في ذكرى رحيله، يحاول نشطاء سعوديون تكريم جمال خاشقجي بالمضي قدما في مشروع "جيش النحل". فما هي خصائص هذه المبادرة، وهل استطاع القائمون عليها تحقيق أهدافهم في مواجهتهم مع "الذباب الإلكتروني"؟
إعلان
بعد عام على مقتل جمال خاشقجي تُثار أسئلة حول مصير "النحل الإلكتروني"، وهي مبادرة كان قد ساهم في إطلاقها الصحفي الراحل مع الناشط السعودي المقيم في كندا، عمر عبد العزيز، لأجل تشجيع مواطنين سعوديين على إبداء آرائهم بكل حرية في موقع تويتر، عبر ربط حساباتهم في هذه الشبكة الاجتماعية بأرقام أجنبية، بشكل لا يتيح ملاحقتهم في بلادهم.
يرغب المشروع بتخفيف حضور "الذباب الإلكتروني " في تويتر، وهو الهدف الذي لقي دفعة كبيرة من إدارتي تويتر وفيسبوك. أعلنا الموقعان مؤخراً عن توقيف آلاف الحسابات والصفحات التي كانت تنشر محتوى دعائياً عبر هويات مزورة لأغراض خلق رأي عام افتراضي يخدم وجهات النظر الحكومية.
"بما أن تويتر هو الوسيلة الأكثر انتشاراً في السعودية للتعبير عن الرأي، منذ أيام الملك عبد الله بن عبد العزيز، فقد قامت الحكومة منذ مدة باعتقال المؤثرين المستقلين، وبصناعة جيش إلكتروني، لغرض الضغط على الأصوات التي هاجرت، ولأجل التحكم في الوسومات (الهاشتاغ) الأكثر تصدراً، وبالتالي طرح روايات غير حقيقية"، يقول عبد العزيز المؤيد، أحد المشرفين على مشروع النحل الإلكتروني لـDWعربية.
حركية نشطة في ذكرى الاغتيال
تنشط الصفحة الرسمية لـ"النحل الإلكتروني" بشكل قوي خلال الأيام الأخيرة تخليداً لذكرى اغتيال خاشقجي، ومن المبادرات التي أعلنت عنها "ألف مقال باسم جمال" وفيها يتقمص كُتاب شخصية خاشقجي لأجل كتابة مقال تخييلي باسمه، وكذلك "قصة الجَمال" التي تعرّف بالصحفي الراحل.
وفي هذا السياق، يقول عبد الله الجريوي، مدير شؤون المتطوعين في "النحل الإلكتروني"، لـDW عربية، أن المشروع أطلق حملة خاصة بالصحفي الراحل، عبر التعاون مع منظمة العفو في إيرلندا ونقابة الصحفيين في إيرلندا والمنظمة السعودية-الأوربية لحقوق الإنسان وكذا مجموعة من الصحفيين والأفراد، والهدف إعادة قضية خاشقجي إلى الواجهة والمطالبة بتحقيق العدالة فيها.
ويبرز الجريوي، الذي نشط سابقاً كـ"نحلة" من داخل السعودية، أن المشروع يتجه أكثر نحو التنظيم، مبرزاً أنه قد تمّ التعاقد مع منظمة "فورنت لاين" لتقديم طرق أكثر أماناً للأعضاء داخل السعودية، بما يتيح لهم استخدام مواقع التواصل الاجتماعي بشكل أكثر أماناً. ويؤكد المتحدث أن المشروع عانى من مشاكل كثيرة، أبرزها "محاولة إيقافه"، متحدثاً عن أن مقتل جمال، واعتقال شقيقي الناشط عمر بن عبد العزيز، أكدا وجود استهداف للقائمين على هذا المشروع.
جمال الداعم للمشروع
تبّرع خاشقجي بمبلغ 5000 دولار للمشروع وفق ما نقلته عدة مصادر كالاندبدنت. وقد سبق لمشروع Citizen Lab في جامعة تورنتو أن كشف اختراق هاتف الناشط عمر عبد العزيز من شركة إسرائيلية بتوجيه من السعودية، حسب ما نقلته شبكة CNN. ويقول عمر للمصدر ذاته إن قرصنة هاتفه لعبت دوراً كبيرا فيما حدث لاحقاً لخاشقجي، إذ كان الاثنان يتحادثان عبر تطبيق "واتسأب" عن مشروع النحل.
وسبق لخاشقجي أن أشار إلى هذا المشروع، ولو بشكل غير مباشر، عندما نشر يوم 21 سبتمبر 2018، تغريدة جاء فيها: "وش_تعرف_عن_النحل.. يعشق وطنه ويذود عنه صدقا وحقًّا". ويؤكد عبد العزيز المؤيد، أن خاشقجي شارك حينئذ وسم حملة أطلقها عدد من نشطاء المبادرة.
فكرة هذا المشروع جاءت من لدن عمر عبد العزيز، وفق حديث هذا الأخير لـ"واشنطن بوست"، لكن جمال شجعها بسبب تعرّضه لشتائم من حسابات البوت (حسابات مصممة لحملات منظمة). اشترى الاثنان حوالي مئتي شريحة هاتف أمريكية وكندية لهذا الغرض، وكان الراحل قلقاً جداً بخصوص هذا المشروع وفق ما ينقله عمر، فهو "مشروع خطر، وعلينا أن نكون حذرين، فتويتر هو المنصة الوحيدة التي نملك، في غياب برلمان".
ولم يكن خاشقجي نشيطاً فقط في هذا المشروع، بل كان يفكّر في مبادرات أخرى وفق ما كشفه عمر للمصدر السابق كمنظمة اسمها "الديمقراطية للعالم العربي الآن"، وكذلك إنشاء موقع لتوثيق قضايا حقوق الإنسان في المنطقة. يؤكد عبد العزيز المؤيد هذا الكلام، ويشير إلى أن جمال كان كذلك يخطّط لمبادرة أخرى تخصّ حرية التعبير في تويتر، ومن ذلك مشروع للتخاطب المباشر مع إدارة هذا الموقع.
من يربح المعركة؟
بعد أشهر على اغتيال خاشقجي، وبعد تأكيد عدة تقارير إعلامية أن فيسبوك وتويت تحولا إلى منصات للدعاية لبعض الأنظمة بطرق ملتوية، جاء التأكيد من عملاقي التواصل الاجتماعي بحقيقة هذه التقارير. أعلن فيسبوك أولاً عن حذف ما مجموعه 784 نشاطاً على منصاته أو منصات انستاغرام، بين حسابات وصفحات ومجموعات وأحداث، مصدرها الإمارات ومصر والسعودية. وقد رّدت الحكومة السعودية رسمياً على فيسبوك ونفت أن تكون لها صلة بهذه الأنشطة الإلكترونية.
وبعد أسابيع من إعلان فيسبوك، أتى الدور على تويتر الذي أعلن حذفه لبضعة آلاف من الحسابات، بعضها يعمل بتكتيك هجومي منظم، وأشار الموقع بإسهاب إلى الإمارات ومصر السعودية، فضلاً عن دول أخرى كالإكوادور والصين. ومن المثير حديث تويتر عن إيقاف دائم لحسابين يخصان سعود القحطاني المستشار السابق بالديوان الملكي السعودي. ويعد القحطاني أحد أبرز المسؤولين الذي وُجهت له اتهامات بتأطير عمل الذباب الإلكتروني، كما تمت إقالته من منصبه بعد ورود اسمه في لائحة المشتبه بهم في اغتيال خاشقجي.
غير أن الجهود التي يقوم بها الموقعان، لا تمنع استمرار حملات "الذباب الإلكتروني"، إذ يعود بسرعة إلى الواجهة ما دامت عملية إنشائه وبرمجته تتم في مدد زمنية قصيرة، كما أن استمرار اعتقال نشطاء في المنطقة العربية بسبب آرائهم وسط برودة في المواقف الدولية، خاصة مع دفاع الرئيس الأمريكي عن حلفائه العرب، كلها أمور تصعّب أكثر مهمة جيش النحل. وبالتالي تجعل المعركة بينه وبين "الذباب الإلكتروني" غير متكافئة، بين مشروع يحاول أن يتلّمس خطاه، وظاهرة أضحت أداة مفضلة للعديد من الدول قصد الفوز في حرب التأثير على الرأي العام.
هؤلاء حاصرتهم قضية مقتل خاشقجي وأحرجتهم أمام الرأي العام
شخصيات كثيرة عبر العالم ترغب في نهاية قضية خاشقجي بأسرع وقت نظراً لكمّ الإحراج الذي تتعرض له، لكن مع كلّ تسريب جديد تعود القصة للحياة من جديد. من هم هؤلاء الذين حاصرتهم القضية؟
محمد بن سلمان
هيأ ولي العهد السعودي كلّ شيء لأجل قيادة السعودية خلفاً لوالده، ورغم ثقل الملّفات المتهم بتورطه بها، كحرب اليمن وحملة الاعتقالات الواسعة، إلّا أن اغتيال خاشقجي في قنصلية بلاده وضع الأمير الشاب في مرمى الانتقادات، خاصة مع تسريبات السي أي إيه التي استنتجت أن العملية جرت بموافقته. ولا تستبعد عدة تقارير إعلامية، إقدام القصر السعودي، في حال اشتداد الضغوط عليه، على عزل ولي العهد من منصبه.
صورة من: picture-alliance/AP/A. Nabil
عادل الجبير
اختفى الجبير تماماً في قضية خاشقجي، رغم أن الأمر يتعلّق بقنصلية هو المسؤول عنها سياسياً. تعوّد المتتبع على كثرة تصريحات وزير الخارجية الشاب في دفاعه عن القصر الملكي، لكن صمته أعطى رسالة بوجود أوامر عليا بضرورة تجنب التعليق في قضية خاشقجي. أول تصريح من الجبير في القضية كان: "القيادة السعودية خط أحمر"، ويبدو أن الرجل يحسب ألف مرة قبل الإدلاء بأيّ كلمة كي لا يجد نفسه في دائرة الإعفاء أو المحاسبة.
صورة من: Reuters/W. Kurniawan
بلاط بن سلمان
رغم كل ما قدمه المستشار سعود القحطاني، من قيادته لأدوات الدعاية الإلكترونية وردوده "العدائية" على خصوم ولي العهد، ورغم اضطلاع أحمد العسيري بمهام التواصل في حرب اليمن ثم انتقاله للمخابرات بناءً على رغبة بن سلمان، إلّا أنهما كانا في الصفوف الأولى لمن تمت التضحية بهم في قضية خاشقجي. غير أن حظهما العاثر جعل تنحيتهما من منصبيهما غير ذات قيمة، فتداعيات القضية لم تتوقف.
صورة من: Getty Images/AFP/F.Nureldine
الإعلام السعودي
أسئلة كثيرة تُطرح حول طريقة تعامل وسائل الإعلام السعودي مع القضية. تماهت أولا مع الإنكار الرسمي، وحمّلت المسؤولية لإيران وقطر والإخوان، ولما بدأت السعودية الاعتراف بوقوع الجريمة، بذل الإعلام ذاته جهدا كبيرا لمحاولة إقناع الرأي العام برواية شكّك فيها الكثيرون، في وقت استغل فيه الإعلام القطري القضية لـ"تصفية" حسابات بلاده مع الرياض. (في الصورة وليد إبراهيم مالك مجموعة إم بي سي).
صورة من: picture-alliance/abaca/Balkis Press
عبد الرحمن السديس
يعرف المسلمون خطيب المسجد الحرام في مكة بصوته المنتشر في أشرطة قراءة القرآن، لكنهم فوجؤوا به يقرأ خطباً سياسيةً تدافع عن ولي العهد بشكل غير مسبوق. وجد السديس تفسيراً لقضية خاشقجي بالقول إن هناك محاولة لاستفزاز مشاعر مليون مسلم، لكن ليس السديس لوحده في هذا السياق، فالمؤسسة الدينية السعودية برمتها تدافع عن سياسات القصر، وعبّرت على الدوام عن مواقف لصالح حكام البلاد.
صورة من: picture-alliance/AP Images/M. Elshamy
دونالد ترامب
فضائح كثيرة حاصرت الرئيس الأمريكي واستطاع الإفلات منها، لكن مطرقة خاشقجي تدق في رأسه منذ عدة أسابيع. الضغط في الولايات المتحدة يدفع بترامب إلى تحديث تصريحاته حول القضية، ما أدى إلى تناقضه أكثر من مرة في الأجوبة. يعلم ترامب أن الانصياع للضغوط قد يكلفه خسارة علاقته مع ابن سلمان، ومن ثمة خسارة صفقات مالية ضخمة، لذلك يحاول إيجاد صيغة وسطية لا تضرب تحالفه مع السعوديين في مقتل.
صورة من: Reuters/K. Lamarque
جاريد كوشنر
صهر ترامب وأحد مستشاريه. يُعرف بكونه أحد أبرز أصدقاء ابن سلمان في الخارج. تقول تقارير الإعلام الأمريكي إنه يشكّل الوسيط المهم بين ابن سلمان وترامب، وإنه دافع على الدوام عن الرياض في دهاليز السياسة الأمريكية ووجد الكثيرمن الأعذار لولي العهد السعودي، لكنه يبدو أنه لم يستطع إيجاد الأعذار المناسبة في قضية خاشقجي، بل بات كوشنر، وفق تقارير إعلامية، يتهرب من التواصل المباشر مع ابن سلمان حول القضية.
صورة من: picture-alliance/AP Photo/E. Vucci
محمد بن زايد
راهن ولي العهد الإماراتي على محمد ابن سلمان، لأجل محاصرة الإسلام السياسي والنفوذ الإيراني ووقف تداعيات الربيع العربي، لكن مهندس السياسات الإماراتية لم يدل بمواقف في قضية خاشقجي، فهل تخلّى تماماً عن حليفه الشاب؟ عمق الشراكة بين الرجلين تجعل كل واحدٍ منهما يحتاج للآخر في مثل هذه الملفات الحساسة، لكن الزلزال الذي أحدثه مقتل خاشقجي قوي جداً ووصلت شظاياه إلى أبعد ما تخيله أصحاب العملية.
صورة من: picture-alliance/AA/B. Algaloud
عبد الفتاح السيسي
منذ صعوده إلى الرئاسة، والسيسي يمثل حليفاً استراتيجيا للسعودية، خاصة في المعركة ضد الإخوان. يراهن السيسي على المساعدات السعودية لتحسين أوضاع بلدٍ يعاني اقتصادياً، وفي المقابل لا يبخل بأيّ شكل من الدعم السياسي للرياض. لكن دفاعه عنها جاء محتشما في قضية خاشقجي. يعي السيسي أن سقوط بن سلمان سيؤثر سلباً على حكمه لمصر، لكنه لا يريد رفع النبرة في جريمة ستضيف المزيد من السواد لسيرته الحقوقية .
صورة من: picture-alliance/Xinhua/MENA
إيمانويل ماكرون
كجل زعماء الغرب، يرفع الرئيس الفرنسي شعار حقوق الإنسان في تعامله مع الشرق، لكن عندما يتعلّق الأمر بالسعودية، التي تشتري ملايين اليوروهات من أسلحة فرنسا، يجد ماكرون مبرّرات الاقتصاد والتعاون الاستراتيجي لاستمرار العلاقة. وحتى عندما تعالت الأصوات بوقف صادرات الأسلحة رداً على جريمة خاشقجي، رّد ماكرون بحدة عكست موقفه الصعب، لكنه حاول الاستدراك بالتأكيد على خطورة جريمة خاشقجي.
صورة من: Imago/Belga/E. Lalmand
تيريزا ماي
قبل أشهر، خرج عشرات المتظاهرون للضغط على رئيسة الوزراء البريطانية حتى توقف صفقات الأسلحة خلال استقبالها لابن سلمان، لكنها رفضت التفريط في تحالف لندن والرياض. تواجه ماي أياما صعبة بسبب دعوات لسحب الثقة منها، لذلك لا ترغب بإضافة صداع جديد يخصّ قضية خاشقجي، وحاولت تقديم ردٍ قوي بوصف اعتراف السعودية الأول في القضية بالفاقد للمصداقية، غير أن مثل هذه التصريحات لم تشف غليل معارضيها.
صورة من: Reuters/H. Nicholls
بنيامين نتنياهو
انتظرت القيادة الإسرائيلية لعقود موقفا معتدلا من السعودية إلى أن جاء عهد ابن سلمان الذي لم يمانع بحق إسرائيل في الوجود. لذلك تشكّل أزمته الحالية مشكلاً لدى بنيامين نتنياهو الذي لا يرغب حتماً في عزل أمير يتقاسم مع إسرائيل الكثير من الأهداف، منها "صفقة القرن" ودورها في مشروع نيوم، والوقوف في وجه المشروع الإيراني بالمنطقة، وتقزيم دور حركة حماس وبقية الفصائل الفلسطينية المقاتلة.