جاءت ردود الفعل على الهجوم الإرهابي على كنيسة مار الياس في دمشق متوافقة، فالكل أدانه واعتبره تربصا بعملية التحول وبناء سوريا الجديدة. لكن ما الذي يقلق المسيحيين في سوريا اليوم؟ وكيف يرون تفاعل حكومتهم مع الهجوم؟
أسفر الهجوم عن مقتل 25 شخصا وإصابة 63 آخرين ونشر الخوف والقلق بين المسيحيينصورة من: Bakr AlkaseM/AFP
إعلان
أصدرت وزارة الخارجية السورية بيانا رسيما عقب الهجوم على كنيسة مار إلياس في دمشق مباشرة، وذكرت الوزارة في بيانها أن الهجوم "محاولة يائسة لضرب التعايش الوطني". وأكدت الخارجية أن "العمل الإجرامي الذي استهدف أبناء الطائفة المسيحية محاولة يائسة لضرب التعايش الوطني وزعزعة الاستقرار"، معتبرة إياه بمثابة "اعتداء على كامل الهوية السورية الجامعة".
,حمّلت وزارة الداخلية تنظيم داعش الإرهابي مسؤولية الهجوم على كنيسة مار إلياس بدمشق، وأعلنت عن مقتل 25 شخصًا وجُرح 63 آخرين في الهجوم.
مسيحيو سوريا.. خوف وتمسك بالبلد
الأب فادي غطاس، كاهن في كنيسة مار إلياس، روى في تصريح لـ DW عربية ما حدث قائلا: "كنا نصلي في أمان، فدخل علينا شخص وأطلق النار فجأة، تصدى له الشباب ليخرجوه، لكن حين وصل إلى باب الكنيسة، فجر نفسه".
وبالنسبة للأب أنطونيوس رأفت أبو النصر، رئيس ومرشد شبيبة ومكتب شبيبة أبرشية دمشق وريفها، فإن "المسيحيين تعبوا وتحملوا الكثير منذ أكثر من 15 سنة، نريد أن نتمسك بأرضنا، لكنها تلفظنا خارجا".
وأضاف المتحدث أن "الخطابات والردود التي تصل مخزية للأسف، لا تعبر عن الثقافة السورية. ليس هناك سوري بمنأى عن الخوف المنتشر من قلة الأمن". وأوضح أنه "قد تم تعليق الصلوات خوفا على سلامة الناس"، مشددا على أن "سوريا في حاجة للأمان، ليس لنا مكان نلجأ إليه، فكل الدول الأوروبية أوصدت الأبواب في وجهنا".
بعد الهجوم، يتساءل المسيحيون في سوريا عما إذا كان بإمكانهم البقاء في البلاد في أمانصورة من: SANA/AP Photo/picture alliance
ردود فعل منددة بتفاعل الحكومة
إدانة وزارة الداخلية ووعودها بتقصي الحقائق حول الحادث، لم تقنع الكثير من الأصوات من الطائفة المسيحية السورية، ومن بينهم القس ميتالوس شطاح، الذي صرح لـ DW عربية قائلا "رغم أن هذه الهجمات تبقى تصرفات فردية، إلا أن دولتنا لم تكن تحمينا، وهو ما أعطانا انطباعا بأنها أصبحت تصرفات مؤسساتية".
وبالنسبة للصحفي السوري نضال معلوف، رئيس تحرير موقع سيريا نيوز، المستقر في تركيا، "فإن الوضع الأمني الهش في سوريا كان يشير إلى أن شيئا ما سيحدث، وذلك بسبب غياب مؤسسات الدولة التي يمكن أن تعزز الاستقرار لمنع مثل هذه الحوادث".
نضال معلوف قارن أيضا بين صياغة السلطات لبيان إدانة العمل الإرهابي في الكنيسة الذي "لم تتم صياغته بالطريقة نفسها كما يصف بلاغهم أحداث تفجير في منبج السورية شهر فبراير/ شباط الماضي، حيث تمت تسمية الضحايا بالشهداء وتم الترحم عليهم".
وأوضح المتحدث أن "ما يريده السوريون جميعا هو تعزيز قوة الدولة السورية بالتفاهم مع كل المكونات، ومشاركة جميع القوى السياسية ومكونات المجتمع السوري في السلطة، هذا ما سيكون أساس استقرار سوريا".
إعلان
هجوم ضد العملية الانتقالية برمتها
يقول ميشائل باور، مدير مكتب مؤسسة كونراد أديناور في بيروت، إن الهجوم له أبعاد سياسية، موضحا أن سوريا شهدت خلال الأشهر الأخيرة حوادث عنف متكررة ضد الأقليات الدينية، كالعلويين والدروز. و"الهجوم الأخير، على فظاعته، لا يستهدف المسيحيين فحسب، بل يستهدف النسيج الاجتماعي للبلاد بأسرها، بالإضافة إلى العملية الانتقالية. ويُراد من هجمات كهذه أن تُزعزع استقرارها".
كثير من المسيحيين السوريين عبروا عن قلقهم في حديثهم لـ DW، إذ قالت سيدرا، وهي مسيحية سورية تبلغ من العمر 21 عاما، إن والدتها حضرت القداس، وأنها كانت محظوظة إذ لم تُصب إلا بجروح طفيفة. وأضافت: "لكن صديقتي توفيت في الهجوم". وأضافت سيدرا: "على السلطات السورية أن تتدخل الآن. يجب على الحكومة السورية ضمان أمننا. لأنه بدونها، قد لا نتمكن نحن المسيحيون من العيش هنا بعد الآن".
ويقول باور إن "الحكومة السورية الجديدة برئاسة أحمد الشرع، تُدرك على الأرجح أن البلاد بحاجة إلى عملية تحول جذري تشمل جميع فئات السكان. لكن لا بد من الافتراض أن القوات الحكومية تضم أيضا مقاتلين سابقين من الميليشيات الجهادية لا يتفقون مع هذا التطور، وهذا تحدٍّ كبير".
يتورط مقاتلون أجانب متطرفون في أعمال عنف ضد الأقليات السورية، وتجد الحكومة صعوبة بالغة في السيطرة عليهم بسبب نقص التمويل. ووفقا لتقديرات وكالة المعلومات الاقتصادية الألمانية للتجارة والاستثمار (GTAI)، سينكمش الاقتصاد السوري مجددا في عام 2025 للعام الثالث على التوالي، مما يُصعّب تطوير قوات أمنية موثوقة.
ميشائيل بارو: الهجوم لا يستهدف المسيحيين فحسب، بل يستهدف النسيج الاجتماعي للبلاد بأسرها، ويُراد من هجمات كهذه أن تُزعزع استقرارها.صورة من: Bakr AlkaseM/AFP
نوال، البالغة من العمر 58 عاما، أصيبت أيضا في هجوم الأحد. ترى أن "الهجوم يعكس أيديولوجية، وإن كانت موجهة ضد المسيحيين، إلا أنها تمتد في نهاية المطاف إلى أبعد من ذلك بكثير". وتقول: "نحن شعب واحد، مسيحيون ومسلمون، وأبناء جميع الأديان والطوائف. من ارتكب هذا الفعل، هذه المرة أصاب المسيحيين، لكنه غدا سيصيب أي سوري آخر".
سوريا.. بلد المسيحيين أيضا
جدير بالذكر أن السوريين المسيحيين ينتشرون في كل مناطق البلاد، كانوا يمثلون حوالي سبعة بالمائة من السكان قبل اندلاع الحرب عام 2011، وفقا لتقرير صادر عن وكالة أنباء الفاتيكان. لكنهم الآن لا يتجاوزون اثنين في المائة، نصفهم من الروم الأرثودوكس، بينما تشكل سائر الطوائف الأخرى النصف الآخر، ومثل كثيرين من مواطنيهم، غادر العديد من المسيحيين سوريا أيضا.
يقول ميشائل باور، مدير مكتب مؤسسة كونراد أديناور في بيروت "من حيث المبدأ، يعيش المسيحيون السوريون في علاقة منسجمة مع الطوائف الأخرى في البلاد. فبينما توجد بعض الأحياء ذات الأغلبية المسيحية في دمشق، كما توجد بعض القرى ذات الأغلبية المسيحية في الريف، إلا أنه في الوقت نفسه، يتواجد المسيحيون في مناطق مختلفة من البلاد".
تأمل سيدرا، البالغة من العمر 21 عاما، أن تبقى سوريا "بلد المسيحيين أيضا، وسنبقى فيها ما دامت خالية من الاستفزازات الطائفية والإساءة للأديان الأخرى".
ووفقا لتقارير إعلامية، أدان رؤساء دول وحكومات العديد من الدول العربية الهجوم أيضا، من بينهم الرئيس اللبناني جوزيف عون الذي دعا إلى "اتخاذ التدابير اللازمة لمنع تكرار مثل هذه الهجمات وحماية أماكن العبادة ومؤمنيها وجميع المواطنين السوريين، بغض النظر عن انتماءاتهم"، وأكد أن وحدة الشعب السوري هي أساس منع الاضطرابات.
تحرير: عارف جابو
مسارات الثورة السورية - سقوط نظام بشار الأسد بعد سنوات من سفك الدماء
مع الانهيار المفاجئ لحكم بشار الأسد في سوريا ثم سقوطه يوم الأحد 08/ 12/ 2024 حققت المعارضة السورية أهدافها بعد قرابة 14 عاما، في لحظة حاسمة من حرب أهلية حصدت أرواح مئات الآلاف ونزح بسببها نصف السكان واستقطبت قوى خارجية.
صورة من: Orhan Qereman/REUTERS
2011 - احتجاجات سلمية وقمع
انتشرت الاحتجاجات الأولى سلميا ضد الأسد سريعا في أنحاء البلاد، وواجهتها قوات الأمن بالاعتقالات والرصاص. ثم حمل بعض المتظاهرين السلاح وانشقت وحدات عسكرية بالجيش مع تحول الانتفاضة إلى ثورة مسلحة حظيت بدعم دول غربية وعربية وكذلك تركيا.
صورة من: AP
2012 - تفجير هو الأول من نوعه في دمشق
وقع تفجير بدمشق هو الأول من نوعه نفذته جبهة النصرة فرع تنظيم القاعدة الجديد بسوريا والتي اكتسبت قوة وبدأت بسحق جماعات ذات مبادئ قومية. واجتمعت القوى العالمية بجنيف واتفقت على الحاجة لانتقال سياسي لكن انقسمت حول كيفية تحقيق ذلك. الأسد وجه قواته الجوية نحو معاقل المعارضة مع سيطرة المقاتلين على أراضٍ لتتصاعد الحرب مع وقوع مجازر على الجانبين.
صورة من: Reuters
2013 – دعم إيران وحزب الله للأسد واتهام نظامه باستخدام السلاح الكيماوي
ساعد حزب الله اللبناني الأسد على تحقيق النصر في القُصَير ليوقف زخم المعارضة ويظهر الدور المتزايد للجماعة المدعومة من إيران في الصراع. حددت واشنطن استخدام الأسلحة الكيميائية كخط أحمر، لكن هجوما بغاز السارين [كما في الصورة هنا] على الغوطة الشرقية التي سيطرت عليها المعارضة قرب دمشق أودى بحياة عشرات المدنيين دون أن يثير ردا عسكريا أمريكيا.
صورة من: Reuters
2014 - استسلام مقاتلي المعارضة في حمص القديمة
سيطر تنظيم الدولة الإسلامية فجأة على الرقة بالشمال الشرقي وعلى مساحات بسوريا والعراق. استسلم مقاتلو المعارضة [نرى بعضهم في الصورة] بحمص القديمة ووافقوا على المغادرة لمنطقة أخرى بأول هزيمة كبيرة لهم بمنطقة حضرية كبرى وهذا مهد لاتفاقات "إخلاء" بعد ذلك. شكلت واشنطن تحالفا ضد تنظيم الدولة الإسلامية وبدأت بتنفيذ ضربات جوية مما ساعد القوات الكردية على وقف مد التنظيم لكنه تسبب بتوترات مع حليفتها تركيا.
صورة من: Salah Al-Ashkar/AFP/Getty Images
2015 - اكتساب المعارضة أراضيَ في إدلب ودعم روسيا للأسد
بفضل تحسين التعاون والحصول على الأسلحة من الخارج تمكنت الجماعات المعارضة من كسب المزيد من الأراضي والسيطرة على شمال غرب إدلب، لكن بات للمسلحين الإسلاميين دور أكبر. انضمت روسيا إلى الحرب لدعم الأسد بشن غارات جوية حولت دفة الصراع لصالح رئيس النظام السوري لسنوات لاحقة.
صورة من: Reuters/K. Ashawi
2016 - هزيمة المعارضة في حلب على أيدي قوات الأسد وحلفائه
مع قلقها من تقدم الأكراد على الحدود شنت تركيا عملية توغل مع جماعات معارضة متحالفة معها مما أدى لإقامة منطقة جديدة تحت السيطرة التركية. تمكن الجيش السوري وحلفاؤه من هزيمة المعارضة في حلب، وهو ما اعتبر آنذاك أكبر انتصار للأسد في الحرب. انفصلت جبهة النصرة عن تنظيم القاعدة وبدأت محاولة تقديم نفسها في صورة معتدلة، فأطلقت على نفسها سلسلة من الأسماء الجديدة قبل أن تستقر في النهاية على هيئة تحرير الشام.
صورة من: picture-alliance/AA/E. Leys
2017 - هزيمة تنظيم الدولة الإسلامية في الرقة
تمكنت قوات مدعومة من الولايات المتحدة بقيادة الأكراد [هنا في الصورة] من هزيمة تنظيم الدولة الإسلامية في الرقة. وانتهى هذا الهجوم وهجوم آخر شنه الجيش السوري بطرد هذا التنظيم المتطرف من كل الأراضي تقريبا التي استولى عليها.
صورة من: Reuters/G. Tomasevic
2018 - استعادة الأسد للغوطة الشرقية ودرعا
استعاد الجيش السوري الغوطة الشرقية قبل أن يستعيد سريعا جيوبا أخرى للمعارضة في وسط سوريا ثم درعا معقلها الجنوبي. وأعلن الجيش الحكومي خروج جميع فصائل المعارضة من منطقة الغوطة الشرقية بعد نحو شهرين من هجوم عنيف على هذه المنطقة التي كانت معقلاً للمعارضة.
صورة من: Getty Images/AFP/L. Beshara
2019 - فقدان تنظيم الدولة الإسلامية آخر معاقله في سوريا
فقد تنظيم الدولة الإسلامية آخر معاقله في سوريا. وقررت الولايات المتحدة إبقاء بعض قواتها في البلاد لدعم حلفائها الأكراد. وبإعلانها السيطرة على آخر معاقله في سوريا طوت قوات سوريا الديمقراطية نحو خمس سنوات من "الخلافة" المزعومة لتنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش). ورحب زعماء العالم بـ"تحرير" منطقة الباغوز مؤكدين على مواصلة "اليقظة" تجاه خطر التنظيم.
ساندت روسيا هجوما لقوات النظام السوري انتهى بتفاهمات روسية تركية ايرانية ليتجمد القتال عند معظم خطوط المواجهة. وسيطر الأسد على جل الأراضي وجميع المدن الرئيسية ليبدو أنه قد رسخ حكمه. وسيطر المعارضون على الشمال الغربي فيما سيطرت قوة مدعومة من تركيا على شريط حدودي. وسيطرت القوات التي يقودها الأكراد على الشمال الشرقي.
2023 - تقليص وجود إيران وحزب الله في سوريا وتقويض سيطرة الأسد
وقع هجوم حركة حماس الارهابي غير المسبوق على إسرائيل في السابع من أكتوبر / تشرين الأول ليندلع قتال بين إسرائيل وحزب الله اللبناني أدى في نهاية المطاف إلى تقليص وجود الجماعة في سوريا وتقويض سيطرة الأسد. في الصورة: قصف مبنى بالقرب من السفارة الإيرانية في دمشق منسوب لإسرائيل عام 2024.
صورة من: Firas Makdesi/REUTERS
2024 - سقوط نظام الأسد وحكم حزب البعث في سوريا 08 / 12 / 2024
شنت المعارضة هجوما جديدا على حلب. ومع تركيز حلفاء الأسد على مناطق أخرى، ينهار الجيش سريعا. وبعد ثمانية أيام من سقوط حلب استولى المعارضون على معظم المدن الكبرى من بينها دمشق ليسقط حكم الأسد في تاريخ الثامن من ديسمبر / كانون الأول 2024. الصورة من دمشق في تاريخ 08 / 12 / 2024 من الاحتفالات الشعبية بالإطاحة بنظام الأسد. إعداد: علي المخلافي