دفع التصعيد العسكري الأخير في إدلب، إلى تفاقم الوضع الإنساني في المنطقة ونزوح عشرات الآلاف من المدنيين نحو مصير مجهول. فكيف هو الوضع الإنساني على الأرض هناك؟ وماذا عن دخول المساعدات الدولية بعد الفيتو الروسي الصيني؟
إعلان
"الوضع مأساوي.. الشيء الذي وصلنا له بالفعل مأساوي"، هكذا وصفت صحفية من محافظة إدلب، تدعى ميرنا الحسن في تغريدة لها نشرتها على حسابها الخاص على موقع تويتر، الوضع الحالي في إدلب، التي شهدت عدة مناطق فيها خلال اليومين الماضيين تصاعداً للقصف السوري ـ الروسي. أرفقت الحسن تغريدتها بمقطع فيديو تحدثت فيه عن معاناة المدنيين والنازحين من إدلب باتجاه تركيا وقالت بأن "استمرار القصف قد يسبب في ارتفاع عدد النازحين الذي باتوا لا يجدون مكاناً يفرون إليه (...) نحن في مواجهة كارثة إنسانية جديدة (...)".
بالطريقة نفسها يحاول عدد من النشطاء على مواقع التواصل الاجتماعي إيصال الصورة إلى المجتمع الدولي عن الوضع الإنساني في منطقة إدلب في الوقت الحالي، وكذا تتبع أوضاع النازحين من المنطقة السورية باتجاه الحدود التركية.
التصعيد العسكري الجديد لقوات النظام و الغارات الجوية الكثيفة دفعت عشرات آلاف المدنيين إلى النزوح باتجاه مناطق أكثر أماناً في الشمال ، كما قدرت الأمم المتحدة. من جهته، قال سليم طوسون المستشار الإعلامي في سوريا لهيئة الإغاثة الإنسانية: "في الأسبوع الماضي، وصل عدد الفارين من المناطق الجنوبية (من إدلب) إلى الشمال بسبب تزايد الهجمات إلى 120 ألفا". ويواصل سكان المنطقة الفرار منها خشية تقدم جديد لقوات النظام، وفق ما أفاد مراسل لفرانس برس في المكان.
مصير مجهول للنازحين والمساعدات
من جهته قال ديرك هيغمانس، مدير برنامج سوريا في المنظمة الألمانية لمكافحة المجاعة في حديثه لـ DWعربية إنه وفقاً لآخر التقديرات لديهم هنالك حوالي 70 إلى 75 ألف فروا من إدلب باتجاه الحدود التركية. وعن الوضع الإنساني في المنطقة قال هيغمانس: "إلى حد الساعة لازلنا نستطيع الوصول للناس ونستطيع نقل المساعدات إليهم، لكن يمكن أن يتغير الوضع ويصبح أكثر تعقيداً فيما يخص إيصال المساعدات. ففي ظل الغارات الجوية المكثفة قد نضطر أحيانا إلى تعليق أنشطتنا بشكل مؤقت، لأن الوضع يصبح خطراً على المساعدين لكن خلال اليومين الماضيين لم نتعرض بعد لمثل هذا الموقف".
أما عن حجم المساعدات ومنها المساعدات الطبية وحجم تغطيتها لحاجيات المتضررين تحدث تيل كيوستر، منسق عمليات منظمة "ميدكو إنترناشونال" الإغاثية في سوريا عن "ثلاثة ملايين مدني في كامل منطقة إدلب بحاجة للمساعدة" وقال إنه لا يزال هناك مستشفيات مفتوحة، لكن هناك أكثر من مائة مركز طبي تعرضت للتدمير في المنطقة، والمساعدات غير كافية ولا تغطي جميع الاحتياجات بعد القصف المكثف الأخير. وقال: "يبقى من غير الواضح كيف سيمكن تقديم المساعدة للمدنيين والنازحين خلال الأيام والأسابيع المقبلة".
وأضاف كيوستر أن النازحين المتجهين نحو الشمال قد يتم استهدافهم خلال رحلة نزوحهم باتجاه الحدود التركية المغلقة، وقال :"الحديث الآن عن أعداد كبيرة من النازحين الذين ينتظرون، في ظل غياب مبادرة من داخل أوروبا للمساعدة وهذا ما يلمسه هؤلاء هنا منذ أشهر مما يترك شعور الخذلان بأنفسهم".
الفيتو وتهديدات أردوغان
ويبقى مصير النازحين الذين ينتظرون على الحدود التركية مجهولاً، كما هو مصير المساعدات الإنسانية المخصصة لهم. إذ أدى الفيتو الذي استخدمته روسيا والصين في مجلس الأمن ضد مشروع مساعدات، قدمته ألمانيا وبلجيكا والكويت بشأن الوضع الإنساني في سوريا، إلى حجب تسليم مساعدات عبر الحدود من تركيا والعراق إلى الملايين من المدنيين السوريين. التصويت ضد هذا المشروع يصفه كارستن فيلاند، خبير ألماني في شؤون الشرق الأوسط، بـ "الكارثي" على الوضع الإنساني في سوريا وعلى الوضع في إدلب خاصة. وقال في حديثه لـDWعربية إن هناك "احتمالين بشأن مشروع المساعدات الذي تم رفضه والذي كان سيسمح بتمديد مساعدات من الأمم المتحدة عبر نقاط حدودية إلى أربعة ملايين سوري لمدة عام. الأول هو تجاهل الرفض وإيصال المساعدات بشكل غير قانوني وهو ما ترفضه العديد من المنظمات الإنسانية. الاحتمال الثاني هو محاولة إيجاد اتفاق أو حل وسط مع روسيا والصين".
من جهة أخرى توعد أردوغان الدول الأوروبية بموجة مهاجرين جديدة من سوريا، إذا لم يتوقف القصف على محافظة إدلب السورية. وقال الرئيس التركي إن بلاده لا تستطيع استيعاب موجة مهاجرين جديدة من سوريا. فيلاند يرى في تهديدات أردوغان، والتي يقول إنها ليست بالجديدة "محاولة منه لإقناع الأمم المتحدة والدول الأوروبية بمشروع المنطقة الآمنة، وهو مشروع مثير للجدل بسبب اتهامات بالتطهير العرقي وكذلك ضعف البنيات التحية في المنطقة". وأضاف الخبير الألماني: "التقارير التي تتحدث باستمرار عن ارتفاع عدد النازحين تضع الدول الأوروبية في موقف محرج، وهو ما يستغله الرئيس التركي رجيب طيب أروغان بمساعدة من روسيا لممارسة الضغط على هذه الدول".
يذكر أن تركيا تستضيف حاليا نحو 3.7 مليون لاجئ سوري، وهو أكبر عدد من اللاجئين السوريين الذي تستضيفه دولة في العالم، وتخشى وصول موجة جديدة إليها من منطقة إدلب التي يقطنها أكثر من ثلاثة ملايين نسمة.
إيمان ملوك
إدلب الخضراء.. طبول الحرب تقرع في "أرض مملكة إيبلا"
ترتفع الأصوات الدولية التي تحذّر النظام السوري من إعادة استخدام الأسلحة الكيميائية في محافظة إدلب، مع سعي النظام للسيطرة على المعقل الرئيسيّ لفصائل المعارضة. فما هي الأهمية الاستراتيجية والتاريخية لإدلب؟
صورة من: picture-alliance/AP
أهمية استراتيجية
تعتبر محافظة إدلب في شمال غربي سوريا آخر المعاقل الرئيسية لفصائل المعارضة، وتتمتع بأهمية استراتيجية كبيرة فهي من جهة محاذية لتركيا الداعمة للمعارضة، ولمحافظة اللاذقية، معقل الطائفة العلوية التي ينتمي إليها الرئيس السوري بشار الأسد من جهة ثانية. كما أن مدينة إدلب (مركز المحافظة) لا تبعد عن طريق حلب - دمشق الدولي سوى 20 كليومتراً.
صورة من: AP
إدلب الخضراء
قبل اندلاع الحرب الأهلية في سوريا كان غالبية سكان إدلب يعتمدون على الزراعة وخصوصاً الزيتون والقطن والقمح. وبسبب اشتهارها بزراعة الزيتون فقد كان يطلق عليها "إدلب الخضراء". كما أنها كانت سوقاً تجارياً واسعاً للمناطق المحيطة بها، بالإضافة إلى كونها أحد مراكز صناعة الصابون في سوريا.
صورة من: Colourbox
أرض مملكة إيبلا
وتعرف محافظة إدلب بكثرة متاحفها ومواقعها الأثرية التي تعود لحقب تاريخية قديمة، ومن أبرزها مدينة إيبلا الأثرية، إحدى أقدم الممالك في سوريا قبل الميلاد. قبل اندلاع النزاع في 2011، كان متحف إدلب يتميز باحتوائه على مجموعة قيمة من الرقم المسمارية، التي تروي عبر نصوص سياسية وأدبية تاريخ مملكة إيبلا. إلا أن المتحف الذي أُعيد افتتاحه هذا الشهر، لم يسلم خلال سنوات الحرب من القصف وأعمال السرقة والنهب.
صورة من: Daniel Leal-Olivas/AFP/Getty Images
معقل للمعارضة
انضمت محافظة إدلب سريعاً إلى ركب الاحتجاجات على النظام السوري التي اندلعت في آذار/ مارس 2011، والتي تحولت لاحقاً الى نزاع مسلح تعددت أطرافه. وفي آذار/ مارس 2015 سيطر "جيش الفتح"، وهو تحالف يضم فصائل إسلامية وجهادية بينها جبهة النصرة (فرع تنظيم القاعدة بسوريا) التي تحولت إلى "هيئة تحرير الشام" على كامل محافظة إدلب باستثناء بلدتي الفوعة وكفريا ذات الغالبية الشيعية.
صورة من: dapd
اقتتال داخليّ
بعد اقتتال داخلي بين الفصائل المتعددة في 2017، باتت هيئة تحرير الشام تسيطر على الجزء الأكبر من محافظة إدلب مقابل تواجد محدود لفصائل أخرى أبرزها حركة أحرار الشام وحركة نور الدين زنكي. وفي 18 شباط/ فبراير 2018، أعلنت الحركتان المذكورتان اندماجهما تحت مسمى "جبهة تحرير سوريا" لتخوضا مجدداً معارك مع جهاديي هيئة تحرير الشام.
صورة من: picture-alliance/AP Photo/Nusra Front on Twitter
مليونان ونصف المليون
ومنذ سيطرة فصائل المعارضة عليها، وطوال سنوات، شكلت محافظة إدلب هدفاً للطائرات الحربية السورية والروسية، كما استهدف التحالف الدولي بقيادة واشنطن قياديين جهاديين فيها بشكل دوريّ. ويعيش في إدلب حالياً نحو 2,3 مليون شخص بينهم أكثر من مليون نزحوا من مناطق أخرى، مع أعداد كبيرة من المقاتلين الذين رفضوا إلقاء السلاح ولا سيما من الغوطة الشرقية التي خضعت لحصار طويل وهجمات عنيفة.
صورة من: picture-alliance/AA/M. Khder
هجمات كيميائية
منذ 2014 تعرضت إدلب إلى عدة هجمات كيميائية، فبعد تأكيد لجنة التحقيق التابعة للأمم المتحدة أن قوات النظام استخدمت الغازات السامة في كل من بلدة تلمنس (21 نيسان/ ابريل 2014) وبلدتي سرمين وقميناس (آذار/ مارس 2015)، تعرضت مدينة خان شيخون لهجوم كيميائي في 2017، أدوى بحياة عشرات الأشخاص بينهم 30 طفلاً. واتهمت الأمم المتحدة النظام السوري بشن الهجوم، رغم نفي الأخير.
صورة من: Reuters/A. Abdullah
تصعيد في منطقة "خفض التصعيد"
تشكل محافظة إدلب مع أجزاء من محافظات محاذية لها إحدى مناطق اتفاق خفض التصعيد التي تم التوصل إليها في أيار/ مايو 2017 في أستانا برعاية روسيا وإيران، حليفتي دمشق، وتركيا الداعمة للمعارضة. وبدأ سريان الاتفاق في إدلب في أيلول/ سبتمبر الماضي. لكنها تعرضت نهاية 2017 لهجوم عسكري تمكنت خلاله قوات النظام بدعم روسي من السيطرة على عشرات البلدات والقرى في الريف الجنوبي الشرقي وعلى قاعدة عسكرية استراتيجية.
صورة من: picture-alliance/AA/M. Sultan
الأسد: هدفنا الآن إدلب
أكد الرئيس السوري بشار الأسد في 26 تموز/ يوليو الماضي أن "هدفنا الآن هو إدلب على الرغم من أنها ليست الهدف الوحيد". وفي 9 آب/ أغسطس الجاري قصفت قوات موالية للنظام السوري مواقع في إدلب قالت بأنها لفصائل معارضة وجهاديين وألقت منشورات تدعو السكان للاستسلام.
صورة من: picture-alliance/abaca
تحذيرات من "حمّام دم"
ودعت الأمم المتحدة إلى التوصل إلى "اتفاقات" لتفادي "حمام دم" في إدلب، وكان مبعوث الأمم المتحدة الخاص إلى سوريا ستافان ديمستوريا قد قال في أيار/ مايو إنه في حال تكرار سيناريو الغوطة في إدلب فإن حجم الدمار وأعداد الضحايا قد تكون أكبر بست مرات، مشيراً إلى نصف الناس الذين يعيشون في إدلب، البالغ عددهم 2,3 مليون شخص، نازحون و"ليس لديهم مكان آخر يلجؤون إليه".
صورة من: Reuters/K. Ashawi
تمهيد للهجوم؟
وبعد أن اتهمت روسيا فصائل المعارضة بالتحضير لعمل "استفزازي" يتمثل بهجوم كيميائي في إدلب بهدف تحميل دمشق المسؤولية عنه واستخدامه كمبرر للقوى الغربية لضرب أهداف حكومية في سوريا، أبدت الدول الغربية الأعضاء في مجلس الأمن الدولي قلقاً متزايداً على مصير ملايين المدنيين في إدلب، خصوصاً بعد أن عززت روسيا من وجودها العسكري قبالة السواحل السورية، فهل سيتكرر سيناريو الغوطة في إدلب؟
محيي الدين حسين