ثمة مفارقة فيما يتعلق بـ "الهولوكست" والنازية. ففي حين تعاني ألمانيا من ماضيها النازي وتعتبره وصمة عار في تاريخها، هناك من يحتفي بهتلر ويصل إلى حد إنكار "المحرقة". فكيف يُنظر للنازية في العالم العربي بعد كل هذه العقود؟
إعلان
أوقفت قناة "الجزيرة" مؤخرا اثنين من صحافييها عن العمل بسبب إنتاجهما لمقطع مصور حول المحرقة النازية (الهولوكست) لأنه "يخالف المعايير والضوابط التحريرية" للشبكة القطرية و"لا يراعي حساسية القضية المطروحة". فقد أشار الفيديو الذي نشرته (ايه جي بلس) التابعة لشبكة الجزيرة إلى أن "رواية" قتل النازيين لـ6 ملايين يهودي قد "تبنتها الحركة الصهيونية" مع تساؤل عن سبب تسليط الضوء على الضحايا اليهود دون سواهم.
قد لا تكون تلك الحادثة هي الأولى من نوعها في العالم العربي حول المحرقة وحول النازية وهتلر ، الأمر الذي يثير العديد من التساؤلات وإشارات الاستفهام حول الأسباب التي تقف وراء تلك الشعبية لطاغية عنصري تسبب بمقتل ملايين الناس بأفظع الأشكال.
"عدو عدوي صديقي"
يوضح طارق صبرا، الباحث في التاريخ الإسلامي، لـDW عربية الأسباب الأساسية التي قد تكون وراء تعاطف بعض العرب والمسلمين مع النازية تعود إلى ما قبل الحرب العالمية الثانية. ويضيف صبرا قائلا: "إن المنطقة العربية كانت آنذاك تعاني من وحشية الاستعمار البريطاني والفرنسي ومجزأة فيما بينهما. وعند اندلاع الحرب العامية الأولى كانت ألمانيا حليفة الدولة العثمانية التي كان يحارب ضمن صفوفها العديد من الجنود العرب ".
ويتابع الباحث أنه "وعلى مبدأ "عدو عدوي صديقي" فقد ظهرت ألمانيا بمظهر البطل المخلص الذي يقاتل الاستعمار الذي عانى العرب من ظلمه واستبداده لسنوات طويلة. علاوة على ذلك، فقد سعت ألمانيا لكسب حلفاء إلى جانبها في الحرب بكل قوتها ونفوذها، واستغلت الفرصة للتحالف مع العرب ضد دول الحلفاء وعلى رأسها بريطانيا".
ويشدد صبرا على أن القضية الفلسطينية كانت من الأسباب الرئيسية القوية لظهور هتلر بصورة "البطل" عند البعض في العالم العربي في تلك الحقبة. إذ استغل هتلر القضية الفلسطينية لاستعطاف العرب إلى جانبه فدعم الحركات المناهضة للهجرة اليهودية إلى فلسطين. كما تواصل هتلر، حسب صبرا، مع العديد من السياسيين والشخصيات البارزة في العالم العربي حينها، مشيراً إلى اللقاء الذي جمعه مفتي القدس آنذاك الحاج أمين الحسيني في برلين بألمانيا. يومها وعد هتلر المفتي الحسيني بمساعدة البلدان العربية في تحقيق استقلالها.
كما يشير صبرا، الذي يعمل باحثاً في العديد من الجامعات الأوربية كجامعتي بون ولايبزيغ الألمانيتين، وكذلك جامعة "غنت" البلجيكية، إلى دور المذيع العراقي يونس بحري الذي تولى الدعاية الإعلامية للنازية في راديو برلين في ذلك الوقت.
"أقلية فقط في العالم العربي قد تكون معجبة بهتلر"
ومن جهة أخرى، يقول المؤرخ دايفيد موتادل، أستاذ التاريخ في كلية لندن للاقتصاد والعلوم السياسية :"إن التعاطف مع هتلر" وظهور ما يمكن وصفها بـ "معاداة السامية في العالم العربي يرجع إلى الصراع الفلسطيني الإسرائيلي ". بيد أن المؤرخ البريطاني الذي نشر مؤخرا دراسة بعنوان "الإسلام وحرب ألمانيا النازية" يرى أن هناك أقلية فقط في العالم العربي قد تكون معجبة بشخصية هتلر وبصورة "الرجل القوي والروح الحربية".
من جهة أخرى، انطلقت بعض المبادرات في العالم العربي لتوضيح الصورة الحقيقية لهتلر والنازية ونشر صور معسكرات الاعتقال النازي التي توضح الفظائع الوحشية التي ارتكبوها في تلك الفترة. فقد نُظم معرض للصور في المكتبة الوطنية في تونس منذ سنوات. وبحسب ما نشرته وسائل الإعلام التونسية قال منظمو المعرض إن الهدف منه كان إدانة الجرائم النازية وعدم المغالطة بين اليهود والانتهاكات التي تقوم بها إسرائيل بحق الشعب الفلسطيني. بيد أن بعض الناشطين اتهموا القائمين على المعرض بالتطبيع مع إسرائيل. ولم تتمكن DW عربية من التواصل مع القائمين على المعرض للوقوف على وجهة نظرهم في هذه الاتهامات.
ريم ضوا
لوحات من الهولوكوست - لوحات توثِّق الإبادة النازية لليهود
عاشوا الرعب والتعذيب في معسكرات الاعتقال النازية او هاربين من حملات الابادة ورسموا معاناتهم باللون والخطوط . بقي بعضهم على قيد الحياة ونقل لوحاته وذكرياته الأليمة معه، فيما غادر بعضهم الحياة ولم تبق سوى لوحاته الفنية.
صورة من: Collection of the Yad Vashem Art Museum, Jerusalem
هل ممكن أن يصنع الرعب والإرهاب فنا جميلا؟ يحاول المعرض الفني الذي يقام في برلين تحت شعار "فن من الهولوكوست" الإجابة عن هذا السؤال اكبر جريمة في التاريخ الإنساني خلال الحكم النازي مورست بحق اليهود، ورغم ذلك استطاع بعض الفنانين خلال وجودهم في المعسكرات النازية رسم وتخليد لحظات حياتهم في مادة فنية ، كما في لوحة "شارع في غيتو في مدينة وودج" لجوزيف كونر الذي نجا من المحارق.
صورة من: Collection of the Yad Vashem Art Museum, Jerusalem
استعار المعرض في برلين 100 لوحة فنية من متحف ياد فاشيم من إسرائيل. وعرضت اللوحات أعمال 50 فنانا يهوديا نجا 26 منهم من المحارق، فيما لقي الفنانون الآخرون المعروضة أعمالهم حتفهم على يد النازية، ومنهم فيلكس نوسباوم الذي يعد من أشهرهم، والذي توفي في سنة 1944 في معسكر أوشفيتز. الصورة هي لوحته الشهيرة "اللاجئ" التي رسمها في سنة 1939 في بروكسل التي عرضت في برلين.
صورة من: Collection of the Yad Vashem Art Museum, Jerusalem
عرضت أعمال فنية للرسامة شارلوته سالومون التي رسمت لوحات ومخطوطات تجاوزت الـ 700 عمل وثقت فيها حياتها في مجموعة فنية تحت عنوان "حياة أم مسرح؟". نُقلت شارلوته وكانت حاملا من معسكرات الاعتقال النازية في جنوب فرنسا إلى معسكر أوشفيتز في سنة 1943 وقتلت هناك فور وصولها.
صورة من: Collection of the Yad Vashem Art Museum, Jerusalem
أما الفنانة نيللي تول فنجت من الموت من المحارق والمعسكرات النازية بعد أن اختبأت مع أمها عند عائلة مسيحية آوتهما في مدينة لفيف الأوكرانية. ورسمت نيللي في غرفتها المقفلة لوحات باستعمال ألوان جواش (وهي من الألوان المائية المعتمة). وجاءت نيللي التي تبلغ من العمر اليوم 81 عاما خصيصا من محل إقامتها في الولايات المتحدة إلى برلين لحضور المعرض الفني.
صورة من: Collection of the Yad Vashem Art Museum, Jerusalem
وُلد الفنان ليو بروير في مدينة بون وشارك في الحرب العالمية الأولى مع الجيش الألماني. وفي سنة 1934 وبعد عام على وصول هتلر إلى الحكم هرب إلى مدينة لاهاي الهولندية ومن ثم إلى بروكسل وعمل هناك رساما لغاية سنة 1940 حيث اودع في معسكر الاعتقال بسانت سيبرين جنوب فرنسا. استطاع بروير الاحتفاظ بمخطوطاته وأعماله المائية، وبعد خروجه من الاعتقال عاد إلى مدينته بون ليعيش فيها حتى وفاته في سنة 1975.
صورة من: Collection of the Yad Vashem Art Museum, Jerusalem
كانت بيدريش فريتا تدير مرسما في معسكر الاعتقال تيريزين، وكانت مهمتهم الرسمية تنفيذأعمال دعائية للنازية، لكن فريتا ورفاقها استطاعوا رسم بعض اللوحات بصورة سرية عن رعب الحياة في المعسكر. وفي سنة 1944 قبض عليها متلبسة وأرسلت إلى معسكر أوشفيتز لتموت هناك. وبعد التحرير من النازية كشف عن 200 عمل فني لها كانت قد خبأتها في الجدران أو تحت الأرض.
صورة من: Collection of the Yad Vashem Art Museum, Jerusalem
ليو هاس لم يكن معروفا لكونه شارك بيدريش فريتا في رسم الكثير من الأعمال الفنية التي وثقت جرائم النازية فحسب، بل لكونه شارك أيضا وبطلب من النازية في تزوير أوراق نقدية تابعة لقوات الحلفاء في عملية أطلق عليها تسمية "عملية بيرنهارد". ليو هاس نجا من الموت وتبنى بعد تحريره الطفل توماس ابن بيدريش فريتا واستطاع العثور على 400 عملا فنيا كان قد خبائها أثناء الاعتقال في تيريزين.
صورة من: Collection of the Yad Vashem Art Museum, Jerusalem
كان بافيل فانتل ضمن قائمة الفنانين في معسكر الاعتقال في تيريزين، على الرغم من أنه كان مدير المستوصف الخاص لمرضى التيفوئيد في المعسكر كونه قد درس الطب. وقبض عليه أيضا في المعسكر متلبسا برسم لوحات عن الجرائم النازية وأرسل إلى معسكر أوشفيتز ليعدم هناك في سنة 1945. بعد التحرير عُثر على نحو 80 عملا لفانتل في معسكر تيريزين.
صورة من: Collection of the Yad Vashem Art Museum, Jerusalem
أما الفنان ياكوب ليبشيتس فكان يدرس في معهد الفنون في فيلنيوس قبل الحرب العالمية الثانية. وفي سنة 1941 أجبر على العيش في غيتو كاوناس وهناك انضم إلى مجموعة من الفنانين التي رسمت أعمال فنية عن الحياة في غيتو كاوناس وبصورة سرية. توفي ليبشيتس في سنة 1945 وبعد التحرير عادت زوجته وابنته إلى غيتو كاوناس لإنقاذ أعماله الفنية التي خبأها في مقبرة الغيتو.
صورة من: Collection of the Yad Vashem Art Museum, Jerusalem
استطاع الفنانون توثيق الخراب والعنف في المعسكرات النازية، وتمكنوا أيضا من رسم عالم آخر في لوحاتهم الفنية مغاير لما يعيشونه في الواقع، كما في لوحة "سقوف المباني في الشتاء" لموريتس مولر. ينعقد معرض "فن من الهولوكوست" على قاعات المتحف التاريخي في برلين ويستمر لغاية الثالث من نيسان/ أبريل 2016.
صورة من: Collection of the Yad Vashem Art Museum, Jerusalem