قالت محكمة العدل الأوروبية، أعلى هيئة قضائية في الاتحاد الأوروبي، إن التكتل انتهك حق شعب الصحراء الغربية في تقرير المصير من خلال إبرام اتفاقات تجارية مع المغرب. قرار رأت فيه الرباط "انحيازا". ما خلفيات الحكم وحيثياته؟
إعلان
أصدرت محكمة العدل التابعة للاتحاد الأوروبي، الجمعة (الرابع من تشرين الأول/أكتوبر 2024)، قراراً لصالح الانفصاليين الصحراويين من جبهة بوليساريو عبر إبطال اتفاقين تجاريين مبرمين بين المغرب والاتحاد الاوروبي بشكل نهائي.
هذان الاتفاقان اللذان يعودان للعام 2019 ويتعلقان بالصيد والزراعة، أبرما في "تجاهل لمبادئ تقرير المصير" للشعب الصحراوي كما اعتبرت أعلى هيئة قضائية للاتحاد الأوروبي في حكمها الصادر في لوكسمبورغ.
وكانت موافقة الشعب الصحراوي على إبرام هذين الاتفاقين أحد الشروط لسريانهما. لكن المحكمة اعتبرت أنه حتى لو تم استطلاع آراء السكان بهذا في الصحراء الغربية، المستعمرة الإسبانية السابقة الخاضعة بشكل تام لسيادة المغرب، فإنها لم تكن لتعني موافقتهم. وكان من الممكن الأخذ بهذه الموافقة لو كان تطبيق هذين الاتفاقين قد أعطى "فوائد محددة وملموسة وجوهرية" وهو ما لم يكن يحصل على ما أفادت المحكمة.
نتيجة لذلك، تم رفض طلبات إلغاء قرار المحكمة الأوروبية المتخذ في المحكمة الابتدائية عام 2021. وكانت محكمة الاتحاد الأوروبي ألغت آنذاك الاتفاقين التجاريين المبرمين بين الاتحاد والمغرب.
وفي رد فعل سريع، قالت وزارة الخارجية المغربية إن الحكم الذي أصدرته محكمة العدل الأوروبية اليوم الجمعة ببطلان الاتفاقات التجارية بين المغرب والاتحاد الأوروبي يعد "انحيازاً سياسياً صارخاً". وقالت الوزارة في بيان لها "مضمون القرار تشوبه العديد من العيوب القانونية الواضحة وأخطاء في الوقائع محل شبهات".
لكن قرار المحكمة الصادر الجمعة ليس له أي عواقب على المدى القصير. فمدة اتفاق الصيد انتهت في تموز/يوليو 2023 فيما مددت المحكمة لسنة اعتباراً من الجمعة تطبيق الاتفاق المتعلق بالمنتجات الزراعية.
ذكر منشأ الشمام والطماطم
وفي قرار آخر، طلبت محكمة العدل الأوروبية أيضاً أن تذكر العلامات التجارية للبطيخ الأصفر (الشمام) والطماطم التي يتم حصادها في الصحراء الغربية، هذه المنطقة وليس المغرب كبلد المنشأ.
وكانت الكونفدرالية الفلاحية وهي نقابة زراعية فرنسية، طلبت من فرنسا حظر استيراد البطيخ الأصفر والطماطم التي تزرع في أراضي الصحراء الغربية وتحمل علامة تجارية تشير إلى أن مصدرها المغرب. ووافقت المحكمة على ذلك معتبرة أنه في هذه الحالة يجب ذكر الصحراء الغربية وليس المغرب.
وتقع الصحراء الغربية على ساحل المحيط الأطلسي ويحدها المغرب وموريتانيا والجزائر. ويسيطر المغرب على 80% من مساحة الصحراء الغربية التي تعتبرها الأمم المتحدة من "الأقاليم غير المتمتعة بالحكم الذاتي"، فيما تطالب جبهة بوليساريو المدعومة من الجزائر والتي تخوض نزاعا مع الرباط منذ 1975، بالسيادة عليها.
وفي نهاية 2020 اعترفت الولايات المتحدة في ظل إدارة دونالد ترامب، بسيادة المغرب عليها، لتخرق بذلك التوافق الدولي على الوضع الحالي لهذه المنطقة المتنازع عليها.
خ.س/ ف.ي (أ ف ب، رويترز)
العلاقات المغربية الجزائرية.. محطات بين التلاحم والعداء
قطع الجزائر علاقتها الدبلوماسية مع المغرب هو أحدث تطور لعقود من التوتر والأزمات، حيث تحولت العلاقة بين البلدين من الدعم والمساندة إلى القطيعة والعداء بسبب ملف الصحراء الغربية الشائك وتراشق الاتهامات بدعم الانفصاليين.
صورة من: daniel0Z/Zoonar/picture alliance
المغرب يدعم الثورة الجزائرية
عند اندلاع ثورة التحرير الجزائرية في نوفمبر 1954 سارع ملك المغرب محمد الخامس آنذاك إلى دعم حركة المقاومة، وبادر على مدار سنوات إلى استضافة قادة الثورة، مؤكدا على أن تحرر الجزائر هي قضية مركزية للدول المغاربية. وفي ظل تعاطف شعبي كبير، تمّ جمع التبرعات وفُتحت الحدود أمام الثوار الجزائريين، ما ساهم في رفد الثورة الجزائرية بالمال والسلاح.
صورة من: dpa
حرب الرمال
صفو العلاقات تكدر في العام 1963، حين اندلعت "حرب الرمال" بين البلدين الجارين بسبب مجموعة حوادث حدودية. وكان ذلك بعد عام على استقلال الجزائر لتستمر "حرب الرمال" عدة أيام تاركة شرخاً حقيقيا في العلاقات.
صورة من: picture-alliance/dpa/UPI
المسيرة الخضراء ساهمت في توتر العلاقة
عبر "المسيرة الخضراء" في 1975 والتي شارك فيها 350 ألف مغربي، بسط المغرب سيطرته على الصحراء الغربية. وفي آذار/ مارس 1976 قطع علاقاته الدبلوماسية مع الجزائر بعد اعترافها بـ"الجمهورية العربية الصحراوية الديموقراطية" التي أعلنتها جبهة بوليساريو.
صورة من: picture-alliance/dpa/DB UPI
تحسن في العلاقات
في 26 شباط/فبراير 1983 التقى الملك الحسن الثاني مع الرئيس الشاذلي بن جديد على الحدود الجزائرية المغربية. ساهم هذا اللقاء في عودة حرية التنقل بين البلدين، كما أُعلن عن ذلك في أبريل/ نيسان من العام ذاته. ثم في أيار/مايو تمّ الاتفاق على السماح تدريجيا بتنقل الأشخاص وبحرية نقل السلع بين البلدين وفتح الخطوط الجوية وسكك الحديد.
صورة من: picture-alliance/dpa
فرض تأشيرة واغلاق الحدود
في 16 آب/أغسطس 1994 استنكرت الرباط تصريحات الرئيس الجزائري اليمين زروال التي اعتبر فيها أن الصحراء الغربية "بلد محتل". وفي 26 آب/ أغسطس فرض المغرب التأشيرة على جارته الشرقية عقب هجوم استهدف فندقا في مراكش قُتل فيه سائحان إسبانيان على يد إسلاميين متطرفين. واتّهم المغرب قوات الأمن الجزائرية بالضلوع في الهجوم، فيما أغلقت الجزائر حدودها مع المغرب.
صورة من: Getty Images/AFP/F. Senna
تقارب وجفاء
في 25 تموز/يوليو 1999 شارك الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة في مراسم جنازة الملك الراحل الحسن الثاني في الرباط. لكن بداية التقارب سرعان ما نسفته مجزرة أوقعت 29 قتيلا في جنوب غرب الجزائر، اتّهم بوتفليقة على خلفيتها المغرب بتسهيل تسلل إسلاميين مسلّحين إلى بلاده.
صورة من: AP
عودة اللقاءات
لقاءات بين الرئيس بوتفليقة والعاهل المغربي محمد السادس، أسهمت في "كسر الجليد" قليلاً. ففي تموز/يوليو 2011 أعلن ملك المغرب تأييده لإعادة فتح الحدود البرية ولتطبيع العلاقات. وهو ما ردّ عليه الراحل عبد العزيز بوتفليقة معرباً عن "عزمه إعادة تعزيز العلاقات لما فيه مصلحة البلدين".
صورة من: Getty Images/AFP/E. Feferberg, F. Senna
دعوة لفتح صفحة جديدة
في كانون الأول/ديسمبر 2019 دعا الملك محمد السادس إلى فتح "صفحة جديدة" في رسالة تهنئة إلى الرئيس الجزائري الجديد عبد المجيد تبون.
صورة من: Niviere David/ABACAPRESS/picture alliance
ملف الصحراء الشائك يتجدد
في كانون الأول/ديسمبر 2020 نددت الجزائر بـ"مناورات أجنبية" تهدف إلى زعزعة استقرارها متّهمة بذلك إسرائيل التي كانت قد وقعت مع المغرب "معاهدة تطبيع"، ضمن اتفاق ثلاثي أفضى أيضا إلى اعتراف الولايات المتحدة بسيادة المغرب على الصحراء الغربية. وفي 18 تموز/يوليو 2021 استدعت الجزائر سفيرها لدى المغرب "للتشاور".
"اعادة النظر" بالعلاقات بين البلدين
في 31 تموز/يوليو الماضي، في خطابه بمناسبة اعتلاءه على العرش، أعرب ملك المغرب عن "أسفه للتوترات بين البلدين" ودعا إلى إعادة فتح الحدود البرية. لكن الجزائر قررت في 18 آب/ أغسطس "إعادة النظر" في علاقاتها مع المغرب الذي اتّهمته بالتورّط في الحرائق الضخمة التي اجتاحت البلاد.
صورة من: Billel Bensalem/App/dpa/picture alliance
قطع العلاقات
في 24 آب/ أغسطس أعلن وزير الخارجية الجزائري رمطان لعمامرة قطع العلاقات الدبلوماسية مع المغرب بسبب "الأعمال العدائية" للمملكة ضد الجزائر "منذ استقلالها"، إلى غاية "استخدام برنامج بيغاسوس للتجسس على مسؤولين جزائريين ودعم حركة انفصالية" على حدّ قوله.
صورة من: Fateh Guidoum/AP/picture alliance
أسف مغربي لقطع العلاقات
وفي ردّ فعل رسمي، أعربت وزارة الشؤون الخارجية والتعاون الأفريقي والمغاربة المقيمين بالخارج عن أسفها "للقرار الأحادي" الذي اتخذته الجزائر، معتبرة إياه قراراً "غير مبرر"، لكنه "متوقعا بالنظر إلى منطق التصعيد الذي تم رصده خلال الأسابيع الأخيرة"، كما جاء في بيان الوزراة المغربية. (اعداد: علاء جمعة)