1. تخطي إلى المحتوى
  2. تخطي إلى القائمة الرئيسية
  3. تخطي إلى المزيد من صفحات DW

ميرتس ـ بداية متعثرة.. ملفات ثقيلة وتحديات غير مسبوقة

حسن زنيند
١٠ مايو ٢٠٢٥

انتخاب المستشار فريدريش ميرتس بعد جولة ثانية من تصويت البرلمان، اعتبره معلقون ألمان وأوروبيون انتكاسة صعبة للائتلاف الحكومي الجديد، في وقت تواجه فيه برلين تحديات داخلية ودولية غير مسبوقة منذ الحرب العالمية الثانية.

فريدريش ميرتس يوم انتخابه مستشارا لألمانيا في البرلمان (بوندستاغ)
فريدريش ميرتس يوم انتخابه مستشارا لألمانيا في البرلمان (بوندستاغ) (السادس من مايو 2025)صورة من: Markus Schreiber/AP Photo/picture alliance

يتزامن انتخاب المستشار الألماني الجديد فريدريش ميرتس مع جملة من التغيرات الجوهرية التي تواجه ألمانيا داخليا وخارجيا. ويرى عدد من المعلقين الألمان والأوروبيين أن ميرتس قد يلعب دورًا رئيسيًا، ربما بالتنسيق مع رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين من حيث التصدي لحزب البديل من أجل ألمانيا الذي صنفتها هيئة حماية الدستور رسميًا كحزب يميني متطرف. وكذلك الاستثمار في البنية التحتية وصناعات الدفاع والتحول البيئي.

دولياً، قد يعمل ميرتس على إعادة تموقع ألمانيا وأوروبا على المستوى العالمي بعدما تم تهميشها من قبل الولايات المتحدة وروسيا والصين، غير أنه سيكون من الخطأ توقع نتائج فورية وفق عدد من التعليقات الإعلامية، ذلك أن وضع الاقتصادي الألماني ليس في أحسن أحواله، خصوصاً وأن توقعات النمو لهذا العام تقترب من الصفر. وقد لا يُمنح المستشار الجديد فترة راحة، نظراً للملفات الساخنة التي تنتظره في مكتبه منذ اليوم الأول، كالحرب في أوكرانيا وحرب الرسوم الجمركية التي أعلنتها واشنطن، أحد أهم الشركاء التجاريين لبرلين.

وبهذا الصدد كتبت صحيفة "نِيبسافا" اليسارية الليبرالية في بودابست (الثامن من مايو/ أيار 2025)، معلقة على تولي المستشار مهامه: "لم تبدأ أي حكومة ألمانية عملها في العقود الأخيرة تحت مثل هذه الظروف الصعبة. فعلى ماذا يمكن أن يعتمد ميرتس؟ في سياق عوامل عالمية سياسية واقتصادية غير قابلة للتوقع، ليس هناك الكثير يُمكن لميرتس الاعتماد عليه. (..) ورغم هذه الإشارة السلبية، هناك سبب معقول للأمل الحذر: المستشار الجديد يؤمن بدوري قيادي لألمانيا في أوروبا. كما أنه يسعى لتوحيد الاتحاد الأوروبي، وهذا لا يعدّ أمراً جيداً للحكومة المجرية (تحت قيادة اليميني المتطرف فيكتور أوربان). كما أن أوروبا يمكنها أن تأمل في أن ينجح ميرتس في نهاية المطاف، لأنه إذا فشل، قد يسحب معه الاتحاد الأوروبي كله إلى الأسفل".

بداية صعبة ـ صفعة البرلمان مؤشر مقلق

عانى فريدريش ميرتس قبل أن يُنتخب مستشاراً من قبل البرلمان الألماني (بوندستاغ) بعد اضطراره لخوض جولة تصويت ثانية قبل انتخابه، في امتحان كان من المفروض أن يكون شكلياً فأصبح عسيراً، في مؤشر على الصعوبات التي قد يواجهها ائتلافه الحكومي في مرحلة مفصلية من تاريخ البلاد.

فلأول مرة في تاريخ ألمانيا، أجرى البرلمان جولة تصويت ثانية لانتخاب المستشار. وحصل ميرتس الذي سبق وأن فاز في انتخابات فبراير/ شباط المبكرة بصعوبة، على 325 صوتاً من أصل 630 خلال الجولة الثانية بعدما فشل في دورة التصويت الأولى ما أثار ذهولاً. معلقون ألمان أرجعوا هذه "الانتكاسة" إلى ضعف الائتلاف الحكومي الجديد مع كل ما يعنيه ذلك من تحديات في بلد يقود القاطرة الاقتصادية لأوروبا.

فريدريش ميرتس مستشار ألمانيا المنتخب

02:21

This browser does not support the video element.

وبهذا الصدد انتقد موقع "تاغسشاو دي.إي" التابع للقناة الألمانية الأولى (السادس من مايو) النواب الذين خذلوا المستشار وكتب "مستشار بدأ بالفعل بدون أغلبية، إنها حالة ضعف شديد. الضرر قد تم. من الصعب تصوّر كيف يمكن إصلاح ذلك بسرعة. سيحتاج ميرتس لوقت طويل لإعادة بناء الثقة. ثم ماذا سيحدث إذا كانت هناك قرارات صعبة في المستقبل؟ عندها سيتذكر الجميع في الحكومة ما حدث اليوم".

وتابع التقرير: "يجب على ميرتس أن يسأل نفسه لماذا لم يقف جميع النواب وراءه. لقد أزعج الكثيرين في السنوات والأشهر الماضية. الغضب مفهوم. لكن، ربما يجب على أولئك الذين لم ينتخبوه اليوم أن يقولوا له ذلك شخصيًا، وألا يأخذوا البلد بأسره رهينة. الأوقات عسيرة جدًا ليتعلق الأمر بمجرد رسالة تأديبية. يمكن للمرء أن يصوت بلا. لكن تدمير مرشحك وعدم قول كلمة هو جبن. ولعبة خطيرة جدًا".

تشديد قوانين الهجرة عنوان السياسة الداخلية

يدافع المستشار ميرتس عن نهج متشدد فيسياسة الهجرة، بزيادة حالات الإبعاد عند الحدود. ففي تصريح لقناة "فيلت تي في" التابعة لصحيفة "فيلت"، قال المستشار (السابع من مايو) "عمليات التفتيش على الحدود الداخلية لا يمكن أن تكون إلا إجراء مؤقتاً، لكنها ضرورية طالما أننا نواجه حركة هجرة غير نظامية بهذا الحجم داخل الاتحاد الأوروبي".

وكان وزير الداخلية الألماني الجديد ألكسندر دوبرينت أعلن من جهته، عن قواعد أكثر صرامة بهذا الشأن، منها رفض دخول المهاجرين عند الحدود البرية حتى في حال تقدمهم بطلبات لجوء.

يدافع المستشار ميرتس عن نهج متشدد في سياسة الهجرة، بزيادة حالات الإبعاد عند الحدودصورة من: Carsten Koall/dpa/picture alliance

أولى ردود الفعل داخل التكتل القاري، جاءت من فيينا، حيث دعت النمسا (الثامن من مايو) الحكومة الألمانية الجديدة إلى احترام قانون الحدود في الاتحاد الأوروبي، بعدما قامت الشرطة الألمانية بتشديد عمليات التفتيش. وأعربت الدول المجاورة لألمانيا عن قلقها إزاء خطط ميرتس إبعاد طالبي اللجوء، وهي سياسة اعتبرها منتقدون أنها تتعارض مع القوانين الأوروبية.

فيينا جددت دعمها لتشديد سياسة الهجرة، إلا أنها حذرت من انتهاك القوانين الجاري بها العمل. وبهذا الصدد علقت صحيفة "هاندلسبلات" الألمانية الاقتصادية (السادس من مايو) وكتبت: "التوقعات من المستشار الجديد ظهرت في استطلاع رأي أُجري حصرياً لصالح صحيفة "هاندلسبلات" أظهر أن أكثر من نصف الذين استقرأت آراؤهم (54 في المئة) يربطون توقعاتهم بقوانين أكثر صرامة للهجرة واللجوء".

وذهبت صحيفة "تاغس أنتسايغر" السويسرية الناطقة بالألمانية (الثامن من مايو) في نفس الاتجاه، معنونة أن ميرتس لا يريد مشاكل مع جيرانه. وكتبت: "لقد انخفضت أعداد الهجرة واللجوء في أوروبا الوسطى بشكل ملحوظ (..) لا يوجد حالياً ضرورة ملحة لاتخاذ إجراءات بطريقة غير مرنة قد تؤدي إلى إثارة غضب نصف أوروبا ضد ألمانيا. الأهم من منظور أوروبي هو أن ألمانيا، مع ميرتس ودوبريند، تنتقل من معسكر معارضي سياسة اللجوء الأكثر تشدداً إلى معسكر المؤيدين لها".

المستشار الألماني الجديد.. هل يعيد ميرتس لألمانيا قوتها؟

03:19

This browser does not support the video element.

وذهبت صحيفة "نويه تسوريخرتسايتونغ" (الثامن من مايو) في الاتجاه نفسه وكتبت: "الهجرة الجماعية غير المنظمة هي الهمّ الكبير لألمانيا في أوائل القرن الحادي والعشرين. وإذا توقف الأمر على إرادة الدول المجاورة لألمانيا، فإنها ترغب أن تبقى سياسة الهجرة تحظى بالأولوية. ومع ذلك، في وارسو، فيينا وبرن، سيكون من الحكمة إعادة التفكير في ردود الأفعال الخاصة بها. لا يمكن لميرتس أن يتبنى سياسة مخالفة غير تلك التي أعلن عنها، حتى لو بدا أثناء مؤتمره الصحفي مع (رئيس وزراء بولندا) توسك أنه بدأ يتراجع مجددًا (..) فالهجرة غير القانونية هي في النهاية "مشكلة أوروبية" (..) يمكن فقط أن نأمل أن يتمسك المستشار بموقفه رغم جميع الاحتجاجات. ومن الواجب أن يأمل في ذلك أيضًا الخارج الأوروبي. لأنه إذا فشلت حكومة ميرتس في تقليل الهجرة غير القانونية إلى الحد الأدنى في البلاد، وفي الوقت نفسه زيادة عمليات الترحيل بشكل كبير، فربما تقوم بذلك حكومة أخرى بعد ذلك. وقد تكون هذه الحكومة حينها، في أسوأ الحالات".

حزب البديل التحدي الداخلي الأكبر؟

تُشكّل الشعبية المتنامية لحزب البديل من أجل ألمانيا إحدى التحديات الكبرى على المستوى الداخلي للمستشار ميرتس، خصوصاً بعدما تم تصنيفه من قبل جهاز الاستخبارات الداخلي كتنظيم يميني متطرف، على خلفية "تصريحات لكبار قادة الحزب تنطوي على كراهية للأجانب والأقليات وللإسلام وللمسلمين".

تُشكّل الشعبية المتنامية لحزب البديل من أجل ألمانيا إحدى التحديات الكبرى على المستوى الداخلي للمستشار ميرتسصورة من: Liesa Johannssen/REUTERS

تصنيفٌ سيفتح الباب أمام السلطات الأمنية لتوسيع صلاحياتها لمراقبة الحزب استخباراتياً. وفي سياق متصل، دعا المستشار ميرتس إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب إلى عدم التدخّل في السياسة الداخلية لبلاده، وندّد المستشار بـ"ملاحظات عبثية"، بعدما وجّه مسؤولان أمريكيان كبيران هما نائب الرئيس جاي دي فانس ووزير الخارجية ماركو روبيو، انتقادات لقرار الاستخبارات الداخلية الألمانية. التصنيف الجديد فتح الأبواب مجدداً لدعوات تسعى لحظر الحزب.

وفي هذا الصدد، حذرت صحيفة "دي فولكسكرانت" الهولندية (السادس من مايو) من حظر حزب البديل وكتبت "من الممكن من حيث المبدأ تبرير حظر الأحزاب اليمينية المتطرفة. ولكن من الصعب الإجابة على السؤال الاستراتيجي: هل هذا منطقي؟ إن الحظر يعزز سردية الضحية لليمين المتطرف، التي تقول إن "النخبة" تدافع عن سلطتها بكل الوسائل عندما تهددها الهزيمة في صناديق الاقتراع. وهذا قد يكون في صالح اليمينيين المتطرفين (..) إن حظر حزب البديل أمر معقد، لأنه ليس فقط الحزب المعارض الأكبر، بل أيضًا له وجود قوي في شرق ألمانيا، الذي يشعر أصلاً بالتمييز ضده. الحظر سيعزز المشاعر المعادية للغرب وللحكام في برلين. يمكن حظر الأحزاب، لكن لا يمكن حظر الفكر اليميني المتطرف أو اليميني المتشدد".

هل يضع ميرتس حداً للتردد الألماني دولياً؟

يتسلم ميرتس مهامه في وقت تشن فيه إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب حرباً جمركية عالمية موجهة ضد الحلفاء قبل الأعداء. ترامب لا يتردد في الاستخفاف بدول حلف شمال الأطلسي وبحلفاء واشنطن التقليديين في أوروبا وعلى رأسهم ألمانيا. بل إنه لم يتردد في تبنى الرواية الروسية بشأن غزوها لأوكرانيا.

يتسلم ميرتس مهامه في وقت تشن فيه إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب حرباً جمركية عالمية موجهة ضد الحلفاء قبل الأعداءصورة من: Kugler Steffen/BPA/dts Nachrichtenagentur/IMAGO/Evan Vucci/AP Photo/picture alliance

وعلى مستوى الخطابة على الأقل، يسعى ترامب لضم غرينلاند واستعادة قناة بنما وجعل كندا الولاية الأمريكية رقم 51. وسجلت مؤشرات قيم الديموقراطية وحقوق الإنسان تراجعاً مقلقاً على المستوى العالمي وفق تقارير دولية. فأي دور لألمانيا في قيادة العالم، وهل تتخلى عن ترددها المنهجي الذي طبع سياستها الخارجية بعد الحرب العالمية الثانية؟

بهذا الصدد كتبت صحيفة "بوليتيكن" الدنماركية الليبرالية (السادس من مايو) مُعلقة: "كان الفهم الذاتي الألماني لعدة عقود يتأرجح بين المسؤولية الأوروبية والحذر التاريخي. وكانت المستشارة المحافظة أنغيلا ميركل تُعتبر لفترة طويلة تجسيدًا لهذا التوازن: هادئة، صبورة، وقوية بشكل موضوعي. حاول الاشتراكي الديمقراطي أولاف شولتس أن يواصل هذا الأسلوب، لكنه واجه واقعًا كان فيه الحذر لا يُنظر إليه بعد الآن على أنه قوة، بل على أنه شلل."

أضافت الصحيفة: "الآن، يَعِدُ فريدريش ميرتس بعصر جديد يتم فيه كسر هذا التقليد. فهو يمثل قيادة أكثر نشاطًا ويتحدث بصراحة، فحيث كانت ميركل تقلل من شأن النزاعات، وحيث كان شولتس يتردد، نجد ميرتس يتقدم بسرعة. ربما حان الوقت أخيرًا لتعريف الهوية الألمانية ليس فقط بشكل سلبي - كهوية غير نازية، وغير قومية، وغير قيادية - بل كمسؤولية إيجابية".

مراجعة: عماد حسن

تخطي إلى الجزء التالي اكتشاف المزيد

اكتشاف المزيد

تخطي إلى الجزء التالي موضوع DW الرئيسي

موضوع DW الرئيسي

تخطي إلى الجزء التالي المزيد من الموضوعات من DW

المزيد من الموضوعات من DW