المسلمون في ألمانيا- شركات تساعد على تنظيم دفن موتاهم في مقابر إسلامية
١٥ مارس ٢٠١١اغتراب الإنسان عن موطنه الأصلي للبحث عن عمل أو لأسباب أخرى يحمل معه الكثير من الأعباء، إلا أن هموم المسلم في الاغتراب قد تكون أكبر من الحصول على حياة مريحة بحيث يصل التفكير والقلق إلى ما بعد الحياة. وتبدأ سلسلة طويلة من التساؤلات: "أين وكيف سأدفن؟"، وهذه التساؤلات لا تغيب عن بال الكثير من مسلمي ألمانيا من المهاجرين.
بعد متابعة هذا الموضوع تبين أن هذا الأمر ليس بهذه السهولة، حيث أن أمر المدافن محل تساؤل الكثير من المغتربين. ويمثل الأمر بالفعل مشكلة إذا لم يكن هناك وعي بكثير من التفاصيل من قبل المسلمين، من العرب وغير العرب، والذين ارتفع عددهم في ألمانيا في العقود الأخيرة ليتجاوز الأربعة ملايين، مما يعطي لهذا الموضوع خصوصيته في ألمانيا على وجه التحديد.
الدفن حسب الشريعة الإسلامية
قد يكون موضوع الموت من الأمور التي لا يرغب العديدين الحديث عنها، ولكنه قدر ليس هنالك مهرب منه، ويسعى العديد من المسلمين في ألمانيا إلى الحصول على تراخيص لإقامة مقابر إسلامية تجري فيها مراسيم الدفن حسب شرائع ديانتهم. عطا خليل أبو أمونه هو أحد النشطاء في هذا المجال حيث سعى جاهداً قبل أكثر من عشرين عاماً للحصول على قطعة أرض من بلدية مدينة بادربورن في ولاية شمال الراين ويستفاليا. عن هذا يقول أبو أمونه: "إن ما دفعنا للسعي من أجل إنشاء مقبرة إسلامية هو اضطرار بعض المسلمين إلى دفن موتاهم في مقابر مشتركة مع أموات من ديانات أخرى، الأمر الذي يتعارض مع أصول الدفن في الشريعة الإسلامية التي يجب أن نحرص عليها".
ويضيف أبو أمونه قائلاً: "بالتالي كان من الضروري جداً العمل على إنشاء مقبرة خاصة للمسلمين. وبالفعل تم الحصول على تراخيص لقطعة أرض تابعه لبلدية بادربورن، وهي جزء من مقبرة عامة، يفصلها جدار من الأشجار عن المقابر الأخرى". ويشير إلى أن القائمين على إنشاء هذه المقبرة كانوا حريصين على أن تتوفر فيها شروط الشريعة الإسلامية ليتسنى دفن موتى المسلمين فيها، موضحاً أنه "لا يوجد في ألمانيا مقبرة خاصة بالمسلمين مثل اليهود الذين يتمتعون بهذا الحق منذ عشرات السنوات."
شركات الدفن تتكفل بكافة الإجراءات
عند الوفاة لابد من القيام ببعض الأمور الإدارية والتي يقوم بها أهل المتوفى. وفي كثير من الحالات وبسبب انشغال الأهل في أحزانهم لفقدان قريب أو صديق، يقومون بتكليف شركة تقوم بكل الإجراءات ابتداءً بتقرير الطبيب الشرعي وانتهاءً بعملية الدفن. إذا كانت عائلة المتوفى تريد دفن الجثمان في ألمانيا، فيتم تغسيل الميت وتكفينه وتشيع الجنازة وفق الطريقة الإسلامية. أما إذا رغب الأهل بنقل الجثمان إلى الموطن الأصلي، فهناك إجراءات أخرى لا بد من متابعتها.
حسن بنزاو مدير المؤسسة الإسلامية لنقل ودفن الموتى في فرانكفورت، يقول موضحاً: "عندما نكلف بهذه المراسيم، نقوم بإحضار الجثمان عندنا للمؤسسة ونقوم بتغسيله حسب الأصول الإسلامية ويبقى عندنا حتى موعد الدفن. في هذه الأثناء نقوم بإنهاء الأمور الإدارية والحصول على الأوراق الرسمية والتي تبدأ بشهادة الوفاة بناء على تقرير الطبيب الشرعي الذي يقوم بفحص الجثمان في مكان الوفاة".
ومن ثم يقوم المسؤولون في هذه المؤسسة بإجراء اتصالات مع دائرة المقابر من أجل تحديد موعد حفر القبر والدفن وذلك بعد الحصول على تصريح الدفن. أما الصلاة على الجثمان فتتم عادةً في المسجد، ولكن هنالك عائلات تفضل الصلاة على موتاها في المقبرة نفسها، "حيث يصلي الإمام على المتوفى، بعدها يقوم أفراد العائلة بدفنه وتغطية القبر."
عادات وشروط الدفن في ألمانيا تختلف عن مثيلاتها في العالم العربي، وتختلف بين المدن والولايات الألمانية نفسها، حيث انه في معظم الولايات يشترط الدفن داخل التابوت لأسباب صحية وهنالك ولايات تسمح بالدفن بالكفن، إضافة إلى أنه لا يسمح بالدفن قبل مرور 48 ساعة على الوفاة حتى يتم التأكد من حالة الموت من قبل الطبيب الشرعي. كما أنه من الملاحظ التأثر في بعض الأحيان بعادات غير المسلمين فيما يتعلق بشكل القبر الخارجي.
القبور في ألمانيا تؤجر لسنوات
ويضيف بنزاو أن القبور هنا يتم إيجارها لسنوات محددة، فالإطار القانوني للقبور يختلف أيضاً في الولايات الألمانية، إذ يوجد نوعان من القبور. قبور يتم إيجارها لمدة 20 أو 30 عاماً، وبعد انتهاء المدة تقوم البلدية بتأجير القبر لأشخاص آخرين. وهناك نوع أخر من القبور قابلة للتجديد لمرة واحدة بعد انتهاء المدة المحددة، على أن يدفع ذوي المتوفى رسوم هذا التجديد مسبقاً. "وبهذا فإن تكاليف الدفن وإيجار القبور تختلف حسب الحالة"، كما يقول بنزاو. والحد الأدنى يبدأ من 2500 يورو لقبور عادية لفترة واحدة غير قابلة للتجديد وتزداد التكاليف حسب الامتيازات المتوفرة. ونظراً لهذه التكاليف انبثق نوع جديد من شركات التأمين تغطي تكاليف الدفن ونقل الجثمان مقابل مبالغ سنوية يدفعها المشتركون لصناديق التأمين مسبقاً.
ويقول مدير المؤسسة الإسلامية لنقل ودفن الموتى إن أكثر من 90 في المائة من حالات الوفاة التي يكلفون بها، يتم نقل الجثامين إلى موطنها الأصلي خارج ألمانيا، "وذلك لان الكثيرين يرون أن فتح القبور بعد انتهاء المدة المحددة يقلق راحة الميت، ولعدم تقبلهم فكرة وضع جثمان أخر في نفس القبر، وبالتالي دفنهم في موطنهم لا يقلق راحتهم، إضافة إلى إمكانية زيارة القبور من قبل ذويهم في بلدهم الأصلي". إن عملية نقل الجثمان قد تكون أقل تكلفة من الدفن هنا في ألمانيا، كما يقول بنزاو، الذي يشير مضيفاً أن هذا الأمر "سوف يتغير في السنوات القادمة لأن أبناء الجيلين الثاني والثالث من العرب والمسلمين المولودون في ألمانيا غالباً ما يتم دفنهم هنا على خلاف الأجيال التي هاجرت إلى ألمانيا في العقود السابقة".
أبو أمونه يؤكد أنه حسب القانون الألماني يحق لكل مسلم في ألمانيا أن يدفن في مقابر وفق الشريعة الإسلامية، لكن للأسف أن جهل الكثير من المسلمين في هذا الموضوع قد ينتج عنه مشاكل كبيرة. ويضطر البعض لنقل الجثمان إلى الموطن الأصلي، وهو ما لا يوجد عليه دليل شرعي في الديانة الإسلامية كما يشير أبو أمونه، حيث أن "إكرام الميت دفنه".
لنا عوده - بيليفلد
مراجعة: عماد م. غانم