الموصل ـ تعزيز التعايش بين السكان عبر إحياء الإرث الثقافي
٢٩ ديسمبر ٢٠٢٠
خلال سيطرته على مدينة الموصل العراقية، ألحق تنظم "داعش" أضرارا بالغة بالتراث الثقافي. هدم الإرهابيون بشكل ممنهج المباني من عصور ما قبل الإسلام. حاليا يتم إعادة بنائها من قبل أبنائها، ما يعزز قيم التعايش السلمي بينهم.
إعلان
في يوليو/ تموز عام 2017، أعلن رئيس الوزراء العراقي آنذاك حيدر العبادي استعادة السيطرة الكاملة على مدينة الموصل. استمرت معركة استعادة المدينة الواقعة شمال العراق، والتي سيطرت عليها ميليشيات تنظيم الدولة الإسلامية "داعش" تسعة أشهر. إذ تطلب الأمر تضافر جهود الجيش العراقي والوحدات الأمريكية والقوات الجوية للتحالف الدولي لمحاربة الإرهاب ووحدات البشمركة الكردية ووحدات أخرى لطرد الإرهابيين من المدينة.
لقد كان للنضال من أجل استعادة الموصل معنى رمزي. ففي يونيو/ حزيران عام 2014، أعلن زعيم "داعش" آنذاك أبو بكر البغدي عن إقامة دولة الخلافة الإسلامية في مدينة الموصل، التي سيطر عليها التنظيم للتو. وعانى سكان المدينة والمناطق المجاورة لها من بطش إرهاب تنظيم داعش وأفراده. فقد تم إعدام المئات من الشباب الذين رفضوا الانضمام إلى صفوف التنظيم للقتال، كما استخدام أفراده أهالي المدينة قبيل بدء الهجوم العراقي كدروع بشرية. وبحسب تقرير للأمم المتحدة، فقد تم اختطاف أكثر من خمسة آلاف عائلة لهذا الغرض.
"داعش" أراد محو الذاكرة الثقافية
دمرالإرهابيون بشكل ممنهج التراث الثقافي للمدينة أثناء سيطرتهم عليها. فقد حطموا مذابح ومنحوتات الكنائس، وفتحوا أقبيتها وكسروا الصلبان من على أسطح الكنائس. وقلبوا أبراج الجرس وفتحوا القباب فوق مذابح الكنائس. وفي بعض الأحيان، قامت عناصر تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) بإضرام النار في كنائس بأكملها. إضافة إلى تفجير مساجد الشيعة والمزارات الصوفية. كما حاول التنظيم محو التراث القديم للمدينة. القليل الذي لم تكن قد طالته يد الإرهابيين بعد، تعرض للتدمير أثناء عملية استعادة المدينة.
عالم الآثار ريتشارد زيتلر من جامعة بنسلفانيا قال في مقابلة مع DW إن داعش أراد محو الذاكرة الثقافية لشمال العراق. يرأس زيتلر "برنامج تعزيز التراث العراقي" الذي ترعاه مؤسسة غيردا هنكل الألمانية، والذي يعيد بناء التراث المعماري للمدينة بالتعاون مع الحكومة العراقية وجمعيات المجتمع المدني.
عن أهمية المدينة للسكان المحليين يقول زيتلر: "يرتبط سكان الموصل والمدن المحيطة ارتباطاً وثيقاً بالماضي القديم". كانت مدينة نينوى، إحدى أهم مدن الإمبراطورية الآشورية القديمة، تقع في منطقة الموصل. "يفخر سكان الموصل بانحدارهم من الملوك الآشوريين، الذين حكموا الكثير من بقاع الشرق الأوسط في أوائل الألفية الأولى قبل الميلاد. ومع ذلك، فعل داعش كل شيء لتدمير البقايا المرئية من الماضي القديم للمنطقة".
لم يترك داعش ورائه المباني المدمرة فحسب، بل أضر أيضاً بالنسيج الاجتماعي للمدينة العراقية. أدت ضغوط الإرهابيين على "الأقليات العرقية والدينية" إلى علاقات متوترة بالفعل بين الأقليات السكانية في المدينة، كما تقول خبيرة الشؤون السياسية إيرين كوستانتيني، التي تُدرِّس في جامعة بولونيا والتي تتحمل، بدعم من مؤسسة غيردا هنكل، المسؤولية عن الجوانب الاجتماعية والسياسية لإعادة إعمار الموصل.
كرد فعل على إرهاب تنظيم الدولة الإسلامية، شكل أفراد الأقليات مجموعات مسلحة. وقالت كوستانتينيلـ DW: "لكن بدلاً من توفير الأمن، اعتبرهم السكان عاملاً إضافياً لانعدام الأمن".
هوية جديدة
هناك حاجة الآن إلى نظام عدالة انتقالية وبرنامج للمصالحة الوطنية لاستعادة ثقة المجتمعات في بعضها البعض، كما تقول كونستانتيني: "لكن هذه عمليات طويلة الأمد تعتمد على الالتزام المستمر من صناع السياسة على المستوى المحلي والوطني".
وتتمثل المهمة الأساسية في إعادة بناء مواقع "التراث الثقافي" المدمرة أو المتضررة والغرض منها هو إعادة جزء من هويتهم للسكان المحليين للمدينة. ويمكن أن يساعد العمل المشترك أيضاً في التقريب بين الأقليات المختلفة فيما بينها وخلق وعي بالاحتلال الذي عانوا منه معاً، وهو أحد المتطلبات الأساسية من أجل تأسيس تعاون مستقبلي، وربما حتى هوية جديدة.
لم تعد إعادة الإعمار مهمة للسياسة
في الأساس، يمكن استعادة العديد من الأشياء، كما يقول زيتلر."في الموصل نفسها من الممكن ترميم أو إعادة بناء المساجد والكنائس والأضرحة والمنازل التاريخية والبوابات في سور القلعة وأكثر من ذلك". ومع ذلك، من المرجح أن يكون لإعادة بناء الكنائس في البلدة القديمة أكثر رمزية من القيمة العملية. وقال زيتلر "قلة فقط من المسيحيين النازحين سيعودون إلى المدينة".
غير أن فكرة إعادة الإعمار تراجعت مرة أخرى على جدول الأعمال السياسي، كما تقول كوستانتيني. لم تكن الأموال كافية لتغطية الحاجة المتوقعة، بالنسبة للمنطقة بأكملها، التي كان يحتلها تنظيم "الدولة الإسلامية". وقد قدرت تلك الحاجة بنحو 88 مليار دولار أي ما يعادل 72 مليار يورو. وإضافة إلى ذلك، تواجه البلاد تحديات جديدة، منها أزمات حكومية واقتصادية، وأزمة وباء كورونا. وتقول خبيرة الشؤون السياسية، كوستانتيني إن المشروع فقد أهميته.
التزام كبير من السكان المحليين
على الرغم من كل المحن التي مرت عليهم، فإن الالتزام الكبير يأتي حالياً من السكان المحليين. يقول زيتلر من جامعة بنسلفانيا: "التعاون بين أهالي الموصل والمدن المجاورة رائع". الوضع ليس سهلاً على الناس، لا يزال هناك نقص في المباني السكنية والعامة في المدينة المدمرة، وهو ما يمثل حاجة مهمة للسكان.
يقول زيتلر: "إنهم متحمسون عندما يتعلق الأمر باستعادة تراثهم التاريخي والثقافي". "إنهم يرون أن التراث التاريخي والثقافي حاسمان في بناء مستقبلهم ويسعدون بالوظائف التي توفرها أعمال الترميم. لدينا عدد من الشركاء المحليين الأقوياء في الموقع و بدونهم لا يمكننا القيام بالعمل".
كرستن كنيب/ إ.م
بعد سنة على تحرير الموصل.. دمار وانتظار إعادة الإعمار
قبعت الموصل طوال ثلاث سنوات تحت نير تنظيم "الدولة الإسلامية". وقبل حوالي سنة من اليوم أعلن رئيس وزراء العراق تحرير ثاني أكبر المدن العراقية. DW تأخذكم في جولة مصورة في أرجاء بقايا مدينة تتطلع للحياة وطي صفحة الماضي.
صورة من: DW/S. Petersmann
المدينة القديمة: أثر بعد عين
المدينة القديمة التاريخية للموصل أضحت أثراً بعد عين، وهي تقع في الجانب الغربي لنهر دجلة الذي يشق ثاني أكبر مدينة في العراق. والمعركة الحاسمة لتحرير الموصل من هيمنة "داعش" حصلت في الشطر الغربي. وتحصن مقاتلو التنظيم الإرهابي في الأزقة الضيقة للمدينة القديمة.
صورة من: DW/S. Petersmann
دمار في كل مكان
من ينظر من الجانب الشرقي للفرات إلى المدينة القديمة في الموصل على الشطر الغربي، تقع عينه على مشهد من الحُفر والبيوت المهدمة والحطام. ففي يونيو/حزيران وحده من عام 2017 انفجرت أكثر من 4000 قنبلة ألقاها التحالف المناهض لـ"داعش". وغالبية الهجمات نفذها سلاح الجو الأمريكي.
صورة من: DW/S. Petersmann
حطام بملايين الأطنان
المدينة القديمة التاريخية لن تعود كما كانت عليه قبل بداية المعركة لطرد تنظيم "الدولة الإسلامية". وتقدر الأمم المتحدة وزن الحطام بثمانية ملايين طن.
صورة من: DW/S. Petersmann
عودة محفوفة بالمخاطر
بالرغم من كل ما سبق ذكره رجعت زهرة مع أطفالها الأربعة إلى الأنقاض المدمرة. لم تتمكن عائلتها من تحمل مبلغ الإيجار العالي في الشطر الشرقي للمدينة الأقل دماراً. ويواجه العائدون عدة مخاطر.
صورة من: DW/S. Petersmann
انتهاء الحرب وبقاء الخطر
ما ترونه على الحطام هو حزام ناسف لأحد الانتحاريين. وإذا انفجر الحزام المحشو بالمتفجرات وقطع معدنية، تنطلق قذائف مميتة في كل الاتجاهات. ويواجه العائدون إلى الموصل، كذلك، خطر القنابل غير المتفجرة.
صورة من: DW/S. Petersmann
آثار المعركة
في الأزقة الضيقة للمدينة القديمة المدمرة تُرى آثار المعركة، التي استمرت تسعة أشهر، إلى يومنا هذا. على الأرض زحف الجيش العراقي والميليشيات المتحالفة تحت غطاء هجمات جوية أمريكية كثيفة تسببت في الجزء الأكبر من الدمار.
صورة من: DW/S. Petersmann
جثث وجثث وجثث
في أحد الأزقة الضيقة نعثر على عشر جثث محشوة في أكياس. وإلى يومنا هذا يتم انتشال جثث من وسط الأنقاض. ودرجات الحرارة المرتفعة في الصيف تقوي رائحة التحلل. وليس واضحاً كم هو عدد الناس الذين قُتلوا أثناء المعركة. والتقديرات المتوفرة تتراوح بين 10.000 و40.000.
صورة من: DW/S. Petersmann
مصالحة صعبة
من حين لآخر نصادف مخطوطات غرافيتي على جدران البيوت تطالب بالانتقام: "داعش.. نريد دمك". عملية المصالحة بين ضحايا التنظيم وعناصره وداعميه صعبة. المستقبل وحده هو الذي سيجيب على هذا السؤال.
صورة من: DW
العمل لهزيمة الماضي
يحاول أحمد محمد عبد الرحمن، عمدة حي حمام منقوش، منع الجناة من العودة والتوسط بين ضحايا التنظيم الإرهابي والمؤيدين له. "يجب علينا إيجاد فرص عمل لكي يفكروا في أشياء أخرى. فعندما تعيش الناس فقط في الماضي، فإنه يتكرر".
صورة من: DW/S. Petersmann
إعلان "الخلافة"
مباشرة بالقرب من حي حمام منقوش يقع مسجد النوري الشهير، أبرز معالم المدينة القديمة. في حزيران/يونيو 2014 أعلن زعيم "داعش" أبو بكر البغدادي من هنا قيام "الخلافة". وسيطر "داعش" ثلاث سنوات على الموصل.
صورة من: DW/S. Petersmann
إنقاذ إرث ثقافي
يبدو أن الميليشيا الإرهابية "داعش" فجرت خلال انسحابها من الموصل مسجد النوري. وفي الخريف الماضي أعلنت الإمارات العربية المتحدة أنها تعتزم تمويل إعادة بناء المسجد القديم بنحو 50 مليون دولار.
صورة من: DW/S. Petersmann
المئذنة الحدباء
صمدت المئذنة الحدباء لمسجد النوري أكثر من 800 عام في وجه العواصف والحروب. والسكان سموها "حدبة"، لأنها مائلة. ولم يبق منها اليوم إلا جزء من الأساس.
صورة من: DW/S. Petersmann
المدنيون كدروع بشرية
بين الحين والآخر نصادف أنقاضاً تحصن فيها مقاتلو "داعش" في المرحلة الأخيرة من معركة التحرير. في هذا المخبأ على المدخل تم زرع عبوات ناسفة. ورائحة التعفن توحي بأن أشخاصا توفوا هنا. وذكر ناجون أن مقاتلي التنظيم الإرهابي استخدموا مدنيين كدروع بشرية.
صورة من: DW/S. Petersmann
الحرب وحدها لا تحرز النصر
إلى جنب سترة حماية ممزقة نرى مصحف صغير للقرآن على الأرض. "داعش" انهزم عسكرياً، إلا أن مقاتلين ناجين ومجندين جدد يواصلون تنفيذ اعتداءات في العراق. ولا يمكن التغلب على ايدلوجية الإرهابيين بوسائل عسكرية فقط.
صورة من: DW/S. Petersmann
خردة الحرب
الكثير من السيارات تحولت تحت لهيب نار الهجمات الجوية إلى ركام من الحطام يسوده الصدأ. وبعض الإطارات تعود لسيارات متفجرة استعملها داعش "للدفاع" خلال الانسحاب.
صورة من: DW/S. Petersmann
أمنيتها الوحيدة العودة
يبدو أن الموصل قبل هيمنة "داعش" كانت تحتضن نحو مليوني نسمة من السكان. وبسبب الحرب هرب نصفهم، بينهم نحو 700.000 نسمة من المدينة القديمة ذات الكثافة السكانية. هذه المرأة تقف أمام حطام منزلها الذي أكلته نار الحرب.
صورة من: DW/S. Petersmann
ألوان وسط الدمار
المدينة القديمة التاريخية كانت معروفة بأبواب بيوتها الفاخرة المزركشة. القليل منها فقط ظل قائماً. وهذه التحف الفنية تعكس مظاهر ملونة وسط الدمار.
صورة من: DW/S. Petersmann
دب محشو بالمتفجرات
هذه هو شكل البيوت من الداخل. إرادة إعادة البناء كبيرة؛ إذ أن الكثير من عائلات اللاجئين سئمت العيش في معسكرات على هامش المدينة أو في بيوت مؤجرة. الدب الدمية على حافة الشباك قد يكون قنبلة محشوة بالمتفجرات.
صورة من: DW/S. Petersmann
تكلفة إعادة الإعمار؟
تُعد معركة الموصل، حسب رأي خبراء، من أشد المعارك ضراوة في منطقة مأهولة بالسكان، وذلك منذ الحرب العالمية الثانية. وإعادة البناء تكون بالتالي صعبة ومكلفة. وتقدر الحكومة العراقية التكلفة بملياري دولار على الأقل. ولا شيء يوحي بأن الولايات المتحدة الأمريكية تعتزم المشاركة في التكاليف.