المعهد العالي للتجارة وإدارة الأعمال: من الاشتراكية إلى الرأسمالية
١٢ فبراير ٢٠٠٩يصعب على المرء فتح الباب الخشبي والدخول بسهولة إلى المعهد العالي للتجارة وإدارة الأعمال في مدينة لايبزج Leipzig الواقعة شرقي ألمانيا. فإذا أردت الدخول، عليك أن تضغط على أرقام معينة تمثل الكود السّري، الذي يمّكنك من الدخول إلى المؤسسة العلمية عبر البوابة الرئيسية.
وكانت البناية القديمة تأوي أيضا المعهد العالي للرياضة، الذي كان يُعدّ في الجمهورية الديمقراطية الألمانية السابقة (ألمانيا الشرقية) صانعا لأبطال رياضيين. ولربّما كانت صورهم تزيّن جدران أروقة البناية، وربّما كانوا أيضا في ربيع أعمارهم ويتمتّعون بنشاط وحيويّة على غرار طلاّب المعهد الأعلى للتجارة وإدارة الأعمال. ولكن الأكيد أنّهم لم يرتدوا عبايات سوداء وقبعات سوداء على غرار طلبة الجامعات الأمريكية. ومن المستبعد أيضا أن كان هناك خلال الحقبة الإشتراكية تشابها مع طلاب الجامعات الأمريكية.
إقبال أجنبي على المعهد رغم ارتفاع رسوم الدراسة
ويبلغ سعر دروس التجارة وإدارة الأعمال، التي تستغرق 15 شهرا قبل الحصول على درجة الماجستير 22.500 يورو. ويشكّل الطلبة الأجانب 70 بالمائة من إجمالي طلبة المعهد العالي للتجارة وإدارة الأعمال، كما تتكون الفصول من 25 طالبا إلى 40 طالبا على أقصى حد. وعلى الرغم من ارتفاع أسعار الرسوم الجامعية إلاّ أن ذلك لا يعني بأنه بإمكان كل من يملك المال الالتحاق بالمعهد العالي للتجارة وإدارة الأعمال، ذلك أن اختبارات القبول تعتبر شاقة جدا. وفي حال اجتياز هذه الاختبارات بنجاح يمكن للطالب الدراسة والمراجعة في المكتبة التي تبقى أبوابها مفتوحة على مصراعيها طيلة أربعة وعشرين ساعة. كما يتعيّن على الطلبة إجراء دورات تدريبية في ألمانيا وفي الخارج، وكذلك المشاركة في مسابقات مع مشاركين من جامعات كبيرة ذات صيت عالمي على غرار جامعتي هارفارد وييل.
تاريخ عريق وزاخر بالأحداث
#b#ويفتخر المعهد العالي للتجارة وإدارة الأعمال بتاريخ عريق، فقد احتفل المعهد قبل فترة وجيزة بمرور 110 أعوام على تأسيسه، وبالتالي يعدّ أعرق معهد للدراسات التجارية وإدارة الأعمال، بحسب المسؤولين في المعهد. ويرتبط جزء من تاريخ المعهد أيضا بتاريخ ألمانيا الشرقية سابقا، حيث كانت آنذاك اللغة الألمانية لغة التدريس ومواد التدريس تتضمن "الاقتصاد السياسي" و"الاشتراكية العلمية" و"الفلسفة الماركسية اللينينية"، حسب ما يقول البروفسور هانس غوشل، الذي يُعدّ من بين القلائل الذين عايشوا الحقبة الاشتراكية وانتهائها في المعهد.
يُشار في هذا السّياق إلى أن البروفسور غوشل كان يعمل مستشارا للمعهد العالي وعايش عن قرب أحداثا تاريخية هامّة على غرار سقوط جدار برلين وتوحيد ألمانيا. كما يهوى البروفسور غوشل أن يروي عن تجاربه الشّخصية خلال هذه الحقبة التاريخية المصيرية. ويقول غوشل في هذا الإطار: "عندما بدأت المظاهرات التي سُمّيت بمظاهرات يوم الاثنين، في سبتمبر/أيلول عام 1989، تلقّينا تعليمات واضحة بعقد حلقات نقاش مع الطّلبة وذلك للحيلولة دون مشاركتهم في هذه المظاهرات، بيد أن ذلك لم يجدي نفعا." ويروي هانس غوشل أحداثا تاريخية أخرى عايشها خلال فترة حكم الشيوعية في ألمانيا الشّرقية، وثّقها في مجلّد كبير يتضمّن 304 صفحة ونحو 400 صورة.
النسيان يكاد يطوي الماضي الاشتراكي
أن من يتأمل فناء المعهد، حيث تتدفّق أفواج الطلبة، إلى فناء المعهد في اتجاهات مختلفة من داخل المعهد إلى خارجه، يصعب عليه للوهلة الأولى أن يتصوّر أن المعهد قد عايش أحداثا كسقوط جدار برلين ووحدة ألمانيا. معهد كانت الألمانية لغة التدريس والآن أصبحت الإنجليزية اللغة الطاغية، حتى خارج قاعات الدّرس يتكلّم الجميع الإنجليزية مع بعضه البعض. وطلبة من شتّى أنحاء العالم، من الهند والولايات المتحدة وغيرها من الدّول. وأينما توجه أنظارك ترى وجوها شابة لا تعير الماضي أهمّية كبيرة، لأنّها تتطلّع إلى المستقبل، إذ يقول مثلا فابيان شاف، أحد طلبة المعهد، إنه يعتزم العمل في مكتب استشارات اقتصادية في أمريكا الشّمالية."
أما فيما يتعلّق بالدروس، فيقول مدير المعهد العالي للتجارة إن هناك بعض المواد الدّراسية التي كانت تدرّس في نفس المعهد أيام الحقبة الاشتراكية، ومازالت تدرّس حتى اليوم على غرار مادة "الماركيتين" أو التّسويق، التي كانت تسمّى من قبل "بالاعلان".