1. تخطي إلى المحتوى
  2. تخطي إلى القائمة الرئيسية
  3. تخطي إلى المزيد من صفحات DW

المافيا: عالم مجهول وثقل اقتصادي رهيب

يعود ظهور عصابات المافيا إلى القرون الوسطى، وتقترب أرباحها اليوم من ميزانيات الكثير من الدول. غير أن الجرائم المنظمة تغيرت طبيعتها في الفترة الأخيرة واتخذت شكلا غاية في الدقة والتعقيد.

المافيا عالم قائم على الغموضصورة من: AP

عصابات المافيا هي أشهر وأعتى عصابات الجريمة المنظمة في العالم. وقد أصبحت محوراً للعديد من الأعمال السينمائية والأدبية، وحيكت حولها الكثير من الحكايات والأساطير. نشأت العصابات في جزيرة صقلية الإيطالية وامتد نفوذها إلى أوروبا وأمريكا. وبرغم كل المحاولات المبذولة للقضاء عليها، لا يزال تأثيرها القوي على الساحة السياسية والاقتصادية العالمية والإيطالية خاصة يقلق الساسة والشعوب على حد سواء. واليوم تستخدم كلمة مافيا مجازاً للدلالة على أقصى درجات الإجرام تنظيماً ووحشية، مثل المافيا الروسية والمافيا اليابانية ومافيا الرقيق الأبيض.

رجال صقلية المحترمون

تعرضت جزيرة صقلية للكثير من الظلم أثناء الاحتلال الأسباني لها في القرن الثالث عشر وما يليه، فتكونت جماعات من الأهالي أخذت على عاتقها تطبيق القانون وتحقيق العدالة، الأمر الذي أهمله الاحتلال وتركه للأهالي دون حسبان عواقب ذلك. في البداية لاقت هذه الجماعات تعاطفاً من الأهالي المغلوبين على أمرهم، غير أن دور تلك الجماعات تغير مع مرور الوقت وأصبحت تشكل مجموعات مسلحة تفرض سيطرتها على مناطق معينة. وعلى خلاف طريقة المرتزقة في دخول معارك حربية لمصلحة أحد الأطراف، اعتمدت المافيا العمل السري للوصول إلى نفس الهدف. فاتخذت من العالم السفلي مملكة لها، من هناك تستطيع تدبير المكائد وابتزاز الخصوم لإرضاء الطرف الذي تعمل لمصلحته.

آل كابوني اشهر رجل مافيا في أمريكاصورة من: AP

ورجل المافيا يُدعى "مافيوز" وتعني بالإيطالية رجل جدير بالاحترام. ومع موجة الهجرة إلى العالم الجديد -أمريكا- وجدت الكثير من عائلات الرجال المحترمين طريقها إلى هناك، ليبدأ فصل مثير في حياة المافيا. فلقد وصل تأثيرهم إلى ذروته في خمسينات القرن العشرين، وتحكموا في مصائر العديد من السياسيين، وشكلوا معضلة شديدة للشرطة الأمريكية لاختراقهم، فالمافيا تقوم على نظام عائلي صارم يضمن أقصى درجات الولاء. ولا تزال أخبار رجل المافيا الشهير "آل كابوني" تسير مضرب الأمثال في الدهاء والحنكة والولاء. حتى نجحت في فترة السبعينات قوات الشرطة بالتعاون مع مكتب المباحث الفيدرالية في تحجيم عمليات المافيا والقبض عل العديد من رجالها.

علاقات خطرة

يقدر حجم أعمال المافيا السنوي بـ 100 مليار يورو، وبذلك فهي تتفوق على شركة فيات الايطالية العملاقة لصناعة السيارات، وعلى الناتج المحلي الاجمالي لمصر. وتقوم أعمالها على اساس ابتزاز الأموال، تصفية خصوم سياسيين نظير مقابل، تجارة السلاح، تجارة المخدرات، استخدام النفوذ لفرض تسويق نوعية من البضائع، التزوير في المراهنات والمزايدات. جريدة "لا ريبوبليكا" الإيطالية ذكرت أن عدد الشركات والمحلات التجارية التي تدفع إتاوات للمافيا يصل إلى 160 ألف. وتتراوح التسعيرة الربع سنوية بين 500 يورو للمحلات الصغيرة إلى 5000 للشركات الكبيرة. ولا يتردد أصحاب الأعمال في الدفع لأن المافيا نجحت في ترسيخ مفهوم "الموت هو نهاية المقاومة".

زعيم المافيا بيبو كالو في قفص الاتهام بعد القبض عليه عام 1996صورة من: dpa

وتتعقد الخيوط المتعلقة بالمافيا في ايطاليا حتى يصعب معرفة من يعمل لمصلحتها ومن يعمل ضدها. فآخر الفضائح السياسية كانت الحكم على حليف لرئيس الوزراء الإيطالي "بيرلوسكوني" بالسجن لتسعة أعوام بسبب تورطه في التعامل مع المافيا. وقبل أعوام تعرض رئيس الوزراء السابق "جيوليو أندريوتي" إلى المحاكمة بتهمة عقد صفقات مع زعيم المافيا في صقلية. غير أن الفساد السياسي يواجهه وجه آخر مشرف للقضاء. فلقد دفع القاضيان "جيوفاني فالكون" و"باولو بورسيلينو" حياتهما ثمناً للإخلاص للمبادئ، فالاثنان يعدان من أشهر القضاة الذين اشتدا في تعقب المافيا، وذلك بحكم نشأتهم في مدينة "باليرمو" الصقلية ولمسهم لمدى المعاناة التي تقع على الطبقات المتوسطة من جراء جرائم المافيا. بعد النجاح اللذي حققاه، تم اغتيالهما تباعاً عام 1993، " بورسيلينو" قتل بقنبلة مزروعة في سيارته و"فالكون" بقنبلة مزروعة في الطريق السريع.

المافيا الجديدة

رمز المافيا الروسيةصورة من: APTN

رغم النفوذ الواسع لعصابات المافيا في جميع العالم، يعد وجودها ونفوذها محدودا في ألمانيا، وذلك كما يؤكد "يورج كينزيج" مدير قسم أبحاث الجريمة في معهد ماكس بلانك. حيث لا تظهر جرائم تحمل طابع التنظيم العائلي المعروف عن المافيا، ولكن معظم الجرائم المنظمة تتعلق بعصابات تجارة مخدرات وتهريب التبغ، وهي وإن كانت تعتمد على تحركات منظمة ومنسقة بين أفرادها، إلا أنها لا تصل إلى خطورة وشراسة المافيا. غير أن الباحث الألماني يضيف في مقابلته مع جريدة "دي تاتز" البرلينية أن الشكل الأكثر خطورة والذي ظهر على السطح أخيراً هو الجماعات الإرهابية المنظمة، فلقد تغير شكل الجريمة المنظمة من جريمة ترتكب بهدف تحقيق الربح المادي، إلى جريمة ترتكب باسم المبادئ السامية. جدير بالذكر أن ألمانيا استيقظت بعد ضربات الحادي عشر من سبتمبر/أيلول على خبر يفيد بأن خطة التنفيذ وضعت على أراضيها وأن عدد من المنفذين خرج منها، وتواترت الأنباء عن خلية هامبورج الارهابية وتشعباتها. لذلك تتركز معظم جهود مكافحة الجريمة الآن في ألمانيا على عمل قوائم بيانات متكاملة عن الجماعات الإرهابية واتصالاتها وتحركاتها.

هيثم الورداني

تخطي إلى الجزء التالي موضوع DW الرئيسي

موضوع DW الرئيسي

تخطي إلى الجزء التالي المزيد من الموضوعات من DW

المزيد من الموضوعات من DW