المغرب: حكم قضائي يثير الجدل حول الاتهام بالتكفير
٢٣ فبراير ٢٠١٤بدأت القصة بمقطع فيديو للشيخ السلفي عبد الحميد النعيم بث على موقع يوتيوب وتناقلته مواقع الكترونية مغربية ومواقع التواصل الإجتماعي، يتهم فيه عددا من الشخصيات السياسية والفكرية في المغرب بالكفر والإلحاد. وممن اتهمهم الشيخ، الأمين العام لحزب الاتحاد الاشتراكي ادريس لشكر على خلفية تصريحاته حول الدعوة إلى مراجعة أحكام توزيع الإرث بين الرجل والمرأة في المغرب ومنع تعدد الزوجات، معتبرا ذلك كفرا و"حربا ضروسا على القرآن والسنة".
حكم غير كافٍ
ادريس لشكر حمل الحكومة المغربية التي يقودها حزب العدالة والتنمية الإسلامي المسؤولية الدستورية والسياسية عن تطبيق القانون وحماية حرية التعبير، كما حذر من نشر خطابات التطرف والتكفير ومصادرة الحريات.
الحكم الذي صدر في حق الشيخ أبو النعيم وهو الحبس لمدة شهر مع وقف التنفيذ وغرامة مالية قدرها 500 درهم (حوالي 50 يورو) بتهمة "إهانة هيئة منظمة والسب والقذف"، اعتبر غير كاف لردع من قد تسول له نفسه مستقبلا نشر خطابات مشابهة، وانتقد نشطاء مغاربة هذا الحكم "المخفف" الذي لن يزيد إلا من تشجيع أمثال الشيخ أبو النعيم على التطاول على حرية الآخرين في التعبير عن مواقفهم المختلفة، حسب اعتقادهم.
لكن عبد العالي حامي الدين، النائب البرلماني عن حزب العدالة والتنمية يعتبر الحكم مناسبا وفيه إشارة ذكية إلى دعم القضاء المغربي لحرية التعبير إذ يقول إن "القضاء قام بوظيفته الطبيعية في الحرص على حماية المؤسسات وتوفير بيئة مناسبة لاحترام الآخر والتعددية في المجتمع". أما فيما إذا كان الحكم كافيا لردع "التكفيريين" فيرد حامي الدين بأنه يعتقد "أن خطوة القضاء إشارة إلى وقوفه بجانب حرية التعبير أكثر منها عقوبة زجرية، ولكن ذلك لا يعني أن الحكم قد يشجع وقوع ما حدث مستقبلا، لأن القضاء يملك السلطة التقديرية ويمكنه مضاعفة العقوبات".
الضجة التي أثارها فيديو الشيخ أبو النعيم أعادت إلى الأذهان واقعة إهدار دم صحافي مغربي من قبل شيخ سلفي قبل حوالي سنتين، بعدما عبر الصحافي في مقابلة تلفزيونية عن مساندته لحق نساء عائلته في التمتع بحريتهن الجنسية وإن خارج إطار الزواج، وحينها حركت النيابة العامة دعوى قضائية ضد الشيخ المعني قبل الحكم ببراءته من التهم الموجهة له.
هل يقتدي المغرب بتونس؟
المختار الغزيوي الصحافي والكاتب المغربي الذي كان طرفا في هذه القضية يعتبر أن الحكم على أبو النعيم هو حكم يلتحق بحكم سابق شبيه تمت بموجبه تبرئة شيخ من التحريض على القتل، ويقول إن "الجميع يعرف اليوم أنه من المستحيل الذهاب في أحكام مثل هاته إلى العمق حيث يتم تفضيل إمساك العصا من الوسط وتحريك المتابعة من قبل النيابة العامة وانتظار البراءة أو أحكام مع وقف التنفيذ من قبل المحاكم وإغلاق هذه الملفات مع أننا لا نغلقها في الحقيقة وإنما نزيدها استعصاء ولاندرك أننا نهيء أنفسنا وبلادنا للأسوأ".
إن تزامن تزايد موجة الخطابات التكفيرية في المغرب مع إقرار الدستور التونسي الجديد الذي يجرم التكفير والتحريض على العنف في الفصل السادس منه، الذي جاء فيه أن "الدولة راعية للدين، كافلة لحرية المعتقد والضمير وممارسة الشعائر الدينية، ضامنة لحياد المساجد ودور العبادة عن التوظيف الحزبي. تلتزم الدولة بنشر قيم الاعتدال والتسامح، وبحماية المقدسات ومنع النيل منها. كما تلتزم بمنع دعوات التكفير والتحريض على الكراهية والعنف"؛ فتح النقاش في المغرب أيضا حول ضرورة صياغة قانون يجرم التفكير بشكل واضح و صارم. لكن حامي الدين يعتقد أن "الترسانة القانونية الموجودة في المغرب كافية لحماية حق الأفراد في التعبير عن مواقفهم وردع كل من يتجرأ على مصادرة الآراء المختلفة وإخراجها من الملة، والقضاء يمكنه تفسير القوانين الموجودة أصلا بما يتلاءم مع الحالات المطروحة".
أما المختار الغزيوي فيعتبر أن اقتداء المغرب بتونس بهذا الخصوص صار أمنية كل حداثيي البلد "لكنها أمنية تصطدم بواقع صعب يجعل الأمر مستحيلا خوفا من أمور كثيرة. اليوم السؤال الأكثر جرأة وإلحاحا في البلد يتعلق بضرورة التفكير فيما سيحمينا قانونيا من خطر ضرب دول أخرى في مقتل ولابد من تفاديه بكل السبل".
"خطابات تستفز الدين"
حملات التكفير التي يعتبرها البعض "أمرا جديدا" على المجتمع المغربي بدأت تتزايد في الفترة الأخيرة، ويرى الغزيوي أن هذه الحملات "اشتدت وطأتها بعد ما سمي بالربيع العربي عندما بدأ التيار المحافظ يعتقد أن سيحكم كل الدول العربية وسيقضي على مخالفيه" ويضيف الغزيوي، بأنه تخرج إلى العلن أصوات كانت تخشى سابقا المجاهرة بغلوها وتطرفها، لكنها حين الإحساس بالتفوق تشجعت وتخلت عن تقيتها لكي نكتشف أن "الفكر الطالباني الذي يعتبر المرأة ناقصة عقل ودين ويكفر المؤمنين بالدولة المدنية ويرى أن دم المسلم على المسلم حلال عكس ما يقوله الدين الحنيف، هو فكر يحيا بيننا وعلينا الاعتراف بذلك للقضاء عليه ومواجهته حقا".
لكن حامي الدين يخالف لغزيوي في هذا السياق، فهو يعتقد أن هذه الأصوات -وهي تعد على رؤوس الأصابع- موجودة في المجتمع المغربي وفي كل المجتمعات الأخرى، وكان هناك دائما "على مر التاريخ أشخاص معروفون بغلوهم في الدين ولا يمثلون المجتمع ولا علماء الدين المتنورين الذين يحسنون تصريف الدين في المجتمع كما ينبغي" لكن الفرق، كما يراه حامي الدين هو أن هؤلاء كانوا منعزلين ولا يجدون منابر لنشر خطاباتهم المتطرفة، بينما يمنحهم اليوم الإعلام ووسائل الاتصال الجديدة فرصة لنشر هذه الأفكار" ويضيف بأن هناك سبب آخر، وهو الطبيعة الاستفزازية التي تحملها بعض الخطابات من الجهة المقابلة خصوصا عندما يتعلق الأمر بالدين، و يشرح ذلك بالقول أنه "بقدر ما ينبغي رفض التطرف الديني بكل أشكاله ومصادرة الآراء المختلفة، بقدر ما يجب التحذير من خطابات تحمل استفزازات. وكلاما يتقاطع مع الدين وخصوصا من الطبقة السياسية التي هي مسؤولة و تقود المجتمع "