الموت الخفي: الألغام الأرضية مصدر رعب في اليمن
٧ أبريل ٢٠١٠ربما تؤدي خطوة يقوم بها طفل، ولا تستغرق سوى ثانية، في تغيير مجرى حياته وحياة أسرته بالكامل، كما حدث مع الطفلة اليمنية هادية ذات الـ 13 ربيعا. كانت هادية تلعب وتقفز ووضعت قدمها في مكان لم يبدو منه ثمة خطر، لكن النتيجة جاءت مؤسفة؛ إذ إن هادية فقدت ساقيها بسبب لغم أرضي وضعت قدمها عليه دون أن تعرف. قام الجراح الألماني تيوفيلاكتوس إمانوليديس بعلاج هادية فيما بعد، وندد تنديدا شديدا باستخدام الألغام الأرضية، قائلا: "إن هذه الألغام تتسبب في أصعب الجروح ولاسيما في أطراف الشخص وأحيانا تصل الجروح إلى الوجه والعينين، كما أن الأطراف التي تتعرض للألغام يستوجب بترها في أغلب الأحيان."
نقص حاد في الرعاية الطبية لضحايا الألغام
منذ عام 1997 يسافر تيوفيلاكتوس إمانوليديس إلى مدينة تعز بجنوب اليمن، ويجرى عمليات جراحية عديدة في مستشفى الأطفال هناك. وقام على علاج أطفال كثيرين أصيبوا بجروح نتيجة لتعرضهم لألغام أرضية، ومن بينهم طفل عمره عشرة أعوام انفجر في يده لغم أرضي حينما كان يلعب. ويقول تيوفيلاكتوس إمانوليديس: "إنه لولا قيامه بعلاج هذا الطفل؛ لكانت يد الطفل تم بترها في أغلب الظن.
أكثر من 5000 قتيل و 30 ألف جريح
يطبق اليمن منذ عام 1999 معاهدة أوتاوا الخاصة بالألغام. وهذه المعاهدة هي اتفاق دولي يحظر بشكل شامل تطوير وإنتاج وتخزين ونقل واستخدام الألغام المضادة للأفراد كما تلزم المعاهدة الأطراف الموقعة بتدمير الألغام والتخلص منها. ويرى الألماني توماس كيشنمايستر مدير تحالف حركة مقاومة الألغام الأرضية " Landmine.de" أن اليمن حقق خطوات تقدم في هذا المجال، وقال: "إن أعداد ضحايا الألغام في هذا البلد تراجع كثيرا في السنوات والشهور الماضية "
وتشير الإحصاءات الرسمية في اليمن إلى أن عدد ضحايا الألغام الأرضية يبلغ حوالي خمسة آلاف شخص، إلا أنه من المتوقع أن تكون الأرقام الحقيقية أكبر من هذا بكثير. ويقول أحد زملاء الجراح الألماني تيوفيلاكتوس إمانوليديس: إنه سأل لدى الوزارة المسئولة عن الألغام في اليمن عن الضحايا وكانت الإجابة إن ضحايا الألغام في اليمن منذ عام 1982 بلغ 5500 قتيل و30 ألف جريح.
إشكاليات الألغام في اليمن
ويشير "تقرير مراقبة الألغام لعام 2009" إلى وجود مناطق في اليمن لم تنزع منها الألغام، وتبلغ مساحتها 520 كيلومترا مربعا. وبسبب الصراعات القائمة في هذا البلد منذ عام 1962، حيث تم نشر الألغام وبخاصة في المناطق الحدودية بين الشمال والجنوب وكذلك على حدود اليمن مع المملكة العربية السعودية. ويفتقد اليمن إلى الأموال اللازمة لنزع الألغام.
كما توجد إشكالية أخرى وهي أنه بسبب الهدنة بين المتمردين الحوثيين والحكومة اليمنية هناك عودة سريعة لكثير من النازحين إلى المناطق التي كانت مسرحا للقتال، وهو ما يشكل خطرا كبيرا على حياة هؤلاء العائدين، لاسيما وأنهم لا يعرفون حجم انتشار الألغام في مواطنهم التي نزحوا عنها ويعودون إليها الآن. لذلك يتم الآن زيادة حجم حملات التوعية من مخاطر الألغام؛ مع هذا فما زالت الألغام الأرضية تسبب مصدر خطورة كبيرة للأطفال ولاسيما تلك الألغام التي قامت بوضعها جماعات المتمردين بطريقة عشوائية، حسب ما يقول توماس كيشنمايستر. ويضيف كيشنمايستر: "إن اللغم منها يبدوا في معظم الأحيان كما لو كان لعبة، أو علبة سجائر." وقد بلغ عدد ضحايا الألغام عام 2008 عشرين شخصا بينهم 13 طفلا.
معاناة طوال العمر
يقول الجراح الألماني تيوفيلاكتوس إمانوليديس: حتى لو تحقق نجاح في منع وقوع ضحايا جدد للألغام الأرضية، فإن جرحى الألغام تستمر معاناتهم طوال العمر، لأن استخدام أطراف صناعية للسير في اليمن مسألة شديدة الصعوبة. ويؤكد على أن مساعدة ضحايا الألغام في اليمن بحاجة إلى مزيد من الأموال، لأن الضحايا من أمثال الطفلة هادية ذات الـ 13 ربيعا بحاجة إلى أطراف صناعية جديدة في خلال عامين على أبعد تقدير، وثمن هذه الأطراف يعجز عن دفعه والداها.
الكاتبة: سونيا غيلرت / صلاح شرارة
مراجعة: عبده جميل المخلافي