"اللجوء الكنسي" بألمانيا: الملاذ الأخير لا يحمي من الترحيل!
٨ مايو ٢٠١٨
جدل كبير أثاره حكم قضائي بعدم منع الاحتماء بالكنائس السلطات من تنفيذ عمليات ترحيل اللاجئين المرفوضة طلباتهم، لكن ما هو "اللجوء الكنسي"؟ وهل إقامة من يلجأ للكنيسة قانونية؟
إعلان
أكّدت المحكمة الإقليمية العليا في مدينة ميونخ الألمانية على أن الحماية التي تقدّمها الكنائس لطالبي اللجوء أو ما يعرف بـ"اللجوء الكنسي" لا تستند إلى النظام القانوني في ألمانيا، مشدّدة على أن هذا النوع من الحماية لا يمنع السلطات من تنفيذ عمليات ترحيل طالبي اللجوء المرفوضين.
وجاء قرار المحكمة يوم الخميس (الثالث من أيار/مايو عام 2018) حكماً على قضيّة إيفانس، وهو طالب لجوء نيجيري احتمى بإحدى الكنائس في مدينة فريسينغ الواقعة في ولاية بافاريا، لمنع ترحيله إلى إيطاليا التي كانت أول بلد أوروبي يصل إليه، بحسب اتفاقية دبلن، وكان على المحكمة أن توضّح فيما إذا كانت إقامته في ألمانيا قانونية أم لا، وحول ماهية العقاب في حالة عدم قانونية الإقامة.
لا حماية من الترحيل
لم تعاقب المحكمة طالب اللجوء النيجيري، مشيرة إلى أن إقامته قانونية، معلّلة ذلك بأن من يحتمي بالكنيسة تتم إعادة تقييم وفحص طلب لجوئه، بحسب اتفاقية بين الكنيسة و"المكتب الاتحادي للهجرة واللاجئين"، ما يؤهّله للحصول على تصريح مؤقّت للبقاء أو ما يسمى بالألمانية (Duldung) لحين الانتهاء من إعادة فحص طلبه.
لكن المحكمة شددت على أن اللجوء والاحتماء بالكنيسة ليس حقاً معترفاً به قانونياً في ألمانيا، وأن لدى السلطات كامل الصلاحيات بتنفيذ القانون وترحيل اللاجئين المرفوضة طلباتهم في أي وقت كان، مشيرة إلى أن اتخاذ قرار تنفيذ الإجراءات القانونية يرجع أساساً إلى السلطات المعنية.
وكانت الكنيسة قد وصلت إلى اتفاقية مع "المكتب الاتحادي للهجرة واللاجئين" في 2015 تلتزم بموجبها السلطات الحكومية بالتساهل مع بعض حالات اللجوء الكنسي وعدم التدخل في الفترة التي يكون فيها طلب الترحيل تحت إعادة التقييم والفحص.
وفي المقابل تلتزم الكنيسة بعدم إخفاء أي طالب لجوء وحتى في حالة صدور قرار بتأكيد رفض طلب لجوئه، وبإخبار السلطات الحكومية عن كل شخص يلجأ إليها.
وفي تلك الاتفاقية بين الطرفين أكّد ممثلو الكنائس أنّ هدفهم من تقديم الحماية ليس إلغاء أيّ قانون في ألمانيا، ولكن "لتحفيز تطبيق القانون لصالح حقوق الإنسان"، مشيرين إلى أن "اللجوء الكنسي" ليس بياناً أو قراراً سياسياً ضد اتفاقية دبلن.
انتقادات لـ"اللجوء الكنسي"
هذا التسامح من قبل مؤسسات معينة في الدولة أدى إلى ارتفاع عدد الذين يحتمون بالكنائس، بالرغم من عدم وجود أيّة حصانة قانونية لـ"اللجوء الكنسي". حيث يبلغ عدد الذين يحتمون بالكنائس حوالي 700 شخص في ألمانيا، بحسب القناة الألمانية الأولى.
هذه الحالات تمثل مشكلة بالنسبة إلى كثير من وزراء داخلية الولايات الألمانية الذين يرغبون في تعجيل عمليات الترحيل. حتى بالنسبة إلى وزير الاندماج في ولاية شمال الراين –ويستفاليا، يواخيم شتامب، الذي حذر الكنائس قبل مدة من أن قبولها اللجوء إليها يشكل عائقاً أمام عمليات الترحيل ومن ثم أمام دولة القانون.
وقال الوزير إن 90 بالمائة من حالات طلب اللجوء إلى الكنيسة هي حالات تتبع اتفاقية دبلن، التي تستدعي إعادة اللاجئين إلى أول دولة أوروبية وصلوا إليها. وغالباً ما تكون هذه الدول هي بلغاريا، اليونان أو إيطاليا، وهي دول غالبا ما تعاني من ظروف صعبة ومن مشكال في التعامل مع تدفق اللاجئين.
وتؤكّد بيرغت نويفيرت من منظمة "اللجوء إلى الكنيسة" أن الكنسية لا تملك أيّ حق قانوني بمنح اللاجئين إليها الحماية من الشرطة والدولة، وتعرّف اللجوء الكنسي بأنه: "تقديم الدعم والمشورة والمأوى للاجئين المهددين بالترحيل إلى بلاد تسود فيها ظروف معيشة غير إنسانية أو التعذيب أو حتى الموت"، معتبرة أن اللجوء الكنسي هو "وسيط بين العمل الخيري والسياسة".
اللاجئون في ألمانيا - من "ثقافة الترحيب" إلى "سياسة الترحيل"
في خريف عام 2015، فتحت ألمانيا أبوابها للآلاف من اللاجئين. وكان تفهم الألمان لمآسي هؤلاء ملفتا جداً. إلا أن أحداثاً عديدة قلبت ثقافة الترحيب إلى مطالب بالترحيل. بالصور: محطات من السياسة الألمانية تجاه اللاجئين.
صورة من: picture-alliance/dpa/G. Fischer
بداية الموجة
في 25 آب/ أغسطس 2015، علقت ألمانيا تنفيذ اتفاق دبلن تجاه اللاجئين السوريين. وينص الاتفاق على إعادة اللاجئين إلى بلد دخلوه في الاتحاد الأوروبي. وبعدها بأيام قالت المستشارة ميركل إن التغلب على موجة اللجوء؛ "مهمة وطنية كبيرة"، كما أصرت على أن "ألمانيا ستنجح في هذه المهمة". وخشيةً من مأساة تحل بآلاف اللاجئين، قررت ميركل إلى جانب النمسا استقبال اللاجئين، وكان ذلك في الخامس من أيلول/ سبتمبر 2015.
صورة من: Reuters/H. Hanschke
استقبال وترحيب
مثلت ""ثقافة الترحيب" عنصراً مهماً في استقبال اللاجئين في خريف 2015. وقد حظي اللاجئون عند وصولهم إلى عدد من المدن الألمانية بترحيب منقطع النظير من جانب المتطوعين من المواطنين الألمان والأجانب المقيمين في ألمانيا. وبادر هؤلاء المتطوعون إلى تقديم المساعدة المعنوية والمادية للعديد منهم. ففي ميونيخ مثلاً، تم إنشاء مطاعم مؤقتة للاجئين المنتظرين تسجيل أسماءهم لدى الشرطة، ونقلهم إلى مراكز الإيواء.
صورة من: picture alliance/dpa/J. Carstensen
أزمة السكن
عدد كبير من اللاجئين قصد ألمانيا بعد قرار ميركل عام 2015. الأرقام المتزايدة للاجئين شكلت تحديا كبيراً للألمان. وبدأت مدن ألمانية باستعمال المباني الخالية أو المهجورة كمراكز إيواء للاجئين، فيما استدعت السلطات الحكومية المختصة الموظفين المتقاعدين للعمل من جديد في مراكز اللاجئين. ويعتبر هذا المعطى واحداً من المؤشرات الأخرى التي فرضت على ألمانيا دخول تحدٍ جديدٍ، بسبب اللاجئين.
صورة من: picture-alliance/dpa/I. Fassbender
بداية أحداث قلبت الموازين
كانت أحداث كولونيا، التي وقعت في ليلة رأس السنة الجديدة 2016/2015 بداية فاصلة لتغير مزاج الألمان تجاه اللاجئين. حيث شهدت تلك الليلة عملية تحرش جماعي كبرى لم تشهدها ألمانيا من قبل. تلقت الشرطة مئات البلاغات من نساء تعرضن للتحرش والسرقة وفتحت الشرطة أكثر من 1500 تحقيق لكن السلطات لم تنجح في التعرف إلا على عدد قليل من المشتبه بهم، الذين كانت ملامحهم شرق أوسطية وشمال إفريقية، طبقا لشهود.
صورة من: picture-alliance/dpa/M. Böhm
مطالب بالترحيل
أعمال التحرش الجنسي في كولونيا، ليلة رأس السنة، تسببت في موجة استياء واسعة في ألمانيا بداية من عام 2016، وقد دفعت كثيرين للمطالبة بتشديد القوانين لترحيل الجناة وجعلت آخرين يطالبون بتفادي تجريم فئة معينة في المجتمع. وكانت حركة "بغيدا" أهم الأطراف، التي دعت إلى وقف تدفق اللاجئين على ألمانيا. وتعارض هذه الحركة الشعبوية بوجه خاص إيواء لاجئين من دول إسلامية بدعوى أن ثقافتهم لا تنسجم مع القيم الغربية.
صورة من: picture-alliance/dpa/M. Kappeler
تحديد سقف لعدد اللاجئين
على خلفية اعتداءات كولونيا ليلة رأس السنة، وجد زعيم الحزب الاجتماعي المسيحي المحافظ آنذاك هورست زيهوفر في الواقعة فرصة للتأكيد على طلبه الرئيسي المتمثل في تحديد سقف أعلى لعدد اللاجئين المسموح لهم بدخول ألمانيا. لكن ميركل كانت قد رفضت الأمر في مؤتمر حزب "الاتحاد الاجتماعي المسيحي" (البافاري) في ميونيخ.
صورة من: picture-alliance/dpa/D. Karmann
هجمات متفرقة ينفذها لاجئون
وقام بعض اللاجئين بأعمال عنف و"إرهاب" جعلت مؤيدين كُثراً يسحبون دعمهم لسياسة الترحيب. ومن أبرز هذه الاعتداءات، ما حصل بمدينة أنسباخ جنوبي ألمانيا. فقد فجَّر طالب لجوء سوري عبوة ناسفة من صنعه وهو ما أدى إلى مقتله وإصابة 12 شخصاً. كما أصاب طالب لجوء آخر (2016) خمسة أشخاص بجروح بفأس وسكين على متن قطار في فورتسبورغ.
صورة من: Reuters/M. Rehle
هجمات معادية للاجئين
وفي المقابل قام أشخاص بالاعتداء على مجموعة من مراكز إيواء اللاجئين مثل إضرام الحريق في مركز فيرتهايم. كما شهدت بعض المدن الألمانية مظاهرات معادية لاستقبالهم. هذه التصرفات دفعت المستشارة ميركل للقول إنه لا تسامح مع اليمينيين المتطرفين الذين يقومون بهجمات ضد اللاجئين.
صورة من: picture-alliance/dpa/R. Engmann
عملية دهس وراءها داعش!
في 19 ديسمبر/ كانون الأول 2016 اهتزت برلين لفاجعة الدهس بشاحنة، التي أدت لمقتل 12 شخصاً وإصابة 48 آخرين. هذا العمل الإرهابي قام به لاجئ في ألمانيا، فقد وُجهت التهمة لأنيس العامري، وهو تونسي الجنسية، كان يبلغ حينها 24 عاماً، باختطاف شاحنة بولندية ضخمة، ودهس بها تجمعاً بشرياً بأحد أسواق أعياد الميلاد في قلب برلين، قبل أن تقتله الشرطة الإيطالية. وقد أعلنت "داعش" فيما بعد تبنيها للاعتداء.
صورة من: picture-alliance/dpa/M. Kappeler
سياسة ميركل في مرمى الانتقادات
تصاعد الأزمات، وتفاقم المشاكل جعل شعبية المستشارة ميركل تقل، فقد اتهمها منتقدوها بأن سياسة "الباب المفتوح" التي اتبعتها فاقمت الأوضاع من خلال تشجيع المزيد من اللاجئين على الدخول في رحلاتهم الخطرة نحو أوروبا. وفي سبتمبر 2016 بدأت ألمانيا أيضا بعمليات مراقبة مؤقتة على حدودها مع النمسا.
صورة من: Getty Images/J. Simon
هل ستستقبل ألمانيا لاجئين جدد؟
أعلنت المفوضية الأوروبية لشؤون اللاجئين موافقة الحكومة الألمانية على استقبال 10 آلاف لاجئ ضمن برنامج "إعادة التوطين" التابع للاتحاد الأوروبي، في الوقت الذي يحاول وزير الداخلية الألمانية الإسراع بفتح مراكز جديدة للاجئين تتولى استقبال اللاجئ والبت في قراره ثم ترحيله في حالة رفض طلبه. بالإضافة إلى توجهه نحو التشدد حيال لمّ شمل عائلات اللاجئين الحاصلين على الحماية الثانوية. إعداد: مريم مرغيش