الملكية الفكرية بين الانتهاك والحماية
٢٥ مايو ٢٠٠٦تتخذ الكثير من الجوانب الإبداعية في مختلف القطاعات العلمية والصناعية والخدماتية من حقوق الملكية الفكرية مظلة حامية لها. وهذا ما ينطبق أيضا على إبداعات المؤلفين والكتاب وبراءات الاختراع والعلامات التجارية وغيرها. وتعد القوانين التي تنظم حماية هذه الإبداعات حيوية لنا على ضوء أهمية القطاعات المذكورة في حياتنا اليومية.
وتعد الصين من أكثر الدول خرقا لحقوق الملكية الفكرية. وهو الأمر الذي دفع المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل إلى مطالبة بكين باعتماد سبل أكثر فاعلية في مجال مكافحة التعديات على إبداعات الآخرين وسرقتها. ووفقا لبيانات معاهد الاقتصاد الألماني فإن خسائر الشركات الألمانية نتيجة الخروقات الصينية تُقدر بحوالي 30 مليار يورو سنويا.
وفي العالم العربي تلقي الفجوة الكبيرة على صعيد حماية الملكية الفكرية في العالم العربي بظلالها على النمو الاقتصادي وحركة الإبداع في المنطقة العربية. ويبرز هذا الأمر بشكل خاص في مجال الإبداع الفني حيث التعديات عليها شائعة في مختلف الدول العربية. ولا يغير من جوهر ذلك التطورات الإيجابية التي شهدتها عدة دول عربية كالإمارات وقطر والبحرين وسلطنة عُمان في هذا المجال . فمن المعروف للجميع إن عدم توفير هذه الحماية بشكل كاف لا يشجع المبدعين بسبب ضعف المردود المادي والمعنوي لإنتاجهم العلمي والفني على ضوء سرقتها والتعدي عليها.
بوادر إيجابية في العالم العربي
تعد مشكلة تجاهل حماية الملكية الفكرية من المشاكل الأساسية في العديد من البلدان العربية، ولكن الدكتور طارق حموري أستاذ القانون في الجامعة الأردنية يرى أن واقع هذا التجاهل آخذ بالتغير. ويذكر حموري بأن الدول العربية وضعت منذ زمن بعيد التشريعات والقوانين الكفيلة بحماية الملكية الفردية للأفراد والمؤسسات، ولكن هذه التشريعات بقيت بعيدة عن ميدان التطبيق. ومع سعي هذه الدول للانضمام إلى منظمة التجارة العالمية جاءت تغييرات مهمة وفاعلة في مجال حماية الملكية الفكرية.
فقد توجب على الدول التي تريد الانضمام للمنظمة التوقيع على اتفاقية "تريبس" التي وضعتها الدول المتقدمة من أجل حماية بضائعها من التزوير والتقليد. وحالها في ذلك حال الكثير من البلدان النامية حاولت بعض الدول العربية رفض هذا المبدأ الذي يعد شرط من شروط الانتماء لمنظمة التجارة العالمية، لأنها ترى في ذلك أنه سيحقق النفع للبلدان المتقدمة فقط، وتتمحور رؤية بعض الدول العربية في أن النهضة التقنية التي يشهدها العالم اليوم هي نتاج تفاعل للتيارات الفكرية الحضارية المختلفة على مر العصور. وعلى المستوى العربي يؤكد د. حموري أن الأردن كان من الدول العربية السباقة للانضمام للمنظمة، الأمر الذي حتم عليها تغيير تشريعاتها بما يتناسب مع ذلك. كما إن بعض الدول العربية الأخرى كالإمارات العربية ومصر حققت خطوات بارزة في هذا الاتجاه من خلال سن قوانين ممتازة تضمن هذه الحماية، كما يرى د. حموري. ولكن في الوقت نفسه فإن هناك بعض البلدان العربية كالسودان وليبيا مازالت تنتهك حقوق الملكية الفكرية بشكل كبير. أما في السعودية فإن الوضع آخذ بالتغيير نحو الأفضل.
ألمانيا رائدة في مجال حماية الملكية الفكرية
يعتبر الخبير في وزارة الاقتصاد والتكنولوجيا الألمانية الدكتور بودو هاكه أن الاختراعات تتمتع بالحماية في ألمانيا عن طريق تسجيل براءة الاختراع المتعلقة بها وفقا لشروط محددة. ويأتي في مقدمتها إثبات مقدم الطلب أن فكرته أو إبداعه جديد ولم يسبق أن حصل على براءة اختراع له في مكان آخر. ويخضع المتقدمون بطلب براءة الاختراع لاختبار خاص. ويعود تاريخ النظام الألماني في حماية الملكية الفكرية إلى زمن القيصرية الألمانية التي أعطته مكانة هامة. ويعتقد هاكه أنه من الممكن تطبيق نظام حماية الابتكارات العلمية الألماني في بلدان عدة. ويضرب لنا مثالاً عن تبني روسيا للنظام الألماني بعد الحرب العالمية الثانية. كما يعتقد د. هاكه أنه من الممكن تطبيق التجربة الألمانية في البلدان العربية، ولكنه يجد أن تحقيق ذلك متعلق بقدرة الدول العربية على خلق إطار مؤسساتي لهذا الغرض من خلال إنشاء مؤسسات مشابهة لتلك الموجودة في ألمانيا. وفي هذا الإطار لا بد من إطار قانوني فعال يضمن على أرض الواقع السبل الكفيلة بحماية الأفكار والمخترعات في شتى المجالات. كما أن تحديد فترة طويلة الأجل لحماية الملكية الفكرية من الضروريات في هذا المجال. والجدير بالذكر أن براءة الاختراع الألمانية تمنح المخترع حق احتكار البراءة لفترة عشرين عاماً كما هو الحال في الولايات المتحدة وبعض الدول الأوروبية. ويؤكد هاكه أن حماية الملكية الفكرية مهم بالنسبة للدول العربية حالها في ذلك حال حماية بترولها ومواردها الطبيعية.
اتفاقية تريبس
تأتي خطوة تعديل التشريعات المتعلقة بالملكية الفكرية في مقدمة الخطوات الإلزامية بالنسبة لجميع الأعضاء في منظمة التجارة العالمية. وبالنظر إلى أهمية تحرير التجارة بين الدول وجدت معظمها أنه من الضروري إيجاد أرضية قانونية تستند عليها حماية الملكية الفكرية. تنص اتفاقية تريبس على ضمان الحد الأدنى من مستويات الحماية في المجال التجاري. كما تنص على قوانين أخرى تتعلق بموضوع الترخيص الإجباري. وتشمل الحماية براءات الاختراع والعلامات التجارية وحقوق التأليف والأسرار التجارية وعلامات الأصل الجغرافي. ومن الجدير بالذكر أن تريبس تعد أول معاهدة ملكية فكرية تتضمن وسيلة فاعلة لتنفيذ أحكامها. ومن أجل مساعدة الدول النامية على إدارة عملية حماية الملكية الفكرية بشكل ناجح حرصت منظمة "وايبو" على تقديم الخدمات الاستشارية والتدريب والمعدات اللازمة لذلك. وقد تأسست المنظمة في عام 1970 بهدف تنسيق عملية حماية الملكية الفكرية وحث الدول على توقيع الاتفاقيات وإصدار القوانين بهذا الشأن.