المخرج فورتمان يحول مونديال ألمانيا إلى أنشودة صيف جميل
١٣ نوفمبر ٢٠٠٦
عندما ارتدت ألمانيا في التاسع من يونيو/حزيران الماضي حلّة المونديال وتحوّلت شوارعها وحاناتها ومرافقها العامة إلى ملاعب خضراء مصغرة، عندها حمل الملايين من عشاق كرة القدم والمهتمين الكاميرات الرقمية وبدأوا بتوثيق هذه اللحظات التي لن تعود إلى ألمانيا بسرعة، كما يتمنى عشاق لعبة الجماهير. ولكن شخصا واحدا فقط استطاع الإطلاع عن كثب على خفايا هذه اللعبة وسرقة لحظات، لن نستطع نحن كمشاهدين عاديين اقتناصها ولو تسمرنا أمسية بأمسية أمام شاشات التلفزيون. الحديث هنا يدور عن واحد من أشهر مخرجي ما يمكن أن يطلق عليه اسم "أفلام الصحوة الألمانية" وهو المخرج الشاب زونكه فورتمان.
فورتمان، سعيد الحظ بدون أدنى شك، لم يحصل على موافقة مدرب المنتخب الألماني السابق يورغن كلينسمان والمسؤولين في اتحاد كرة القدم الألماني بمرافقة الفريق لأنه يعتبر من أهم المخرجين الألمان في الوقت الحاضر، بل لأنه سبق له وأن أخرج فيلما يُعد من أهم الأفلام التي ساهمت في استعادة ألمانيا للثقة بالنفس بعد طي صفحة الماضي النازي الأليم والعقود التي تلت نهاية الحرب العالمية الثانية وتقسيم ألمانيا، والحديث هنا يتعلق بالفيلم الروائي الطويل "معجزة بيرن" الذي وصف فيه فورتمان آثار فوز ألمانيا ببطولة العالم لكرة القدم في عام 1954 في بيرن السويسرية. لم يكن ذاك الفوز كأي فوز...انه فوز ذلك البلد الذي خرج منهكا من حرب ضروس ما زالت القارة الأوروبية تعاني من تبعاتها لغاية يومنا هذا. ولكننا لن نتحدث هنا عن الفيلم الروائي "معجزة بيرن" بل عن فيلم فورتمان الوثائقي الجديد "ألمانيا. أنشودة صيف جميل" الذي نقل فيه المخرج أجواء ألمانيا الكروية إلى دور السينما واستطاع من خلاله الإجابة على أسئلة كثيرة تجول في مخيلة كل مشجع ومراقب مثل: ماذا يدور بين المدرب واللاعبين في غرفة تبديل الملابس بين الشوطين؟ أو بماذا يهمس المدرب إلى مساعديه بعد إخفاق أحد المهاجمين في تسجيل هدف محقق؟ أو عما يتحدث اللاعبون في أوقات فراغهم؟ وغيرها وغيرها من الأسئلة.
"ألمانيا. حدوتة صيفية"
الفيلم يبدأ بعد لحظات قليلة من مباراة النحس التي خاضها المنتخب الألماني ضمن لقاءات نصف النهائي ضد بطل العالم إيطاليا وتكبد فيها هزيمته الأولى والوحيدة بنتيجة هدفين مقابل صفر، وينتهي بالمباراة التي خاضها الألمان ضد البرتغال على المركز الثالث وفاز بها بنتيجة ثلاثة أهداف مقابل هدف واحد. إننا لا نعرف سر بدء الفيلم بهذه اللحظات الحزينة، ولكن المخرج استطاع من خلالها إلقاء نظرة ثاقبة على مشاعر اللاعبين ومدربهم بعد الهزيمة القاسية ونجح في نقل هذه المشاعر إلى المشاهد العادي، وذلك من قلب غرفة اتخاذ القرارات وهي غرفة تبديل الملابس. بعدها تنتقل عدسة المخرج من وصف هذه اللحظات الحزينة إلى بداية المشوار، أي إلى بداية الاستعدادات للبطولة في معسكر التدريب في جزيرة سردينيا الإيطالية وكذلك إلى وصف آثار الانتقادات اللاذعة التي وجهت قبل بداية المونديال إلى المدرب ولاعبيه على الحالة النفسية لطاقم الفريق. ومنذ البداية، يرى المشاهد قوة تركيز اللاعبين والمدرب على كل مباراة وينقل التعليمات الدقيقة التي يوصلها المدرب يورغن كلينسمان إلى اللاعبين بلهجته الألمانية السوابية وأسلوبه الحماسي المعروف.
نظرة خلف الكواليس
يلقي المخرج في الفيلم الذي يبلغ طوله 107 دقيقة نظرة خلف الكواليس يعرّف المشاهد من خلالها على تفاصيل العلاقة بين المدرب والطاقم من جهة واللاعبين من جهة أخرى. ففي إحدى اللقطات التي صورت قبل مباراة الأجنتين ضد ألمانيا وانتهت بفوز الألمان بالركلات الترجيحية، يبين المخرج كيف يعطي كلينسمان في غرفة تبديل الملابس تعليمات للاعب خط الدفاع آرني فريدريش ويطلب منه بلهجة صارمة تعقب أحد مهاجمي المنتخب الأرجنتيني بالقول:"أريد أن يسمع لهاثك وأنت تتبعه." ولا تقتصر أهمية هذا الفيلم على إلقاء نظرة خلف الكواليس، بل أنه ينقل بتفصيل شغف المشجعين الألمان بكرة القدم وتعلقهم بها، فهو يبين كيف ينحني أفراد الشرطة والمنظمين على أرصفة الشوارع عندما تمر حافلة الفريق. كما أن أهمية هذا الفيلم تكمن في توثيق مدى تلاحم أعضاء الفريق ووحدتهم عندما تمطرهم وسائل الإعلام بانتقادات لا تكون محقة في أحيان كثيرة. "ألمانيا. أنشودة صيف جميل" هو فيلم يرافق بأسلوب عاطفي وحس مرهف المنتخب الألماني لكرة القدم من لحظة بدء التدريبات إلى لحظة الفوز بالمركز الثالث وينقل لنا بعدسة غير مسبوقة أجواء المونديال بأفراحه وأتراحه. زونكه فورتمان قدم فيلما صادقا عرّف من خلاله جماهير كرة القدم على خفايا لعبتهم المفضلة واستطاع نقلها إلى دور السينما. إذن، لا عجب في أن يحقق الفيلم نجاحات كبيرة، سواء لدى النقاد السينمائيين أو على شباك التذاكر.