النشطاء السوريون في المنفى وهاجس الوطن والعودة
٢ سبتمبر ٢٠١٢ لم يكن طريق الناشط رودي عثمان لفرنسا سهلا، فبعد تجربة اعتقالين غادر للأردن في نيسان/ أبريل 2012، حيث لم يعد بالإمكان البقاء في سوريا، فقد كان مطلوبا و بشدة للعديد من الأجهزة الأمنية كما أوضح لموقع DW عربية. وبدأت مرحلة التضحيات والانتقال من ناشط ينظم المظاهرات بقلب العاصمة وتصويرها وأيضا تقديم الإغاثة للمنكوبين إلى لاجئ في مخيم البشابشة في مدينة الرمثا المتاخمة للحدود السورية الأردنية. يقول رودي: "عند دخولي للمخيم آلمني ما رأيته هناك. لا طبيب عند استقبال النازحين الجدد، لا ماء للغسيل، لا طعام للأكل، لا أواني للطبخ ولا حتى حمام يصلح للتبول. كل شيء كان كارثياً و بدا لي للوهلة الأولى أن الحياة تحت خطر القتل والاعتقال أهون من هذه الحياة التي يملؤها الذل".
قبل شهر من ذلك كان الناشط عامر مطر قد مرّ على ذات المخيم، بعد أن أصبح الموت مرادفا لبقائه في بلده على حد قوله. ويضيف عامر لـ DW عربية متحدثا عن فترة وجوده في الأردن "كانت أيام بشعة قضيتها هناك. عانينا من كل ما يعانيه آلاف السوريين حتى هذه اللحظة من عدم توفر الحد الأدنى من ظروف المعيشة الإنسانية".
وكان الصحفي والناشط السوري عامر قد غادر سوريا بعد اعتقاله الثاني في شباط/ فبراير 2012، بسبب نشاطه في "نشر مواد صحفية عن مسائل ثقافية وربطها بالحريات، محاولا مساعدة الإنسان السوري على معرفة حقوقه، والعمل على الدفاع عنها من خلال العمل الإعلامي والمباشر وغير المباشر"، حسب وصفه.
مرور على مخيم اللجوء
وحين قرر رودي نقل واقع المخيم المرير بتصويره لعلها تكون دليلا وحافزا للمنظمات العالمية لكي تعمل على تحسين أمور النازحين، اكتشف الأمن الأردني ذلك فقام باستدعائه لجلسة تحقيق. ويضيف الناشط "بعد جلسة مع ضابط دامت حوالي ساعتين، تم في نهايتها توجيه تهم لي هي الاعتداء على سيادة المملكة ونشر معلومات سرية، و تم منحي أسبوعا لمغادرة البلاد أو تسليمي للسلطات السورية وقد وقعت على تعهد خاص بهذا الأمر".
بعد هذا التهديد تمكن رودي من السفر لفرنسا، ويقول "كان من المفروض أن أذهب إلى ألمانيا لتأمين منحة لي، ولكن وبسبب منحي فقط مهلة أسبوع لمغادرة الأردن طلبت عن طريق بعض الأصدقاء مساعدتي والذهاب إلى فرنسا. وكانت الحكومة الفرنسية قد استجابت لطلبي بسرعة ومنحتني وثيقة سفر صالحة لمدة شهر".
لم تكن أحوال عامر بالمقابل أفضل حالاً من صديقه خلال وجوده في الأردن، فبعد خروجه في مظاهرة ضد المحاكمات العسكرية في العاصمة الأردنية عمان، نجا من الاعتقال بأعجوبة "اعتقدت أن الأمر مضى ولكن وقبل مغادرتي المطار لأول مرة منعوني من السفر في البداية وعاملوني بشكل غير لائق".
الآن هناك
يقيم رودي اليوم في فرنسا بدون أوراق ثبوتية. وكل ما يملكه ورقة تفيد بأن لديه موعدا مع السلطات الفرنسية لمنحه اللجوء السياسي. رودي يتدبر أموره الحياتية من خلال المساعدات التي تقدم له من السوريين عن طريق جمعيات مخصصة لدعم الناشطين، إذ لا يحق له العمل حسب القوانين الفرنسية. ويسعى هذا الناشط السوري، كغيره من الناشطين السوريين الكثيرين في فرنسا، أن يستمر في دوره. أي ناشط سوري يقوم "بدعم قضيته بالمشاركة في النشاطات التي تقام بعد أن كان واحداً من منظمي تلك النشاطات" في بلده. أما كيف يتدبر أموره الحياتية؟ يقول "أحصل على 300 يورو شهرياً كمصروف للأكل والمواصلات وغيرها في واحدة من أغلى مدن العالم، أعني باريس".
عامر كان أوفر حظا من رودي، فقد تم توجيه دعوة له من قبل مؤسسة هنريش بول المقربة من حزب الخضر الألماني المعارض ونادي القلم الألماني. عن ذلك يقول عامر "فوجئت بداية بتوجيه الدعوة لي فهناك كثر ممن يستحقونها من السوريين، لكنني قبلتها لأنها منحة تعطى للصحفيين والفنانين والأدباء لمساعدتهم على مواصلة حياتهم وإتمام مشاريعهم الإبداعية وهذا ما وجدته مناسبا لي أيضا لمتابعة نشاطي الصحفي".
وبالرغم من هذه الظروف الجيدة في ألمانيا، سكن وإقامة ومرتب شهري، إلا أن عامر يقول إنه "يموت يوميا" وهو "يتابع ما يجري في الوطن". وحين تسأله عن مستقبله هنا يقول "لا أرى أي مستقبل إلا الموت من القهر على المجازر اليومية التي يعيشها شعبي، وصمت المجتمع الدولي أمامها".
أما رودي الذي دخل مع عدد من الناشطين في إضراب عن الطعام وسط العاصمة الفرنسية احتجاجا على "الصمت الدولي تجاه المجازر" التي ترتكب في سوريا فلا يفكر إلا في "العودة". ويختم هذا الناشط حديثه لـ DW عربية بالقول: "كل ما أريده هو الخروج من هذه البلاد والعودة إلى سوريا بالسرعة الممكنة فمكاني هناك ونشاطي هناك وحتى حياتي، هنا لا أجد أي قيمة أو جمالية للحياة، مستقبلي هناك في سوريا أريد العودة إلى الجامعة والتخرج والعمل كمحام للدفاع عن حقوق الإنسان".
وتعتبر فرنسا قبلة الناشطين السوريين في هذه الأيام؛ هذا ما تؤكده سوازيك دوليه مسؤولة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في منظمة مراسلون بلا حدود الفرنسية. وحسب دوليه فإن منظمتها قدمت دعما لثلاثين ناشطا سوريا من الصحفيين وممن يطلق عليهم بـ "المواطن الصحفي" جميعهم اليوم في باريس. وتضيف دوليه "المهم بالنسبة لنا أن نخرج الصحفي أو من عمل في تغطية الأحداث في سوريا خارج دائرة الخطر، ابتداء من إخراجهم من البلد إلى دولة مجاورة وأخيرا إيصالهم إلى فرنسا".