المجتمع المدني يتكاتف للمساهمة في إعادة إعمار لبنان
١ ديسمبر ٢٠٢٤"لقد تضرر منزلي، وتحطمت النوافذ والأبواب، كانت الليلة الأولى صعبة للغاية"، هكذا وصفت فاطمة عطية لـ DW منزلها الكائن في مدينة صور اللبنانية الساحلية بعد عودتها إليه في اليوم الأول من وقف إطلاق النار بين إسرائيل وحزب الله الذي دخل حيّز التنفيذ في 27 نوفمبر/ تشرين الثاني.
اضطرت فاطمة إلى تعليق ملاءة سرير على إطار باب غرفة نومها لتحظى ببعض الخصوصية، وأضافت: "لم أشعر بالأمان، ومع ذلك، شعرت بالسعادة للعودة إلى منزلي على الرغم من عدم وجود كهرباء أو ماء".
فاطمة عطية ليست الوحيدة التي قررت العودة إلى منزلها في ضوء وقف إطلاق النار الحالي، إذ قرر أغلب الفارين البالغ عددهم حوالي 1.3 مليون شخص العودة إلى منازلهم التي تركوها هاربين من الضربات الإسرائيلية.
يدعو اتفاق وقف إطلاق النار الذي توسطت فيه الولايات المتحدة وفرنسا، إلى هدنة مدتها 60 يوماً عن القتال بين إسرائيل وحزب الله الذي أسفر عن مقتل 3823 شخصاً على الأقل وإصابة 15859 آخرين في لبنان منذ أكتوبر/ تشرين الأول عام 2023 وفق وزارة الصحة اللبنانية.
وعلى الجانب الآخر، أسفرت ضربات حزب الله عن مقتل 45 مدنياً في شمال إسرائيل ومرتفعات الجولان التي تحتلها إسرائيل، وقتل على الأقل 73 جندياً إسرائيلياً في شمال إسرائيل ومرتفعات الجولان وجنوب لبنان وفق السلطات الإسرائيلية.
وتعتبر دول عديدة حزب الله اللبناني، أو جناحه العسكري، منظمة إرهابية. ومن بين هذه الدول الولايات المتحدة ودول الاتحاد الأوروبي وبريطانيا ودول أخرى. كما حظرت ألمانيا نشاط الحزب على أراضيها في عام 2020 وصنفته كـمنظمة إرهابية.
اقتصاد متعثر تفاقم بسبب الحرب
بينما توقفت الهجمات إلى حدّ كبير، يتساءل كثيرون في لبنان حول التوجه فيما يخص إصلاح ما خلفته الحرب وإعادة إعماره، فقد قدّر البنك الدولي مؤخراً أن الأضرار المادية والخسائر الاقتصادية في لبنان قد بلغت 8.5 مليار دولار (ما يعادل 8 مليارات يورو).
وحتى قبل أن يبدأ حزب الله بضرب إسرائيل "دعماً لحماس" المصنفة هي أخرى منظمة إرهابية في عدة دول على رأسها الولايات المتحدة وألمانيا ودول الاتحاد الأوروبي، كان لبنان في وضع اقتصادي وسياسي سيء، فمنذ عام 2022 يحكم لبنان حكومة مؤقتة. وهناك فراغ سياسي كبير عرقل عمل الكثير من المؤسسات الحكومية.
وبعد عامين من شغور منصب رئيس الجمهورية أعلن نبيه بري، رئيس مجلس النواب اللبناني هذا الأسبوع عن إجراء انتخابات رئاسية في شهر يناير/ كانون الثاني عام 2025.
يُذكر أن لبنان كان على وشك الانهيار الاقتصادي الذي تفاقم بسبب الحرب، ووفق منظمة هيومن رايتس ووتش، فإن حوالي 80 بالمئة من سكان لبنان يعيشون تحت خط الفقر بعد أن بلغ التضخم 250 بالمئة.
الحكومة "غير قادرة وحدها" على إعادة إعمار لبنان
قالت آنا فلايشر، مديرة مكتب بيروت لمؤسسة هاينريش بُل الألمانية المقربة من حزب الخضر، لـ DW: "يشكّل الوضع الحالي في لبنان عبئاً كبيراً على القطاع المالي الذي انهارَ تقريباً"، مشككة في قدرة الحكومة على تحمل هذا العبء وحدها، ورجحت أن المبادرات الخاصة هي أول من سيسعى لإعادة الإعمار، لكنها استدركت أن النشطاء وحدهم لا يستطيعون تحمل عبء إعادة بناء بلد بأكمله.
ومن جانبها قالت لين زوفيغيان، مؤسسة "مكتب زوفيغيان العام" في بيروت الذي يحمي المجتمعات التي تواجه جرائم وحشية لـ DW: "الاستجابة الإنسانية للبنان تقع تحت رحمة قوى ومصالح سياسية كبيرة"، وتعتقد أن المجتمع المدني في لبنان كُلِّفَ بـ "المهمة شبه المستحيلة لإعادة بناء البلد في ظل غياب الدولة، وتحويل المساعدات الطارئة إلى تمويل استراتيجي يستند إلى الاحتياجات، وتحديد رؤية طويلة المدى."
ولين زوفيغيان على قناعة بأن الناشطين والمنظمات المحلية بحاجة ماسة إلى تمكينهم وإشراكهم في قرارات التمويل المستقبلية التي ستؤثر على حياة الناس للسنوات القادمة، وقالت: "يحتاج السكان إلى أموال وموارد تدوم لأجيال قادمة، مثل المنازل، والطرق، والأمن، والبنى التحتية الطبية، وتمكين الاقتصاد".
أكدّ برنامج الأمم المتحدة الإنمائي وجهة نظر لين زوفيغيان، وقال أنطوان معلوف، المتحدث باسم برنامج الأمم المتحدة الإنمائي لـ DW: "تلعب منظمات المجتمع المدني في لبنان دوراً حيوياً في سدّ الفجوة بين خطط التعافي واحتياجات الناس الحقيقية"، وأضاف أنهم وحدهم من يمكنهم تقديم دعم ضمان توجيه جهود التعافي مثل إزالة الأنقاض، وتنظيف الشوارع، وإصلاح البنية التحتية، وإعادة تأسيس الخدمات للناس، من خلال التفاعل مع المجتمعات المحلية ودعم المبادرات.
الاحتياجات هائلة
يشكك بعض اللبنانيون بقدرة الحكومة والبلديات على تقديم المساعدات لإعادة الإعمار في المستقبل القريب، ما دفعهم إلى التحرّك على الفور، كما هو حال علي صفي الدين، وهو مواطن يبلغ من العمر 20 عاماً من صور، قال لـ DW: "قررت أنا وأختي نشر إعلانات لخدماتنا في إصلاح النوافذ والألمنيوم للمنازل المتضررة"، مشيراً إلى خفض أسعار خدماتهم ليتمكن الناس من تحمّل تكاليف إصلاح منازلهم.
وبالفعل باشر علي وشقيقته العمل على إصلاح نوافذ 40 منزلاً. وأضاف علي صفي الدين أنهما يعملان بأيديهم، ولكنهما يوظفان عمالاً أيضاً بسبب الطلب المرتفع على خدمتهما، ما يساعد على توفير فرص عمل لكثيرين إلى جانب إصلاح منازل المتضررين.
هذه المبادرات لاقت ترحيباً واسعاً من نائب رئيس بلدية صور، صلاح صبراوي، فقال لـ DW: "احتياجات السكان هائلة، وموارد البلدية محدودة جداً"، وأضاف أن البلدية تركز حالياً على إصلاح محطة المياه وتوفير الكهرباء المقطوعة عن معظم مناطق المدينة، ومع ذلك أشار إلى عدم وجود خطة مفصّلة لإعادة الإعمار بعد، ولم يُعقد اجتماع للبلدية بهذا الخصوص.
أعدته للعربية: م.ج