1. تخطي إلى المحتوى
  2. تخطي إلى القائمة الرئيسية
  3. تخطي إلى المزيد من صفحات DW

"الموت والفتاة" مسرحية تحكي قصة التعذيب من الجزائر إلى العراق

٢١ أكتوبر ٢٠١٠

في تجربة فنية مثيرة التقت الفنانة النمساوية أولريكه دروغر بالجمهور الجزائري، عبر مسرحيتها "الموت والفتاة" التي تحكي قصة ضحية وجلادها. وتحرك قضية التعذيب في ذاكرة الجزائريين آلاما، كما تثير مسألة نسيان الماضي الأليم جدلا.

بشير بن عبد المالك ضحية حقيقية للتعذيب خلال حقبة العشرية السوداء بالجزائرصورة من: DW

تحاول وزارة الثقافة الجزائرية إلى إحياء اهتمام الجزائريين بالمسرح بعد عشرين عاما من المشاكل وندرة العروض بسبب الأوضاع الأمنية التي سادت البلاد، فنظمت الدورة الثانية للمهرجان الدولي للمسرح الذي تتواصل فعالياته بالجزائر العاصمة إلى غاية يوم 25 اكتوبر/تشرين الأول الحالي، وقد شاركت فيه الفنانة المسرحية النمساوية أولريكه دروغر بعرض مسرحي عنوانه"الموت والفتاة" (قدم العرض باللغة الفرنسية) وتحكي قصة المسرحية تجربة حياة وراء القضبان لفتاة سجنت عشرين عاما تعرضت خلالها لكل أنواع التعذيب، وبعد سنوات من خروجها من السجن، تلتقي فجأة في الشارع بجلادها السابق.

وفي ردها على سؤال دويتشه فيله لماذا هذا الحديث عن التعذيب في الجزائر؟ لماذا لم تعرضي شيئا آخر؟ فقالت الممثلة النمساوية أولريكه دروغر:" أرى أنه شيء مناسب تماما فقد عانى البلد مشاكل التعذيب أثناء الاستعمار وأثناء الاضطرابات الأمنية، ولقد أحسست أن الجمهور الجزائري قد تفاعل معي، بسبب استيعابه لموضوع التعذيب و العلاقة ما بين السجين و السجان".

لقاء مفاجي بين الضحية وجلادها

جانب من الجمهور الذي تابع مسرحية "الموت والفتاة" في مسرح الجزائر الوطني بالعاصمة الجزائرية.صورة من: DW

لقد بدا من خلال عرض الممثلة النمساوية أولريكه دروغر أن موضوع العلاقة بين الجلاد وضحيته، لا يجب أن يبقى حبيس الذكريات مثل السر المتبادل بين المريض النفسي الذي يعالج من آثار التعذيب وطبيبيه الشخصي، بل يجب أن يلتقي الطرفان يوما ما، هذا ما أرادت دروغر التأكيد عليه، سواء تعلق الأمر بالجزائر أم العراق أم البلقان.

وتضيف الفنانة النمساوية:" لقد قمت بتقديم هذا العرض في كردستان العراق و في البلقان وهما منطقتان اشتهرتا بحكايات التعذيب وضحاياه، وأرى لابد من الخروج من الدائرة المغلقة والنظر إلى الأمر على أنه تجربة إنسانية ينبغي استخلاص الدروس والعبر منها". وأولريكه دروغر، مسرحية نمساوية تعيش في ألمانيا و تعرض كل ما تقوم به في ألمانيا كما أنها ممثلة و مغنية.

وتبدأ مسرحية دروغر، بلقاء الضحية بشكل مفاجئ بجلادها في الشارع، وهي التي كانت تجول غير آبهة بالذي حولها، فإذا بها تسمع صوتا تعرفه، فقالت لزوجها: هذا صوت سجاني، فرد عليها: ليس كل صوت تسمعينه هو صوت الذي تعرفينه فكثير من الأصوات تتشابه.

أولريكه دروغر الفنانة المسرحية النمساوية إثر عرض مسرحية" الموت والفتاة" بالجزائرصورة من: DW

إلا أن الضحية السابقة تعرفت على جلادها، كما أنه تعرف عليها هو الآخر، و بعد لحظة صمت، دعته إلى شرب الشاي والحديث عما جرى لهما، فوافق السجان السابق، الذي فوجئ بذاكرة خارقة للمرأة التي كان يعذبها ويغتصبها ويقتل الناس أمامها و يعرضها لأعمال السخرة، ويتركها أحيانا وحيدة في زنزانة انفرادية عقابا لها، بل ويمنع عنها معرفة الزمن بكل ما يحمله جهل الزمن من تعذيب هائل لصاحبه.

وخاطبت الضحية السابقة جلادها قائلة:" لقد كنت قويا فيما مضى، لكنك اليوم شخص عادي كباقي الناس، أما يمكنني قوله لك اليوم: إنني لا زلت على قيد الحياة و لم أمت، وبعد انتهاء لقاءنا، يمكنك أن تمضي بسلام، لأني عفوت عنك، لكنني لم أنس ما فعلته بي".

التعذيب ممارسة عابرة للحدود

وخلال عرضها بمسرح الجزائر العاصمة، قدمت أولريكه دروغر، الكثير من المشاهد التي يتعرض لها السجين الذي يتعرض للتعذيب، من رمي على الأرض وبكاء ونحيب، وصولا إلى مشهد رمزي قامت من خلاله بعصر حبة طماطم ورمتها أمام الجمهور. و قبل ختام عرضها المسرحي، قدمت أولريكه مشهدا عن كيفية تعرض امرأة سجينة وحيدة للاغتصاب، و كيف أن بعضهن تبدين الرغبة في الاتصال الجنسي مع الطواغيت اختصارا للوقت وهروبا من المزيد من التعذيب.

أما لماذا العفو عن السجان دون نسيان ما فعل؟ فتجيب عنه أولريكه دروغر: " ليس العفو الذي يعني غفران الذنب، و لكنه العفو الذي يعني ذهاب كل واحد إلى حال سبيله دون روح الانتقام، و هذا يعني أننا لا يجب أن ننسى ما تعرضنا له ولا أن نحتقره، ولكن الحياة مستمرة وهذا ما يجب على من تعرض للتعذيب والإهانة أن يعرفه فالحياة لا زالت مستمرة".

وعندما بدأ الصحافيون بطرح أسئلتهم على أولريكه دروغر حول عرضها وعن الفن المسرحي في الجزائر وألمانيا والنمسا، اقترب منها رجل في الأربعين من عمره، وقال لها:" سيدتي لقد تعرضت للتعذيب وعمري لم يتجاوز الثانية والعشرين، لقد رمى علي جلادي البول و ركلني برجليه على رأسي كما أنهم منعوا عني الماء والبراز إلا مرة واحدة في اليوم، كيف يمكنني أن أعفو عن الذي فعل بي كل هذا؟"

شعار الدورة الثانية لمهرجان المسرج بالجزائرصورة من: DW

فردت عليه دروغر:" أنا لا أطلب منك أن تنسى بل عليك أن تدفع الذكريات كلما عادت إليك وبما أنك دخلت إلى المسرح، وحضرت العرض، فلابد أنك مهتم بالفن، وأن حالتك النفسية جيدة"، فرد الرجل:"لقد قرأت خبر عرضك المسرحي في الصحف، أما لماذا أنا في صحة نفسية جيدة، فلأن الثلاثة الذين عذبوني قد ماتوا كلهم عام 95 وأنا تعرضت للتعذيب عام 93، أي بعد عامين فقط". وقد رفض الرجل أن يصوره الصحافيون، أو أن يكشف لهم عن هويته، لكن أحد الصحافيين تعرف على وجهه، وأكد لدويتشه فيله أنه على اتصال بمنظمة SOS للمفقودين خلال العشرية السوداء التي ألمت بالجزائر في تسعينات القرن الماضي.

لقد كان عرض أولريكه دروغر، المقتبس من مسرحية أرييل دورفمان، في صالة جانبية صغيرة داخل المسرح الوطني الجزائري، وبالرغم من أن القاعة امتلأت عن آخرها إلا أن الجمهور كان قليلا، في مؤشر على صعوبة المهمة التي تسعى وزارة الثقافة الجزائرية تحقيقها، أي محاولة جذب الجمهور إلى قاعات المسارح ومساعدته على نسيان سنوات العنف الأليمة التي عاشتها البلاد.

هيثم رباني - الجزائر.

مراجعة: منصف السليمي

تخطي إلى الجزء التالي اكتشاف المزيد
تخطي إلى الجزء التالي موضوع DW الرئيسي

موضوع DW الرئيسي

تخطي إلى الجزء التالي المزيد من الموضوعات من DW

المزيد من الموضوعات من DW