المنطقة الآمنة بشمال سوريا.. هل يغادر اللاجئون تركيا طوعا؟
٥ نوفمبر ٢٠١٩
تعتزم تركيا بعد توغلها العسكري في شمال شرق سوريا، تأسيس منطقة آمنة يعود إليها لاجئون سوريون مقيمون في تركيا وفي دول أخرى، والعودة تكون حصريا على أساس طوعي. ولكن ما هي واقعية هذا المشروع الطموح؟
إعلان
"طواعية وآمن وفي كرامة": هذه هي الشروط المطلوبة لعودة اللاجئين السوريين إلى الجزء الشمالي من سوريا. وعلى هذا النحو وصف الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتريش الجمعة في حديث مع الرئيس التركي رجب طيب اردوغان توقعات الأمم المتحدة. وعقب اللقاء أعلن غوتريش أن المفوضية السامية لللاجئين ستكلف فريق خبراء ببحث المخططات وإجراء مفاوضات إضافية مع السلطات التركية.
وأكد اردوغان مجددا أنه ينوي توطين مليونين من اللاجئين السوريين المقيمين حاليا في تركيا والذين يصل عددهم إلى نحو 3.6 مليون شخص في المناطق المسيطر عليها في شمال سوريا. ويرتبط الأمر بمنطقة طولها 120 كيلومترا ونحو 30 كيلومترا عرضا. والعودة ستحصل على أساس "طوعي". والنموذج المعتمد لعمليات العودة المرتقبة هو بعد نهاية العملية العسكرية "درع الفرات". ففي تلك الفترة عاد حسب معطيات وزارة الداخلية التركية نحو 330.000 لاجئ سوري إلى عفرين حيث تحركت تركيا ضد الميليشيات الكردية.
لكن هل سيعود اللاجئون فعلا طواعية؟ منظمة العفو الدولية تشك في هذا. ويفيد تقرير للمنظمة أن لاجئين سوريين أعلنوا أنهم أجبروا تحت تهديد رجال شرطة أتراك باستخدام العنف الجسدي على توقيع طلبات التمسوا فيها العودة إلى سوريا. لكنهم لم يرغبوا في العودة طواعية. وتركيا تنفي هذه الاتهامات.
الاتحاد الأوروبي يشدد على الطواعية
مبدئيا من الممكن عرض أفق العودة على السوريين، كما يقول أندرياس نيك، عضو لجنة الشؤون الخارجية بالبرلمان الألماني. لكن لا يحق إجبارهم على القيام بهذه الخطوة. وعملية العودة يجب أن تحصل على أساس القانون الدولي. فأوروبا وألمانيا لن تساندان الإجراءات التي تعتمد على الإجبار.
لكن يبدو أنه يصعب على كثير من السوريين بناء حياة جديدة في الوطن القديم. والفرضية قائمة بأن يعود الكثير من السوريين من سوريا بصفة غير قانونية إلى تركيا، كما يقول خبير سوريا أويتون أورهان في أنقرة في حديث مع DW. وهذا ما حصل أيضا في حالة التوطين في عفرين. "بعد العودة خابت آمال السوريين الذين عادوا ويعيشون الآن كلاجئين غير مسجلين في تركيا".
توقع عدد قليل من العائدين
وفي حال حصول العودة على أساس طوعي، فإن عدد العائدين لن يصل إلى حدود مليون، كما يتوقع أورهان. "كما أن من بين نحو 3.6 مليون سوري ينحدر فقط 10 إلى 15 في المائة من شرق الفرات. وبالتالي يمكن الانطلاق من فرضية أن يعود فقط 400.000 حتى 500.000 ". ويفيد السياسي المعارض التركي عميد أوزداغ أنه يسود "غموض" حول القوانين المعمول بها في تركيا من أجل العودة الطوعية.
النظرة إلى أوروبا
وبعدما وصل اللاجئون السوريون الأوائل في عام 2012 إلى تركيا، تراجع قبولهم أولا شيئا فشيئا. والآن يريد الرئيس اردوغان إعادة كسب الناخبين عندما يحاول تقليص عدد اللاجئين المقيمين في تركيا. ولهذا السبب يهدد أيضا الاتحاد الأوروبي بالنظر إلى الاتفاقية المبرمة في 2016 حول التوطين الجديد للاجئين. وعلى هذا النحو أعلن بتكرار أنه سيفتح الأبواب أمام اللاجئين نحو أوروبا، ما أدى إلى إثارة القلق في دول الاتحاد الوروبي من حصول موجة لجوء جديدة. ولهذا السبب تكون مبادرة الاتحاد الأوروبي مشكوك فيها، كما تقول سفيم داغديلين، نائبة رئيس كتلة حزب اليسار في البرلمان الألماني. فعوض استثمار المليارات في تركيا لحماية اللاجئين، وجب توظيف تلك الأموال في إعادة البناء في سوريا.
"منطقة آمنة دولية" على الطاولة
وتراهن الحكومة الألمانية على حل سياسي للأزمة. ولم يجد اقتراح وزيرة الدفاع الألمانية أنغريت كرامب كارينباور حول منطقة آمنة دولية أي موافقة في الداخل ولا في الخارج. لكن يبدو أن الحزب المسيحي الديمقراطي يتحقق من إمكانية التزام دولي في شمال سوريا.
والموضوع سيبقى جزء من المشاورات المنتظمة لبلدان حلف الناتو إلى حين انعقاد قمة الحلف في لندن في نهاية السنة، كما يتوقع أندرياس نيك. وبالنظر إلى الاتفاق المبرم في سوتشي بين روسيا وتركيا حول الاستقرار في شمال سوريا يبقى هذا البرلماني متشككا. ويفيد بأنه يجب التحقق ما إذا كان الاتفاق سيحقق فعلا الاستقرار في المنطقة لإطلاق المبادرات المدنية وإعادة الإعمار. "أنا أشك فيما إذا كان هذا هو الوضع".
سيدا سيردار/ م.أ.م
المدنيون يتحملون العبء الأكبر للهجوم التركي في سوريا
يحاول من نزح جراء المعارك في شمال شرق سوريا النجاة بالاحتماء في منازل ومدارس مهجورة. ومع رحيل المنظمات الدولية غير الحكومية، يصطف المواطنون لساعات من أجل كسرة خبز. أما القلة القليلة التي تبقت من الأطباء فغارقة في عملها.
صورة من: DW/K. Zurutuza
المحطة الأولى رأس العين
تشير مصادر أممية إلى وجود أكثر من مائتي ألف نازح داخل شمال شرق سوريا منذ بداية الهجوم التركي، الذي بدأ في التاسع من تشرين الأول / أكتوبر 2019. وكان لمدينة رأس العين الحدودية النصيب الأكبر إثر هجوم مشترك لميليشيات مدعومة من تركيا التركية وقصف جوي. وستبقى المدينة تحت السيطرة التركية وفق اتفاق سوتشي الذي توصلت إليه روسيا وتركيا.
صورة من: DW/K. Zurutuza
"فقدنا كل شيء"
وتفيد تقارير بأن أغلب الفارين ينتمون إلى الأكراد. أما ما تبقى في المدينة من مدنيين فهم غالبًا من العرب الذين لا يزالون على تواصل هاتفي بجيرانهم القدامى. وقال هذا الرجل لـ DW (دويتشه فيله): "لقد أخبروني أمس أن الإسلاميين كانوا ينهبون منزلنا؛ لقد فقدنا كل شيء".
صورة من: DW/K. Zurutuza
كل كَسرة خبز تساعد
قوات النظام السوري تتمركز على مسافة كيلومترات قليلة من تل تمر بمحافظة الحسكة. ومن ثم، فقد فرَّت على مدار الأيام القليلة الماضية منظماتٌ دولية غير حكومية كانت تتخذ المنطقة مركزًا لها في السابق. ويعتمد النازحون داخليًّا من رأس العين والقرى المجاورة على عمل المنظمات غير الحكومية التي تكافح لمواكبة الأزمة.
صورة من: DW/K. Zurutuza
قرى خاوية ومخاطر عديدة
وبخلاف تل تمر، تستقبل قرى متاخمة أخرى مئات النازحين، الذين يعتمدون على منظمات محلية غير حكومية. وأوضح حسن بشير، منسق محلي لمنظمة غير حكومية، في تصريحات لـ DW أنهم "يعيشون في قرى خاوية، يوجد كثيرٌ منها بالقرب من مواقع أخرى خاضعة لسيطرة المليشيات المدعومة من الأتراك أو خلايا نائمة لداعش".
صورة من: DW/K. Zurutuza
وجبة واحدة لكل أسرة
لهذا النازح العربي القادم من رأس العين أربع زوجات وسيكابدون جميعا مشقة الحصول على ما يكفي لإطعام جميع أطفالهم، إذ تقول المنظمات غير الحكومية إنها لا تستطيع توزيع أكثر من وجبة غذائية واحدة لكل أسرة. وقال لـ DW بعد أن حصل على وجبة غذائية واحدة: "ليس ذنبهم أنهم مجرد أطفال".
صورة من: DW/K. Zurutuza
المدارس مغلقة.. إلى الأبد؟
منذ بداية الهجوم في شمال شرق سوريا والمدارس مغلقة، ويستقبل كثيرٌ منها الآن نازحين داخليًّا من رأس العين. وسينتقل من يستطيع تحمل التكلفة إلى مدن مثل الحسكة، التي تقع على بعد 80 كيلومترًا نحو الجنوب، أما البقية فسيتعين عليهم التكيف مع الظروف القاسية في مدينة حدودية تواجه المزيد من الهجمات من الشمال.
صورة من: DW/K. Zurutuza
"استمرار الوضع ينذر بكارثة كبرى"
تعيش حاليًا 50 أسرة كردية من رأس العين في هذه المدرسة المهجورة بتل تمر، وسط غيابٍ للمياه والكهرباء. ومع تدهور الأوضاع الصحية، يخشى أطباءٌ محليون والمستشفى في تل تمر من تفشي الكوليرا وغيرها من الأمراض، إذ أخبر أحد الأطباء المحليين DW: "إذا استمر الوضع هكذا، يجب أن نستعد لكارثة إنسانية كبرى".
صورة من: DW/K. Zurutuza
مرضى تقطعت بهم السبل
على الرغم من أن المشفى في تل تمر يعالج الجرحى، فإنه لا يستطيع مساعدة أولئك الذين يعانون من أمراض مثل السرطان. وأخبر نازحان DW أنهما كانا من المفترض أن يتلقيا علاجًا كيميائيًّا في دمشق قبل بدء الهجوم، إلَّا أن الوضع الأمني الحالي يجعل الوصول إلى هناك مستحيلًا.
صورة من: DW/K. Zurutuza
نوع آخر من أماكن اللعب
منذ سيطرة تنظيم "داعش" على تل نصري، بقيت القرية المسيحية الواقعة على أطراف تل تمر خاوية، إذ رحل أغلب سكانها السابقين خلال حصار داعش عندما دمَّرت المليشيات الكنائس بمتفجرات، قبل سقوط "الخلافة" المزعومة. ومع عدم وجود مكان آخر يذهبون إليه، يعيش العديد من النازحين داخليًّا من رأس العين في تل نصري.
صورة من: DW/K. Zurutuza
العيش على الصلاة
هؤلاء الفِتيانٌ من بين عشرات العالقين في تل نصري، إلَّا أن أوضاع المعيشة القاسية هي أبسط مشكلاتهم. فقبل التقاط الصورة مباشرة، أخبر نازحون DW أنهم تعرضوا لهجوم من قرية مجاورة يُقال إنها واقعة في قبضة إسلاميين، وأوضح مقاتلٌ بقوات سوريا الديمقراطية لـDW: "بدأوا بإطلاق النار علينا واشتبكنا [معهم] لأكثر من ساعة".
كارلوس زوروتوزا (تل تمر) / ج.ا