1. تخطي إلى المحتوى
  2. تخطي إلى القائمة الرئيسية
  3. تخطي إلى المزيد من صفحات DW

المحاكمات العسكرية في تونس.. مكافحة للفساد أم لإسقاط الخصوم؟

إيمان ملوك
١٦ سبتمبر ٢٠٢١

أثار توقيف نواب في البرلمان التونسي وترقب محاكمتهم أمام محكمة عسكرية، انتقادات محلية ودولية. الرئيس التونسي قيس سعيد يقول إنها تدابير إستثنائية في حربه على الفساد، وحقوقيون يخشون من أنها "وسيلة" يُراد بها إسقاط الخصوم.

رجال امن تونسيون.
حملة "التطهير" من الفساد التي اتخذها قيس سعيّد تثير مخاوق حقوقيين ونشطاء.صورة من: Getty Images/AFP/F. Belaid

في وقت لا يزال الترقب مستمراً في تونس لإعلان حكومة جديدة منذ فرض الرئيس التونسي قيس سعيّد التدابير الاستثنائية في البلاد وتجميد البرلمان في 25 يوليو/ تموز الماضي، تثير حملة التوقيفات وحظر السفر بحق قضاة ونواب ورجال أعمال و"التطهير" الذي أعلن عنه الرئيس التونسي قيس سعيّد منذ توليه السلطة في 25 يوليو/تموز الماضي، مخاوف وقلق حقوقيين وخبراء بشأن تراجع محتمل للحقوق والحريات.

قبل أيام تعهد الرئيس التونسي قيس سعيّد بأن يتحرك في إطار الشرعية الدستورية وتكوين حكومة في وقت قريب دون أن يعطي تاريخاً محددا لإنهاء هذا الوضع. كما وعد الرئيس التونسي في وقت سابق  بمحاربة ما وصفهم بـ "المافيا التي تحكم تونس" بسيطرتها في الخفاء على مسؤولين سياسيين فاسدين في البلاد، مؤكّداً أنّ الصلاحيات الاستثنائية التي منحها لنفسه بموجب الدستورهدفها تمكينه من شنّ هذه الحرب. وجدّد سعيّد التأكيد على أنّ التدابير الاستثنائية التي اتّخذها قبل حوالي شهرين لا تمتّ إلى الانقلاب بصلة، كما يتّهمه بذلك خصومه. يرتكز الرئيس التونسي في قراراته على الفصل 80  من دستور 2014 الذي يخوّله اتخاذ تدابير استثنائية في مواجهة "خطر داهم".

"خطر داهم" على تونس

بعد عشر سنوات على الثورة، ظهر غضب شعبي عند عدد كبير من التونسيين تجاه طبقة سياسية "تفتقد إلى الكفاءة" و"مخيبة للأمل". وظهر الخلاف الحاد والصراع السياسي منذ شهور بين الرئاسة والحكومة والبرلمان ما أدخل البلاد في دوّامة تعطلت على إثرها عجلة الدولة وفاقمت من تداعيات الوضع الإقتصادي والإجتماعي والصحي للبلاد.

في حوار له مع قناة فرانس 24، قال المحلل في الشؤون السياسية أيمن الزمالي إن "قرارات سعيّد ما تزال تحظى بدعم  من قبل فئات واسعة من الشعب التونسي، حتى بعد تمديد الإجراءات الإستثنائية. لأن التونسيون سئموا من الطبقة السياسية السابقة التي فشلت فشلا ذريعاً في إدارة الأزمات الإقتصادية والإجتماعية والسياسية وأيضاً الصحية في البلاد طيلة عقد من الزمن“. وأضاف الزمالي أن قرارت الرئيس ساهمت في تحسن الأوضاع الصحية نسبيا بعد أن كانت كارثية.

 أما عن القلق المحلي والدولي من تراجع مستوى الحريات في البلاد، يرى المحلل في الشؤون السياسية أن الوضع الصعب والإستثنائي الذي باتت تعيشه تونس يستلزم اجراءات استثنائية، حتى يستقر الوضع في البلاد. كما أشار:"الشعب التونسي مثلما تبشر بالإجراءات التي اتخذها قيس سعيد، هناك فئات واسعة من المثقفين والشباب يخشون من تراجع مستوى الحريات العامة والخاصة، خاصة وأن الشعب التونسي عاش سنوات من الديمقراطية وحرية التعبير ولكن تفشي الفساد الذي يقوض ويهدد أي أمكانية للإنتقال الديمقراطي في البلاد، هو ما جعل من الوضع الذي نعيشه في البلاد استثنائياً".

بدوره يدعم أستاذ القانون الدستوري أمين محفوظ القرارات الاستثنائية التي أعلن عنها الرئيس ويقول إنه يجب أيضا "وضع حد لدستور 2014 لأنه سبب الأزمة الحالية في تونس، فهو موّلد الأزمات عوض أن يكون موّلدا للحلول". ويضيف محفوظ أن "تجميد أعمال البرلمان ساهمت في خفض الاحتقان في تونس...، لكن يجب كذلك إلغاء دستور 2014.“ وعلى صفحته على موقع التواصل الإجتماعي، "فيسبوك"، تابع محفوظ دعمه للخطوات التي ياخذها الرئيس التونسي قيس سعيّد، وأكد أن تعرض المدافعين عن تلك القرارات للسب والشتم متوقع من قبل من وصفهم بـ "المتاجرين بالديمقراطية".

كما رحب عدد من المثقفين التونسيين بالحملة التي شنها الرئيس التونسي، قيس سعيّد، "ضد من حكموا تونس، خلال العشر سنوات الماضية، تحت قيم الدين، ونظافة اليد وحقوق الإنسان"، كما كتب الكاتب والباحث التونسي، مصطفى عطية في تغريدته التالية:

 مخاوف من تراجع الحريّات في البلاد

النائب في البرلمان التونسي الموقوف ياسين العياريصورة من: Chedly Ben Ibrahim/NurPhoto/picture alliance

على الرغم من ترحيب كثير من التونسيين بإجراءات سعيّد بعدما سئموا من الطبقة السياسية الحاكمة  في تونس،  إلا أن التدابير التي اتخذها وحملة مكافحة الفساد التي باشرها الرئيس منذ تعليق أعمال البرلمان في يوليو/ تموز الماضي  تثير القلق والخوف من تراجع الحريات في تونس. وقد شملت عمليات التوقيف مسؤولين سابقين ورجال اعمال وقضاة ونوابا واتخذت إجراءات منع السفر و فرض إقامة جبرية بقرار من وزارة الداخلية فقط،  كما ندد مدافعون عن حقوق الإنسان. من بين البرلمانيين الموقوفين النائب التونسي عن حركة أمل وعمل، ياسين العيّاري، الذي جاء توقيفه بعد خمسة أيّام من إعلان الرئيس قيس سعيّد التدابير الإستثنائية وتجميد البرلمان.

اعتبر العيّاري حينها قرارات سعيّد الاستثنائية "انقلاباً عسكرياً"، فأُوقف هذا المدون السابق المعروف بمواقفه الحادة خصوصا ضد السياسيين، نهاية تموز/ يوليو الماضي تنفيذا لقرار قضائي بسجنه مدة شهرين صدر عن القضاء العسكري إثر نشره لتدوينة في صفحته الرسمية على موقع التواصل الإجتماعي "فيسبوك" انتقد فيها الجيش في عام 2018. في الثامن من سبتمبر/ أيلول، بدأ النائب التونسي المعتقل ياسين العيّاري معركة الأمعاء الفارغة احتجاجا على الملاحقات القضائية العسكرية في حق المدنيين، على ما أفاد محاميه لوكالة فرانس برس.

تظاهر المتضامنون مع العيّاري أمام المسرح البلدي بشارع الحبيب بورقيبة في العاصمة تونس، رافعين شعارات رافضة للمحاكمات العسكرية للمدنيين. من جهتها اعتبرت المنظمة الدولية المعنية بمراقبة حقوق الإنسان، هيومن رايتس هووتش، في بيان سابق لها" أن رفع الحصانة عن أعضاء البرلمان مهّد الطريق للسلطات" من أجل تنفيذ عقوبة سجنية ضد نواب في البرلمان وضدّ النائب ياسين العياري وإخضاعه للتحقيق بتهمة "التشهير بالجيش". وطالبت المنظمة الحقوقية السلطات التونسية بالإفراج الفوري عن  النائب البرلماني لأنه "يُعاقب بسبب ممارسة حقه في التعبير".

القلق من تراجع الحريات في تونس، ازداد خاصة بعد إعلان قيس سعيد في 23 أغسطس/ آب الماضي عن تمديد الإجراءات الاستثنائية دون أن يعطي تاريخاً محدداً لإنهاء هذا الوضع ودون إعادة فتح البرلمان، وتعيين رئيس جديد للحكومة. في هذا الصدد قال إريك غولدستين، مدير قسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بالإنابة في هيومن رايتس ووتش: "تبدو تطمينات الرئيس سعيّد بشأن حقوق الإنسان جوفاء عندما يركّز السلطات في يده، ويصير أعضاء البرلمان والتونسيون الآخرون فجأة عرضة لقيود تعسفية على حريتهم، ويُزجّ ببعضهم في السجن".

من جانبها نددت جمعية "ضحايا التعذيب في تونس" ومقرها جنيف بالأحداث الأخيرة المتسارعة المتعلقة بوضع حقوق الإنسان، وانتقدت قرارات قيس سعيد واعتبرتها" انتهاكات خطيرة لحقوق الانسان، ووصلت إلى التعدي على نواب الشعب الذين تم اختيارهم بطريقة ديمقراطية“.

من جهة أخرى نظم عدد من النشطاء الرافضين للمحاكمات العسكرية، احتجاجات في عدد من المدن التونسية والأوروبية.

يواجه الرئيس التونسي، قيس سعيّد ضغوطات في الداخل والخارج.صورة من: Slim Abid/AP/picture alliance

 

زياد مبارك، ناشط مشارك في هذه الإحتجاجات، عبر عن مطالب المحتجين في حديثه لـDW عربية:“ نحن نرفض الإنقلاب، نرفض الخروج عن الدستور ونرفض محاكمة المدنيين أمام محاكم عسكرية". اعتبر الناشط التونسي، المقيم في ألمانيا المحاكمات العسكرية "طريقة من أجل ترهيب وإخضاع جميع المعارضين للرئيس قيس سعيد وقرارته. هي محاكمات جائرة وظالمة واستعمالها يدخل في إطار تصفية خصوم سياسيين. الرئيس قيس سعيد يحاول النأي بنفسه عن القضية، لكن جميع المحامين ونشطاء المجتمع المدني تعي أن الأمر يتعلق بمحاكمات عسكرية ضد من يخالفوه الرأي". 

منذ قرار تمديد الإجراءات الإستثنائية، يترقب الشارع التونسي الخطوة التالية للرئيس التونسي قيس سعيّد، الذي تزداد الضغوظ عليه في الداخل والخارج يوما بعد يوم  وتطالبه بتوضيح المسار الذي ستسلكه البلاد في المستقبل. في خطاباته السابقة تعهد سعيّد بعدم العودة إلى الوراء وبإعلاء إرادة الشعب وإعادة السيادة إليه، في مؤشر على إصلاحات سياسية يتوقع على نطاق واسع أن تطال النظام السياسي والدستور والذهاب إلى انتخابات مبكرة. فهل يعيد تونس إلى مسار الديمقراطية؟.

إيمان ملوك

تخطي إلى الجزء التالي موضوع DW الرئيسي

موضوع DW الرئيسي

تخطي إلى الجزء التالي المزيد من الموضوعات من DW