هم لا يملكون السلطة لكنهم يحددون معالم الأجندة السياسية. المسيحيون اليمينيون في ألمانيا يساهمون في تعميق الاستقطاب السياسي والانقسام في المجتمع.
إعلان
اضطهاد المسيحيين وحرية التدين والتبشير في صفوف اللاجئين المسلمين ومساندة إسرائيل، مواضيع أساسية ينجح مسيحيون محافظون بشكل متزايد في طرحها في النقاش العام بألمانيا.
فموضوع اضطهاد المسيحيين الذي كان سابقا موضوعا هامشيا أصبح حاليا يتصدر الأجندة السياسية. ونظرا للعنف المسجل ضد لاجئين مسيحيين في دور إيواء اللاجئين، أمر وزير الداخلية الألماني مثلا منذ سنة 2017 بتوثيق "الجنح التي ترتكب ضد المسيحيين" بصفة منفصلة.
النموذج ترامب؟
الناشرة ليانه بيدنارتش ترى في التقارب بين المسيحيين اليمينيين واليمينيين السياسيين خطرا على التماسك الاجتماعي. وتقول: "نحن نسير في نفس الاتجاه مثل الولايات المتحدة الأمريكية"، وتصرح المسيحية الليبرالية لـ DW "الإنجيليون في الولايات المتحدة الأمريكية الذين انتخبوا في غالبيتهم الرئيس ترامب لهم نفس الصور العدائية التي يحملها المسيحيون اليمينيون في هذه البلاد: الإسلام و الجندر والزيجات بين المثليين ومواضيع الإجهاض.
وتحذر بيدنارتش من حدوث تطرف سياسي في كلا الجانبين. ففي كتابها الجديد "خطباء الخوف. كيف يتوغل المسيحيون اليمينيون في المجتمع والكنيسة" تصف كيف تستوعب أجزاء من الإنجيليين المحافظين والمسيحيين الكاثوليك والبروتستانت الأفكار اليمينية وينشرونها. وتقول الكاتبة بأن "الكثير من المسيحيين المحافظين التحقوا بحزب البديل من أجل ألمانيا، وأصبحوا راديكاليين".
الإنضمام لحزب البديل ثم تركه
أنيتا شولتنير تنبأت بهذا التطور واستنتجت العبر. فالرئيسة السابقة لموقع "المسيحيون في البديل من أجل ألمانيا" أرادت المشاركة في بناء الحزب الشعبوي إلى حزب محافظ بدعائم مسيحية. والحزب المسيحي الديمقراطي الذي كانت فيه عضوة لأكثر من عشر سنوات ابتعد، حسب رأيها عن القيم المحافظة. وفي أكتوبر 2017 غادرت شولتنير حزب البديل من أجل ألمانيا. وهي غير نادمة على قرارها، وتقول بأن " التطور نحو الاتجاه الخاطئ يبدو سريعا داخل البديل من أجل ألمانيا". وأضافت أن "الجناح اليميني المتطرف حول المتحدث باسم البديل من أجل ألمانيا بيورن هوكه يملك حاليا أصواتا كافية لمنع كل شيء". وخلال بحثها الصعب عن ملجأ سياسي، كتبت شولتنير كتابا بعنوان :" محافظ. لماذا هذا جيد".
لكن التأثير السياسي من قبل مسيحيين يمينيين لا يحدث فقط عبر الأحزاب. فحتى العمل الإعلامي المستهدف لكثير من المنظمات اليمينية يؤهلها لطرح مواضيعها في الأجندة السياسية.
البديل للمسيحيين
خبير شؤون الدين فولفغانغ تيلمان يعتبر أن حزب البديل من أجل ألمانيا أثار "بصفة استراتيجية ذكية" الكثير من هذه الموضوعات وضمها إلى برنامجه الحزبي. ويقول تيلمان من خلال كتابه "البديل للمسيحيين" بأن "حزب البديل من أجل ألمانيا "نادى بمكافحة الإجهاض في المقام الأول ليس لأسباب أخلاقية، بل لأسباب سياسية تخص برنامجه الانتخابي" ويرى تيلمان أن المعسكر المسيحي اليميني لا يتمعن بهذا كثيرا، بل يعتقد أن قضيتهم تلقى فقط الاعتناء".
ويرى الخبير الديني أن "البديل من أجل ألمانيا ينجح في مناقشة الرأي العام واختيار موضوعاته. فنحن نتحدث فجأة عن الاغتراب. وجزء من الاستراتيجية الناجحة هو تسجيل خطب البرلمانيين من البديل من أجل ألمانيا داخل البرلمان والتي يتم مشاهدتها آلاف المرات عبر موقع يوتوب. ويقول تيلمان بأن "البديل من أجل ألمانيا يساهم في استقطاب المجتمع، وتشظيه إلى أجزاء"
انتقاد الكنيسة
فولكر مونتس المتحدث باسم البديل من أجل ألمانيا لشؤون الكنيسة ينفي هذه الاتهامات، ويقول:" أود تقوية القيم المحافظة في السياسة وأحاول مد الجسور". مونتس استقال في 1993 من الحزب المسيحي الديمقراطي والتحق في 2013 بالبديل من أجل ألمانيا.
فراغ محافظ
ويفيد مونتس بأن الجوانب المشتركة بين المسيحيين اليمينيين والمواقف السياسية لحزب البديل من أجل ألمانيا يتحمل مسؤوليتها نهج المستشارة أنغيلا ميركل، ويقول:" في ألمانيا كان يوجد مؤخرا فراغ في الجانب المحافظ". ويضيف بأن "البديل من أجل المانيا يشكل قوة سياسية محافظة تتبنى بقوة مواقف مسيحية".
من جهة أخرى تنمو القناعة في الكنيسة الإنجيلية والكاثوليكية بعد سكوت أولي أنه "من الواجب المسيحي التعامل بانتقاد مع الشعبوية اليمينية". وظهرت هذه الأصوات ضمن الاجتماع السنوي للكنيسة البروتستانتية في مايو/ أيار 2017، حيث تم دعوة شولتنير للحديث عن تجربتها في حزب البديل.
أستريد برانج دي أوليفيرا/ م.أ.م
مظاهر متعددة للتطرف في شرق ألمانيا
رغم أن اليمين المتطرف ظاهرة لا تقتصر على بلد معين، إلا أن الحكومة الألمانية أعربت مؤخرا عن قلقها من تنامي كراهية الأجانب ومعاداة الإسلام في الولايات الألمانية الشرقية. جولة مصورة في مظاهر التطرف اليميني بشرق ألمانيا.
صورة من: Getty Images/AFP/R. Michael
أعربت الحكومة الألمانية عن قلقها إزاء تنامي كراهية الأجانب والتشدد اليميني في شرق ألمانيا، محذرة من أنهما يشكلان تهديدا على السلم الاجتماعي وينفر المستثمرين الأجانب. الإحصائيات الأخيرة تؤكد هذه المخاوف: ففي عام 2014 مثلا سجل 47 من الاعتداءات ذات الدوافع العنصرية في شرقي ألمانيا، على الرغم من عدد السكان فيها لا يشكل سوى 17 بالمائة من إجمالي سكان البلاد.
صورة من: picture-alliance/dpa/M. Balk
فمثلا، على الرغم من أن نشاط النازيين الجدد لا يقتصر على ألمانيا فحسب، بل سجل في عدد مناطق من العالم على غرار أمريكا والنرويج، إلا أن حزبهم "حزب ألمانيا القومي الديمقراطي" لم ينجح حتى الآن في الدخول إلى البرلمانات المحلية والمجالس المحلية إلا في شرقي ألمانيا.
صورة من: picture-alliance/dpa/F. Bimmer
شكلت مدينة دريسدن، بولاية سكسونيا شرقي ألمانيا، مهد ومعقل حركة "أوروبيون وطنيون ضد أسلمة الغرب" (بيغيدا) التي تتظاهر منذ أكتوبر/ تشرين الأول من عام 2014 ضد الإسلام والمسلمين وتواجد الأجانب في ألمانيا. وقد بلغت هذه الاحتجاجات ذروتها مع تدفق سيل اللاجئين، وأغلبيتهم من سوريا، على ألمانيا العام الماضي.
صورة من: picture-alliance/dpa/J. Stratenschulte
خلال احتجاجاتهم الليلية التي تنظمها حركة "أوروبيون وطنيون ضد أسلمة الغرب" (بيغيدا) لم يتوان اليمينيون المتطرفون عن التعبير عن رفضهم لقدوم اللاجئين إلى ألمانيا. في إحدى المظاهرات حمل أحدهم لافتة تصور أناسا في قطار – وذلك في إشارة إلى أن أغلبية اللاجئين قدموا إلى ألمانيا في القطارات انطلاقا من المجر والنمسا – وقد كتب عليها بالإنجليزية: "اللاجئون غير مرحب بهم، عودوا بعائلاتكم إلى أوطانكم".
صورة من: picture-alliance/dpa/M. Schutt
اليمين المتطرف يرفضو أيضا التعددية الثقافية في إشارة إلى المهاجرين، الذين يعيشون في ألمانيا منذ عقود، ويعتبرونها دخيلة على الثقافة الألمانية. في الصورة أحد المتظاهرين في احتجاجات نظمتها حركة بيغيدا في مدينة دريسدن وهو يحمل لافتة كتب عليها "يجب وقف التعددية الثقافية. وطني (يجب) أن يبقى ألمانيّا".
صورة من: picture-alliance/dpa/A. Burgi
كثيرا ما شهدت مدن شرق ألمانيا احتجاجات متكررة ضد اللاجئين وتنديدات بالمستشارة ميركل التي يتهمونها بفتح الأبواب على مصراعيها أمام "من هب ودب" دون أن تعير اهتماما لمخاوفهم ومشاكلهم. وفي الواقع، فقد شهد حزب المستشارة، الحزب الديمقراطي المسيحي، تراجعا في الانتخابات البرلمانية المحلية لعدد من الولايات الألمانية، وليس في شرق ألمانيا فقط.
صورة من: picture-alliance/AP Photo/J. Meyer
إضرام الحرائق في مآوي اللاجئين أو في البنايات المخصصة لإيواء اللاجئين أحداث - وإن لم تقتصر على ولايات شرق ألمانيا - تحسب على اليمين المتطرف وعلى كارهي الأجانب بصفة عامة واللاجئين بصفة خاصة. الصورة تظهر بناية خصصت لإيواء اللاجئين في بلدة باوتسن وهي تحترق. كما أظهرت التحقيقات فيما بعد أن الحريق كان بفعل إجرامي.
صورة من: picture-alliance/dpa/R. Löb
بعدما سمع اليمنيون المتطرفيو أن طائفة الأحمدية تريد أن تبني مسجدا بمنطقة نائية في إيرفورت بولاية تورينغن، شرقي ألمانيا، حتى سارعوا للاحتجاج رغم أن الأمر لم يتعد طور التخطيط. ورغم أن هذا المسجد الذي لايزال مجرد حبر على ورق هو الأول من نوعه في الولاية بأسرها والثالث في شرقي ألمانيا (باسثناء برلين)، إلا أن حزب "البديل من أجل ألمانيا" الشعبوي يرى فيه مشروعا بعيد المدى لأسلمة ألمانيا.
صورة من: Getty Images/AFP/R. Michael
الاحتجاج على بناء المساجد من قبل البعض في ألمانيا ليس بالأمر الجديد. بيد أن البعض استخدم وسائل أخرى للتعبير عن احتجاجه: ففي عام 2013 ومع انطلاق أشغال بناء أول مسجد في مدينة لايبتسغ وثاني مسجد على الإطلاق في شرق ألمانيا (باستثناء برلين) قام مجهولون بوضع رؤوس خنازير دامية على أرضية المبنى. حادث مماثل تكرر بعدها بثلاث سنوات عندما وضع مجهولون خنزيرا صغيرا ميتا أمام مسجد في المدينة ذاتها.
صورة من: picture-alliance/dpa
لأكثر من 10 سنوات ويمنيون متطرفون، ينشطون في إطار ما يسمي بالخلية النازية السرية انطلاقا من مدينة تسفيكاو بشرق ألمانيا، يقتلون أناسا في مختلف أنحاء ألمانيا. والمتهمون هم أوفه موندلوز، أوفه بونهارت (في الصورة – في الوسط) وبيآته تشيبه. ضحاياهم: ثمانية أتراك ويوناني وشرطية. دافعهم في ذلك هو كراهيتهم للأجانب. وإلى حدود عام 2011 كان الرأي العام يجهل هوية هؤلاء وأن القتلة هم من اليمينيين المتطرفين.