المليارات الخليجية: دعم أم تقييد لمصر؟
٧ يونيو ٢٠١٤هي مساعدات بمليارات الدولارات تصبها كل من السعودية والإمارات والكويت سواء على شكل ودائع بالبنك المركزي أو على شكل مساعدات بترولية ومنح وقود لمصر التي تغرق في مشاكل اقتصادية كبيرة منذ اندلاع ثورتها. أزمة مصر تفاقمت أكثر مع تنامي الاستقطاب السياسي والتصعيد الذي عرفته مصر بعد أحداث 30 يونيو/ حزيران الماضي التي أدت إلى عزل الرئيس الإسلامي محمد مرسي.
وتواجه مصر أسوأ أزمة طاقة منذ سنوات. وتسعى السلطات المصرية للحصول على إمدادات وقود كافية لتغطية الاستهلاك في فصل الصيف. وذلك لتجنب اندلاع غضب شعبي جراء انقطاع الكهرباء. ويعرف القطاع السياحي أيضا تراجعا كبيرا بسبب تدهور الأوضاع الأمنية. كما أن العجز الذي تعاني منه الميزانية لازال قائماً. ورغم أن الحكومات المتعاقبة دعت إلى إصلاح الدعم (يخصص خمس ميزانية الدولة لدعم الطاقة)، فإن أيا منها لم يجرؤ على تطبيق زيادات كبيرة في الأسعار خشية إثارة احتجاجات شعبية، ولنفس السبب يرفض المسؤولون في مصر العمل بإجراءات التقشف التي ينصح بها البنك الدولي لمواجهة الأزمة.
المساعدات الخليجية فاقت 20 مليار دولار
وبقدر ما تثير الأوضاع السياسية والاقتصادية الصعبة التي تعيشها مصر قلق المصريين والمهتمين بالشأن المصري، بقدر ما تثير المساعدات الكبيرة التي تخصصها بعض الدول الخليجية لمصر الكثير من التساؤلات. وكان عبد الفتاح السيسي الرئيس المصري الجديد أعلن في مقابلة تلفزيونية خلال الحملة الانتخابية أن المساعدات الخليجية لبلده فاقت 20 مليار دولار، وكانت السعودية والإمارات والكويت تعهدت بتقديم منح بحوالي 12 مليار دولار عقب عزل الرئيس مرسي في يوليو/ تموز الماضي.
ياسر عبد الرحيم، وهو باحث مصري في مجال العلاقات الدولية مقيم في ألمانيا، يعتقد أن الأسباب وراء هذه المساعدات متعددة ومختلفة ومنها الخوف من انهيار مصر من جراء الأوضاع الصعبة التي تعيشها. ويضيف عبد الرحيم خلال مقابلة أجرتها معه DW عربية "دعم مصر والسيسي تحديدا يأتي بسبب وعي هذه الدول أن الجيش المصري هو أقوى جيش عربي بقي حاليا، وهناك خشية من أن يتفكك كما حدث مع الجيشين العراقي والسوري، خاصة بالنظر لدور مصر وخطر ذلك على المنطقة ككل".
ومنذ انتفاضة 2011 التي أطاحت بالرئيس الأسبق حسني مبارك تقلصت الاحتياطات الأجنبية لمصر بمقدار 20 مليار دولار وتراكمت عليها الديون من حلفائها وشركات النفط الأجنبية.
الحرص على عدم عودة الإخوان إلى السلطة
ويضيف الخبير المصري أن الدعم الخليجي لمصر ليس جديدا "أذكر هنا مثلا دعم مصر من هذه الدول بعد هزيمة 67 رغم الخلاف الكبير حينها بين الرئيس الأسبق جمال عبد الناصر وحكام الخليج". لكن السبب الأهم في اعتقاد الخبير المصري يكمن في خوف هذه الدول من قيام أنظمة ديمقراطية وثورية في المنطقة تهدد استمرارها، وخصوصا في مصر بسبب دورها المهم والتهديد الأكبر باعتقاد عبد الرحيم تراه هذه الدول في جماعة الإخوان "هذه الدول تخشى التغيير وتتوجس من قيام أنظمة جديدة لا تعرف كيف ستتعامل معها وهل ستضمن مصالحها في المنطقة أم لا".
هذا الرأي يشاطره حسن أبو هنية الخبير الأردني في شؤون الشرق الأوسط الذي يعتقد أن هناك رؤية خليجية معينة فيما يتعلق بالملف المصري. ويقول أبو هنية في مقابلة مع DW عربية "هناك اعتقاد كبير لدى هذه الدول أن وصول الإسلاميين إلى السلطة سيشكل خطرا على أمنها القومي وأقصد هنا تحديدا السعودية التي تخشى من صعود نظام إسلامي جديد ينزع منها تلك الشرعية الدينية". ويضيف الخبير الأردني أن دعم هذه الدول للسيسي يأتي من أجل الحرص على عدم عودة الإخوان إلى السلطة. والسيسي هو الشخص الذي يستطيع التصدي للإخوان في مصر باعتقاد هذه الدول. ولهذا تدعمه حسب الخبير المصري ياسر عبد الرحيم الذي يقول: "هم يرون في السيسي مرشحا تقليديا يسير على نفس الخط القديم أو بالأحرى لن يغير الكثير في مصر مقارنة مع العهد السابق ولا ينهج خطا ثوريا يشكل خطرا على هذه الأنظمة المحافظة".
هل تفقد مصر دورها الريادي لصالح السعودية؟
ويرى مراقبون أن السعودية التي صنفت الإخوان على قائمة التنظيمات الإرهابية بعدما كانت حليفا للجماعة قبل الربيع العربي، أصبحت تلعب دورا سياسيا مهما في المنطقة. وذلك من خلال تدخلها بالدعم السياسي والمالي في عدد من القضايا الإقليمية الشائكة. تحرك السعودية في المنطقة قابله تراجع لدور مصر المنهمكة بمشاكلها وترتيب بيتها الداخلي، ما يجعل بعض المتتبعين يرون أن السعودية قد تعوض في المستقبل القريب الدور الذي لطالما لعبته مصر تاريخيا. ويقول أبو هنية في هذا السياق "أعتقد أن مصر فقدت دورها إقليميا وعربيا وحتى دوليا فقد تحولت إلى دولة ضعيفة تعيش على مساعدات الخليج وتراجع دورها بدأ قبل ثورة يناير واستمرار تراجعه قد يفسح المجال للسعودية لتعوضه".
وفيما يرحب البعض بالمساعدات الخليجية لمصر، ينظر إليها آخرون بتوجس بسبب المنافسة التي تخوضها السعودية ضد قوى إقليمية أخرى في المنطقة، ويقول أبو هنية "هذا يؤكد افتقار السيسي والجيش عموما لرؤية إستراتيجية واضحة فيما يتعلق بمشاكل مصر". وتابع "هناك تخبط وسياسة مبنية على تبادل المنافع وليس إستراتيجيات وحلول عملية. السيسي قدم نفسه على أنه منقذ مصر من الإرهاب ولا يتحدث سوى عن الأمن والإرهاب وليس عن الرفاه والاستقرار الاقتصادي". وهذا ما يجعل الخبير الأردني يعتقد أن مصر قد تشهد صعوبات أكبر مستقبلا. في المقابل لا يعتقد عبد الرحيم أن مصر ستفقد دورها الريادي رغم ما تمر به حاليا. ويؤكد عبد الرحيم أن مصر "لن تصير تحت الوصاية السعودية بحكم ثقلها التاريخي والسياسي"، وأن "أقصى ما قد يحدث هو أن الدور السعودي قد يصير أهم قليلا على حساب الدور المصري".