المال الفاسد يهدد نزاهة الانتخابات البرلمانية الجزائرية
١٩ أبريل ٢٠١٢باشرت الأحزاب السياسية الجزائرية والمرشحين الأحرار بداية الأسبوع الجاري حملتها الانتخابية للانتخابات البرلمانية المقررة في 10 مايو/ أيار المقبل، حيث سيعمل 44 حزباً سياسياً ومستقلون خلال الثلاثة أسابيع القادمة على عرض برامجهم السياسية ومخططاتهم المستقبلية على المستويين الداخلي والخارجي أمام الناخبين في جهات البلاد الأربعة، وسط تضارب التوقعات من سيفوز بهذه الانتخابات المفتوحة على كل الاحتمالات، ومن المتوقع أن يلعب فيها المال إلى جانب رصيد الأحزاب الجماهيري الدور الحاسم، في حالة تعطل ماكنة التزوير الانتخابي.
المال الفاسد خطر يهدد الجزائر
وناشدت اللجنة الوطنية لمراقبة الانتخابات التشريعية السلطة الجزائرية الإسراع بتقديم إعانات مادية للأحزاب تمكنها من القيام بالحملة الانتخابية وإقناع الناخبين بالتوجه للمشاركة بكثافة في 10 مايو/ أيار القادم للانتخاب، وقال محمد صديقي رئيس اللجنة "بعثنا برسالة لوزارة الداخلية قبل بداية الحملة الانتخابية نطالب فيها بضرورة تمويل الحملة الانتخابية للأحزاب، كما تنص المادة 203 من قانون الانتخابات، ومحاسبتها فيما بعد، إلا أننا لم نحصل على الرد حتى الآن". وأضاف صديقي في تصريح لـ dw " أن هناك خطرا على العملية السياسية وعلى الجزائر إذا لجأت الأحزاب والقوائم الحرة للأموال الخارجية أو الأموال الداخلية الفاسدة"، ودعا صديقي اللجنة القضائية المختصة إلى معاقبة الأحزاب التي قامت ببيع قوائمها الانتخابية في الولايات لأصحاب المال، ويضيف رئيس اللجنة" إذا بقيت هذه الأحزاب بدون محاسبة فسوف يأتي اليوم الذي تعرض فيه الحكومة والوزارة في المزاد للبيع سواء لجهات داخلية أو خارجية".
حملة واسعة لرصد مصادر أموال الأحزاب
وتتحدث في هذا الإطار مصادر إعلامية عن قيام مصالح الأمن المختصة بتقديم تقارير مفصلة عن مصادر أموال الحملات الانتخابية للأحزاب والقوائم الانتخابية التي تتنافس على سباق البرلمان، موازاة مع ذلك لا تزال الأرصدة البنكية لبعض الأحزاب وقادتها تحت مجهر مصالح الأمن على خلفية ورود معلومات تشير إلى حصول هذه الأحزاب على دعم مالي مشبوه منها تمويلات خارجية. وتقوم أيضا مصالح الرقابة المالية لوزارة المالية بعمليات مراقبة واسعة لحركة الأموال من والى أرصدة الأحزاب السياسية سواء عن طريق البريد أوالبنوك. كما كشف سليمان بودي، رئيس الهيئة الوطنية للإشراف على الانتخابات التشريعية، أن هيئته قامت بإبلاغ النيابة العامة عن 17 شكوى خاصة بتجاوزات منها "استعمال المال غير النظيف"، في الحملة الانتخابية، وقد تم تحويلها للنيابة العامة عبر مختلف المحاكم الإدارية، التي سوف تنزل عقوبات صارمة في حالة ثبت بالدليل القاطع صحة تلك المعلومات.
الردع لكل مخالف
وتوعد دحو ولد قابلية،وزير الداخلية والجماعات المحلية، في تصريحات إعلامية سابقة بإجراءات صارمة على كل حزب سياسي يمول حملته الانتخابية بطرق ملتوية بما فيها التمويل الخارجي الذي منعه مشروع قانون الأحزاب السياسية الذي اعتمده البرلمان بغرفتيه في الدورة الربيعية الأخيرة.
وعبرت عدة أحزاب عن تخوفها من تحالف المال الفاسد مع السلطة للاستيلاء على إرادة الجزائريين عبر شراء أصوات الناخبين بمختلف الإغراءات، ورأت في لجوء بعض الأحزاب إلى بيع قوائم الترشح لرجال المال و الأعمال في الولايات مؤشرا واضحا على فساد العملية الانتخابية منذ البداية، وحول السبب وراء إقدام رجال المال والأعمال على الترشح للبرلمان يقول الدكتور سمارة نصير، الباحث في العلوم السياسية بجامعة الجزائر"لقد أصبح البرلمان المكان المناسب لعقد الصفقات التجارية، والاقتراب من أصحاب القرار على المستوى المركزي، كما يكمن السبب أيضا في حصولهم على الحصانة التي تمكنهم من التورية على نشاطاتهم المشبوهة أو استعمالها في تبييض الأموال وتهريبها إلى الخارج خصوصا إذا ما علمنا أن هذه الحصانة تجعل مختلف أسلاك الأمن لا تستطيع تفتيشهم في المطارات وفي الحدود".
"المال يسكت كل الأشياء الجميلة"
ويتهم جمال بن عبد السلام رئيس حزب جبهة الجزائر بعض رؤساء الأحزاب بالحصول على المال الفاسد لتمويل حملتهم الانتخابية، " وأن وزارة الداخلية على علم بما هو حاصل من تجاوزات إلا أنها لم تحرك ساكنا"، وقال بن عبد السلام في تصريح لـdw "إننا نطالب بفتح تحقيق حول كل الأموال المشبوهة الموجه للحملة الانتخابية سواء من داخل البلاد أو من خارجها"، و من جهته أكد نائب حركة الإصلاح على ازدواجية تعامل السلطة مع الأحزاب، حيث تُمكن لبعض الأحزاب استغلال أملاك الدولة وتمنعها على أخرى. ويؤكد غويني في حديث ل dw " بأن اختلاط المال الفاسد مع النفوذ من شأنه تلويث الساحة السياسية، و يعيق سير المؤسسات المنتخبة بالطريقة التي يطمح إليها الشعب الجزائري"، ومن خبرته في البرلمان السابق يقول غويني " أن أصحاب المال المنتخبون أغلبهم لا يحملون مشروعا أو برنامجا يدافعون عنه، وكل همهم خلال الفترة النيابية هو تعزيز مصالحهم وتوسيع مناطق نفوذهم"، ويؤكد نائب رئيس حركة الإصلاح أن المال الفاسد المستخدم في شراء أصوات الناخبين و ذمم ضعاف النفوس و المترددين سوف يؤثر على نتائج الانتخابات، وثبت في المرات الماضية أنه "إذا تكلم المال تسكت كل الأشياء الجميلة"، وأول ضحايا هذا المال الفاسد هو الصدق في التعبير، حسب قوله.
السلطة مرهونة بالسيطرة على الثروة
ويرى الأستاذ سمارة بأن هناك إحساسا عاما مشتركا بين كل الجزائريين على أن حجم الفساد السياسي والمالي في الجزائر بلغ مستويات قياسية. لدرجة أنه أصبح "موضة ونمط حياتي في الجزائر، حيث لا يستطيع أحد أن يقوم بشيء من دون الاستعانة بشبكات هؤلاء المفسدين، ويكفي أن نستدل هنا بتقرير منظمة الشفافية العالمية الذي صنف الجزائر في المرتبة 99 من 180 دولة في درجة الفساد" و يضيف الباحث لـdw بأن" زواج المال بالسياسة هو حال كل الدول الريعية حيث ممارسة السلطة مرهونة بالسيطرة على الثروة، والجزائر كدولة ريعية لا يمكنها الخروج عن هذا النمط".
توفيق بوقاعدة
مراجعة: حسن ع. حسين