موجة احتجاجات عمّت بيروت في السنتين الأخيرتين، كانت فيها النساء في المقدمة. والنساء وبالتأكيد أكبر المتضررات من الأوضاع الكارثية في لبنان، فما العمل؟
إعلان
في مركز العاصمة بيروت، ووسط دخان الغاز المسيل للدموع، صوت يصدح بقوة: "نحن مقموعون في بلدنا"، إنه صوت امرأة ترفع شعارا يعرفه ويفهمه كل واحد في لبنان، لاسيما كل امرأة.
الأزمة الاقتصادية والاحتجاجات ضد الفساد ونظام المحسوبية السائد، ثم الانفجار الهائل في مرفأ بيروت قبل شهر، كلها عوامل أغرقت لبنان في كارثة تلو الأخرى، ما دفع عددا كبيرا إلى الشوارع وميادين الاحتجاج.
ما يثير الانتباه النسبة العالية من النساء الناشطات، خاصة في ميادين الاحتجاج حيث يُظهرن ومن المقدمة كثيرا من الشجاعة والقوة. في ساحة الشهداء في بيروت نصف المتظاهرين من النساء، "الثورة كانت وماتزال أنثى"، تقول ليلى زاهد مبتسمة. ليلى في عقدها السادس وتحكي بفخر كيف أن النساء هن من توسط عدة مرات بين جنود مستعدين لإطلاق النار وبين متظاهرين غاضبين حتى لا يتفجر العنف. ومنذ بداية الاحتجاجات في الـ 17 من أكتوبر 2019 تشارك ليلى في كل مظاهرة تقريبا.
تدخل مرغوب
المشهد يتغير: بثقة مماثلة في النفس تقف الناشطة ميليسا فتح الله البالغة من العمر 42 عاما، أربعة أسابيع بعد الانفجار في مرفأ بيروت وسط مئات المتفرجين، وهي تصرخ في وجه مجموعة من الجنود: "أنتم لم تتمكنوا حتى من توفير رافعة؟ أنا سآتي لكم بواحدة".
وللرافعة قصتها، فحين رصد فريق إنقاذ من الشيلي نبضات قلب فوق حطام بيت دمّر إثر الانفجار، كانت بيروت بأكملها تأمل في حدوث معجزة. لكن عندما استُخدمت الرافعة، أراد الجيش وقف العمل والانتظار حتى الغد. غير أن مليسا فتح الله لم تشأ قبول ذلك ودبرت رافعة، وفي غضون ساعات قليلة أمكن مواصلة عمليات الإنقاذ. للأسف لم تحدث المفاجأة ولم يعثر على ناجين.
غضب ميليسا من رجالات الجيش والسياسة لا يوصف، "جيش لبنان والدولة لا يصلحان لأي شيء، ومنذ الانفجار يقومان بشيء واحد: القعود والثرثرة"، تقول ميليسا.
"فقط عندما يظهر الكثير منا ويتم تسجيل حضورهن، حينها يمكننا التغيير"، توضح راندة ياسر، مؤسسة منظمة Smart-Center ومناضلة شغوفة من أجل حقوق النساء. بالتعاون مع زميلتها حنة ناصر تعمل الصحفية السابقة على تقوية النساء في البلاد من خلال "توعيتهن بما يمكنهن القيام به". تجربتها السابقة في وزارة التربية كمستشارة لقضايا النساء، أكسبتها العديد من الخبرات. وعن طريق التمدرس والتدريب تريد مساعدة بنات بلدها على تحقيق استقلال اقتصادي وعلى تجاوز عقبات سياسية واجتماعية يُشاع أنه لا يمكن تجاوزها.
مثل هذه المنظمات تلعب دورا مهما في البحث عن مخارج للأزمة خارج خيارات الهجرة، فالكثير من الشباب اللبنانيين ـ نساء ورجال ـ لم يعودوا يرون بسبب الوضع المتأزم مستقبلا لهم في لبنان ويريدون مغادرة البلاد في أقرب فرصة.
"حاليا أمام الكثيرين إمكانية أن تطير أم تكافح"، تقول حنة ناص مضيفة "لكننا نريد أن تتعلم النساء النضال ليصبحن طرفا في نظام جديد، عوض الاقتصار على شتم الحكومة أو مغادرة البلاد. هذه هي فرصتنا".
"يفاجئ ما يمكن أن نتوصل إليه"
من جهتها، أخذت سينتيا ماريا أراموني دربا مختلفا. فالمصورة والرسامة البالغة من العمر 31 عاما تنتمي إلى أولائك اللبنانيين الذين أداروا ظهرهم منذ مدة لبلدهم. غير أنها عادت من الولايات المتحدة الأمريكية للمشاركة في الاحتجاجات ضد السياسيين الفاسدين وسياسة المحسوبية الطائفية. " ليس لدينا ما نخسره"، كما تقول.
سينتيا تكافح على غرار الكثير من الشباب في لبنان من أجل دولة علمانية ـ فتوزيع السلطة المتبع إلى حد الآن حسب طريقة توزيع ثابتة بين الشيعة والسنة ومختلف الطوائف المسيحية ومجموعات أخرى وجب إلغاؤه كما يرى المتظاهرون. وسينتيا فخورة بالمشاركة النسائية الكبيرة: "الرجال متعودون على رؤية النساء صامتات. لكننا اليوم نحن نتكلم، ونفاجئهم أحيانا بما يمكننا تحقيقه".
زينة شفايكله/ م.أ.م
لبنان 100 عام.. من طوائف الجبل إلى دولة على شفا الانهيار
لبنان.. بلد صغير المساحة، لكنه يختزل على مدار قرن من إعلان قيامه أحداثاً كبيرة جعلته صورة مصغرة عما جرى في العالم العربي من خيبات متواصلة. يحتضن تاريخه كل شيء: العنف والصلح، الحرب والسلم، الرخاء والشدة، الوطنية والتبعية.
صورة من: Getty Images/AFP/J. Eid
فتنة جبل لبنان
سكنت عدة طوائف في المناطق المعروفة حالياً بلبنان، خاصة منطقة جبل لبنان. لكن الطوائف الأبرز كانت ستة: الموارنة والأرثودوكس والكاثوليك، وفي الجانب الآخر الدروز والسنة والشيعة. بقي الجبل تحت سيطرة العثمانيين، لكنه شهد توترات طائفية خطيرة خاصة المجازر بين الدروز والموارنة عام 1860. تدخلت قوى أوروبية في المنطقة خاصة منها فرنسا، وشهد جبل لبنان بضغط أوروبي قيام نظام "المتصرفية" الذي عزّز الوجود الماروني.
صورة من: picture-alliance/Design Pics
قيام لبنان الكبير
بعد هزيمة العثمانيين في الحرب العالمية الأولى، استطاعت فرنسا فرض انتدابها على لبنان بعد توسيعه ليضم البقاع وولاية بيروت فضلاً عن ترسيم الحدود مع سوريا. ويقول جوزيف باحوط في مقال على كارنيغي إن فرنسا هدفت إلى خلق وطن شبه قومي للمسيحيين في الشرق الأوسط، لكن الطوائف المسلمة رفضت بشدة الوضع الجديد. أعلن لبنان استقلاله عام 1943 على يد الرئيس بشارة الخوري، لكن جلاء القوات الفرنسية لم يتم إلّا عام 1946.
صورة من: picture-alliance/United Archives/TopFoto
الميثاق الوطني
شهد إعلان استقلال لبنان ما عُرف بالميثاق الوطني الذي منح رئاسة الدولة للموارنة ورئاسة الوزراء للسنة ورئاسة مجلس النواب للشيعة. وكان هدف الميثاق تسهيل الاستقلال حتى لا يطلب المسيحيون حماية فرنسا ولا يطالب المسلمون بالوحدة مع سوريا. لم يُكتب الميثاق لكنه بقي مطبقاً في البلاد منذ ذلك الحين، ويرى متتبعون أنه سبب المشاكل الطائفية في البلاد بما أنه هو من أسس لنظام المحاصصة.
صورة من: picture-alliance/dpa/W. Hamzeh
إنهاء حكم شمعون
تحوّلت بيروت إلى مدينة تجمع الكل منذ سنوات الاستقلال، لكن اندلاع النزاع العربي-الإسرائيلى ألقى بظلاله على بلد يصارع لخلق هويته. استقبلت بيروت آلاف اللاجئين الفلسطينيين كما استقبلت مهاجرين عرب وشهدت نمواً اقتصادياً لكن في الآن ذاته ركزت قوى عربية متصارعة نفوذها داخل المدينة منذ ذلك الحين. غير أن أبرز حدث شهدته بيروت في الخمسينيات كان الانتفاضة ضد الرئيس كميل شمعون الذي كان له علاقات قوية مع الغرب.
صورة من: Imago Images/United Archives International
العصر الشهابي
من بين أكثر رؤساء لبنان احتراما هو فؤاد شهاب الذي حكم البلاد منذ 1958 إلى 1964 ورفض التمديد له رغم شعبيته الطاغية. تحقق في عهد شهاب الكثير من الاستقرار في البلد رغم الانتقادات الموجهة له بتقوية دور المخابرات بعد محاولة الانقلاب. جاء بعده شارل حلو الذي حاول اتباع النهج الشهابي بعدم تفضيل أيّ طرف سياسي على آخر، لكن البلد شهد في عهده عدة مشاكل اقتصادية، ما مهد الباب لسليمان إفرنجية ليخلفه.
صورة من: picture-alliance/dpa/M. Tödt
الحرب الأهلية تندلع
شهد لبنان توقيع اتفاق القاهرة عام 1969 بين الفصائل الفلسطينية في مخيمات اللاجئين وبين الدولة اللبنانية حتى لا تتكرر مناوشات بين الطرفين، وبموجبه تم الاعتراف بالوجود الفلسطيني المسلح في لبنان. وقف اليسار اللبناني مع الفلسطينيين، في حين رفضهم اليمين المشكل أساساً من منظمات مارونية. ومع تعاظم النفوذ الفلسطيني تعددت الاحتكاكات مع القوى اليمينية، لتندلع رسمياً الحرب الأهلية في أبريل/ نيسان 1975.
صورة من: picture-alliance/AP Photo/M. Raouf
بيروت تشتعل
قُسمت بيروت إلى شرقية تحت سيطرة القوات اليمينية وغربية للفلسطينيين والقوات اليسارية. زاد التناحر الطائفي بين المسلمين والمسيحيين من الحرب خاصة مع وجود اختلالات اجتماعية بينهم. زاد التدخل السوري من سعير الحرب، وكذلك فعلت إسرائيل عندما اجتاحت لبنان عام 1982 وحاصرت بيروت الغربية ما أدى إلى جلاء المسلحين الفلسطينيين، لكن الحرب لم تنته، ووقعت بعد ذلك مواجهات حتى داخل الأطراف التي كانت متحالفة.
صورة من: Ziad Saab
حزب الله يخرج منتصرًا
انتهت الحرب رسميا عام 1991 سنتين بعد توقيع اتفاق الطائف. شهدت الحرب مجازر مروعة كالكرنتينا والدامور وصبرا وشاتيلا، ووثقت الكاميرات مشاهد مرعبة كما جرى في حصار بيروت وحرب المخيمات. تقوّت لاحقا التنظيمات الشيعية، وخصوصا حزب الله المرتبط بإيران، وبقي التنظيم محافظًا على سلاحه بعد حلّ كل الميلشيات، فتراجع نفوذ التنظيمات المسلحة اليمينية واليسارية والفلسطينية، كما ضمنت سوريا استمرار حضورها في البلد.
صورة من: Getty Images/AFP/A. Amro
الاغتيالات تستمر
استقر لبنان نسبيا في التسعينيات، لكن سنوات الألفية شهدت مواجهات مسلحة بين حزب الله وإسرائيل في صيف 2006، لكن الهزة الأعنف كانت اغتيال رفيق الحريري، رئيس الوزراء السابق الذي ساهم في إعمار لبنان. كانت من نتائج الاغتيال خروج القوات السورية نتيجة ما عُرف بـ "ثورة الأرز". شهد البلد في تلك السنوات استمرار الاغتيالات السياسية التي وجهت فيها الاتهامات لدمشق كاغتيال الشيوعي جورج حاوي والصحفي سمير قصير.
صورة من: picture-alliance/dpa/N. Mounzer
حراك لبنان
لأول مرة في تاريخ البلاد، يخرج مئات الآلاف من اللبنانيين عام 2019 رفضاً لنظام المحاصصة الطائفية، مطالبين برحيل الطبقة السياسية ككل. جاءت الاحتجاجات في ظل استمرار ترّدي الوضع الاقتصادي وارتفاع نسب الفساد، ما أدى إلى استقالة حكومة سعد الحريري، وتشكيل حكومة حسان دياب التي استقالت بدورها بعد انفجار مرفأ بيروت الذي أودى بحياة ما يناهز مئتي قتيل. تقرير: إسماعيل عزام