1. تخطي إلى المحتوى
  2. تخطي إلى القائمة الرئيسية
  3. تخطي إلى المزيد من صفحات DW

"الواقع يدعو إلى إعادة النظر"

١٦ نوفمبر ٢٠١١

من شأن تجارة الانبعاثات الكربونية أن تساعد على تخفيف آثار التغير المناخي. لكن بحسب مسؤولة المناخ في الصندوق العالمي لحماية الطبيعة، هناك عوائق كبيرة أمام إلزام الدول والشركات بدفع المال مقابل ما تسببه من انبعاثات ضارة.

رجينا غونتر، رئيسة وحدة المناخ في الصندوق العالمي لحماية الحياة البريةصورة من: WWF/Regine Günther

على كل من يتسبب في تصاعد الانبعاثات الغازية الضارة أن يدفع مقابل ذلك. هذا القرار الذي لم يلتزم به السياسيون في الدول المختلفة بعد، من شأنه المساعدة في إنقاذ المناخ العالمي. وتطبيق الفكرة يبدو سهلا، إلا أن الممارسة العملية أثبتت أنها مرتبطة بتعقيدات سياسية واقتصادية. فمن المعروف أن الانبعاثات الغازية الضارة في شكل ثاني أكسيد الكربون والميثان وغيرها، تقود إلى ظاهرة الاحتباس الحراري. وللتخفيف من حدة ظاهرة التغير المناخي، لا يجب السماح بوصول هذه الغازات إلى الجو، وعلى قطاعي الصناعة والنقل في جميع البلدان في العالم الالتزام بذلك بأسرع وقت ممكن، فزيادة نسبة ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي ستتسبب في نهاية الأمر في مصاعب جمة على الأرض، لكن المشكلة تكمن في أن المتسببين في هذه الانبعاثات لن يتحركوا إلا إذا كلفهم الأمر مالاً.

ومن هنا جاءت فكرة تجارة شهادات الانبعاثات الكربونية. فوفقاً لاتفاقية كيوتو للتغير المناخي التي تمت في عام 1997، يلزم المتسببون في الانبعاثات الغازية الضارة بدفع المال مقابل ذلك. وبالتالي تم تنظيم تجارة شهادات الانبعاثات الكربونية بين الدول بعضها البعض وبين الشركات، حيث تحدد شهادات الانبعاثات الغازية الضارة نسب الغازات التي يسمح بانبعاثها خلال فترة زمنية محددة من قبل دولة ما أو شركة ما، ويسمح بتداول تلك الشهادات. وتقوم هذه التجارة الدولية بين البائع من دول أو جهات ذات انبعاثات منخفضة من الكربون، والمشتري يكون من أصحاب الانبعاثات الزائدة، والسلعة غاز ثاني أكسيد الكربون حسب العرض والطلب بالأسواق العالمية.

ويمكن لكل من الجهات المعنية أن تقرر ما إذا كانت ستترك انبعاثات الغاز لديها بالحد الأقصى، أم ستسعى إلى تقليله باستخدام المرشحات. وإذا تمكنت بالفعل ذلك ولم تصل إلى المستوى الأقصى المسموح به، فيمكنها الاحتفاظ بحقوق الانبعاثات وبيعها لجهات أخرى. وبهذه الطريقة يصبح هناك سوق للتجارة بحقوق الانبعاثات. ومن المتوقع أن يبدأ العدد الإجمالي للشهادات المتوفرة في السوق في الانخفاض مع مرور الوقت. أما المنطق وراء هذا فيتمثل في أن يساهم العرض المحدود في رفع سعر الشهادات، وهذا يعطي بالتالي حافزا إضافيا للشركات في بذل جهود أكبر لتجنب الوصول إلى الحد الأقصى المسموح به، والاتجار في أكبر عدد ممكن من الشهادات، مما سيساهم في تخفيض النفقات على المدى الطويل.

ويعتزم الاتحاد الأوروبي تنفيذ فكرة تجارة شهادات الانبعاثات كجزء من الالتزامات التي تقع على عاتقه بموجب اتفاقية كيوتو المتعلقة بخفض انبعاثات الغازات المسببة للاحتباس الحراري. لكن تداول تلك الشهادات يتم أيضاً في البلدان النامية، ما يعني أن حماية المناخ ستصبح أقل كلفة بالنسبة للدول الصناعية، وبالتالي فإن تجارة الطاقة النظيفة لن تتم دائما بوسائل نظيفة. ولإلقاء المزيد من الضوء على موضوع الاتجار بشهادات الانبعاثات الغازية، أجرينا حوارا مع ريجينا غونتر رئيسة وحدة المناخ في الصندوق العالمي لحماية الحياة البرية WWF.

دويتشه فيله: السيدة غونتر، الاتجار بشهادات المناخ داخل الاتحاد الأوروبي دخل حيز التداول منذ عام 2005 . ما هي النتائج حتى الآن؟

غونتر: دَعمَ صندوق حماية الحياة البرية WWF منذ البداية إدخال تجارة شهادات الانبعاثات الكربونية داخل الاتحاد الأوروبي. لقد وفرت إمكانية تداول شهادات الانبعاثات وضع حد أقصى لانبعاثات الغازات الضارة لا يسمح بتجاوزه، وهو أمر ضروري في عملية الاتجار في الانبعاثات الكربونية، كما يعد أمراً جذاباً جداً من وجهة نطر السياسة البيئية. لم يكن الأمر ليؤدي إلى نفس النتيجة في حال فرض ضرائب على انبعاثات الغازات المسببة للاحتباس الحراري. وهو ما جعل قطاع الصناعة يوافق على تجارة الشهادات من حيث المبدأ، في حين رفض خيار فرض ضريبة على انبعاثات الغازات المسببة للاحتباس الحراري تماما من قبله. وما يعتبر خطوة رئيسية في الاتجاه الصحيح أيضا، هو القرار الخاص بعرض جميع الشهادات لشركات توليد الكهرباء في المزاد العلني اعتبارا من عام 2013، عوضا عن توزيع جزء كبير من الشهادات دون مقابل كما كان يحدث حتى الآن. ويمكن أن نرى بالفعل أن النجاح يحالف هذه الإستراتيجية، فبدءاً من عام 2012، نرى أن هناك خططاً لبناء عدد أقل كثيراً من محطات توليد الطاقة التي تعمل بالفحم عنه في السابق.

الدخان المتصاعد من المداخن يمكن أن يصبح مصدرا لتحقيق الأرباحصورة من: CC/johan wieland

دويتشه فيله: من المقرر أن تشارك جميع شركات الطيران المغادرة من وإلى أوروبا، في الاتجار في الانبعاثات ابتداء من عام 2012. بينما تسعى الولايات المتحدة لإصدار قانون يحظر إشراك شركات الطيران الأميركية. ما هو تعليقكم على ذلك؟

غونتر: نحن نقيم هذا القرار من جانب الاتحاد الأوروبي بأنه إيجابي للغاية، فنسبة الانبعاثات الغازية الناجمة عن وسائل النقل في تزايد مستمر. وقد فشلت الولايات المتحدة حتى الآن في موائمة اقتصادها لزيادة كفاءة الطاقة. لكن النظام السياسي غير مؤهل لحل المشاكل على المستوى العالمي، وغالبا ما يفشل الحل بسبب المصالح الخاصة. لكن إذا ما تراجع الاتحاد الأوروبي عن موقفه في هذه المسألة، فهو ليس بحاجة إلى إعادة المحاولة من جديد، فإن ذلك لن يكون مجديا. لذا يجب عليه الثبات في موقفه، وألا يتأثر بالضغوط التي تتم في الكواليس.

دويتشه فيله: وكيف يبدو الوضع في بقية أنحاء العالم وهل هناك مناطق تتاجر بشهادات الانبعاثات كما هو الحال في الاتحاد الأوروبي؟

غونتر: الصين ستشارك ابتداء من عام 2015 ، وسيشمل قانون تجارة شهادات الانبعاثات ست محافظات صينية. وفي استراليا تم إدخال تسعير انبعاثات غاز ثاني أكسيد الكربون فقط، بينما تناقش كوريا الجنوبية أيضاً فكرة إدخال تجارة الانبعاثات الغازية. هناك دول صناعية ودول نامية كثيرة جدا ترى الآن ضرورة تقليل الانبعاثات بشكل كبير جداً، إذا كنا لا نريد أن تجتاح عالمنا تبعات التغير المناخي التي لا يمكن السيطرة عليها.

دويتشه فيله: أصبح لانبعاثات الغازات الدفيئة سعر محدد منذ البدء في تجارة شهادات الانبعاثات، بحيث أصبح يتحتم على الشركات أن تضع ذلك السعر ضمن حسابات التكلفة الخاصة بها. فهل يمكن أن نستخلص من ذلك أن الطبيعة الآن قد أصبح لها قيمة نقدية حقيقية؟

غونتر: نعم، جزئياً. ألاحظ منذ بدء تداول شهادات الانبعاثات، أن انبعاثات ثاني أكسيد الكربون أصبحت موضوعا لحديث صغار وكبار العاملين في الشركات التجارية. الحال كانت مختلفة في السابق، إذ إن الاتجار في شهادات الانبعاثات غير الكثير في وعي الناس.

هناك اتهام للدول الصناعية أنها تستغل مشاريع المناخ في البلدان النامية وتسئ استخدام شهادات حقوق التلوثصورة من: CC/Victor Ochieng

وعبر "آلية التنمية النظيفة" (CDM) يسمح للشركات بالحصول على شهادات من مشاريع حماية المناخ في البلدان الناشئة والنامية. ويمثل هذا تجارة مربحة، ولكنها توفر أيضا مجالا للاحتيال. مثال على ذلك هو تداول الحقوق الخاصة ببعض الغازات كغاز كلورو ثنائي فلورو الميثان HFC – 22 المستخدم في إنتاج المبردات ومكيفات الهواء. هذا الغاز يساهم بشكل قوي في حدوث ظاهرة الاحتباس الحراري وهو أكثر ضررا بحوالي 11700 مرة من غاز ثاني أكسيد الكربون، وإنتاجه محظور في البلدان الصناعية منذ سنوات، أما البلدان الصاعدة فلن تنتجه بعد عام 2040. وهذا يعني أن الصين والهند ما زالت تنتج هذا الغاز على نطاق واسع، وهي ستعمل في المستقبل على التخلص من هذه الكميات مرة أخرى، لأن العائدات من تجارة شهادات الانبعاثات الكربونية، أعلى بكثير من الأرباح التي يتم جنيها من عملية البيع.

دويتشه فيله: : يصف بعض النقاد تجارة شهادات آلية التنمية النظيفة بتجارة "صكوك الغفران"، أي بالتجارة التكفيرية عن أخطائهمم، فهل هم على حق؟

غونتر: هذا موضع لجدل صعب. فصندوق حماية الحياة البرية WWF دعم آلية التنمية النظيفة منذ بداياتها رغم كل الشكوك حولها. ونتمنى أن تكون أداة جيدة لتشجيع نقل التكنولوجيا من الشمال للجنوب،

ولكن الواقع يدعونا إلى إعادة النظر، فبعد عشر سنوات يمكننا القول إنه لم يتحقق سوى القليل في مجال نقل التكنولوجيا. وبدلا ًمن ذلك تم تحقيق تنفيذ العديد من المشروعات، التي قد تكون مربحة لكلا الجانبين، لكنها لم تساهم كثيراً في حماية البيئة، بل على العكس، فقد ألحقت بها المزيد من الأضرار. لذلك، فيجب أن تكون هناك معالجة سياسية عاجلة.

دويتشه فيله: هل تتمثل المشكلة في أن الدول الصناعية لا تجد في واقع الحال حافزا للتقليل في نسبة الانبعاثات، فهم يستطيعون دائما شراء شهادات في المقابل؟

غونتر: إذا كان النظام قوياً كما يجب أن يكون، فلن يصبح هناك خطر. إذا كان الاتحاد الاوروبي لا يصدر سوى عدد معين من الشهادات وإذا كانت حقوق التلوث محصورة فقط على حاصل على الشركات التي تمتلك شهادات، فلن يبقى هناك سوى احتمالين: إما أن تشتري هذه الشهادة، أو أن تسعى للخفض من نسبة الانبعاثات. من هنا نستخلص أنه إذا كان تداول شهادات الانبعاثات يتم ضمن نظام مغلق، فسيكون الحافز دائما موجودا للتقليل من الانبعاثات. لكن المشكلة تكمن في الشهادات الجديدة والكثيرة العدد التي تأتي من الخارج.

دويتشه فيله: هل تجارة شهادات الانبعاثات يساهم في تحقيق مزيد من العدالة المناخية بين دول الشمال والجنوب؟

غونتر: تقديرنا لبعض الجوانب إيجابي للغاية، منها على سبيل المثال النهج المتبع من قبل الحكومة الألمانية، والمتمثل في رصد جميع العائدات من بيع شهادات الانبعاثات مستقبلا، لتعزيز تدابير حماية المناخ في داخل البلاد وخارجها. من الواضح أننا بحاجة لدعم الدول النامية والصاعدة لمكافحة التغير المناخي.

دويتشه فيله: السيدة غونتر، نشكركم على هذه المقابلة.

أجرت الحوار: نيلي ينش

ترجمة: نهلة طاهر

مراجعة: سمر كرم

تخطي إلى الجزء التالي موضوع DW الرئيسي

موضوع DW الرئيسي

تخطي إلى الجزء التالي المزيد من الموضوعات من DW