أرقام جديدة كشفت عنها الحكومة الألمانية فيما يخص الهجرة واللجوء: انخفاض حاد في معدلات قبول الطلبات، مقابل ارتفاع غير مسبوق في الطعون القضائية. فهل فقدت ألمانيا جاذبيتها لدى المهاجرين؟
تتخذ الحكومة الألمانية سياسات هجرة متشددة، وهو ما يتجلى بوضوح في الإحصاءات الحديثة الصادرة مؤخراً.صورة من: Christian Mang/REUTERS
إعلان
قدمت الحكومة الألمانية إحصاءات جديدة حول اللجوء والهجرة للنصف الأول من عام 2025 بناءً على طلب من حزب اليسار (معارضة)، وبيّنت الإحصاءات انخفاضاً في قبول طلبات اللجوء في ألمانيا، وارتفاعا في أعداد القضايا التي تم البتّ فيها، إلى جانب ارتفاع عدد الطعون القضائية في الطلبات المرفوضة. وعلى وجه التحديد انخفضت طلبات اللجوء التي تم قبولها في ألمانيا بشكل واضح في النصف الأول من العام الحالي 2025، بمعدل 26.5 بالمئة عما كان عليه الأمر في السنوات الأربع السابقة حيث كان معدل طلبات اللجوء المقبولة يتراوح بين 59 بالمئة إلى 72 بالمئة من مجمل الطلبات المقدمة بحسب صحيفة "نوير أوسنابروكر تسايتونغ". وأضافت الصحيفة أنه في الوقت نفسه ازداد عدد الطعون القانونية على القرارات، إذ تم تسجيل حوالي 90,900 دعوى أو طلب استئناف متعلق بطلبات اللجوء، وهو عدد يفوق إجمالي طلبات الاستئناف التي تم تقديمها في عام 2023 بأكمله.
وأفادت الأرقام الصادرة عن الحكومة الألمانية أنه في النصف الأول من عام 2025 صدر نحو 52 ألف قرار متعلق بطلبات اللجوء، واللافت هو أن هذه القرارات صدرت بسرعة أكبر مما كان عليه الوضع في السنوات السابقة.
ومن بين اللاجئين الذين تم رفض طلباتهم من قبل المكتب الاتحادي للهجرة واللاجئين (BAMF)، حصل نحو 9 آلاف منهم في نفس الفترة على وضع حماية بعدما أصدرت المحاكم بعد ذلك قرارات لصالحهم أو بعد إعادة فحص طلباتهم من قبل الجهات المختصة.
الإجراءات السريعة تثير الإعجاب والجدل معاً
من جهته، أشاد وزير الداخلية ألكسندر دوبريندت من حزب الاتحاد الاجتماعي المسيحي بالتدابير المتخذة في هذا الإطار، مشيرا إلى انخفاض عدد طلبات اللجوء بنسبة تقارب 60 بالمئة في شهر أغسطس/ آب الماضي مقارنة بالعام السابق.
إعلان
ومن وجهة نظره لا يُعزى ذلك فقط لسقوط نظام الأسد في سوريا وتغيّر الأوضاع السياسية في سوريا وأفغانستان فحسب، بل يرتبط أيضاً بالانخفاض الهائل في "التأثير المغناطيسي" لألمانيا. ويقصد بـ "التأثير المغناطيسي" العوامل التي تجعل من ألمانيا بلداً جذاباً للهجرة واللجوء، وبسبب سياسات الهجرة المتشددة التي اتخذتها الحكومة الألمانية مؤخراً، ما جعل "جاذبية ألمانيا" تتراجع كبلد هجرة.
من أبرز هذه السياسات إلغاء لمّ الشمل لحاملي إقامة الحماية الثانوية، وتشديد المراقبة على الحدود، وتوسيع قائمة الدول الآمنة.
أما كلارا بونغر، عضوة البوندستاغ عن حزب اليسار المعارض، فقد انتقدت في تصريحات أدلت بها لصحيفة "نوير أوسنابروكر تسايتونغ" هذه الإجراءات معتبرة أن "الأرقام تعزز الانتقادات الموجهة إلى مفهوم دول المنشأ الآمنة، إذ إن الإجراءات المعجّلة المرتبطة به تؤدي إلى عدم التعرّف على وجود حاجة فعلية إلى الحماية". والمقصود أنه وإذا ما تبت أن طالبي اللجوء مروا عبر بلد ثالث للوضول إلى ألمانيا يتم ترحيلهم بدون الحاجة إلى دراسة الملف. وأضافت: "من المُحتمل أن تُؤدي إجراءات تسريع البتّ في طلبات اللجوء إلى مراجعات غير كافية من حيث النوعية". كما اعتبرت بونغر أن أسباباً تتعلق بالمزاج الحالي تجاه موضوع الهجرة في ألمانيا تقف وراء هذه الأرقام، وعلّقت قائلة: "سيكون من السذاجة أن نعتقد أنه لا يوجد ارتباط بين المناخ السياسي وممارسات اتخاذ القرار لدى هيئة اللجوء".
ألمانيا واللاجئون.. كيف تغير الحال منذ الترحيب الكبير في 2015؟
أغلبية الألمان كانت في عام 2015 مع استقبال اللاجئين ومنحهم الحماية. ولكن الأمور لم تستمر كذلك، حيث تراجعت نسبة التأييد للاجئين بشكل متسارع اعتباراً من مطلع عام 2016. نستعرض ذلك في هذه الصور.
صورة من: Odd Andersen/AFP/Getty Images
ميركل وعبارتها الشهيرة
"نحن قادرون على إنجاز ذلك". عبارة قالتها المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل في هذا المؤتمر الصحفي للحكومة، الذي عقد بتاريخ 31 أغسطس/آب 2015. لم تكن تعرف حينها أن الجملة ستدخل التاريخ الألماني الحديث، وتسبب استقطاباً في البلاد، ويتحول الرأي العام الألماني من مرحب بنسبة كبيرة باللاجئين، إلى تناقص هذه النسبة بمرور السنوات.
صورة من: Imago/photothek/T. Imo
تأييد كبير لاستقبال اللاجئين
حتى مع ارتفاع أعداد طالبي اللجوء إلى ألمانيا من حوالي 41 ألف طلب لجوء في عام 2010 إلى 173 ألف طلب لجوء في 2014، كانت الأغلبية الساحقة من الألمان، في مطلع عام 2015، مع استقبال اللاجئين وتقديم الحماية لهم.
صورة من: Martin Meissner/AP Photo/picture alliance
أول محطة ترحيب
صيف وخريف 2015 شهد ذروة موجة اللجوء الكبيرة. فبعد أخذ ورد على المستوى السياسي الألماني، ومع الدول الأوروبية المجاورة، سمحت ألمانيا ودول أوروبية أخرى بدخول طالبي اللجوء إليها. مئات الآلاف دخلوا البلاد خلال أسابيع قليل. وظهرت صور التعاطف معهم من جانب السكان الألمان. وكان ذلك واضحاً للعيان في محطات القطارات وفي مآوي اللاجئين.
صورة من: Sven Hoppe/dpa/picture alliance
التأييد حتى على مدرجات الملاعب
وحتى على مدرجات ملاعب كرة القدم، في مباريات الدوري الألماني (بوندسليغا)، شاهد العالم عبارات الترحيب باللاجئين، كما هنا حيث رفعت جماهير بوروسيا دورتموند هذه اللافتة العملاقة بتاريخ 25 أكتوبر/تشرين أول 2015.
وبالمجمل وصل إلى ألمانيا خلال عام 2015 وحده حوالي 890 ألف طالب لجوء.
صورة من: picture-alliance/G. Chai von der Laage
الرافضون لاستبقال اللاجئين أقلية في 2015
بنفس الوقت كان هناك رافضون لسياسة الهجرة والانفتاح على إيواء اللاجئين، وخاصة من أنصار حركة "بيغيدا" (أوروبيون وطنيون ضد أسلمة الغرب)، الذين كانوا يخرجون في مسيرات، خصوصاً في شرق البلاد، للتعبير عن رفضهم لاستقبال اللاجئين. كما كانت تخرج مظاهرات مضادة لحركة "بيغيدا" وداعمة لاستقبال اللاجئين.
صورة من: Reuters/F. Bensch
ليلة الانعطاف الكبير
وبقي الرأي العام منفتحاً على استقبال اللاجئين حتى ليلة حاسمة، مثلت علامة فارقة في قضية الهجرة واللجوء في ألمانيا. فبينما كان العالم يودع عام 2015 ويستقبل 2016، والاحتفالات السنوية تقام أيضا في المدن الألمانية، وردت أنباء متتالية عن عمليات تحرش بالكثير من الفتيات في موقع احتفال برأس السنة في مدينة كولن (كولونيا). أكثر من 600 فتاة تعرضن للتحرش والمضايقات.
صورة من: DW/D. Regev
تعليق لم الشمل لحملة الحماية المؤقتة
من تلك اللحظة بدأ المزاج العام في التغير وأخذ حجم التأييد لاستقبال اللاجئين يتراجع في الرأي العام الألماني. وبدأ التشديد في قوانين الهجرة واللجوء، كتعليق لم الشمل لمدة عامين للاجئي الحماية الثانوية (المؤقتة)، بموجب القانون الذي صدر في ربيع عام 2016، والذي صدر في عهد وزير الداخلية آنذاك توماس دي ميزير.
صورة من: Getty Images/AFP/J. McDougall
الهجوم على سوق عيد الميلاد في برلين 2016
وقبل أن يودع الألمان عام 2016 بأيام قليلة، أتت كارثة جديدة صدمت الرأي العام: هجوم بشاحنة على سوق لعيد الميلاد في العاصمة برلين، نفذه اللاجئ التونسي سميح عمري. 13 إنسان فقدوا حياتهم في الهجوم، وأصيب 63 آخرون. حصيلة مؤلمة ستترك ندوباً في المجتمع.
صورة من: Reuters/H. Hanschke
حزب البديل يدخل البرلمان للمرة الأولى
استفاد من هذه الأحداث حزب البديل لأجل ألمانيا اليميني المناهض لسياسة الهجرة واللجوء الحالية والرافض لاستقبال اللاجئين كلياً. ليدخل الحزب البرلمان الألماني لأول مرة في تاريخه، محققاً المركز الثالث في الانتخابات البرلمانية الاتحادية التي أقيمت في سبتمبر/أيلول 2017، بنسبة 12.6 بالمئة.
صورة من: Reuters/W. Rattay
استمرار الاستقطاب
شهدت السنوات اللاحقة استمرار الاستقطاب في المجتمع، خصوصاً مع بعض الهجمات التي نفذها لاجئون، بدوافع إرهابية. أمر قلص الدعم الشعبي للهجرة. إلى أن تراجعت الشعبية، وبات قرابة ثلثي الألمان في استطلاعات الرأي يريدون استقبال أعداداً أقل من اللاجئين أو وقف استقبالهم كلياً.