المسيحيون في العالم الإسلامي: طوائف على حافة الاندثار؟
١٩ أبريل ٢٠١٢ في أفضل الأحوال يتم تحمل وجود المسيحيين في دول العالم الإسلامي، إلا أنهم ضحية للتمييز غالباً، وفي أسوأ الأحوال تتم ملاحقتهم. عدد المسيحيين المقيمين في الدول العربية أصبح يتراجع بشكل يثير الكثير من المخاوف. ففي العراق، على سبيل المثال، وقبل دخول القوات الأمريكية سنة 2003، كان هناك ما يقرب من مليون ونصف مسيحي في البلاد. أما اليوم فعددهم يقدر بـ400 ألف فقط.
وفي الأراضي الفلسطينية، مهد المسيحية، تشير التقديرات إلى وجود 49 ألف مسيحي فقط، أي ما يعادل 1.2 بالمائة من إجمالي السكان. ويعيش نصف هؤلاء في محافظة بيت لحم، وفي مهد المسيح يعيش حوالي 6500 مسيحي فقط.
بين الحرب الأهلية وحزب الله
وحتى في لبنان، التي كان المسيحيون فيها يشكلون أغلبية قبل نحو قرن من الزمان، فقد تحول المسيحيون إلى أقلية، بسبب الهجرة خارج البلاد وارتفاع معدلات الإنجاب لدى المسلمين. والآن بات المسيحيون في لبنان يشكلون حوالي 30 أو 35 بالمائة من مجموع السكان.
هذا الانخفاض مرتبط بالوضع الاقتصادي والسياسي عقب انتهاء الحرب الأهلية، بحسب المؤرخ اللبناني عبد الرؤوف سنو. ويضيف سنو، على هامش ندوة نظمتها مؤسسة فريدريش إيبرت الألمانية في برلين، أن اتفاقية الطائف، التي أنهت الحرب الأهلية سنة 1989، ألغت الكثير من المزايا التي كان المسيحيون يتمتعون بها، ناهيك عن أن إنشاء منظمة حزب الله، التي لا تزال تترك بصمات واضحة على الحياة السياسية في لبنان منذ سنة 2006، أشاع مخاوف بين المسيحيين من تنام "النزعات الشيعية المتطرفة".
ويتابع سنو بالقول إن "الكثير من المسيحيين والسنة أيضاً يشعرون بأن أيديولوجية حزب الله المتطرفة تشكل تهديداً بالنسبة لهم". كما أن حزب الله ينظر إلى آية الله علي خامنئي، المرشد الأعلى للثورة الإيرانية، على أنه القائد الديني والسياسي للعالم الإسلامي. لكن الخطر لا يأتي فقط من الأغلبية الشيعية في لبنان، بل من التصعيد في الجارة سوريا أيضاً، الذيً يقلق الجالية المسيحية. ويعتبر المؤرخ اللبناني أنه "وبعد اتساع نطاق الثورة السورية، بات المسيحيون يخشون من تحول لبنان إلى دولة إسلامية، ومن تحالف محتمل بين السنة في لبنان وسوريا، يفضي إلى مزيد من التهميش للتواجد المسيحي في البلاد".
ربيع عربي ليس للمسيحيين
هذا ما يدفع بالمسيحيين إلى التفكير في الهجرة، ليس في لبنان وحدها، بل في عدد من دول الربيع العربي أيضاً. فمع تنامي نفوذ الإسلاميين في تلك الدول، لا يرى المسيحيون أي مستقبل لهم في الدول التي يعتبرون أنهم من سكانها الأصليين. كما أن الأمل في مجتمع تعددي يضمن الحقوق والحريات، الذي رافق التظاهرات قبل عام، قد تلاشى، كما يقول الأنبا داميان، أسقف الطائفة القبطية في ألمانيا.
وتعتبر الكنيسة القبطية أكبر كنيسة مسيحية في مصر، إلا أنها أصبحت هدفاً لهجمات متكررة منذ اندلاع الثورة المصرية، وحتى قبل الثورة كان هناك تحمل لوجودهم فقط. ويستذكر الأنبا داميان بالقول: "في زمن (الرئيس المخلوع حسني) مبارك لم يكن القانون يحمينا، إلا أن مكرمة الرئيس أعادت لنا جزء من حقوقنا. اليوم لا توجد أي جهة للحوار ولا رحمة، بل على العكس، فإن الكثير من الأقباط يشعر بأنه غير محمي في وطنه".
فقد ازدادت حالات التحرش بالفتيات والسيدات القبطيات اللواتي يخرجن دون أن يلبسن الحجاب، وحوادث إضرام النار في الكنائس وتهديد المسيحيين. هذا ويأمل الأنبا داميان بأن تسود الدول الإسلامية نفس روح التسامح التي يراها في ألمانيا، مثل سماح المدن الألمانية للسلفيين بتوزيع كتبهم المقدسة على الناس دون إزعاج، وهي حرية لا يمكن للمسيحيين أن يتمتعوا بها في العالم العربي.
من جانبه يراقب البروفسور مارتن تامكه من جامعة غوتينغن الألمانية بكل حزن وقلق التطورات التي تمر بها الجاليات المسيحية في الدول الإسلامية. ويشير الخبير في شؤون الكنيسة الشرقية إلى أن "هذه المنطقة كانت قلب العالم المسيحي في الماضي"، وفيها تم وضع أسس الدين المسيحي، الذي ترك بصمات واضحة على الثقافة الأوروبية. لكن الكثير من الجاليات المسيحية في المنطقة بات مؤخراً على حافة الاندثار، وأصبح شغل مسيحي لمنصب رئيس دولة أو رئيس حكومة، كما كان معروفاً في النصف الثاني من القرن العشرين، أمراً لا يمكن تصوره في الوقت الراهن.
بتينا ماركس/ ياسر أبو معيلق
مراجعة: عماد غانم