المصالح تحرك خيوط لعبة "الوساطة" في الشرق الأوسط
٣٠ أغسطس ٢٠١٤برلمانان، حكومة عاجزة، ميليشيات تتقاتل بوحشية: تعيش ليبيا حاليا أسوأ موجة عنف منذ سقوط نظام معمر القذافي وهو أمر يثير قلق المحللين، الذين يخشون من انهيار الدولة التي تشهد نزاعات بين مليشيات وقبائل مسلحة في مناطق مختلفة. السيناريوهات المفزعة المحتملة في ليبيا تثير أيضاً قلق بعض الدول العربية، الأمر الذي يبرر تدخل مصر وتقديمها خطة لحل الأزمة الليبية.
حسابات المصالح
اهتمام مصر بالتدخل في الأزمة الليبية لا ينبع من رغبتها في نشر الاستقرار بليبيا ومنع وصول العنف إلى حدودها فحسب، بل إنها تعمل وفقاً لأجندتها الخاصة أيضاً، فالرئيس المصري عبد الفتاح السيسي يتبع منذ وصوله إلى السلطة نهجاً واضحاً بالتصدي لجماعة الإخوان المسلمين، سواءاً في بلده أو في أي مكان آخر تتمتع فيه مصر بنفوذ سياسي، كقطاع غزة على سبيل المثال.
لقد لعبت مصر دوراً مهماً في المفاوضات حول اتفاق وقف إطلاق النار بين الفصائل الفلسطينية وإسرائيل خلال الأسابيع الماضية، الأمر الذي حقق مصلحة واضحة لمصر تتمثل في وضع حد لنفوذ حركة حماس، المرتبطة بشكل وثيق بالإخوان، لاسيما أن اتساع نفوذ هذه الأطراف سواءاً في ليبيا أو في قطاع غزة يمكن أن يؤدي لدعم الإخوان في مصر إما بالسلاح أو بالمقاتلين، وهو أمر ترغب مصر في التصدي له.
دعم الإخوان
لكن هذا الأمر يختلف بالنسبة لقطر، التي تدعم الإخوان منذ سنوات وهو أمر لم يؤثر على سمعتها كوسيط إلا بعد التحاق الجماعات الإسلامية بركب الربيع العربي وكشفها عن وجهها الحقيقي كجماعات غير ديمقراطية، علاوة على أن موقف قطر من الملف السوري جعلها تفقد الكثير من مصداقيتها كوسيط في عيون حلفائها السابقين.
والآن تقف دول مجلس التعاون الخليجي (المؤلف من الإمارات والبحرين والسعودية وسلطنة عمان والكويت وقطر) ضد موقف قطر وتكشف عن ذلك بوضوح، لاسيما أن القيادتين السعودية والإماراتية تشعران بالتهديد من قبل الإخوان، كما يوضح الخبير الألماني غيدو شتاينبرغ من مؤسسة الدراسات الدولية والأمنية في برلين، في تصريحات للإذاعة السويسرية، إذ قال: "صارت معظم الحكومات رافضة للإخوان في الفترة الأخيرة ... تنظر بعض الحكومات إلى الإخوان كخطر كبير على استقرارها الداخلي". لذلك، تبرر هذه المخاوف الدعم السخي الذي تقدمه تلك الدول للسيسي.
أبعاد عديدة للوساطة
قوبل موقف قطر بالكثير من النقد من قبل جيرانها، لدرجة أن عضويتها في مجلس التعاون الخليجي صارت مهددة، وهو ما يثبت أن الحفاظ على المصالح أهم من الرغبة في علاقة جوار هادئة وخالية من الصراعات.
تبدو "خطط الإنقاذ" و"محاولات الوساطة" التي تقوم بها الدول ذات النفوذ في منطقة الشرق الأوسط للوهلة الأولى وكأنها اقتراحات لحل الصراعات الراهنة. لكنها غالباً ما تؤدي إلى توترات جديدة في المنطقة. قطر ومصر من الدول التي تميل كثيراً للعب دور الوسيط، لكن نظرة أعمق تؤكد أن كليهما يعمل بما يتوافق مع مصالحه ومصالح حلفائه في المنطقة.