أمهات وآباء وشركاء حياة يموتون في قاعات العناية المركزة أو دور العجزة، وقبل أن يفارق هؤلاء الحياة لا تستطع أسرهم زيارتهم لوداعهم، ما يزيد من معاناة أقارب ضحايا كوفيد-19.
إعلان
"لم يحق لنا السفر في سيارة الإسعاف أو الدخول إلى العيادة. لم تكن لدينا أية إمكانية للتحدث مع الأطباء. إنه شعور قاسٍ جدًّا". زيلكه كلايبومر تتذكر بدقة اليوم السابع قبل وفاة والدها داخل العناية المركزة في مدينة بولاية شمال الراين وستفاليا (غرب). ففي عيد ميلاده الـ 73 الموافق لـ 28 من شهر أبريل/ نيسان، شعر والدها بتعب شديد وبضيق التنفس ما استدعى نقله فورا إلى المستشفى. وهو بالأصل كان يحتاج إلى الأوكسجين للتنفس.
حين أقرت ألمانيا الإغلاق العام في ذات الشهر منعت الزيارات داخل المستشفيات ودور العجزة في إطار قيود صارمة اتخذت حينها لمواجهة الموجة الأولى من انتشار وباء كورونا. جاء قرار منع الزيارات استنادا على رغبة الحكومة الألمانية وحكومات الولايات في حماية الفئات العمرية الأكثر عرضة لخطر الإصابة بالفيروس، أو المرضى داخل المستشفيات والمقيمين في مراكز لذوي الاحتياجات الخاصة. لكن السلطات شددت في ذات الوقت على أن هذا الإجراء لن يتسبب في "عزلة اجتماعية تامة للأشخاص المعنيين". ولم تطل القيود المفروضة على الزيارات المصابين بمرض كوفيد-19، بل شملت أيضا مرضى آخرين مثل هاينتس يورغن كلايبومر الذي لم يكن مصابا بالفيروس المستجدّ.
"كان لديه خوف كبير"، تقول ابنته فقد "شعر بأنها النهاية". في المستشفى كان التشخيص التهاب رئوي، ما جعل التواصل معه بالهاتف صعبا جدا، لما وجده من صعوبة في الكلام: "كنا نتكلم يوميا مكالمات من 10 إلى 20 ثانية"، تقول ابنته.
"إنها مكالمة واحدة"
حين أرادت والدة زيلكه سؤال الطبيبة على الهاتف حول أخبار زوجها وكيفية التعامل معه، "هاجمتها الطبيبة بقوة"، بدعوى أنه لا يمكنها التحدث مع عدد كبير من الأقارب. وحتى حين دخل الأب إلى غرفة العناية المركزة، لم تٌبلغ العائلة. زيلكه كلايبومر لا تتفهم ذلك، فهي "مكالمة واحدة" تقول ابنة المتوفى.
على الأقل، نجحت زيلكه في توديع والدها يوم وفاته، حين توجهت إلى المستشفى رفقة والدتها، وتقول: "تمكنت مع والدتي من الوصول إلى والدي. كان من الصعب فهمه، لكنه كان في وعيه التام". زيلكه كلايبومر تبكي في هدوء وتعتذر. "لقد قال بأنه يحبنا". تلتقط أنفاسها وتتابع: "كان قويا ونظر إليّ وقال بأنه لا يجب أن أبكي. والدي كافح كثيرا".
"لا أحد وجب عليه البقاء وحيدا"
كان طاقم العناية المركزة لطيفا مع عائلة كلايبومر. فحفيدته اتصلت بالمستشفى في اللحظات الأخيرة. بينما لم يكن يُسمح إلا لشخص واحد في غرفة العناية المركزة. في النهاية اصطفت الزوجة والبنات والأحفاد حول سرير الوفاة: "كان بوسعنا جميعا مرافقته. ونحن ممتنين بهذا للطاقم في قاعة العناية المركزة". الطبيب قال بأن "كل زميل" يمكنه أن يقرر عدد الزوار الإضافيين. عائلة كلايبومر كانت محظوظة إذا. والوالد نام في سلام وبسرعة.
كم عدد أولئك الذين فارقوا الحياة وحيدين في زمن كورونا في ألمانيا وحدها؟ لا أحد يعلم. "لا أحد يستحق الموت وحيدا"، يقول مدير دار العجزة، رافاييل ماريا كلوبيل مشددا أنه "يجب الحفاظ على الجانب الإنساني. كورونا أم لا، المؤسسة لها إمكانيات لضبط الحماية".
ديتليف ياكوبس ينظر إلى صور والدته المتوفى، ريناته ياكوب: "والدتي كانت امرأة محبة للحياة، وتعشق المرح وتذهب للرقص واجتماعية بشكل كبير". كانت أما لأربعة أطفال وكانت بائعة للورود ولها متجر خاص. وبسبب مرض الخرف كانت تعيش منذ ثلاث سنوات في دار كاريتاس في مدينة كوبلينتس.
عائلة ياكوبس عانت أيضا خلال إجراءات الإغلاق، لقد كانت "فترة فظيعة"، كما يتذكر الإبن. ريناته ياكوبس لم يكن بوسعها التواصل على الهاتف بسبب مرضها. وبعد مرور أكثر من شهرين تمكن ديتليف ياكوبس من الذهاب لزيارتها، حينها "اجهشت والدتي بالبكاء. وسقطت دموعي أيضا. وبكينا جميعا".
الرهان اليوم في عزّ الموجة الثانية لانتشار الفيروس يتجلى في استخدام التقنيات الجديدة والأجهزة الرقمية، لعلّ ذلك يقي المصابين والمرضى وأسرهم من تباعد قاسٍ في هذه المرحلة الحرجة.
أندريا غروناو/ م.أ.م
هكذا قد تغير جائحة كورونا أساليب الزراعة وعادات الغذاء
أصاب الإغلاق الذي فرضته جائحة كورونا كثيراً من القطاعات الحيوية بالضرر، وقطاع الزراعة ليس استثناء هنا، فقد أصاب الضرر قطاع الزراعة الصناعية بالخصوص، ولكن الفيروس شجع الفلاحة المنزلية، ربما ستغير الجائحة ما نزرع وما نأكل.
صورة من: picture-alliance/imageBROKER
إعادة النظر في مزارع الدواجن والخنازير
ما برح العلماء يجهلون كيف نما فيروس كورونا، لكنّ تهديداته الوبائية التي أسفرت عن إنفلونزا الخنازير وإنفلونزا الطيور قد أثرت بشكل واضح على مزارع الخنازير والدجاج. وفي ظل التأكد من وجود ارتباط بين الزراعة الصناعية الحيوانية المركزة وبين تنامي مخاطر الجائحة، يبدو أنه قد آن الأوان لإعادة النظر في هذا القطاع بشكله الراهن.
صورة من: picture alliance/Augenklick/Kunz
صناعات اللحوم على شفير الخطر
سلطت الجائحة الضوء على الحالة المزرية التي تسود قطاع صناعات اللحوم، وشهدت ألمانيا بؤراً لكورونا في أوساط العاملين في صناعات اللحوم، بل أنها وضعت منطقتين بغرب المانيا في الحجر الصحي بعد إصابة 1550 عاملاً في مسلخ تونيس بالفيروس، ما جعل الأصوات تتعالى مطالبة بشروط عمل أفضل في قطاع انتاج اللحوم.
صورة من: picture-alliance/dpa/B. Thissen
التخلي عن تربية الحيوانات البرية
يرجّح الخبراء أن فيروس كورونا قد انتقل من منتجات برية بيعت في سوق ووهان بالصين. ومع تفشي الجائحة شددت الصين إجراءاتها بحق المنتجات البرية، ما أدى إلى أغلاق 20 ألف مزرعة منتجات برية. بعض الأقاليم الصينية تعرض الآن دعماً حكومياً لتساعد مزارعي المنتجات البرية في الانتقال إلى نمط حياتي آخر، بزراعة منتجات المحاصيل وتربية الخنازير او الدجاج.
صورة من: Getty Images/AFP/M. Bernetti
قطاعات أكثر مرونة
أثرت الجائحة على حلقات الإنتاج التي تمدنا بالغذاء، وهي صناعة تمد العالم في عصر العولمة بالغذاء بما يزيد غالباً عن مستويات الإنتاج المحلي في كثير من البلدان. المزارعون يواجهون اليوم تحديات تناقص أعلاف الحيوانات الصناعية، وتقلص اليد العاملة ما يجبرهم على التكيف مع مستقبل جديد أقل أمناً.
صورة من: picture-alliance/dpa
تنامي الزراعة الحضرية
مع اضطرارهم إلى المكوث في البيت، تتزايد اعداد الناس الذين يتوجهون إلى انتاج بعض من اطعمتهم في حدائق بيوتهم. قد يكون هذا تطوراً إيجابياً على المدى البعيد لاسيما أن من المتوقع أن يسكن ثلثا سكان العالم في المدن بحلول عام 2050. وهكذا قد تصبح الزراعة الحضرية أكثر حيوية، وسوف تستهلك قدراً أقل من الوقود الأحفوري لأغراض النقل، ومساحات أصغر من الأرض مقارنة بالزراعة التقليدية.
صورة من: Imago/UIG
انتاج ذاتي للغذاء
في ظل توقعات ببلوغ عدد سكان الأرض 10 مليارات نسمة بحلول عام 2050، لا مفر من مواجهة حقيقة ضرورة زيادة الغذاء على مستوى الكوكب. وكان تمهيد وتنظيف مزيد من الأراضي من الأشجار والأعشاب لغرض زراعتها يعد حلاً لهذه المشكلة، أما الآن، فتتجه الأنظار إلى زراعة المراكز الحضرية، ويتعزز هذا التوجه في ضوء المخاطر التي فرضها فيروس كورونا.
صورة من: Kate Evans / Center for International Forestry Research (CIFOR)
التحول إلى المنتجات النباتية
في ضوء المخاوف من تعرض قطاع انتاج اللحوم إلى تحديدات تفرضها جائحة كورونا، تشهد الصين توجهاً ملفتاً للنظر إلى المنتجات النباتية. وكان الغرب سباقاَ بهذا الاتجاه خلال السنوات القليلة المنصرمة، ويتوقع أن يستمر ذلك ويتصاعد بتزايد مخاوف المستهلكين من مصادر انتاج اللحوم.
صورة من: picture-alliance/AP Photo/C. Neibergall
تشديد معايير الأمن الغذائي في البلدان النامية
يُتوقع أن تؤثر جائحة كورونا بشدة على البلدان النامية، وتحديداً في مجال الأمن الغذائي. الأمم المتحدة حذرت من مجاعة "بمعايير ملحمية". إلى جانب ذلك، فأنّ التعاون الدولي للتخفيف من مجاعة متوقعة سيفرض حماية أفضل للأرض، وأنواعاً أفضل من المحاصيل، ومزيداً من الدعم لصغار المزارعين. انيكا مولس / م. م