غرق وجرفت المياه جثته إلى الشاطئ التركي. تسببت هذه الصورة في حدوث صدمة وغضب في جميع أنحاء العالم. وتوفى شقيقه وأمه ونجا والده فقط. وعائلة أيلان من أكراد سوريا الذين فروا من الحرب الأهلية في بلادهم. إعداد: سميح عامري