المهاجرون مقابل السكان المحليين.. صراع ثقافي في دول الخليج
١٧ سبتمبر ٢٠٢٥
قبل عامين أثار مطعم للوجبات السريعة تابع لسلسلة سابواي/Subway في دولة الإمارات العربية المتحدة ضجة في البلاد بإعلان عن وظائف. دعا الإعلان الإماراتيين للعمل في Subway وإعداد السندويتشات. اعتبر مواطنو الإمارات الإعلان "إهانة" و"استهزاء" و"اعتداء على السكان المحليين". وأعلنت النيابة العامة الوطنية عن فتح تحقيق في "المحتوى المثير للجدل".
نُشر الإعلان في ديسمبر/ كانون الأول 2022 من قبل شركة كبيرة مقرها دبي وهي مجموعة كمال عثمان جمجوم. كانت الشركة تحاول فقط تطبيق اللوائح الجديدة، التي دخلت حيز التنفيذ في عام 2022 وتهدف إلى زيادة نسبة المواطنين الإماراتيين في الشركات التي تضم 50 موظفا أو أكثر إلى 10بالمئة من القوة العاملة بحلول نهاية عام 2026.
"ومع ذلك كان هذا العمل في مجال الخدمات منخفض الأجر، وهو عمل لا يقوم به السكان المحليون عادة. بالإضافة إلى ذلك فإن الإماراتيين العاطلين عن العمل يحملون عادة شهادة جامعية على الأقل"، يقول باحث في الإمارات العربية المتحدة فضل عدم الكشف عن هويته. "لكن الغضب كان موجها ضد الشركة وليس ضد الحكومة. مع أن هناك انتقادا غير مباشر للسياسة الجديدة".
السعودية لديها قواعد مماثلة لتشغيل مواطنيها. وقد شددت المملكة هذه القواعد في العامين الماضيين. على سبيل المثال يجب على الشركات التي تضم 100 موظف أن توظف ما لا يقل عن 30 في المئة من المواطنين السعوديين. وحسب الباحث المجهول فإن فضيحة وظائف سابواي ليست سوى مثال واحد من أمثلة عديدة على كيفية تسبب مثل هذه الخطط الجديدة لسوق العمل في توترات في دول الخليج.
هل هناك عقد اجتماعي جديد في الخليج؟
أشار خبراء من مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي في تعليق إلى أن هذا النوع من السياسة الاقتصادية في دول الخليج يؤدي إلى "تقويض العقود الاجتماعية القائمة".
في الماضي كانت الدولة توفر الوظائف والمساكن وغيرها من الخدمات إلى أقصى حد ممكن وتموّلها من عائدات النفط. في الأساس كانت هذه الممارسة بمثابة عقد اجتماعي: الدولة توفر الرعاية للمواطنين الذين يقبلون في المقابل بنموذج حكم استبدادي. ولكن في ظل انخفاض أسعار النفط والتحول العالمي عن إنتاج النفط وتزايد أعداد الشباب، بما في ذلك ارتفاع معدلات البطالة بينهم، أصبح من الصعب على دول الشرق الأوسط المنتجة للنفط الحفاظ على هذا العقد.
وردا على ذلك تعمل حكومات دول الخليج على تشجيع الشركات الخاصة التي لا تعتمد أعمالها على النفط. وفي الوقت نفسه تقوم الإنفاق العام وتشجيع الشباب على أن يصبحوا رواد أعمال.
"ان محاولة حكومات دول الخليج دفع المواطنين من القطاع العام إلى وظائف أكثر هشاشة في القطاع الخاص مع قيامها في الوقت نفسه بخفض المزايا الاجتماعية تسبب قلقا متزايدا" يقول فريدريك شنايدر، الباحث الزائر حاليا في مجلس الشرق الأوسط للشؤون العالمية في قطر.
فعلى سبيل المثال أطلقت الحكومة السعودية في يناير/ كانون الثاني برنامجا باسم "المكافأة الذهبية" يهدف إلى تشجيع المواطنين السعوديين على الانتقال من القطاع العام إلى القطاع الخاص من خلال تقديم حوافز لهم.
ويقول الباحث في الإمارات العربية المتحدة لــ DW "كما رافق جميع هذه المشاريع الاقتصادية الجديدة خطاب يصف الوظائف العامة بأنها خيار سهل أو حتى مريح".
الأجانب يصبحون منافسين في سوق العمل
في الوقت نفسه تحاول دول الخليج أن تصبح أكثر جاذبية للعمالة الأجنبية العاملة في قطاعات خارج صناعة النفط. ولهذا الغرض تقوم بتعديل القوانين المتعلقة بملكية الأجانب وتصاريح الإقامة طويلة الأجل. كما أنها تخفف القيود الدينية والاجتماعية.
بدأت هذه العملية في الإمارات العربية المتحدة في منتصف العقد الأول من القرن الحادي والعشرين. أما المملكة العربية السعودية فقد بدأت مؤخرا فقط. فقد أدخلت المملكة في منتصف عام 2025 تأشيرة للكوادر المتخصصة وستسمح للأجانب بامتلاك العقارات اعتبارا من عام 2026.
لكن هذه المشاريع التي تهدف إلى إحداث تغيير ثقافي اقتصادي تؤدي إلى توترات اجتماعية جديدة. "فمن الواضح أنها تفضل مجموعات معينة من الأجانب"، يقول الباحث المقيم في الإمارات العربية المتحدة. يضاف إلى ذلك أن الإماراتيين والسعوديين بسبب دفعهم إلى القطاع الخاص أو رغبتهم في دخوله، ينظرون إلى المهاجرين الجدد على أنهم منافسون لهم في سوق العمل.
ويؤدي ذلك إلى توترات اجتماعية وثقافية جديدة، حسب الباحث. فالسكان المحليون المحافظون مستاؤون من ثقافة الترحيب الجديدة التي تتبناها الدولة. ومن بينها النقاشات حول اقتراح استبدال عطلة نهاية الأسبوع التقليدية التي تمتد من الجمعة إلى السبت بالممارسة الدولية التي تمتد فيها عطلة نهاية الأسبوع من السبت إلى الأحد. كما ينتقدون إعطاء أهمية أكبر للأعياد غير الإسلامية مثل عيد الميلاد. وبالمثل فإنهم يستاؤون من ارتفاع معدلات الدعارة وتعاطي الكحول الذي يُنسب إلى الأجانب.
"بطريقة ما فإن التغيير الذي بدأ في الإمارات العربية المتحدة في العقد الأول من القرن الحادي والعشرين نتج عن تصوير الممارسات وأساليب الحياة الجديدة على أنها شر لا بد منه"، كما يقول خبير الاجتماع. وهكذا تم السماح ببيع بعض المشروبات الكحولية المحظورة تقليديا في البلدان الإسلامية من أجل تلبية احتياجات الأجانب المقيمين في الإمارات العربية المتحدة.
"في المملكة العربية السعودية حيث بدأ هذا التغيير للتو يتم الآن تصوير هذه الأشياء المحظورة على أنها لا غنى عنها"، كما يقول الباحث. "بهذه الطريقة تريد السلطات التعريف بالمملكة العربية السعودية وتحويل الرياض إلى مدينة عالمية جذابة للسياح والمستثمرين الأجانب على حد سواء".
خيبة أمل متزايدة تجاه الغرب
في أحاديث مع مواطنين من دول الخليج لاحظ شنايدر الذي يجري أبحاثه في قطر، خيبة أمل متزايدة تجاه الغرب بشكل عام. وحسب رأيه، يرجع ذلك إلى عاملين: أولا ما اعتبروه نفاقا وتواطؤا فيما يتعلق بالحرب في غزة. وثانيا تراجع الثقة في الحلفاء السابقين مثل الولايات المتحدة.
"يعتقد الكثير من السكان المحليين أن الشركات الأجنبية تستولي على أعمال الشركات المحلية"، يقول شنايدر. "تنتقد الوزارات والهيئات الحكومية على سبيل المثال المبالغ الطائلة التي دفعتها المملكة العربية السعودية لشركات استشارية غربية في إطار مشروع مدينة المستقبل نيوم ومشاريع تحويلية أخرى. كما تنتقد شركات استشارية محلية شابة دخلت السوق مؤخرا هذا الأمر".
أعده للعربية: م.أ.م
تحرير: عارف جابو