المؤتمر الإسلامي الدولي بين الثقافة التبريرية وغياب الوعي النقدي
بدأ أمس حوالي 180 عالماً ومفكراً إسلامياً يمثلون 40 دولة مؤتمراً في العاصمة الأردنية عمان لمناقشة 52 بحثا هدفها "دحض الافتراءات وتصحيح صورة الإسلام بسبب الاتهامات التي يتعرض لها منذ اعتداءات 11 أيلول/سبتمبر 2001 ضد الولايات المتحدة". ويمثل العلماء والمفكرون في المؤتمر الذي يستغرق ثلاثة أيام بعنوان "حقيقة الإسلام ودوره في المجتمع المعاصر" غالبية المذاهب والمدارس والاتجاهات الإسلامية. وفي هذا السياق أوضحت الجهة المنظمة له، وهي وزارة الأوقاف الأردنية، أن الأبحاث التي سيناقشها المجتمعون تتركز حول محورين رئيسيين وهما: "تصحيح صورة الإسلام في المجتمع المعاصر، بالإضافة إلى "التأسيس لإعلام عصري يظهر صورة الإسلام الحقيقية".
مشاركة رسمية واسعة وغياب "إسلام الشارع"
ووفقاً لمنظمي المؤتمر فإن "مراجع إسلامية من العلماء والباحثين يمثلون مؤسسات من كافة المذاهب والمدارس والاتجاهات الفكرية ويحتلون مراكز علمية ودينية وسياسية ويمتلكون أوسع قاعدة شعبية للتأثير والإقناع" تشارك في فعالياته. وفيما يتعلق بأهدافه قالت الجهات المنظمة أن المؤتمر سيحاول "الاستفادة من وجود الفضائيات لكي يبين الصورة الحقيقية للإسلام في حين سيقر المشاركون ميثاقا لنبذ العنف والإرهاب". وأن "المؤتمر لن يكون خطابياً تقليديا بل فكريا يضع الأسس الواضحة والسليمة لتصحيح الصورة المغلوطة عن الإسلام (...) كما سيتصدى علماء المذاهب لقضايا التطرف والإرهاب والتكفير والفتاوى غير المسندة إلى أساس قويم". وفي السياق نفسه قال وزير الأوقاف الأردني عبد السلام العبادي: "المؤتمر سيعمل على أيجاد آليات واضحة لمواجهة الفكر التكفيري ووضع منهج واضح للإفتاء". ورغم هذا الحضور المكثف لممثلي "الإسلام الرسمي"، إلا أنه يلاحظ غياب منظري الحركات الإسلامية ذات الشعبية الكبيرة والتأثير السياسي، علاوة على المفكرين النقديين الذين يطالبون بإصلاح جذري وحقيقي للمفاهيم الإسلامية، وهو ما يضع علامات استفهام حول مصداقية هذا المؤتمر وأهليته لتجديد الخطاب الإسلامي.
ثقافة تبريرية غير نقدية
لا شك أن القضايا التي سيبحثها المشاركون في هذا المؤتمر الإسلامي الأول من نوعه هي قضايا تمس العمود الفقري للكينونة الإسلامية وواقع العالم الإسلامي، بداية من حقوق الإنسان في الإسلام والغلو والتطرف والإرهاب وموقفه منها، ومروراً بأولويات الإصلاح وضوابطه من وجهة نظر إسلامية، والأقليات والمواطنة، وإنتهاءاً بمسؤولية العلماء تجاه الأمة. ولكن هل يكفي الإيضاح التبريري الدفاعي بأن "الوسطية والاعتدال والسماحة هي من أسس الدين الإسلامي"، والتشديد في "رسالة عمان" على أن الإسلام يتعرض "لهجمات من التشويه والافتراء" من بعض من ينتمون إليه ويرتكبون باسمه "أفعالا غير مسئولة"، لمواجهة تحديات الحداثة والإجابة على أسئلة يفرضها الواقع على النخبة الإسلامية مثل دور المنظومة القيمية الإسلامية في عصر العولمة.
توظيف سياسي للمؤتمر
وفي السياق ذاته لفت الباحث الأردني فهد الفانك إلى أن "هدف المؤتمر هو منح الإسلام مواصفات اميركية، أي إسلام مسالم مهادن (...) والسير في التيار الاميركي، لأنك لا تستطيع أن تحارب الإرهاب إلا بواسطة مسلمين". واضاف أن "الهدف الأساسي يكمن في إظهار الإسلام بأنه مقبول اميركيا وبالتالي يأتي كجزء من الحملة على الإرهاب". كما دعا الملك الاردني إلى "تحديد من هو المؤهل" لمهمة الإفتاء و"إغلاق الباب أمام الجاهلين الذين يمارسون أعمال القتل الإرهاب باسم الإسلام". والجدير بذكره في هذا الصدد أن المملكة الهاشمية تسعى إلى استرداد "الدور الهاشمي" في العالم الإسلامي نظرا لانهماك الدول العربية الكبرى في أمورها الداخلية، فالسعودية منشغلة بمواجهة شبكة القاعدة بينما تواجه مصر استحقاقات سياسية مهمة. واستغل الملك عبدالله الثاني افتتاح المؤتمر ليندد بما "يجري في العراق وباكستان وغيرها من بلاد المسلمين من تبادل تهم التكفير وقتل المسلمين باسم الإسلام" مشيرا إلى أنها "كلها أمور مخالفة لجوهر الإسلام والإسلام منها بريء".
ومن المرجح أن العاهل الأردني أراد التأكيد على أن الهاشميين، الذين يشيرون الى أنفسهم بانهم من سلالة النبي محمد، يريدون الجمع بين مبدأ اعتراف كل مذهب بصحة إسلام إتباع المذاهب الأخرى وعدم جواز تكفير أي مسلم من أتباعها. وتأتي هذه الخطوة كي تساهم في استعادة هيبة "المرجعية الإسلامية" التي فقدت مصداقيتها منذ أن تحولت إلى مجرد بوق دعائي لأنظمة سياسية فاسدة تتاجر بكل القيم الدينية والدنيوية.
الإصلاح الديني ضرورة معرفية وحياتية
تميز الدين الإسلامي منذ إطلالته الأولى باحترامه النسبي لتنوع الأفكار وليدة الاجتهاد وبتشديده على ضرورة توظيف العقل من أجل العمل على نشر الخير بما يخدم الفرد والجماعة على حد سواء. وهو ما ظهر جلياً في ظاهرة تبلور المذاهب والمدارس والاتجاهات الإسلامية المختلفة. وبعيداً عن ضجيج الأيدولوجيا وأهدافها التبريرية والدفاعية، يجب الإشارة إلى أن الإصلاح الديني ضرورة معرفية وحياتية بحد ذاتها، لأنه لم يعد بوسع المسلمين العيش بمفردهم في هذا العالم الذي بات قرية كونية. كما أن مفهوم الإسلام الذي يعنيه الجميع لا يتضمن الدين في معناه الأصلي، بل هو نتاج ما نطلق عليه "التراث الديني"، وهو محصلة كم هائل من النصوص الدينية، علاوة على آراء وشروحات خاصة لشعوب وأجناس مختلفة تجمعت خلال القرون الماضية وإنتقلت إلينا على شكل خلاصات تساهم في تشكيل رؤيتنا لذاتنا وللعالم من حولنا.
لؤي المدهون