الاتفاق النووي الإيراني.. هل دخلت المفاوضات النفق المظلم؟
٢٣ نوفمبر ٢٠٢٢
دخلت المحادثات النووية بين الغرب وطهران نفقا مظلما على إثر إرسال إيران شحنات تصنيع طائرات بدون طيار إلى روسيا وكذلك الرد العنيف على الاحتجاجات. وضع خطير يهدد مصير هذا الاتفاق والأخطر من ذلك التداعيات التي ستترتب على ذلك.
إعلان
تبددت الآمال في تحقيق نجاح وشيك في المحادثات النووية مع إيران. فلا الولايات المتحدة الأمريكية ولا الحكومة في طهران راغبتان في الوقت الحالي في مواصلة التفاوض بشأن برنامج إيران النووي، مما يعني تعليق المحادثات المتقدمة الأخيرة لإحياء الاتفاق النووي للعام 2015 أو ما يعرف بـ "خطة العمل الشاملة المشتركة" (JCPOA).
وقال المبعوث الأمريكي الخاص المعني بالمحادثات النووية مع إيران، روبرت مالي مؤخراً، في الوقت الحالي، لم تعد الولايات المتحدة الأمريكية ترغب في محاولة إحياء الاتفاق النووي مع إيران. وقال مالي إنه مع ترك الباب مفتوحا للمفاوضات، فإن الإدارة الأمريكية ستركز الآن على سياسة العقوبات والضغط. وأشار إلى تعامل قوات الأمن الإيرانية مع المتظاهرين المناهضين للحكومة في إيران وكذلك تصدير شحنات تصنيع طائرات بدون طيار إلى روسيا كسبب في تغيير مسار المحادثات. كما أن المفاوضات خلال محادثات فيينا للتوصل إلى حل وسط لم تنجح طوال عدة أشهر في إنهاء الخلاف حول الاتفاق.
من جهتها شككت إيران أيضاً في المحادثات المتفق عليها في السابق مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية بشأن الأنشطة والمواقع النووية المصنفة سابقاً. ونقلت وكالة الأنباء الإيرانية (إرنا) عن نائب الرئيس الإيراني ورئيس منظمة الطاقة الذرية الإيرانية، محمد إسلامي، قوله في طهران إن "زيارة وفد من الوكالة الدولية للطاقة الذرية ليست على جدول الأعمال في الوقت الحالي".
الغرب يفقد الثقة بطهران!
يقول ماركوس شنايدر، رئيس مشروع السلام والأمن الإقليميين في مؤسسة "فريدريش إيبرت" في منطقة الشرق الأوسط، في مقابلة معDW، إن المفاوضات لم تسر على ما يرام منذ مدة. وقد أوضح له أشخاص مقربون من الوفد الألماني المفاوض أنهم يفتقدون الثقة في الآونة الأخيرة. وقال شنايدر: "لدى المفاوضين الغربيين انطباع بأن إيران لم تعد تريد الاتفاق بشكل أساسي". فكلما كان الاتفاق على وشك الحدوث، جاءت مطالب جديدة من إيران. في هذا الصدد، ظلت المفاوضات صعبة للغاية ".
في غضون ذلك، تشددت مواقف الجانبين، بحسب شنايدر. "الآن بعد أن فاز الجمهوريون بالأغلبية في مجلس النواب بعد انتخابات التجديد النصفي في الولايات المتحدة الأمريكية، سيصبح من الصعب على إدارة بايدن تقديم تنازلات لإيران". على العكس من ذلك، كانت الظروف في إيران مختلفة بشكل كلي عن تلك التي كانت في عام 2015، عندما كانت الحكومة الإصلاحية في ذلك الوقت على استعداد لتقديم تنازلات مع الغرب. من ناحية أخرى، فإن الحكومة الحالية معادية للغرب بشكل كبير، "في هذا الصدد، لم يعد الغرب ببساطة لديه أي ثقة في أن هذه الحكومة تريد بالفعل إبرام اتفاق".
في تغريدة حديثة على موقع "تويتر"، يسرد الباحث في الشأن الإيراني، علي فائز من مجموعة الأزمات الدولية، عدداً من الإجراءات التي اتخذها الغرب والمجتمع الدولي مؤخرًا ضد إيران، لا علاقة لها بـ "النجاحات الدبلوماسية" التي يُزعم أن طهران أعلنت عنها. لكن هناك أيضاً حوافز قوية لإيران للعودة إلى الاتفاق، بحسب موقع "المونيتور" المختص بشؤون الشرق الأوسط. إذا تم التوصل إلى اتفاق، يمكن لإيران "توقع رفع العقوبات المالية وعقوبات على الطاقة والإفراج عن أصول بمليارات الدولارات".
في المقابل قد يستفيد الغرب من مليون إلى مليون ونصف برميل من النفط الإيراني، الذي يجد طريقه بعد ذلك إلى السوق العالمية. بالنظر إلى خفض أوبك إنتاجها بمقدار 2 مليون برميل يومياً، سيكون ذلك بمثابة "تخفيف عبء" كبير.
ماذا عن الخطة "ب" في واشنطن؟
في حالة لم يتم التوصل إلى اتفاق، فمن المرجح أن تصبح العلاقة بين إيران والغرب "أكثر توتراً"، كما يقول ماركوس شنايدر. على الأقل في المجموعة الحالية، ليس لدى إيران سبب وجيه للاعتماد على التقارب مع الغرب، "لأنه من وجهة نظر طهران، ستظل العقوبات سارية إما بسبب المحادثات النووية التي لم يتم حلها أو بسبب رد الفعل العنيف على الاحتجاجات. لهذا السبب لن يكون هناك استعداد كبير لتقديم تنازلات". لكن إن لم يتوصل الطرفان إلى اتفاق، فإن "التوترات ستزداد"، بحسب تحليل أجرته مجلة "فورين بوليسي" الأمريكية.
في هذه الحالة يمكن للولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوروبي "فرض مزيد من العقوبات ودعم التخريب الإسرائيلي السري للمنشآت النووية الإيرانية ودعم التحالف الناشئ ضد إيران من قبل المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة وإسرائيل".
"الغرب قد يفكر حتى في التدخل العسكري المباشر". فقد يعمل البيت الأبيض على "خطة بديلة" في حال فشلت المحادثات في نهاية المطاف، وفق "فورين بوليسي".
يمكن للولايات المتحدة الأمريكية، على سبيل المثال، تسريع توريد أنظمة دفاع مهمة مثل الطائرات الصهريجية الخاصة بضربات جوية طويلة المدى لإسرائيل. وهذا سيمكنها من ضرب البنية التحتية النووية الإيرانية. ونقلت المجلة عن دبلوماسي أوروبي لم تكشف عن اسمه قوله إن "التدخل العسكري من أمريكا نفسها أمر يمكن تصوره"・.
الخروج من الاتفاق "مخاطرة كبيرة"
يرى شنايدر أن الحل العسكري ينطوي على "مخاطرة كبيرة"، لأنه يمكن أن يتطور بسهولة إلى توتر إقليمي ويؤدي إلى تنشيط الميليشيات المرتبطة بإيران في لبنان والعراق واليمن وسوريا. وأضاف أن "النظام في طهران أظهر في الماضي قدرته على مهاجمة البنية التحتية للنفط والغاز في السعودية وكذلك في الامارات". مثل هذا التطور سيكون له عواقب اقتصادية في أوروبا أيضاً. ويتوقع شنايدر ارتفاع سعر النفط في ألمانيا إلى مستوى غير مسبوق، و"لهذا السبب أعتقد أنه من الضروري عدم الخروج من المفاوضات النووية. في الوقت نفسه، الاتفاقية مجمدة في الوقت الحالي. ولا يلوح حل سهل في الأفق لحد الآن".
كيرستن كنيب / إ.م
البرنامج النووي- محطات من الشد الإيراني والجذب الغربي
لعبة القط والفأر مع الغرب. بداية البرنامج النووي الإيراني في نهاية خمسينات القرن الماضي كانت واعدة. ثم جاءت القطيعة مع وصول الخميني للحكم لتتوالى فصول الترغيب والترهيب: اتفاق عام 2015، ثم انسحاب أمريكي وعقوبات قاسية.
صورة من: picture-alliance/AP Photo/Iranian Presidency Office/M. Berno
البداية النووية
كان العام 1957، بداية البرنامج النووي الأيراني حين وقع شاه إيران اتفاق برنامج نووي مع أمريكا، ليتم الإعلان عن "الاتفاق المقترح للتعاون في مجال البحوث ومجال الاستخدامات السلمية للطاقة الذرية" تحت رعاية برنامج أيزنهاور "الذرة من أجل السلام". وفي1967، أسس مركز طهران للبحوث النووية. لكن توقيع إيران معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية في 1968، جعلها تخضع للتفتيش والتحقيق من قبل الوكالة الدولية للطاقة.
صورة من: gemeinfrei
إنهاء التدخل الغربي في البرنامج النووي
الإطاحة بحكم الشاه وقيام جمهورية إسلامية في إيران سنة 1979، جعلت أواصر العلاقات بين إيران والدول الغربية موسومة بقطيعة، فدخل البرنامج النووي في مرحلة سبات بعد انسحاب الشركات الغربية من العمل في المشاريع النووية وإمدادات اليورانيوم عالي التخصيب؛ فتوقف لفترة برنامج إيران النووي .
صورة من: Getty Images/Afp/Gabriel Duval
البحث عن حلول
سمح خميني عام 1981 بإجراء بحوث في الطاقة النووية. وفي 1983، تعاونت إيران والوكالة الدولية للطاقة الذرية لمساعدة طهران على الصعيد الكيميائي وتصميم المحطات التجريبية لتحويل اليورانيوم، خاصة في موقع أصفهان للتكنولوجيا النووية، لكن الموقف الغربي عموما كان رافضا لمثل هذا التعاون. ومع اندلاع الحرب بين إيران والعراق تضرر مفاعل محطة بوشهر النووية فتوقفت عن العمل.
صورة من: akairan.com
روسيا تدخل على الخط، والصين تنسحب!
في التسعينات تم تزويد إيران بخبراء في الطاقة النووية من طرف روسيا. وفي 1992، انتشرت مزاعم في الإعلام الدولي بوجود أنشطة نووية إيرانية غير معلنة، مما جعل إيران تستدعي مفتشي الوكالة الدولية للطاقة الذرية لزيارة المنشآت النووية، وخلصت التفتيشات حينها إلى أن الأنشطة سلمية. في 1995، وقعت إيران مع روسيا عقدا لتشغيل محطة بوشهر بالكامل، في حين انسحبت الصين من مشروع بناء محطة لتحويل اليورانيوم.
صورة من: AP
إعلان طهران وزيارة البرادعي لإيران
طلبت الوكالة الدولية، في 2002، زيارة موقعين نوويين قيل أنهما غير معلنين، لكن إيران لم تسمح بذلك حتى مرور ستة أشهر على شيوع الخبر. وفي 2003، زار محمد البرادعي، المدير السابق للوكالة الدولية للطاقة الذرية، إيران للحصول على إيضاحات في ما يخص استئناف أنشطة تخصيب اليورانيوم، واصدرت الوكالة تقريرا سلبيا تجاه تعاون إيران.
صورة من: AP
شد وجذب
أصدرت الوكالة الدولية، في 2004، قرارا يطالب إيران بالإجابة عن جميع الأسئلة العالقة، وبتسهيل إمكانية الوصول الفوري إلى كل المواقع التي تريد الوكالة زيارتها، وبتجميد جميع الأنشطة المتعلقة بتخصيب اليورانيوم بمستوى يتيح إنتاج الوقود النووي والشحنة الانشطارية. لكن الرئيس السابق محمود أحمدي نجاد وبعد انتخابه، عمل على تفعيل البرنامج النووي ولم يكترث للتهديدات الغربية، كما أسس مفاعل "أراك" للماء الثقيل.
صورة من: AP
فصل جديد
في 2006، صوت أعضاء الوكالة الدولية على إحالة الملف الإيراني إلى مجلس الأمن، الذي فرض حظرا على تزويد إيران بالمعدات اللازمة لتخصيب اليورانيوم وإنتاج صواريخ بالستية. وردت إيران على هذا الإجراء بتعليق العمل بالبروتوكول الإضافي وجميع أشكال التعاون الطوعي. وفي نفس السنة، أعلن الرئيس الإيراني؛ أحمدي نجاد، عن نجاح بلده في تخصيب اليورانيوم بنسبة 3,5 بالمائة. الصورة لوفد قطر أثناء التصويت على القرار.
صورة من: AP
مفاعلات نووية سرية
في عام2009 ، تحدث بعض المسؤولين الأميركيين والبريطانيين والفرنسيين، عبر وسائل الاعلام، عن قيام إيران ببناء مفاعل نووي في ضواحي مدينة قم، كما قال هؤلاء بأنه تحت الأرض ويبنى بكل سرية، دون أن تخبر به إيران الوكالة الدولية للطاقة الذرية، في حين نفت طهران ذلك واعتبرته مجرد ادعاءات.
صورة من: AP
على مشارف حل
في عام 2014، تم الاتفاق على وقف تجميد الولايات المتحدة لأموال إيرانية قدرت بمليارات الدولارات، مقابل توقف إيران عن تحويل اليورانيوم المخصب بنسبة 20 بالمائة إلى وقود. وفي نفس السنة، قامت منظمة الطاقة الذرية الإيرانية باجراء تعديلات على منشأة "أراك" لضمان إنتاج حجم أقل من البلوتونيوم.
صورة من: ISNA
الاتفاق التاريخي
في عام 2015، وبعد سلسلة من الاجتماعات، في فيينا، أعلن عن التوصل لاتفاق نهائي؛ سمي اتفاق إطار، بخصوص برنامج إيران النووي. الاتفاق جمع الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وروسيا والصين وفرنسا وألمانيا بإيران. وكان من المرجح أن ينهي هذا الاتفاق التهديدات والمواجهة بين إيران والغرب.
صورة من: Getty Images/AFP/R. Wilking
طموحات حدها الاتفاق!
كان باراك أوباما، الرئيس الأمريكي السابق، واحدا من رؤساء الدول المتفقة مع إيران، فيما يخص البرنامج النووي، من الذين رأوا في الخطوة ضمانا لأمن العالم، بالمقابل قال نظيره الإيراني؛ حسن روحاني، إن بلاده حققت كل أهدافها من خلال الاتفاق. لكن الأمور لم تعرف استقرارا، خاصة مع رغبة إيران في تطوير برنامجها نووي، دون أن تلفت اليها الأنظار.
صورة من: Getty Images/A. Burton/M. Wilson
أمريكا تنسحب
آخر التطورات في الاتفاق النووي، كانت يوم الثلاثاء 8 أيار/مايو 2018، حيث أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، قرار الانسحاب من الاتفاق النووي مع إيران، متعهداً بأن تفرض بلاده "أعلى مستوى من العقوبات الاقتصادية على النظام الإيراني". وفي هذا الصدد، عبرت طهران عن عدم رغبتها في الدخول في جولات جديدة من المفاوضات الشاقة مع أمريكا.
صورة من: Imago/Zumapress/C. May
شروط أي "اتفاق جديد"
بعد الانسحاب الأميركي، أعلن وزير الخارجية مايك بومبيو 12 شرطاً أميركياً للتوصل إلى "اتفاق جديد". وتضمنت هذه الشروط مطالب شديدة الصرامة بخصوص البرنامج النووي وبرامج طهران البالستية ودور إيران في الشرق الأوسط. وهدّد بومبيو إيران بالعقوبات "الأقوى في التاريخ" إذا لم تلتزم بالشروط الأميركية.
صورة من: Getty Images/L. Balogh
واشنطن تشدد الخناق
فرضت إدارة ترامب أول حزمة عقوبات في آب/أغسطس ثم أعقبتها بأخرى في تشرين الثاني/نوفمبر. وشملت هذه العقوبات تعطيل معاملات مالية وواردات المواد الأولية إضافة إلى إجراءات عقابية في مجالي صناعة السيارات والطيران المدني. وفي نيسان/أبريل من عام 2019، أدرجت الولايات المتحدة الحرس الثوري الإيراني على لائحتها السوداء لـ"المنظمات الإرهابية الأجنبية"، وكذلك فيلق القدس المكلف بالعمليات الخارجية للحرس الثوري.
صورة من: picture-alliance/U. Baumgarten
أوروبا تغرد خارج السرب
في 31 كانون الثاني/يناير 2019، أعلنت باريس وبرلين ولندن إنشاء آلية مقايضة عرفت باسم "إنستكس" من أجل السماح لشركات الاتحاد الأوروبي بمواصلة المبادلات التجارية مع إيران رغم العقوبات الأميركية. ولم تفعل الآلية بعد، كما رفضتها القيادة العليا في إيران. وزيرة خارجية الاتحاد الأوروبي فيديريكا موغيريني أكدت على "مواصلة دعمنا الكامل للاتفاق النووي مع إيران، وتطبيقه كاملاً"، داعية إيران إلى التمسك به.
صورة من: Reuters/S. Nenov
طهران ترد
في أيار/مايو الماضي، قررت طهران تعليق بعض تعهداتها في الاتفاق النووي التاريخي المبرم عام 2015 مع الدول الكبرى بعد عام على القرار الأميركي الانسحاب من الاتفاق. وحذرت الجمهورية الإسلامية من أنها ستستأنف تخصيب اليورانيوم بدرجة أعلى من المسموح بها في الاتفاق خلال 60 يوماً، إذا لم يوفر لها الأوروبيون الحماية من العقوبات الأمريكية. مريم مرغيش/خالد سلامة