"الوضع في إسرائيل و المناطق الفلسطينية أكثر تعقيدا مما تصوره وسائل الإعلام"
٢١ مايو ٢٠٠٨الصراع الإسرائيلي الفلسطيني لا يشغل فقط وسائل الإعلام العربية، لكنه يعد موضوعاً مركزياً في وسائل الإعلام العالمية. ولذلك بدأت شبكة الصحفيين الألمانية منذ اثني عشر عاماً في تنظيم رحلة إلى إسرائيل والأراضي الفلسطينية للصحفيين الشباب من كل من ألمانيا وسويسرا والنمسا، ليتعرفوا على أحداث الصراع الفلسطيني الإسرائيلي على أرض الواقع. ينظم الرحلة مراسلون يعملون في منطقة الشرق الأوسط، ويشارك فيها عادة عشر من الصحفيين الشباب المهتمين بشؤون المنطقة والعاملين في وسائل إعلامية في بلدانهم.
"القراءة عن الواقع تختلف عن معايشته"
وبالتأكيد تعد معايشة الصراع لبضعة أيام تجربة غنية للغاية بالنسبة لهؤلاء الصحفيين الشباب، كما يؤكد جيورج إيسمار، من وكالة الأنباء الألمانية د.ب.أ في حديث لدويتشه فيله. ويتابع قائلاً: "هذه أول رحلة لي إلى المنطقة، وأنا عائد إلى ألمانيا بأسئلة أكثر من الأجوبة. وبالرغم من اهتمامي بالمنطقة منذ فترة وقراءتي كثيراً عن الصراع، لكني أردت التعرف على الأوضاع هناك عن كثب وكيفية تعايش السكان اليومي مع الصراع". إلا أن إيسمار عاد أكثر تشاؤماً بعد رحلته، ورؤية الأوضاع من الجانبين. فقد تأثر من ناحية بقرية سيديروت الإسرائيلية، حيث يعيش الناس في قلق مستمر بسبب صواريخ "قسام"، كما تأثر أيضاً من نقاط التفتيش التي يضطر الفلسطينيون إلى عبورها باستمرار، والتي تعزل سكان بعض المدن بشكل شبه كامل.
ويقول الصحفي الألماني في هذا الإطار إن هناك 15 ألف سيارة في نابلس، 150 منها فقط لديها تصريح للخروج من المدينة، كما أن سيارات الأجرة تقف خارج المدينة "وعلينا أن نسير على أقدامنا لنعبر الحدود". وهذا ما يصَعِب الحياة على السكان، خاصة إذا ما فقد أحدهم عمله مثلاً، فليست لديه فرصة لإيجاد عمل خارج المدينة. ويتابع قائلا إن
الأوضاع في غزة أسوأ، فطباعة الكتب المدرسية متوقفة بسبب نقص الورق، كما أن المرضى لا يمكن نقلهم إلى المستشفى وغير ذلك من صعوبات. ويلخص إيسمار الوضع بالقول إن هناك مستويين من المعيشة: في الجانب الإسرائيلي حيث المباني على الطراز الأوروبي، والمباني غير المكتملة في الجانب الفلسطيني: "يخيل للمرء وكأنه يرى العالم الأول والثالث جنباً إلى جنب، وهو أمر صادم".
"الحياة اليومية تتأثر كثيراً بالصراع في عدة مناطق"
أما زيلكه لوده من سوددويتشه تسايتونج الألمانية، فبالرغم من بزيارتها لإسرائيل من قبل، إلا أن هذه الزيارة تركت لديها انطباعات متنوعة، خاصة وأن برنامج الرحلة كان متنوعاً، حيث شمل لقاءات مع سياسيين من الجانبين، كما شمل أيضاً لقاءات مع صحفيين أوروبيين يعملون هناك، بالإضافة إلى الصحفيين الفلسطينيين والإسرائيليين، كذلك كانت هناك فرصة للتحدث مع الكثير من العاملين في المنظمات الإنسانية من الجانبين.
استطاعت زيلكه التعرف أكثر على جوانب الحياة اليومية في المنطقة، لاسيما تلك التي لا تحظى بتغطية وسائل الإعلام. وإن كانت ترى أن الأوضاع تختلف من مكان لآخر: من يسكن في تل أبيب مثلاً لا يبدو متأثراً بالصراع، ويمكنه أن يحيا حياة طبيعية جداً، وكذلك في رام الله لا تبدو الأوضاع سيئة. لكن الأمر يختلف مثلاً في غزة أو نابلس، أو المدن التي تتعرض لتفتيش مكثف وكذلك سيديروت التي تضرب بصواريخ "قسام"، مما يجعل السكان في أرق دائم، كما تقول الصحفية الألمانية. أما في القدس، حيث "أخذنا العاملون في جمعية مناهضة الجدار العازل ورأينا الجدار والمناطق الفلسطينية والإسرائيلية وأين تقع المستوطنات وتلك المناطق المعزولة تماماً داخل الجدار، هناك يشعر الناس بالصراع في كل يوم وكل ساعة".
"حياة طبيعية في وسط الصراع"
ويوافق زيلكه في الرأي تيم أسمان، من إذاعة آه.ار.دي، الألمانية والذي أكد أن فكرته عن المنطقة قد تغيرت تماماً وأن القضية قد اتخذت بالنسبة له بعداً مختلفاً بعد رؤية الواقع. وهو يقول في هذا الإطار:"الكل في ألمانيا يتحدث عن آرائه واقتراحاته حول الحلول الممكنة للصراع، وأنا كنت أشارك في هذه الأحاديث، لكني الآن أدرك أنه ليست لدي أية فكرة عن إمكانية الحل. مع ذلك أجدها فرصة رائعة أنني استطعت أن أكون فكرة عن الأزمة اليومية والصعوبات والضغوط التي يعانيها الناس هنا".
الأمر الذي لفت نظر تيم هو ما يتمتع به السكان هناك من قدرة على التعايش مع هذا الواقع، فهو يقول إنه أصيب
باليأس والإحباط بعد عدة أيام قضاها هناك، بينما يستغرب جداً كيف أن السكان من الجانبين قرروا البقاء في وسط الصراع ولم يسعوا إلى الهرب بعيدا. وأثار انتباهه محاولتهم للاستمرار في حياتهم والقيام بأنشطتهم الطبيعية هناك: وأضاف في هذا الإطار: "لقد تأثرت بالناس، الذين لا يستسلمون لليأس ويحاولوا الاستمرار في حياتهم. ولفت نظري في مدن مثل تل أبيب محاولة الناس العيش وكأن ليس لهم جيران على بعد بضعة كيلومترات يعانون. فهم يحتفلون ويلهون. وقد تكون هذه وسيلة أخرى للتعايش مع الصراع، لكن السؤال الذي يطرح نفسه، هو هل هذه الطريقة هي الطريقة السليمة؟"